এভাবে নাসর আবু জায়েদ কথা বলেছেন
هكذا تكلم نصر أبو زيد (الجزء الأول): من نص المصحف إلى خطابات القرآن
জনগুলি
قد كانت محنة قضية عدم ترقيته وقضية التفرقة بينه وبين زوجته، والمحاكمة التي مر بها نصر، في ظل حالة الاحتقان التي كانت تمر بها مصر، والتي أطاحت بمدرسة في الدراسات القرآنية داخل كلية آداب القاهرة، وعطلت نصر أبو زيد الأستاذ عن الاستمرار في العمل، وكادت أن تطيح بنصر أبو زيد الباحث أيضا، وتستدرجه إلى ساحات السجال. لكن خروجه مرتحلا إلى الشمال وإلى جامعة «لايدن» حافظ لنا على الباحث من التعطل ومن خطر التوقف. لكن المحنة ولدت داخله سؤالا: «لماذا حدث كل هذا؟ ولماذا يستطيع خطاب التقليد السلفي قديما وحديثا تهميش خطاب التجديد والانفتاح؟» فها هو نفسه على الشاطئ الشمالي من البحر المتوسط. فاستدعى تجربة أبو حامد الغزالي وابن رشد، ودرس: كيف استطاع خطاب الغزالي أن يهمش خطاب ابن رشد في الثقافة العربية؟ وفي قلبها بحثا عن أسباب فشل خطاب التجديد وضمور ثماره بعد قرن ونصف من محاولات التجديد في الخطاب العربي الحديث والمعاصر، وكيف أن خطاب التجديد في الفكر الديني يتحرك داخل نفس البناء اللاهوتي القديم.
بدأ يدرك نصر أبو زيد أن مفهوم «النص» بالمعنى المعاصر في الدراسات اللغوية الحديثة ذاته، الذي دافع هو عنه خلال العقدين السابقين، قد يكون هو في ذاته بذرة الإشكال. فبعد أن أعاد النظر في تصورات المعتزلة، وأعاد النظر في دراسته لخطاب ابن عربي، أعاد النظر في تصوره لطبيعة القرآن كنص، أو لتعريف القرآن بأنه نص. وتناول حسب تعبير محمد أركون الذي تأثر أبو زيد بدراساته: «الظاهرة القرآنية»، وأدرك أهمية التعامل مع القرآن كخطاب شفاهي، القرآن قبل عملية الجمع والتدوين وتقنينه في مصحف، وعملية التحول بمراحلها المختلفة. ليس بالمعنى التقليدي من قراءة القرآن في سياق ترتيب النزول وفي ترتيب المصحف الحالي. بل إن النظر إلى ماهية القرآن كنص فقط، تجعل المفكر المسلم القديم والمعاصر على السواء، يبحث عن رفع التباين والتناقض المتصور حول جوانب القرآن؛ لأن النص ذا المصدر الواحد لا يجب أن يكون به تناقض أو تباين. لكن القرآن كخطاب بين متكلمين، به أصوات متعددة، الصوت الإلهي، وصوت النبي عليه السلام، وأصوات المؤمنين والمشركين وأهل الكتاب. بل هناك «مود» ونمط، للخطاب، فالكلمة الواحدة تتعدد دلالتها في الخطاب حسب «مود» الخطاب، وهذا التعدد يتم اختصاره وتحجيمه، في حالة تحويل الخطاب إلى نص مكتوب.
