এভাবে নাসর আবু জায়েদ কথা বলেছেন
هكذا تكلم نصر أبو زيد (الجزء الأول): من نص المصحف إلى خطابات القرآن
জনগুলি
أقول إنني أحاول أن أواجه ظاهرتي الأطلقة واللاتاريخية السائدتين في وعينا، والمبنيتين على رؤية للعالم ترى العالم نتفا متناثرة، لا يحكمها قانون حتمي، وترى الإنسان لا فعلية له. أحاول أن أواجهها بعلائقية؛ تربط بين الظواهر في نسق، علائقية، تربط بين الظواهر في علاقات تقوم فيها الظواهر في وجودها، وفي شروط هذا الوجود على بعضها البعض. وهذا الكتاب هو محاولة تطبيقية لها بشكل عام على ظاهرة خطاب نصر أبو زيد. وقد حاولت تطبيقها على ظاهرة كيفية التعامل مع المصحف في تجربتنا التراثية، وفي تجربتنا الحداثوية من خلال كتابي «مقدمة عن توتر القرآن». لكن الأمر يحتاج إلى التعرض للظاهرة بشكل أكثر عمقا في نص مباشر لها، بتناول العلائقية كمنهج وكفلسفة في مواجهة الرؤية الأشعرية للعالم، وفي مواجهة رؤيتها للعالم، بعد فشل اتجاهات الاعتزال والتشيع بتياراتهما، وتيارات الإباضية؛ فقد فشلوا في تكوين رؤى تستطيع أن تقدم بديلا. وأتصور أنه لا فائدة من اجترار أنساق من الماضي للمواجهة؛ كمحاولة إحياء اعتزال قديم، لمواجهة الرؤية الأشعرية للعالم في عصرنا، فالاعتزال القديم سقفه المعرفي هو الآخر محدود بعصوره التي تختلف عن عصورنا. ربما الفقرتان السابقتان تحتاجان إلى تفصيل وشرح أكبر، لكن ليس مكانه هنا، لعل في المستقبل أن يكون في موضع آخر.
8
من عاداتي في الكتابة أن أدرس الموضوع أولا وأعايشه زمنا؛ حتى يستوي في ذهني، فيحدثني الموضوع أو تحدثني الظاهرة ذاتها، وتكشف نفسها لي، حين أشعر بهذا الامتلاء وذلك الامتلاك. حينها أفكر في الكتابة، فتكون الكتابة دفقة، دفعة، قذفة، حية، متماسكة، أحاول أن تكون نابضة، حتى وهي كتابة «علمية» «موضوعية»، فهي كتابة من ذات إنسانية بنت الاجتماع والسياسة والثقافة، ونتاج التجربة الحياتية المحدودة بحدود الزمان والمكان، وبقدرة الإنسان وأدواته على الفهم والإدراك وعلى قدرة وسائله. كذلك فإن الكتابة عبر لغة؛ واللغة بتكوينها حين نستخدمها كأفراد، أو كجماعات تكون متحيزة تحمل حمولات تاريخية. ويكون الصراع كبيرا بين أن تستخدمك اللغة ذاتها، وبين أن تستخدمها أنت وتوظفها، وتجعلها تقول كلاما، وتوظفها بطرق لم يطرقها غيرك، وهو صراع دائم ومستمر لا نهاية له، فكل نهاية منه هي بداية لرحلة أخرى.
أكرر نفسي مرة أخرى : مهم أن نعايش الظاهرة التي ندرسها، مفكرا كان أو تيارا أو مذهبا فكريا ... إلخ. فالمعايشة تنسج خيوط التآلف، والحميمية التي تجعل الظاهرة تفصح وتقول وتعبر وتتجلى. وتكون مهمتي بعد ذلك هي محاولة الإمساك بهذا الظهور وذلك الإفصاح، من خلال كلمات حية بقدر الإمكان، وفي دفقة. فتكون الكتابة هي آخر مرحلة من الدرس ومن البحث.
