এভাবে নাসর আবু জায়েদ কথা বলেছেন
هكذا تكلم نصر أبو زيد (الجزء الأول): من نص المصحف إلى خطابات القرآن
জনগুলি
3
وأسميتها «توتر». فالفهم السائد عن الكتاب أن له مؤلفا، وأن هناك مقصدا أو مقاصد للمؤلف يسعى إلى إيصالها من خلال الكتاب؛ مما يجعلنا نبحث عن مركز للدلالة وعن بؤرة للمعنى في الكتاب أو في النص، وعن معاني ودلالات هامشية في النص. فحين تتعامل مع المصحف ستجد تصورا للذات الإلهية يدور حول التنزيه الكامل لله، عن أي مشابهة للبشر. وستجد أيضا بالمصحف التشبيه والتجسيم الكامل للذات الإلهية في مواضع أخرى، فأيها هو المعنى المركزي، وأيها هو مقصد المتكلم، التنزيه أم التشبيه؟ فيسعى علم الكلام والفلسفة لحل هذا الإشكال عبر ثنائية (المحكم والمتشابه)، أو بلغة عصرنا الواضح والغامض.
وفي مجال توجيهات السلوك التي اهتم بها الفقه وتناولها الفقهاء ستجد في كتاب المصحف أن للخمر منافع وأضرارا، وأضرارها أكثر من منافعها، وستجد توجيها بعدم الاقتراب سكارى للصلاة، وستجد أن الخمر رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه. فأيهم مقصد المتكلم؟ فيحاول الفقيه أن يرفع هذا التوتر بمقولات «الناسخ والمنسوخ»، وذلك عبر السعي لتحديد ما نزل متأخرا من القرآن؛ ليكون هو آخر توجيه سلوكي، الذي من شأنه تغيير التوجيه السلوكي الذي جاءت به الآيات التي نزلت في وقت مبكر. ومن هنا تظهر أهمية مفاهيم مثل «العام والخاص» لتعيين ما يكون معناه عاما لكل المسلمين في كل زمان ومكان، وما هو خاص محدود في واقعة أو في شخص. وكذلك تحديد ما هو «المطلق والمقيد» ... إلخ. وسيجد اللغوي إشارات في كتاب المصحف تنسب قدرة الإرادة لجماد، كالجدار الذي أراد أن ينقض، فيحاول اللغوي والبلاغي رفع التوتر عبر مقولتي «الحقيقة والمجاز». وتحاولها التيارات الصوفية والمذاهب الشيعية: بمقولتي «الظاهر والباطن»، أو يحاولها الفقهاء من خلال تحديد مقاصد كلية للشريعة؛ لتكون مبادئ هادية لهم في اختيار وترجيح المعاني المركزية والهامشية في النص.
معظم هذه الجهود، سواء في علم الكلام أو الفقه وأصوله أو التصوف ... إلخ تقوم تقريبا على التعامل مع المصحف كنص كتاب، له متكلم به، هو الله سبحانه وتعالى، وللمتكلم قصدية من كلامه، وكل جهودنا في الفهم تسعى للوصول لتلك القصدية. فبؤرة التركيز خلف هذه الجهود، هي على المتكلم وعلى قصده من كلامه. وهذا القصد يتصور أنه يجب أن يكون مقصدا واحدا مركزيا صحيحا، والمعاني الأخرى هي مقاصد خاطئة أو معان مضللة وهامشية، فتكونت في ثقافة المسلمين نظرية في الفهم وفي التأويل وفي التفسير، تشربت بها علوم الكلام والفلسفة واللغة والبلاغة، وتأثرت بها أصول الفقه إلى علوم، كما طال تأثيرها مدارس التصوف.