في نهايات القرن الماضي تركزت عدسة نصر أبو زيد القرائية، من تركيزها على قراءة الخطاب العام السائد، ومن التركيز على تجلي هذا الخطاب العام، في الخطاب الديني؛ ليركز بؤرة عدسته على القرآن بالتحديد وعلى التعامل معه. وبدأ يتبلور هذا في محاضرته لكرسي «كليفرنجيا» للحريات في نهايات عام ألفين عن: «القرآن كتواصل بين الله والإنسان». فيها عاد إلى سؤال: ما القرآن؟ مركزا على البعد الرأسي من عملية التواصل بين الله والإنسان وطبيعتها؛ فالمسلمون اتفقوا على أن القرآن «كلام الله الذي أوحي به إلى النبي محمد باللغة العربية على مدار ثلاثة وعشرين عاما»، وإن اختلفوا فيما بينهم إن كان هذا الكلام قديما أم مخلوقا/محدثا. لكن أبو زيد بدأ مما هو متفق عليه. فما هو متفق عليه يحتوي على عناصر ثلاثة: كلام الله، ثم القرآن، فالوحي. وكلام الله لا نهاية له، والقرآن أحد مظاهر كلام الله. والعنصر الثالث الوحي: هو قناة الاتصال من الله إلى البشر، وقد تحدث القرآن عن أشكال ثلاثة لوحي الله إلى البشر. لقد انتقل نصر من السؤال القديم حول: هل القرآن قديم أم مخلوق؟ إلى سؤال: ما هو القرآن، وما هي طريقة التواصل التي تم من خلالها، وما هي طبيعتها؟ فالقرآن حسب تصورات المسلمين عبارة عن رسالة إلهية من الله إلى البشر. وأيضا للقرآن لغة تتجسد من خلالها هذه الرسالة الإلهية؛ فاللغة العربية ببشريتها يستخدمها القرآن بطريقة خاصة؛ لإيصال رسالته من خلال تركيبة معينة وبنية مميزة في استخدام هذه اللغة البشرية. الإلهي يتجلى في الإنساني، حسب قوانين عمل الإنساني، ولكن بطريقة خاصة، هي التي تجعل للقرآن لغته، أو طريقة خاصة في نظم اللغة العربية.
وأخذ أبو زيد في نقد طرق تعامل المسلمين مع القرآن قديما وحديثا، مما تجلى في مشاركته في الاحتفال بمئوية الكواكبي (1849-1902م) في دمشق عام ألفين وثلاثة 2003م دراسة لمدرسة التأويل الأدبي للقرآن، التي امتد بها أبو زيد وبجذورها إلى المعتزلة والفلاسفة المسلمين وإلى جهود عبد القاهر الجرجاني (ت 471/1107ه)، إلى صورتها الحديثة في جهود محمد عبده (1848-1905م) وجزئيا طه حسين (1889-1973م)، فمدرسة الشيخ أمين الخولي (1895-1966م)، وتلاميذه: محمد أحمد خلف الله (1916-1998م)، وشكري عياد (1921-1999م)، وعائشة عبد الرحمن (1913-1998م)، واقفا على المعضلات التي تواجه هذه المدرسة الذي يعد نصر نفسه إحدى حلقاتها. وفي ندوة باريس بنفس العام قدم ورقة: «نحو منهج إسلامي جديد للتأويل»، استكمل نقد الجهود المعاصرة في التعامل مع القرآن، من محمود محمد طه (1909-1985م) في السودان، والذي حاول التمييز بين رسالتين في الوحي؛ رسالة أصلية هي الرسالة المكية ، وأخرى مدنية. وأشار نصر إلى أن إشكال طه أنه يفهم علمي المكي والمدني والناسخ والمنسوخ من علوم القرآن خارج إطار التاريخ الاجتماعي، والسياسي، والثقافي للمسلمين، ومحمد شحرور (ولد 1938م) في سوريا رغم اختلاف أسلوبه عن محمود طه، فهو يرى أن المصحف يحتوي على جانبين؛ جوهر ثابت هو القرآن ومصدره النبي، وهو المتشابه الذي يحتاج إلى الراسخين في العلم؛ لفهمه وتأويله، والجانب الآخر هو الواضح، التاريخي المؤقت، القابل للتطور. إلا أن شحرور يتعامل مع اللغة ككائن هلامي بلا معجم تاريخي ولا دلالات استعمالية، مما يجعله يستنطق المصحف بمعان ودلالات محددة سلفا. وجمال البنا (1920-2013م)، الذي يميز تمييزا حادا بين الإسلام والمسلمين، من حيث ثبات وتعالي الإسلام الذي تم تلويثه من خلال اختلاط المسلمين بالحضارات القديمة، ويتعامل مع النصوص على أنها بلا سياق إنساني، وأنها مفارقة للتاريخ والثقافة الإسلامية، مما جعل قراءته انتقائية. وخليل عبد الكريم (1930-2002م) بمصر، الذي انشغل بالنقد التاريخي، والذي لم يتجاوز عنده منهج نقد الرواية التراثي، ويوظفها لأغراض براجماتية، مما يوقعه في انتقائية واضحة للنصوص التراثية، فيهمل ما يتعارض مع أهدافه، إلى حسن حنفي الذي ولد (1935م) من مصر، وفضل الرحمن (1919-1988م) من باكستان، وتأكيدهما على الدور الإيجابي للنبي في عملية الوحي. إلا أن سؤال كلام الله وطبيعته ظل غائبا عن جهودهم.
