أخرج هاي ميكس من فضاء الآلات، وصار ميميكس مجددا، وكان يتساءل عن السبب. لم يكن قد شعر بأي تغير في الظروف، لا شيء من شأنه أن يشير إلى أنهم فشلوا في جهودهم الهادفة لإبقاء جيري على قيد الحياة. وللمرة الأولى في عمليات الانتقال هذه، اعترف بندمه على ترك شخصية هاي ميكس وراءه، في الفضاء المغلق للبحيرة؛ إذ كان قد بدأ يشعر بنفسه وكأنه شخص، وليس محض محاكاة لشخص.
أخذ يستكشف البيئة المحيطة به؛ فرتب البيانات التي جمعها عما حدث في أثناء غيابه (مجيء تراينور من الأرض، وهو الأمر الذي رأى أنه إشارة غير طيبة)، وبحث في شرائط المراقبة الخاصة بالمسكن، ولاحظ حزن جونزاليس وارتباكه، وشاهده وهو يخلع سوار الهوية ويغادر. تساءل عما ألم بجونزاليس (احتمالات كثيرة للغاية، لكن لا توجد معلومات كافية)، وأراد بشدة أن يتحدث معه.
تواصل مع مرافق استعلامات المدينة ووجدها مكتظة ومنعدمة التنظيم. قدم طلبات استفسار، وبحث عن تفسيرات لهذه الحالة الفوضوية غير القابلة للتفسير. وفي كل مكان كان يبحث فيه، كان يجد ترتيبات شكلية وقدرا قليلا من العمل الفعلي.
لكن في ظل غياب ألف، لا توجد تفسيرات.
بعد ذلك وردته رسالة من مرشد تراينور، توضح ضرورة تواصل الاثنين الملحة. رد جهاز «الميميكس» بقوله: «هاي ميكس يريد التحدث مع السيد جونز.» وأرسل الإحداثيات ومجموعات البيانات والمتغيرات، وكانت كلها معا تشكل مكانا للقاء الذكاءين الاصطناعيين في فضاء المعلومات الفسيح متعدد الأبعاد الذي يحيط بهالو؛ حيث لا يستطيع أحد العثور عليهم، لا أحد بخلاف ألف، التي كان جهاز «الميميكس» يرحب بها.
حضر السيد جونز مرتديا سترة سوداء كاملة موشاة بخيوط ذهبية. وجلس الاثنان على طاولة من الكروم إلى جوار نافذة تشبه نافذة الطائرة تطل على سماء مظلمة مرصعة بالنجوم. لقد خلق هاي ميكس قطعة صغيرة من هالو يمكنهما النظر منه إلى الليل الافتراضي.
قال السيد جونز: «أخبرني عما حدث.» كان بمقدور هاي ميكس استشعار ما يشعر به محاوره من عدم يقين وحاجة ماسة للمعلومات، وشعر باليأس من محاولة شرح ما حدث خلال الأسبوع الماضي بلغة بسيطة؛ لذا فقد فعل ما لم يفعله من قبل؛ إذ أفصح عن كل ما حدث في دفقة واحدة متصلة من البيانات، عملية نقل معقدة من الواضح أنها أصابت السيد جونز بالذهول؛ إذ جلس يحدق في الفراغ ويحاول فهم الأمر كله.
بعد ذلك تحدثا لبعض الوقت، بينما كان السيد جونز يسبر خبرات هاي ميكس مع ديانا وجيري وجونزاليس وليزي، ويسأله عن شعوره وهو بينهم، شخص حقيقي بين أشخاص آخرين، وبينما كان هاي ميكس يجيب السيد جونز، صار واعيا لمقدار الثراء والسعادة اللذين اتسمت بهما تلك الأيام التي قضاها عند البحيرة.
بعد ذلك أدرك هاي ميكس أن الاثنين صارا يشكلان الآن نوعا جديدا له مرتبة اجتماعية جديدة - رابطة متفردة بين فردين من النوع نفسه - واسترخى في مقعده وقال: «ما الذي نريده؟ ما الذي ينبغي علينا فعله؟»
قال السيد جونز: «كثير من الأمر يعتمد على الآخرين. على ألف وعلى كل هؤلاء الأشخاص.» ظلت الكلمة الأخيرة عالقة في الأذهان وتبادل الاثنان نظرة مفادها: «ما الذي نتوقعه على أي حال من البشر؟» غير أن هاي ميكس كان يعلم أن المفارقة كانت بسيطة وعابرة بالضرورة؛ فمن دون البشر، ما كان له هو والسيد جونز أن يتواجدا من الأساس.
অজানা পৃষ্ঠা