فقالت بغضب وإباء: إنك تهينني يا بك إهانة لا تحتمل.
فاشتد به الغيظ وقال بعنف: أنت تحاولين تضليلي باصطناع هذا الإباء الكاذب. - عهدي بك أعظم أدبا من هذا. - ما شاء الله، وددت لو يستمع إليك أبناؤنا إذ تعلمين أباهم الأدب. - أما أنا فلا أود أن يستمعوا إلى أبيهم وهو يكيل التهم لشرف أمهم.
فنظر إليها نظرة عميقة وهو يضرع إلى الله أن يطلعه على خبيئة نفسها، وجعل يتساءل في حيرة: ترى هل هي صادقة في غضبها؟ هل هي حقا بريئة مما رماها به؟ وتنهد حزينا شقيا، وقال كأنه يحادث نفسه: حقا إن الشك مس من الجنون.
فقالت باستياء: ألا ترى أنك تعترف بأنك شككت في؟
فعاوده الغضب وقال لها بمرارة: لماذا تعودين إلى الظهور بهذه الشرفة، وفي هذه الساعة المعهودة؟ أصغي إلي يا هانم، أنا لا أسمح لامرأة بأن تتغفلني أبدا. - هذا كلام لا يليق برجل له مكانتك وأخلاقك، ويجدر بك أن تنادي عقلك الذي غرب به الغضب، فماذا ينفعك إغلاق الأبواب والنوافذ إذا أنا بيت الغدر؟ .. وما يضيرك ظهوري بكل مكان إذا انطوى قلبي على الإخلاص والأمانة؟
فقال بذهول: الإخلاص .. الأمانة .. ما عدت أفقه معني لهذه الكلمات لأن عقلي تسمم فينبغي أن تفهمي ذلك جيدا، قد يكون المرض لعلة، وقد يكون لغير العلة إلا الوهم، فاعملي على إعادة الطمأنينة إلى نفسي، ودعي الوعيد جانبا .. فأنا رجل لا يمكن أن تتغفله امرأة مهما أوتيت من المكر والدهاء. - أهكذا تتغير بعد العشرة الطويلة وتنقلب إنسانا غير الإنسان لأنك رأيت شابا ينظر إلي من بعيد؟
وأي امرأة لا تلتهمها العيون كلما بدت للناظرين؟
نظرة من بعيد. كلا ليس الأمر كذلك، إنها تكذب وتجد في الكذب، وهي تعلم بما يعذبه ويشقيه، إنها تتجاهل الحقيقة وليس لتجاهلها إلا معنى واحد، إنها تتغفله ولكنها لن تفوز بطائل. - أصغي إلي يا هانم، لا بد من وضع حد لكل هذا.
فنظرت إليه بارتياع وقالت: يا له من قول خطير.
فقال: لا خطورة هنالك، إني أقر بأني أخطأت فيما صنعت من تغيير ترتيب بيتنا، وأقر بأنه ليس لي الحق في الحجر عليك لأنه ينبغي أن أكون أرفع من العوام، فاذهبي إلى حيث تشائين وتنقلي كما تشتهين، ولكن لن أفارقك، وأظن أن هذا من حقي أيضا.
অজানা পৃষ্ঠা