لمس نصر أبو زيد بصورة عامة ما ناقشه في محاضرته السابقة، بحثا عن منهج إسلامي جديد للتأويل. إن «تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يكون تجديدا ناجزا إذا ظل التعامل مع النصوص التأسيسية - القرآن والسنة - ينطلق من نفس الأسس اللاهوتية/الكلامية، التي استقرت في الفكر الإسلامي منذ القرن الثالث الهجري/العاشر من الميلاد. فبدون الاستعادة للسؤال المغيب والمحبط والمكبوت، سيظل التأويل أداة لقراءة الحداثة في النصوص، لا لفهم النصوص لذاتها». ولمس أبو زيد سؤال ما معنى أن القرآن كلام الله؟ وأسئلة أخرى تتفرع عنه، مثل: طبيعة الوحي وكيفيته، وما إذا كان تواصلا باللغة أم تواصلا بالإيحاء والإلهام؟ وبعد عرض جهود السابقين في الجانبين مال هو إلى أن القرآن كوحي، كان تواصلا بالإيحاء والإلهام. وانتقل من النظر إلى القرآن كنص، التي دعا وأصل لها إلى النظر إلى القرآن كنصوص؛ لطول سنوات الوحي وتعدد المناسبات والوقائع المرتبطة بأحداث في الواقع ، مما جعل القرآن في تركيبة بنيته مجموعة من النصوص ذات سياقات.
4
في السابع والعشرين من مايو عام ألفين وأربعة، في محاضرته كأستاذ كرسي ابن رشد في جامعة الإنسانيات «بأوتريخت» التي اختار لها عنوان: «إعادة تعريف القرآن». انتقل نصر من تركيزه على المحور الرأسي في عملية التواصل بين الله والإنسان عن طريق التواصل وحيا بالنبي عليه السلام، التي تناولها في محاضرته عند اعتلائه كرسي الحريات بجامعة لايدن، فهو هنا استكملها في محاضرته هذه بالتركيز على الجانب الأفقي، لهذا التواصل بين الإلهي والإنساني، ليس بالمعنى التقليدي لهذا التواصل بالطريقة التي تم الاهتمام بها عند التراثيين من حيث الاهتمام بعملية جمع وتدوين القرآن بمراحلها المختلفة، على أهميتها، ولا أيضا بمعنى عملية التبليغ من النبي الكريم للرسالة، ودور المتلقين لهذه الرسالة فهما وتفسيرا وتأويلا. فكل هذا على أهميته كان هو ما استقطب جهود الكثيرين، إلا أن نصر أبو زيد عني بالجانب الأفقي؛ ذلك الجانب الرابض المتضمن في بنية وتكوين القرآن الذي يظهر في عملية التواصل، والذي يمكن إدراكه إذا انتقلنا من التركيز على القرآن كنص مكتوب، إلى التركيز على القرآن كخطاب، بالتركيز على الظاهرة القرآنية بتعبير محمد أركون، الظاهرة القرآنية قبل تدوين القرآن في كتاب. ففارق بين القرآن/المصحف، الصامت، وبين القرآن/الخطاب، الناطق.
بالتركيز على القرآن كنص فقط، أطلق الباب واسعا لعملية التأويل وإعادة التفسير، وأيضا تتيح الاستخدام الأيديولوجي المغرض ليس فقط لمعاني القرآن، ولكن التقسيم الأيديولوجي للبنية القرآنية ذاتها متخفية وراء رؤى لاهوتية/كلامية، في سبيل البحث عن وحدة المضمون والمحتوى القرآني؛ مما أخرج قراءات موجهة أساسا، أيديولوجيا القارئ والمؤول، السياسية أو الثقافية أو العقيدية أو المذهبية. التركيز في التعامل مع القرآن كنص فقط، ينتج تأويلية شمولية أو تأويلية سلطوية، كلتاهما تزعم إمكانية الوصول إلى الحقيقة المطلقة. وما ساد تراثنا في التعامل مع القرآن كنص فقط يمكننا الكشف عن معناه بالتحليل الفيلولوجي/البنيوي كما فعل المتكلمون/اللاهوتيون من خلال مفاهيم المحكم والمتشابه، والفقهاء من خلال مفاهيم مثل الناسخ والمنسوخ. وهما النسقان اللذان سادا تاريخنا وما زالا حتى الآن في التعامل مع القرآن، وأديا إلى تحويل القرآن إلى ساحة نزاع أيديولوجي ومذهبي، أدى إلى التلاعب بمعانيه لأهداف تبريرية لا تخلو من نوايا حسنة. وكثير مما بدا للمتكلمين والفقهاء تناقضا واحتاج منهم إلى منهج تأويلي لحله، ما هي إلا مواقف وترتيبات لا يمكن فهمها إلا بالعودة إلى سياقها الخطابي، سياق التحاور والتساجل والجدال والاختيار والرفض، سياق الخطابات وليس سياق النص.
