ورمز إلى ذلك التشبيه بإثبات لازم الإنسان لها وهو الإقامة، فإن الله جل وعلا قد جعل الإنسان معتدلا منتصبا مطلقا، وإنما زدت فى الشبه كونه حسنا مرغوبا فيه لقرينة المقام أنها لا تشبه بإنسان خسيس، فتلك استعارة مكنية، ويجوز أن يشبه الإتيان بالصلاة على وجهها يجعل الشىء من إنسان أو غيره قائما، فاستعير لذلك الإتيان لفظ الإقامة بمعنى الإتيان، فاشتق منهم مقيم بمعنى يأتى بها على وجهها، فتلك استعارة تبعية، وإنما خصصت المشبه به بقيام، لأن الشىء ينتفع به غالبا إذا كان قائما، وبالقيام يكون الانتفاع العظيم، ويجوز أن يكون يقيمون الصلاة بمعنى يديمونها من قولك أقمت السوق، أى جعلتها قائمة، أى نافقة فإنها إذا كانت نافقة طال مدتها، وإذا كسدت انقطعت وزالت، ففى ذلك استعارة بالكناية إذ شبه الصلاة بالسوق تشبيها غير مصرح ورمز إليه بذكر لازم السوق وهو الإقامة بمعنى التصيير نافقة أو استعارة تبعية إذ شبه الإتيان بالصلاة على وجهها بإنفاق السوق المسمى بالإقامة، فسمى ذلك بلفظ الإقامة، واشتق منه يقيم بمعنى يأتى بها على وجهها، وتسمية إنفاق السوق إقامة مجاز وقد أجيز بنا مجاز على مجاز أو هى حقيقة عرفية، والجامع بين الصلاة والسوق الرغبة فى كل لإيصاله إلى فائدة، ويجوز أن يكون يقيمون بمعنى يتشمرون لها من غير فتور ولا توان ولا تهاون ولا تقصير فى أمر من أمورها، يقال قام بالأمر وأقامه إذا جد فيه وتجلد، وضده قعد عن الأمر وتقاعد شبه التهيؤ لأداء الصلاة بالقيام بأمر من الأمور الدنيوية التى يجتهد فيها لا بأمر من الأمور مطلقا، لأن الصلاة من الأمور المطلقة، فلو كان كذلك لم تحتج إلى التشبيه، ويجوز أن يقال شبه الإتيان بالصلاة على وجهها بإقامة جسم ثقيل بعد امتداده على الأرض، أو بالقيام به فى الأرض على استواء القامة، ويجوز أن يكون يقيمون الصلاة بمعنى يؤدونها، فسميت تأديتها باسم بعض تأديتها، وذلك البعض هو الوقوف فيها كما تسمى الصلاة بالركوع أو بالسجود الذى هو بعضها، وإن قلت اشترط غير واحد فى البعض الذى يسمى الكل باسمه أن تكون له مزية اختصاص فى مقام الكلام، قلت نعم ولا مانع من أن يكون لمتعدد من أبعاضه مزية تقصد مزية هذا فى الكلام، ومزية ذلك فى كلام آخر، فيقصد للقيام فى الصلاة مزية للتعب فى القيام، وكونه على صورة المتهىء للخدمة، فتسمى تأديتها باسم القيام، ويقصد فى كلام آخر مزية للركوع وللسجود لما فيهما من ظهور الخضوع، فتسمى تأديتها باسم أحدهما، وقيد فى كلام آخر مزية للقراءة، لأن القرآن كلام الله جل وعلا، ولأنه المقيد للحلال والحرام والواجب وغيره، والمشعر بوجوب الصلاة فتسمى باسم القرآن، والله أعلم.
