এভাবে সৃষ্টি করা হয়েছিল: একটি দীর্ঘ গল্প
هكذا خلقت: قصة طويلة
জনগুলি
وإنني لتساورني هذه الهواجس، وتعبث بي هذه الهموم إذ جاء إلي ولدي ذات صباح مقطب الجبين، يذكر لي أن أخته تركت بيت زوجها، وجاءت إلى بيته تقيم به، وأنه حاول أن يعيد الصفاء بين الزوجين فلم تفلح محاولته، وأن هذه لم تكن أول مرة اشتد الخلاف فيها بينهما، وأنه يلجأ إلي لأتدبر الأمر بحكمتي بعد أن تولاه اليأس منه، وبعد أن خشي أن يؤدي إلى نتائج لا تحمد عاقبتها.
وتولتني الدهشة لما سمعت، فقد كنت مقتنعة إلى يومئذ بأن ما دار من حديث بيني وبين ابنتي حين زارتني مع عمها بالمدينة قد ردها إلى صوابها، وأن ما قلته لها عن ذكاء الأنوثة وسلطانه القاهر قد مكنها من التغلب على نزواتها ونزوات زوجها، وكان مصدر اقتناعي هذا أن ما كان يرد لي من خطابات، خلال الأشهر الخمسة التي كنت فيها بعيدة عنهم، لم يرد فيه شيء يزعزع هذا الاقتناع، بل كانت كلها تتحدث عن هناءتهم وسعادتهم في انتظار عودتي إليهم، أفجد بعد عودتي إلى مصر جديد أثار منازعات الزوجين؟ وهل يحدث مثل ذلك ونحن نعالج همنا، ونحاول أن نداوي مصابنا؟
وأطرقت برهة أفكر في الأمر وكيف أتدبره، وفجأة انحدرت من عيني دمعة لخاطر مر بخيالي؛ أولم تكفني وفاة زوجي عقابا لي على ما سلف من أوزاري؟ أم يريد القدر أن يضاعف عقوبتي في شخص ابنتي؟ أين إذن ما كان من توبتي واستغفاري؟ لست أنا إذن ولية الله الصالحة، بل لست إذن المذنبة التائبة، فها هي ذي توبتي لم تقبل، وهأنذي أواجه من قسوة القدر ما لا قبل لي به، ولا طاقة لي باحتماله.
وبصر بي ولدي والدمعة تنحدر من عيني، فزايل جبينه قطوبه وأقبل علي يواسيني ويخفف الهم عني، ورفعت عيني ونظرت إلى وجهه، فإذا الطيبة بكامل معناها مرتسمة على أساريره، طيبة أبيه زوجي الأول، وإذا هو يقول لي: «لا تجزعي يا أماه، سأبذل لراحة أختي كل ما أستطيع بذله، وإذا لم يكن إلى مصالحتها مع زوجها من سبيل، فسأحمل عبء حياتها، لتعيش كريمة ما حييت وما استطعت إلى ذلك سبيلا.»
وقبلته وقد ازداد تأثري لمشابهته أباه في طيبته، كمشابهته إياه في ملامحه، ألا كم جنيت عليه وعلى أخته بانفصالي عن أبيهما بعد أن بذل في سبيل رضاي كل ما يستطيع إنسان بذله! وبعد هنيهة قلت له: «عد إلى منزلك، وسألحق بك فيه عما قريب.»
وانصرف الشاب وذهبت أنا إلى خلوتي أصلي بها ركعتين لعل الله يهديني الرشاد في أمر ابنتي، وما كدت أتم صلاتي حتى امتلأت عيناي بالدمع مرة أخرى؛ إذ خيل إلي أن شواظا من جهنم قد سلط على ضميري يعذبه، وأن هذا الشواظ قد صور في شخص ابنتي، وأنني لن يهدأ لي بعد اليوم بال، ولن تطمئن لي نفس؛ لأنني عذبت أباها، فحق علي أن أوفى جزاء ما قدمت يداي فأتعذب لعذابها، وأتألم لألمها. وعبثا حاولت أن أطرد هذا الهاجس الذي استبد بي زمنا لم أدر أطال أم قصر، ولولا أنني خشيت أن يطول على ولدي غيابي لأمسكني هذا الهاجس، فلم أستطع من خلوتي حراكا، لهذا قمت وارتديت ملابس خروجي، وذهبت إلى منزل ولدي.