فعلماء الكلام والفلاسفة المسلمون سيقفون عند الكلام الإلهي: هل الكلام صفة ذات قديمة قدم الذات الإلهية، أم هو صفة من صفات الفعل؟ فلو الكلام صفة قديمة، إذن فاللغة أصلها إلهي وقديم، ويصبح القرآن كونه كلاما لله، فهو أيضا قديم قدم الذات الإلهية. وإذ أخذ البعض مثل المعتزلة أن الكلام صفة فعل، أي إنه فعل بعد خلق الله للعالم، مستندين في ذلك إلى أن أفعال الله كلها حكمة، وتصور أن الله يكلم العدم هو فعل غير حكيم، ناقص، والله منزه عن النقص؛ لذلك فكلام الله فعل بعد خلق الله للموجودات. فتصبح اللغة حسب تصوراتهم مخلوقة وأنها مواضعة واتفاق بين البشر، ويصبح القرآن مخلوقا وليس قديما؛ لأنه صفة فعل وليس صفة ذات أزلية. فيأتي الأشاعرة ويحاولون رفع التوتر بين الجانبين، بالتفرقة في الكلام بين المعاني وبين الألفاظ؛ ليقولوا إن المعاني قديمة قدم الذات. لكن خروجها في ألفاظ عربية يجعلها مخلوقة، ويفرقون بين اللغة الإلهية القديمة وبين مواضعة البشر بعد ذلك في لغات أخرى كالعربية والإنجليزية. ويصبح القرآن قديما كمعان ومخلوقا كألفاظ باللغة العربية. هذه الاتجاهات الثلاثة رغم الاختلافات الظاهرة بينها فهي حجرات في بيت، وتحت سقف معرفي واحد يجمعها. فبؤرة تركيزها هو الوصول إلى قصدية المتكلم ودلالة كلامه، حتى مع الاختلاف بينها حول كيفية الوصول إلى قصدية المتكلم. وهل هذه القصدية سابقة على الكلام أم لا؟ ورغم الاختلاف بينهم حول هدف الكلام الإلهي، وهل يهدف إلى سعادة الإنسان وإلى خيره أساسا، أم هدفه هو تعريف البشر بالله وبكيفية طاعته وبطريق عبادته اتقاء لعذاب ناره وسعيا إلى دخول جنة نعيمه؟ السقف المعرفي المشترك هنا رغم كل هذه الاختلافات أن نظرية التأويل التراثية القائمة على مفهوم النص يتم بناؤها على المجاز اللغوي، والمجاز اللغوي أداة قاصرة، فهو يرتبط في الغالب بالمجاز على مستوى الجملة اللغوية؛ ولذلك يتم التعامل مع آيات المصحف بشكل منفصل غالبا من سورة الفاتحة إلى سورة الناس. وكذلك تم حصر المجاز في آيات التوجيهات السلوكية التي يتناولها الفقه، ولم ينسحب المجاز عندهم على آيات «المعتقدات»، أو إلى آيات القصص، أو الأخلاق.
ورغم إدراك علوم الفقه للتفاعل بين كلام القرآن وبين الواقع من خلال علوم المكي والمدني والناسخ والمنسوخ ومرويات أسباب النزول ، ثم من خلال تصورات كلية عن مقاصد للشريعة. فرغم ذلك الإدراك فإن جهود الفقهاء تسعى إلى طرح «معنى واحد ثابت» يسري على المسلمين في كل زمان ومكان، وإن اختلف هذا المعنى من مذهب إلى آخر. فإن هذا المعنى الواحد يتم ترسيخه من قبل السلطات الحاكمة، عبر اختيارها لمعنى أو رأي فقهي واحد وتسييده بقوة السلطان، ولا يسود بقوة وسلطة المعرفة وآلياتها الذاتية.