ودعا أبو زيد إلى تأويلية إسلامية جديدة للتعامل مع القرآن، تأويلية منفتحة تربط المعنى الديني والبحث عنه بمعنى الحياة، معنى الحياة بطبيعته الإنسانية القائمة على الاختلاف والتعدد البشري، تأويلية تخرج من سجن التركيز فقط على الطبيعة النصية للقرآن وما يستدعيه مفهوم النص من أنه بنية مستقلة ومؤلف وقصد للمؤلف وسياق تأليف وقارئ ضمني متصور، وتناص ووحدة للنص. ومفهوم النص يغذيه علوم كعلم الكلام/اللاهوت والفلسفة والفقه؛ لأنها تركز على المؤلف وعلى مقصده. وفي هذه الحالة تكون أداة التأويل هي المجاز، والمجاز يتعامل مع الكلام على مستوى الجملة. وهذا يشير إلى أن انفتاح المعنى عند الصوفية، حدث بانتقالهم إلى مفهوم الرمز، وتركيزهم على دور المتلقي للنص، وتجربته في اكتشاف دلالات ومعاني القرآن. وأصبح القرآن والكون كتابين من الله إلى البشر، وكذلك انفتاح واتساع المعنى القرآني عند المحدثين بالانتقال من مفهوم المجاز إلى مفهوم التمثيل والتصوير عند محمد عبده أو عند أمين الخولي وسيد قطب. لكن أبو زيد طالب بالالتفات للطبيعة الخطابية المنطوقة للقرآن، وضرورة التحليل الخطابي للقرآن أولا. ففي تحليل الخطاب نبحث عن متكلم وليس مؤلفا، وتعدد أصوات المتكلمين - طبعا القرآن كله كلام الله - لكن تظهر من خلاله أصوات متعددة، صوت النبي، أصوات المشركين، والمؤمنين، والمنافقين وأهل الكتاب. وهناك مخاطبون، مخاطب مباشر هو النبي عليه السلام ومخاطبون ضمنيون، وهناك «مود» خطاب ونمط خطاب سواء؛ تهديد، بشرى، تقرير، اعتراض، نفي، إزاحة ... إلخ. وبعد تحديد بنية الخطابات القرآنية ووحداتها الخطابية، نشرع في التحليل النصي لهذه الوحدات؛ فكل خطاب نص وليس كل نص خطابا.
في محاضرته الرابعة كباحث مقيم بمكتبة الإسكندرية، في الثلاثين من ديسمبر 2008م، وكانت بعنوان «إعادة تعريف القرآن»، بعد محاضرة عن التأويل اللاهوتي وأخرى عن التأويل البلاغي، وثالثة عن التأويل الصوفي، عرض أبو زيد لأهمية الانتقال من التركيز على الطبيعة النصية للقرآن إلى الطبيعة الخطابية. وأعطى نماذج وأمثلة لذلك، وكيف أن العديد من المشكلات التي اختلف فيها أجدادنا، لها إجابات من خلال هذه النقلة، إلا أنه أضاف مفهوما قد شغله ونقطة بحث يعمل عليها وهي عن «الرؤية القرآنية للعالم»، والتي تناولها بعد ذلك في محاضرته الافتتاحية لمؤتمر: «السياقات التاريخية للقرآن» الذي انعقد في شهر إبريل 2009م جامعة «نوتردام» الأمريكية، ومحاضرته بجمعية ألوان الثقافية بنيويورك بعدها بيومين. وكان السؤال الذي يشغله هو: هل يمكننا من كل هذه المداخل المختلفة التي تعاملت مع القرآن، هل توجد رؤية كلية للعالم داخل الخطاب القرآني تتشكل من هذه المداخل، ومن التعامل مع القرآن في بنيتيه؛ بنية ترتيب التلاوة الحالي، وكذلك بنية ترتيب النزول على مدى أكثر من عقدين من الزمان؟ وهذا هو السؤال الذي تركنا نصر أبو زيد وهو يفكر فيه، تركنا لكن يظل سؤاله حيا يقف أمامنا ويواجهنا. (2) عقد ونصف في عقل أبو زيد
অজানা পৃষ্ঠা