" كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم "
ويجوز أن تكون لام لك للتعليل، ومفعول نقدس محذوف، أى نبعد أنفسنا أو نطهرها من الذنوب لأجلك، ولا نعصى كما يعصى من يستخلفك بسفك الدماء، الذى هو من أعظم الأفعال الذميمة، وقال الضحاك معنى نقدس لك نظهر أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك، فهلى لام شبه التمليك. وقال آخرون نعظمك ونظهر ذكرك مما لا يليق به. وكذا قال مجاهد. والله أعلم. قال بعض الأندلسيين حكى جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن على أن سبب وضع البيت فى الأرض والطواف به أن الله - تعالى - قال للملائكة { إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك }؟ قال خلف بن ياسين بلغنى أن الله - تبارك وتعالى - أعرض عنهم ثلاثمائة سنة قبل أن يجيبهم، فخافوا أن يكونوا قد سخط عليهم الله فى إعراضه إذ لم يوح عليهم، فطافوا حول العرش ثلاث مائة سنة، وطافوا حوله ثلاث طوفات يدعون ربهم ويسترضونه، واستغفارهم
غفرانك ربنا وإليك المصير
فرضى عنهم وأجابهم بما ذكر الله عز وجل بقوله { قال إنى } بفتح الياء عن نافع وابن كثير وأبى عمرو، وإسكانها عند الباقين. وكذا فى قوله
ألم أقل لكم إنى أعلم
{ أعلم ما لا تعلمون } وقال لهم ابنوا لى بيتا فى الأرض، يعوذ به من سخطت عليه من بنى آدم، ويطوف حوله كما فعلتم بعرضى فأرضى عنكم. فبنوا له الكعبة، ومعنى { إنى أعلم ما لا تعلمون } أنى أعلم من وجوه المصلحة والحكمة فى جعل الخليفة فى الأرض. وقيل أعلم أنهم يذنبون ويستغفرون فأغفر لهم. وقيل أعلم من يطيعنى وهم الأنبياء والأولياء والصالحون، ومن يعصينى وهو إبليس. قال قتادة لما قالت الملائكة { أتجعل فيها... } إلخ وقد علم الله أن فيمن يستخلف فى الأرض أنبياء وفضلاء وأهل طاعته قال { إنى أعلم ما لا تعلمون } يعنى أفعال الفضلاء. قال ابن عباس أعجب إبليس بنفسه ودخله الكبر لما جعله الله خازن السماء الدنيا، واعتقد أن ذلك لمزية، فلما قالت الملائكة { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } وهم لا يعلمون أن فى نفس إبليس خلاف ذلك، قال الله سبحانه وتعالى { إنى أعلم ما لا تعلمون } يعنى ما فى نفس إبليس. ويجوز أن يكون المعنى إنى أعلم ما لا تعلمون من غلبة القوة العقلية، على القوة الشهوية والغضبية، فإنهما تضمحلان فى القوة العقلية اضمحلال الظلمة عند النور، ومن أنه إذا زادت غلبة العقلية عليهما استعملهما حيث يريد، وصارتا مطواعين له، فيستعمل الغضبية فى جهاد المشركين والمنافقين، وفى قهر النفس والشيطان، فيغضب عليهما فيجتهد فيما يغضبهما، وفى الأمر والنهى غضبا لله من قلبه، مع غضب بدنه ولسانه، إذا كان الصالح غضبهما، ويستعمل الشهوية فيما يشتهيه من أمر الآخرة والدين وإعزازه وإقامته، فإن الملائكة لما علموا بالقوى الثلاث القوة الشهوية والغضبية والعقلية ترجح عندهم أو تعين أن الواحدة لا تغلب اثنتين وغفلواعما ذكرت. وعن المخلوق يحصل ما لا يحصله غير المركب من نوعين فصاعدا، ألا ترى الأدوية المركبة، كيف تنفع نفعا لا تفيده الأجزاء التى تركب منها، كذلك الإنسان لما تركب من أجزاء مختلفة، وقوى متباينة، صار مستعدا لإدراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات والمتخيلات والموهومات، مستنبطا للصناعات ومحيطا بالجزئيات ومستخرجا لمنافع الكائنات من القوة إلى الفعل، من عبادة وصناعة، وآراء سديدة، وسياسات مما به صلاح الدين والدنيا. والله أعلم. وذلك مقصود بالاستخلاف لكون فوائد استخلافه لا يحصيها إلا خالقها، أجابهم بجواب مبهم تفخيما له إذ قال { إنى أعلم ما لا تعلمون } ولم يقل إنى أخلقه لكذا. قال فى عرائس القرآن قالت الحكماء خلق الله تعالى الخلق ليظهر وجوده، فلو لم يخلق الخلق لما عرف أنه موجود، وليظهر كمال عقله وقدرته، بظهور أفعاله المتقنة، لأنها لا تتأتى إلا من قادر حكيم.
وليعبد فإنه تجب له عبادة العابدين، ويثيبهم عليهم على قدر أفعاله لا أفعالهم، وإنه غنى عن عبادة خلقه لا تزيد فى ملكه طاعة المطيعين، ولا تنقص من ملكه معصية العاصين، قال الله تعالى
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
وليظهر إحسانه أنه محسن، وأوجدهم ليحسن إليهم وليتفضل عليهم بفضله، لأنه يقضى بالعدل وخلق المؤمنين خاصة للرحمة. كما قال الله عز وجل
وكان بالمؤمنين رحيما
অজানা পৃষ্ঠা