ورغم خروج تيارات التصوف من أسر المجاز اللغوي وضيقه إلى رحابة الرمز في تعاملاتها مع المصحف، وتصورها أن الكون كتاب منثور والقرآن كتاب مرقوم، وأيضا إقامتها علاقة الله مع الإنسان ومع العالم على الحب، وليس على مجرد الطاعة والجبر أو الرغبة في الجنة واتقاء للنار. رغم كل ذلك فقد استغرقت التأويلات الصوفية والعرفانية الشيعية في عوالم من الرمز لم تتقيد بمنطوق الكلام ولا مواضعات اللغة ولا تاريخية الثقافة في كثير من جهودها.
هذه الجهود التي قامت على الطبيعة النصية، وقامت على التركيز على المتكلم وعلى مقصده، ولم تول الرسالة ذاتها ومقاصد الكلام التي قد تكون أوسع من مقصدية المتكلم، ساهمت في تفتيت المعنى عبر تفتيت الوحي وتفتيت القرآن وتفتيت المصحف والتعامل معه بطريقة جزئية؛ ليركز المتكلمون والفلاسفة في سعيهم للوقوف على المعاني اللاهوتية على نوع وعدد معين من آيات المصحف منفصلة عن بقية الآيات. ويركز الفقهاء جهودهم على آيات التوجيهات السلوكية «التشريعية» في معزل عن بقية الآيات. ويركز المتصوفة على آيات ذات بعد أخلاقي وروحي. وفي ظل هذا التفتيت والتجزيء والعزل، تغيب الرؤية القرآنية الكلية للعالم، فكيف نفهم آيات المصحف، وتمييز ما هو توجيهي (تشريعي) منها في ضوء اللاهوتي والأخلاقي والروحي، في سياق ثقافي، من تفاعل الوحي بما هو خارجه. من هنا عجزت نظرية التأويل التي قامت على البنية النصية المتجزئة التي تضع المتكلم ومقصده في بؤرتها، فينتج عن ذلك التأويل والتأويل المضاد، ونحتاج أن نزرع نظرية جديدة لنا في التأويل تستوعب القديم وتقتله فهما، وتبدأ بإعادة تعريف القرآن عبر نقد التصورات السائدة.
3
أدرك نصر أبو زيد ضيق عجزنا الفكري حين ننظر للقرآن على أنه نص كتاب بين دفتي مصحف، حتى ولو استخدمنا كلمة نص بمعناها الحديث في علوم تحليل النصوص وتحليل الخطاب - المفهوم الذي استخدمه ودافع هو عنه - ليبني على جهود محمد أركون (1928-2010م) في دراسته للظاهرة القرآنية. فسعى ليعيد النظر في تعريف القرآن تعريفا جديدا يخرج به من مفهوم قدم القرآن عند التراثيين، وكذلك يخرج به عن ضيق مفهوم خلق القرآن الذي قال به المعتزلة؛ لينتقل إلى النظر إلى المصحف لا كنص، بل كمجموعة من النصوص. ثم وجد أبو زيد أن القرآن في تعريفه الذي يفسر خصائصه هو أقرب لمفهومنا المعاصر للخطاب منه لمفهوم النص؛ حيث إن الخطاب بنية تحاورية ونسق يقوم على التفاعل تأثيرا وتأثرا بين أطراف الخطاب؛ حيث يقوم المخاطب والمخاطب في تشكيل الخطاب. ويحضر سياق كل منهما في جوانب الخطاب بجوانب للسياق متعددة. ومما يميز الخطاب هو أن حضور المتكلم يكون عبر تعدد أصوات داخل بنية سردية وليس صوتا واحدا. كذلك من مميزات الخطاب أن يعمل تحليل الخطاب على دراسة نمط الخطاب أو فحواه. ويتم دراسة تأثير الخطاب على المتلقين وردود أفعالهم على الخطاب. فتعرض نصر أبو زيد لتجلي البنية الخطابية في القرآن وسعى لدراسة مدى إدراك أسلافنا أو عدم إدراكهم للجوانب الخطابية من القرآن؛ ليصل إلى أن بنية القرآن هي أقرب إلى أن تكون مجموعة من الخطابات.
অজানা পৃষ্ঠা