ويقصد فى كلام مزية الدعاء لتضمنه ما يشتهى الإنسان، فتسمى باسم القنوت والصلاة اسم للفظ التصلية الذى هو مصدر غير مستعمل، ويطلق لفظ الصلاة أيضا على المعنى الذى يحصل من المعنى المصدرى، ووزن صلاة فعلة بفتح الفاء والعين واللام، وأصل صلوة بفتح الصاد واللام والواو، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، ولكون أصلها واوا كتبت واوا كما كتبت ألف الزكاة واوا لكون أصلها واوا، غير أنى أكتبه بالألف على أصل قاعدة الخط لأجل البيان، وهذا فى غير المصحف، وأما فيه فلا يجوز مخالفة مصاحف عثمان، وقد أذكرنى هذا المحل شأن فتح ما قبل تاء التأنيث غالبا تحقيقا أو تقديرا، حتى إن عامة العرب والأعراب وعامة من يتكلم بكلامهم بعد فساد لسانهم يكتفون بفتح ما قبل هاء التأنيث عنها، ويسقطونها، ويقولون فى النعجة نعج، وفى البقرة بقر، وفى النخلة نخل، بإسقاط تاء التأنيث وإثبات ما فتح قبلها أو بإبدالها هاء للوقف، أو فى الوصل الجارى مجراه بصوت ضعيف، ثم لما زاد لسانهم فسادا اضمحلت كلها، ويقولون فى فاطمة فاطم، وفى عائشة عيش بعين وياء وشين، وفى حنة حن بإسقاط التاء فى ذلك كله وإثبات فتح ما قبلها، وذلك فى لغتنا البربرية أيضا، فإذا كتب ذلك أحدا وكتب نحو فافه أو لاله، فليكتبه بهاء منقوطة نقطتين أو غير منقوطة، لأن ذلك الأصل. وقد أبقوا الفتحة دليلا عليها فلا إيهام بإثبات الهاء فى الخط، ومن لم يعرف أن الفتحة دليل عليها فكذلك يكتب له الكاتب بإثبات الهاء، لأن ذلك منه جهل بالمعنى عدم علمه بالهاء ودليلها، وقد جرى الكتب بها ولم يقع إيهام فى ذلك، ولا توهم من جاهل ولا من غيره، فذلك علة من تقدمنا فى كتب ذلك بالهاء، والله أعلم. وأيضا إذا لم يكتب نحو نعجة وبقرة بالتاء توهم القارئ والسامع أن المراد ثلاث فصاعدا، فيقع فى أكل أموال الناس بالباطل، وأيضا إذا كتبت قولهم عيش ونعج عائشة ونعجة كان حكاية بالمعنى والحكاية بالمعنى جائزة واردة فى القرآن والسنة.
قال ابن هشام والشيخ خالد فى الجملة يجوز حكايتها على المعنى، فتقول فى حكاية زيد قائم قائم زيد، وإن كانت الجملة ملحونة حكيت بلا لحن على الأصح صوتا عن ارتكاب اللحن، ولئلا يتوهم أن اللحن نشأ من الحاكى، فعلى هذا إذا قال شخص جاء زيد بالجر وأردت حكاية كلامه، قلت قال فلان جاء زيد بالرفع ولكنه خفض زيدا لتنبيه بالاستدراك على لحنه وإلا لتوهم أنه نطق به على الصواب، وعلى القول الثانى نقول قال فلان جاء زيد وتجر زيدا مراعاة للفظه. انتهى. قال بعض من حشا عليهما التصحيف فى ذلك كاللحن وهو تغيير الحروف، وإن زعم زاعم مكابر لعقله وجاحد للظاهر أن ذلك لفظ عجمى يحكى، كما يقال قلنا إن العجمى يجوز تعريبه كما نص عليه فى التصريح وغيره فبطل ادعاء بعض أن أصل أحد لا يجوز، لكن ذلك البعض من عامة الناس، مع أن ذلك ليس جله عجميا فبطل ادعاء ذلك العامى خطأ السلف الذين يكتبونه بالتاء ويصلحونه، وتعريب العجمى كثير فى