وإلى الأسفل منه، كان الطريق السريع الدائري يحمل حركة المرور في هالو؛ ففي حاراته الخارجية كان الناس يمشون على أقدامهم أو يركبون دراجات، وفي الحارات بالمنتصف كانت عربات الترام والشاحنات تتحرك على قضبان مغناطيسية. انحنى زوجان شابان، رجل وامرأة، بجوار أجمة ورود تنمو قرب الطريق وتفحصا أوراقها. وضعت المرأة يدا على ذراع الرجل، فنظر إليها وابتسم، ثم مس وجنتها بيده.
أدهشته غرابة المدينة، التي فيها ارتفعت أحداث بسيطة من حياة الناس إلى آفاق استثنائية بفضل وقوعها في مدينة صناعية وتحت سماء صناعية.
حين كان طفلا سافر مع أسرته إلى طوكيو، في وقت كانت الرحلة فيه تستغرق غالبية اليوم، واجتاحته أضواء النيون الكثيفة بالمدينة كما لو كانت فيروسا، وتقيأ وجبته الأولى هناك (كان يذكر أنها مكونة من السمك والمعكرونة المتبلة بأوراق الأقحوان) وظل شاحبا ويعاني الحمى طيلة غالبية اليومين الأولين اللذين قضاهما هناك.
استطاع التأقلم مع طوكيو سريعا، لكن لم يكن يعرف موقفه حيال هالو؛ فرغم أنه كان قادرا على قراءة لغة هالو وفهم إشاراتها؛ فقد كان يعلم أن المدينة كانت أبعد كثيرا عنه؛ أبعد بأميال عن موطنه نعم، لكنها أبعد كذلك في مناح لم يستطع قياسها. كانت هالو تحتوي على عدد لا نهاية له من المدن، وعدد لا نهاية له من الاحتمالات، ومن ثم فإن الانغماس الكامل في هالو كان يتطلب منه أن ينفتح على واقع يتسم بالتعددية وعدم اليقين والرعب.
في الحقيقة، كان يجد صعوبة في استيعاب أي شيء؛ فمنذ أن أخرج من البيضة وهو يشعر بشعور غريب وغير مريح، وواصل السير على حافة الهلوسة، التي كان يجتازها من حين لآخر؛ ففي الليلة الماضية بينما كان يحاول النوم، ظهرت أشكال مجردة مرسومة بخطوط حمراء على سقف غرفته، زخارف ممتدة بأبجدية غريبة أو خيالية تتجاوز حدود الفهم البشري ...
ثم كانت هناك ليزي: لم تره أو تتحدث إليه، ولم تمنحه أي تفسير فيما خلا أن لديها مشكلات خاصة بها الآن. شعر جونزاليس بحزن يعجز عن التعبير عنه بسبب المسافة الفاصلة بينهما. وحين كان يتردد داخله صوت ساخر يتساءل: «ما الذي فقدته؟» كان يجيب بإجابة واحدة فقط هي: «الإمكانية.» لقد عاد إلى حيث كان منذ بضعة أيام، لكن الآن صار هذا الموضع غير مقبول على ما يبدو.
وضع جونزاليس قدح القهوة وجلس يحدق فيه. كان القدح المصنوع من سيراميك التربة القمرية والمطلي بلون أزرق كلون بيضة طائر أبي الحناء، ليس له مظهر مميز، لكنه مع ذلك أبرز بصورة ما، بمنأى عما يحيط به وبشكل يظهر سمة روحانية، وميضا داخليا غير مرئي بالمرة وغموضا في الشكل ...
سمع جونزاليس صوت قرقعة، ضوضاء أصدرها الكون لنفسه حين ظن أن لا أحد يسمعه، وفكر جونزاليس: «يا إلهي، ما الذي يحدث هنا؟»
نهض جونزاليس، شاعرا بقلق شديد يعتمل في صدره، ودخل إلى غرفة نومه، وهناك فتح المزلاج المعقد الخاص بسوار معصمه ووضعه على سطح المزينة المعدني المدهون باللون الأبيض.
ثم اجتاز غرفة المعيشة، دون أن يكون معه ما يشي بهويته ويراقب تحركاته، وعبر من الباب وسار بعيدا. •••
অজানা পৃষ্ঠা