إضاءات
(1) لماذا أبو زيد؟
1
منذ بدايات محاولات دخولنا العصور الحديثة، ومحاولات الخروج من عصورنا ما قبل الحديثة، وعوالمها وتصوراتها، ولطبيعة شروط عملية تحديثنا ذاتها، ومن كونها عملية يحدد أهدافها وتوجهاتها الحاكم، رجل السياسة؛ كل هذا جعل عملية التحديث تحديثا بلا حداثة، جعلها عملية نقل نماذج جاهزة وفرضها بالقوة على الواقع. عملية يحكمها منطق القوة وليس منطق الإقناع، أو الفهم أو الاستيعاب والتجاوز. مما صبغ أنساقنا الفكرية ومنظومات مفكرينا في الغالب بصبغة عمليات تفكير هي في لبها عمليات ممارسة التفكير، ولكن بآليات السياسة. عمليات تفكير أقرب لفرض سلطة، ليس سلطة معرفية بآليات المعرفة، بل بفرض سلطة معرفية باستخدام قوة خارجة عن المعرفة، قوة خارجية لفرض هذا السلطان، جبرا؛ ليصبح الأمر ليس سلطة معرفة بل سلطوية معرفية. سواء كان المفكر مؤيدا للسلطة الحاكمة أو كان معارضا لها. فهذا النهج حول أفكارنا في أغلبها إلى مجرد تركيبات أيديولوجية؛ أي تركيبات نتائج تفكيرها محددة مسبقا، قبل البدء في عمليات التفكير، ويصبح التفكير مجرد عملية تبرير التحيزات المفكر المحددة سلفا. تركيبات لا تبدأ من واقعنا ومحاولة فهمه والتعامل معه حسب شروطه، بل عمليات تفكير في الغالب، تبدأ من تبني نموذج كامل سابق التجهيز، سواء أكان نموذجا سابقا جاهزا عند أسلافنا، أو كان نموذجا جاهزا سابقا ونجح عند الآخر المتقدم علينا. ويصبح الدور على واقعنا أن يخضع قهرا لهذا النموذج وبالقوة. مما جعل المفكر طوال الوقت يفكر وعينه على راية السياسة في أي اتجاه هي، ويصبح كل حلمه أن يصل إلى هذه السلطة؛ ليستخدم عصاها في فرض نموذجه السابق التجهيز على الواقع بالقوة، أو يصل إلى أذنها؛ ليهمس ويوحي لها بأن تتبنى تصوراته وتفرضها بالقوة أيضا على «قوم وادعين جهلاء».
فالمثقف؛ معارضا كان أو مؤيدا للسلطة، تقليديا أم تجديديا، سلفيا أو حداثيا، ليبراليا أم يساريا، قوميا أم إسلامويا، أفنديا أو شيخا معمما؛ كلهم تقريبا متفقون على شيء واحد هو أن دور الناس مجرد جماهير في المشهد، مجاميع في خلفية الأحداث، كديكور في المشهد التحديثي. السلطة والمثقف كلاهما متفقان على أن الناس لا تعرف مصالحها وليست مستعدة بعد، الجميع تقريبا اتفق على أن الناس تربط بحبل وتسحب منه، والصراع بين المتصارعين على ساحاتنا الثقافية والفكرية والسياسية، هو على «من يجب أن يمسك بطرف حبل سحب الجماهير لسحبها». ونصر أبو زيد بعد مرحلة القراءة الأيديولوجية للتراث التي مر بها والتي تلتها مرحلة نقد الذات، تصور أن الدور الحقيقي للمثقف هو قطع هذا الحبل الذي تجر منه وبه الجماهير، وأن دور المثقف دائما يكون على يسار السلطة، أي سلطة، حتى وهي تتبنى أفكاره أو تحاول تطبيقها، فالمثقف «حارس قيم لا كلب حراسة».
من هنا الحاجة للاحتفاء بنموذج هذا المثقف، كجزء من التعامل مع السؤال الذي طرحته هبة 25 يناير: هل سنعيد النظر في عملية التحديث المسيسة والتي تتم عبر نقل نماذج جاهزة، والتي نمر بها منذ قرنين، وأفضت في نصف القرن الأخير إلى سلسلة من التشظي والانشطار على مستوى الأديان، مسلمين ومسيحيين والطوائف والمذاهب سنة وشيعة وبين الوديان والصحراء حتى أصبحت الآن مدنا وأحياء؟ والسؤال هو: هل سنؤسس لتحديث على أسس جديدة أم سنكتفي بمحاولة استعادة معادلة التحديث عبر التلفيق، المعادلة التي سقطت عام 1967م؟ (2) سؤال القرون العشر
অজানা পৃষ্ঠা