القرآن والسنة وكلام العرب، بل نقول أيضا يدل على أنه ليس ذلك بربريا النطبق به بلا تاء تأنيث فى أوله وآخره، فإن لغة البربر يجتمع فيها فيما كان مؤنثا تاء تأنيث أوله وآخره، الأولى مفتوحة والأخيرة ساكنة، وذلك فى أسماء الأجناس، ولغة العرب لا تجتمع فيها علامتا تأنيث، فتبين أن نحو قولك نعج بقر عربى ملحون فجاز تعريبه. وسميت الصلاة الشرعية صلاة لاشتمالها على الصلوات اللغوية وهى الدعاء، كقول المصلى
اهدنا الصراط المستقيم
وقوله
ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
أو لتحريك الصلاة فيها وهو عرق فى أعلى الفخذ وفى المقعدة ، وفى الحيوان صلوان بفتح اللام تثنية صلاة سميت تلك العبادة صلاة لأن المصلى يحركهما فيها بالركوع والسجود، ولأن أول ما يعلم به القائم المصلى من القائم المطلق تحريك الصلوين بالركوع، أعنى أنه يتحرك بهما للركوع فيظهر ركوعه، ولانه أول ولو كان لا يريان والألف على الوجهين منقلبة واوا، ولذلك كتبت واو على لفظ المفخم، أعنى الناطق بالواو، فإن لفظ الواو ساكنة أو متحركة سكونا ميتا أو حيا، فأى حركة أغلظ من لفظ الألف، فإن نطقك بالواو أغلظ منه بالألف، هكذا أفهم كلام القاضى، وقرره، وقال الشيخ زكرياء مراده إمالة الألف إلى مخرج الواو فهو ضد الترقيق بمعنى ترك هذه الإمالة لا ضد الإمالة المطلقة وهو تركها، ولا ضد الترقيق بمعنى إخراج اللام من أسفل اللسان، فالتفخيم على ثلاثة أوجه، والجمهور على أن الصلاة الشرعية مأخوذة من الصلاة بمعنى الدعاء، وهو الصحيح، واختار الزمخشرى أنها من الصلاة وإن قلت اشتهر لفظ صلى فى الصلاة الشرعية لا فى الدعاء أو تحريك الصلوين فكيف ينقل من الدعاء أو تحريكهما؟ قلت لا مانع من كون المنقول إليه فوق المنقول منه فى الشهرة ولا سيما مع تخالفهما شرعا ولغة، وإن قلت معنى تحريك الصلوين أشهر من الدعاء المعبر عنه بلفظ الصلاة فكيف تنقل الصلاة الشرعية من الدعاء ما هو أشهر؟ قلت لا مانع من النقل ما هو غير أشهر وذلك لقصد مناسبة لها مزية، مع أنا لا نسلم أن الصلاة بمعنى تحريكهما أشهر من الصلاة بمعنى الدعاء، بل الأمر بالعكس، وإن قلت كيف يسمى الداعى مصليا مع أنه لا يحرك صلويه، قلت لا نسلم أن الصلاة بمعنى الدعاء منقولة من الصلاة بمعنى تحريك الصلوين، بل وضعت لفظة الصلاة للدعاء، كما وضعت لتحريكهما، ولئن سلمنا لنقولن سمى الداعى مصليا تشبيها له فى فى تخشعه بالراكع الساجد المحرك صلويه.
ومن أراد المحافظة على الصلاة فليكتب إحدى وستين آية يذكر فيها الصلاة أول ساعة الخميس والقمر بثلث المشترى، وإن كتبه فى شرفه أو بيته خاليا من النحوس فأجود بزعفران وماء ورد ومسك، ويمحوها بماء المطر ويصبه فى زجاجة، وكلما سمع الأذان نام وتوضأ وشرب منها يسرا وقرأ الآيات فى الطريق سرا فى نفسه حتى ينقضى الماء. ولا يكتب قوله تعالى
وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى
وقوله جل وعلا
অজানা পৃষ্ঠা