[1 - سورة الفاتحة]
[1.1-7]
{ الحمد لله } - أل فى الحمد للاستغراق، وكأنه قيل كل فرد من أفراد الحمد لله. وإن قلت فالاسم بعده نكرة، إذا قلت بل معرفة فإن أل لتعريف الجنس، بغير كونه مراد به استغراق أفراده، تلك هى الحقيقة، واختصاص الجنس على هذا الوجه لا يستلزم اختصاص جمع الأفراد، فيظهر أن الحمل على الجنس محافظة على الجنس محافظة على مذهبه، إلا أن يقال إنه يمكن اختيار الاستغراق، بناء على تنزيل ما عدا محامده - تعالى - منزلة العدم، إذ لا يعتد بمحامد غيره - تعالى - بالقياس إلى محامده. فلا فرق إذا بين اختصاص الجنس والاستغراق، فى أنهما ينافيان ظاهرا طريقة الاعتزال فيه قاعدة خلق الأعمال وأن منافاتهم تندفع بأحد الجوابين المذكورين فلا ترجيح لاختيار أحدهما على الآخر من هذا الوجه. وقال ابن عبد السلام هى للعهد أى لتعريف الشىء المعهود. وأجازه الواحدى على معنى أن الحمد الذى حمد الله - سبحانه وتعالى - به نفسه، وحمده به أنبياؤه مختص به تعالى. وبحث بأن الحمد الذى حمد به نفسه وحمده به من ذكر من لازمه أنه مختص به، فلا حاجة إلى دلالة الجملة عليه ولا فائدة فيه، إذ لا يتصور إضافته لغيره. وأجيب بأن الذى هو من لازمه الاختصاص الوقوعى، والمقصود الدلالة على الاختصاص الاستحقاقى تأمل والعبرة بحمد من ذكر، فلا فرد من الحمد لغير الله تعالى وأولى الأقوال أنها للجنس لأن فيه سلوك طريق البرهان ويزيد بالنسبة للثالث. إن العهد لا يفيد اختصاص الحمد مطلقا. وكما يقال للام التعريف إنها للجنس، يقال إنها للحقيقة وللطبيعة وللماهية المطلقة، والماهية تارة تعتبر بشرط لا شئ، وتارة لا بشرط شئ، والأولى مقيدة بالعدم. وقد تسمى مطلقة كتسمية الماء المقيد بعدم التغير بالماء المطلق. والمراد هذا المطلقة بالمعنى الثانى. واعلم أن أل إذا دخلت اسم جنس فإما أن يشار بها إلى حصة معينة من مسماه فردا كانت أو أفرادا، مذكورة تحقيقا أو تقديرا. وتسمى لام العهد الخارجى، ونظيره العلم الشخصى. وإما أن يشار بها إلى مسماه من حيث هو كما فى التعاريف. ونحو قولك الرجل خير من المرأة، وتسمى لام الحقيقة والطبيعة، ونظيره العلم الجنسى. وإما أن يقصد المسمى من حيث هو موجود فى ضمن الأفراد بقرينة الأحكام الجارية عليه الثابتة له فى ضمنها. فأما فى جميعها كما فى المقام الخطابى لعلة إيهام فىأن القصد إلى بعضها دون بعض، ترجيح لأحد المتساويين على الآخر. وتسمى لام الاستغراق. ونظيره كلمة كل مضافة إلى نكرة، وأما فى بعضها كقولك ادخل السوق حيث لا عهد، ويسمى معهود ذهنيا، ومؤداه مؤدى النكرة.
وأدرج المعاينون العهد الذهنى مع العهد الذكرى، تحت قولهم العهد الخارجى. وجعلوا الذهنى أن تكون الإشارة باللام إلى الحقيقة، ومن حيث وجودها فى ضمن الأفراد كقولك ادخل السوق واشتر اللحم، حيث لا عهد فى سوق أو اللحم. ومعنى أل مطلقا التعريف، ولام الاستغراق جنسية أيضا فيما ذكر المحققون.. والله أعلم. والحمد هو الثناء على الجميل الذي ليس باضطرارى من نعمة أو غيرها على جهة التعظيم، وإنما قلت الذى ليس باضطرارى ليشتمل ما هو اختيارى وما لا يصدق عليه أنه ضرورى، والاختيارى كصفات الله الذاتية فإن إطلاق الضرورة عليها محال لاقتضاء أنه مغلوب مقهور، تعالى عن ذلك وعن كل نقص، ولاقتضائه حدوثها فإن المقهور به حادث أحل فى المقهور وإطلاق الاختيار عليها محال أيضا لاقتضائه حدوثها، وأنه أحدثها بعد أن لم تكن ولا يصح إطلاقه عليها إلا بمعنى مجرد نفى الضرورة أو بتنزيلها منزلة الاختيارية إذا انتفى عنها الاضطرار. وإن قلت الثناء يكون باللفظ فلا حمد مما لا يوصف باللفظ، ونحن لا نشك فى أن الله عز وجل حمد نفسه، ولا فى قوله وإن من شئ إلا يسبح بحمده. قلت المراد إنما هو تعريف الحمد اللفظى، بل لا مانع من جعل حمد الله اللفظى مثل أن يخلق اللفظ فى الهواء، أو فى لسان جبريل، أو زيد مثلا، أو حيث شاء، وأن يخلق اللفظ مستقلا كالذات. والفرق بين الحمد المخلوق على لسان جبريل مثلا، وبين حمده هو لله، أن الأول يجرى على لسانه من غير قصد إليه وإلى تأليفه المخصوص. وأيضا الغالب فى الحمد أن يكون باللفظ ويبحث بقوله تعالى
ما نفدت كلمات ربى
ويجاب بأن المراد الغالبية فى القول الحمدى، وأيضا يصح أن يقال أريد بالثناء ما عدا ما يكون بالجنان والأركان. وعبرنا بالثناء لأن الغالب حمد باللفظ، وحاصل التعريف أنه ثناء يكون باللسان غالبا، ولا يرد عليه أنه يلزم دخول ما بالجنان والأركان فى الجملة. لأن المراد أن الحمد هو الثناء على وجه يكون ذلك الوجه غالبا باللسان، أو الحاصل أنه الثناء بغير الجنان والأركان. والمراد بالثناء الإتيان بما يدل على الجميل من قول ونحوه، وإن لم يكن باللسان فيكون حمد الله تعالى نفسه مثلا الدلاله على الاتصاف وإثبات القول اللفظى قائما بذاته منزها به عن الترتيب والحدوث والزوال والكلام النفسى، أى المعنى لا اللفظى يفضى إلى التشبيه بجعله محلا. وإذا أوجد الله سبحانه لفظا فى محل أو فى الهواء، فقد صح صدور القول وما يدل على الاتصاف من غير الجنان والأركان، فيكون حامدا وليس من شرط إطلاق كل مشتق حقيقة لن يقوم المبدأ بمن أطلق عليه حقيقة. ألا تراهم يقولون حداد ولبان وتمار، ولابن وتامر، وليس الحديد واللبن والتمر حادثة منه حدوث أفعاله منه، فيجوز كون الحمد من هذا القبيل، فيكون حمد الله لنفسه حقيقة، وهو حامد حق ويدل لذلك أن كل كمال يجب ثبوته له، ومن الكمال أن يكون محمودا حق الحمد، وغيره لا يقدر على حق الحمد.
وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم
" سبحانك ما عرفناك حق معرفتك "
وورد عنه صلى الله عليه وسلم
" لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك "
অজানা পৃষ্ঠা