ودخلت على أهله فألفيت زوج ولدي تحدث ابنتي في رفق تحاول إقناعها بالعود إلى زوجها، وجلست إليهم وسألت ابنتي: ما أغضبها؟ قالت وفي نبرة صوتها حدة لم آلفها يوم تحدثت إليها وأنا بالمدينة المنورة لأعيد الصفاء بينها وبين زوجها: «لم يبق يا أماه في قوس صبري منزع، ولم يبق من انفصالي عن زوجي مفر، لقد كنت أشكو من قبل تدخله في أخص شئوني، وقد استطعت بفضل نصائحك أن أتغلب على ذلك بتمليق غروره تارة، وبالتظاهر بموافقته أخرى، أما اليوم فالأمر مختلف، لقد تمكنت الغيرة من نفسه على نحو يشبه الجنون، وهو لا يغار من رجل بذاته، بل يغار من كل رجل يتجه إلي نظره، وإن له لصديقا يزورنا بين الحين والحين ويجاملني بالثناء على ثوبي، أو يبدى إعجابه بحسن حديثي، فإذا انصرف رأيت زوجي انقلب شيطانا يحاسبني على كل كلمة قالها صديقه، وقلت له حين تكرر ذلك منه: «إذا جاء صاحبك هذا إلى هنا فلا تدعني لألقاه حتى لا تثور غيرتك»، وكان جوابه: «وما تريدينه أن يقول عني؟ أتريدين أن يتهمني بالتأخر؟ لكن واجبك ألا تتزيني زينة تثير إعجابه، ولا تتحدثي حديثا يستدعي طول إنصاته.» وأجبته إلى ما أراد، فلما جاء صديقه يوما ودعاني هو إلى مجلسهما ذهبت إليه في ثياب أشبه ما تكون بثياب المنزل، ولم أزد في الحديث على أن أجيب بإيجاز عما أسأل عنه، ولم يزد صديقه في أثناء ذلك على أن جاملني بكلمات من مألوف القول، ومع ذلك اشتد زوجي في تأنيبي على إهمال ثوبي، ثم اتهمني بأني أردت بثوبي وبحديثي أن أثير عجب صديقه بدل أن أثير إعجابه، وليس هذا يا أماه إلا مثلا مما يدور بيننا كل يوم، أترين حياة كهذه يمكن أن تطاق؟ أوليس انفصالنا خيرا من الصبر عليها أو انتظار ما هو شر منها؟!»
دار بخاطري وأنا أسمع حديث ابنتي أن القدر ينتقم في شخصها من مثل غيرتي، حين كنت ألوم أباها على العناية بصديقتي، أفقدر لهذه المسكينة أن ترث كل حظي، وأن تعاني في حياتها ما عانيت في حياتي؟ أفحق أن الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون؟ وهل تجمع هذه العبارة القديمة في ألفاظها القليلة قوانين الوراثة التي تحدثنا الكتب الحديثة عنها؟ مهما يكن من أمر فمن واجبي اليوم أن أعالج ما حدث بين ابنتي وزوجها، فإن نجحت فذلك ما أرجو، وإن لم أنجح فمن حسن حظ ابنتي أنها لم تنجب بعد، فهي لذلك غير معرضة في مستقبل حياتها لما تعرضت وأتعرض له من تبعات تثقل الضمير وتبعث إلى النفس الأسى والشجن.
أتمت ابنتي كلامها فقلت: «أريد قبل أن أحكم لك أو عليك أن أسمع كلام زوجك لأكون أدنى إلى العدل بينكما، فدعينا أنت الآن، واذهب يا بني فادع زوج أختك إلى هنا، وقل له إنني أريد أن أتحدث إليه.» ولم يبطئ ولدي في العود مع زوج أخته، فهما يسكنان عمارة واحدة، وحياني الشاب تحية حسنة، وإن بدا الجد على وجهه، فلما اطمأن به المجلس قلت له: «أنت يا بني شاب حصيف عاقل، وابنتي في عصمتك، فأنت الذي تعصمها من خطئها إذا أخطأت، وأنت الذي تعصمها من الغير إذا حاول الغير أن يسيء إليها، وأنت كذلك الذي تعصمها من غضبك إذ بلغ هذا الغضب أن يعرضكما لسوء، فكيف - وذلك مكانك منها - يبلغ النفور بينكما مبلغا لم يستطع زوجي - عليه رحمة الله - في وقت من الأوقات أن يتغلب عليه ، ولم يستطع ولدي أخيرا أن يصلح منه؟ إني ألجأ يا بني إلى حكمتك وحسن رأيك، فإن تكن زوجك مخطئة عاونتك عليها ورددتها إلى صوابها.»
أمسك الشاب برهة عن الكلام وكأنه يريد أن يبحث في ذاكرته عن تهمة يلصقها بزوجه، وأحسبه لم يجد شيئا معينا يذكره، فاندفع يقول: اسمعي يا أماه، يجب أن تعلمي أنني رجل شديد الغيرة، وفي ابنتك جاذبية شديدة أحببتها من أجلها لأول ما رأيتها، ولا أزال أحبها أشد الحب وأعنفه، لكن هذه الجاذبية تجعل غيري من الرجال يحاولون التقرب منها، بل التمسح بها، أنا أعلم أنها لا ذنب لها في ذلك، فجاذبيتها بعض خلقها، لكن هذا التقرب يثير غيرتي إلى أبعد حد، ويدعو إلى ما يقع بيني وبينها من خلاف، وقد خيل إليها أن انفصالنا بالطلاق هو الدواء لما أشكو منه، وأنت تقدرين أن ذلك أسخف الرأي، وأنه وهم باطل، فحبي إياها سبب غيرتي عليها، ولولا هذا الحب العنيف لهان علي أن أنفصل عنها، فهل لديك لهذا الموقف الشاذ دواء؟»
অজানা পৃষ্ঠা