এভাবে সৃষ্টি করা হয়েছিল: একটি দীর্ঘ গল্প
هكذا خلقت: قصة طويلة
জনগুলি
وهل الأبوة والأمومة إلا الحنان والعطف؟! أذكر وأنا أكتب هذه العبارة تمثيلية شهدتها في باريس تصور زوجة سامحها زوجها بعد أن أنجبت ولدا من خليلها، ونسب الولد بحكم القانون إلى الزوج الذي أغدق عليه من يوم مولده كل عطفه وحنانه، وشب الولد وكبر وهو يؤمن بأن هذا الزوج أبوه، ثم إنه عثر يوما في أوراق أمه بخطاب عرف منه سر مولده، فثار في عروقه دمه أن حمل هذا الرجل الذي لم يكن أباه كل ما يحمل الأب من عبء لتنشئة أولاده، وتطوع للجندية وندب كطلبه للسفر إلى الهند الصينية فرارا من بيت ليس بيته، عبثا حاول الرجل أن يقنعه بحماقة ما يصنع، وأن طيش لحظة طاف بأمه لا يمحو عطفه هو عشرين سنة أو تزيد. وسافر الرجل يودع الشاب على الباخرة التي تبحر به إلى منفاه ويرجوه أن يعدل من عزمه ، وأبى الشاب، فلما بدأت الباخرة تتحرك ووقف الرجل على رصيف الثغر يودعه ويشير إليه بمنديله الأبيض، صاح الولد: إلى الملتقى يا والدي. وطفح قلب الرجل سرورا بكلمة والدي هذه مقتنعا بأن الشاب آمن برأيه في اللحظة الأخيرة، وأنه لم يقل هذه الكلمة بحكم العادة، ولا بدافع المجاملة.
وهذا الرجل في رأيي على حق، فما قيمة الأبوة أو الأمومة العاقة إلا أن يفرض القانون على هذا الأب أو على هذه الأم أداء الواجب للجيل الناشئ، فإن لم يفعلا لم يكن أيهما حقيقا باسم الأب أو الأم، هذا الاسم الكريم الذي يحمل في طياته أكرم المعاني وأنبلها، وقد حمل زوجي عبء الأبوة لولدي من يوم تزوجنا، فلم أكن مبالغة ولا مغالية في قولي له إنهما ولداه، ولا فيما فعلت من نسبة اسميهما إليه، وإن كان من الحق علي اليوم، وقد مرت السنون على وفاة زوجي الأول، أبيهما، ألا أجحد أنه إلى أن وافته المنية لم يقصر في واجبه إزاءهما، وكان كله الحنان والعطف عليهما.
وتعاقبت السنون وقد وضعت زوجي الأول من ذاكرتي ومن قلبي في قبر سحيق أشد صمتا من القبر الذي يحوي رفاته، فلم يكن اسمه يجري على لساني، بل لم يكن يمر بخيالي، وتعود الولدان أن يخاطبا زوجي مخاطبة الولد لوالده، وألا يذكرا أنهما كان لهما أب سواه، وأن يقدرا ما يحبوهما به من عطف، وما يسبغه عليهما من حنان، ولقد أدهشني منه وأثار إعجابي به أنه لبس ثوب الأب في سلطانه وفي حنانه، وكأن محبته لي أدخلت إلى قلبه من عواطف الأبوة ما احتواه قلبي من عواطف الأمومة، فكان ذلك مدعاة لانسجام الحياة بيننا جميعا كما تنسجم الحياة في الأسرة الواحدة بين الوالدين والبنين.
وظل ذلك شأننا، وظل الولدان يكبران بأعيننا وعنايتنا، لا شيء يكدر صفونا أو يشوب سعادتنا، ولا نطمع من الحياة في خير مما أعطتنا. لم أعد أفكر في السفر إلى أوروبا أو إلى الأقصر، ولم تعد مغريات المجتمع تجذبني إليها، بل أصبحت مملكة البيت مملكتي، والعناية بالبيت ومن فيه مصدر سروري وسعادتي، وقد بلغني في أثناء هذه السنوات الهنيئة أن صديقتي تزوجت فدعوت لها بالتوفيق، ولم يتعرض طيفها لي، ولم يثر جمالها تأثيري، وما لي أنا ولها؟ بل ما لي أنا ولغيري من الناس وقد ظفرت بما كنت أرجو من طمأنينة وسعادة؟ ولقد أنست إلى زوجي وولدي وأنسوا إلي، وقد أصبحت أدعو للناس جميعا بما حباني الله به من فضله.
يقولون إن الأمم السعيدة لا تاريخ لها، ويبدو لي أن الأسرة السعيدة لا تاريخ كذلك لها، إنها تتخطى في هون على متن السنين مألوف حياتها، فلا يثير طلعة أحد، ولا تدعو أحدا للكلام عنها أو للتندر بها، وإن غبطها الناس لما أفاء الله عليها من ستره ورعايته.
وتخطى ولدي الثانية والعشرين من سني حياته، وإنني لجالسة يوما في غرفة نومي إذ دخل علي يبدو على سيماه اشتغال البال، ولم أرد أن أسأله عما يشغله، واثقة أنه لم يحضر هذه الساعة اعتباطا، وإنما جاء يحدثني في أمر يراه جليل الخطر، وللشباب عذرهم إذا اضطربوا لما لا يوجب الاضطراب، فليست لهم من تجارب الحياة مناعة ترد عنهم شتات البال وتبلبل الفكر في كل شأن جل أو صغر. وأمسك الشاب عن الكلام هنيهة بعد أن جلس إلى جانبي، وكأنه يدير الأمر في رأسه ليصوره لي، على أنه ناء بالصمت بعد قليل فاندفع يقول: «جئت أحدثك يا أماه في أمر أجل من كل ما تتصورين خطرا، لقد أعجبتني فتاة تعرفينها وتعرفين أهلها، وأردت أن أخطبها إلى نفسي، ورأيت أن أسألها أتوافقني على أن نتزوج؟ فقالت في حياء وخفر إن الأمر في ذلك لوالديها، ولم أرد أن أفاتحك في الأمر قبل أن أطمئن إلى رأي أمها، فأنا أعلم أن الأم إذا رضيت بعد أن رضيت ابنتها، فقلما يرفض الأب ما رضيتاه، فلما ذهبت إلى تلك الأم الطيبة القلب وعرضت عليها الأمر وقلت لها إن ابنتها تركت الحكم في ذلك لأبويها، قالت: «إنني يا بني لا أعز عليك شيئا، ولا أعز عليك ابنتي، لقد كان والدك - عليه رحمة الله - صديقنا، وكان من خير الناس وأطيبهم قلبا وأكثرهم مروءة، لكنك يا بني محوت اسمه من اسمك، وأبدلته باسم زوج أمك، ولم أكن أنا ولم يكن زوجي راضيين عن ذلك من يوم حدث، فذكرى أبيك أعز علينا من أن تمحى، وأسألك يا بني: إذا تزوجت ابنتي وأنجبت منها وسأل الناس ولدكما عن جده لأبيه فماذا يقول؟ أيذكر أباك الحق أم يذكر زوج أمك؟ فإن شئت يا بني أن أخاطب زوجي فيما تطلب فأعد قبل كل شيء اسمك كما كان، انتسب لأبيك لا لزوج أمك، فإن فعلت فحبا وكرامة، ولك علي أن أحاول إقناع زوجي لتكون زوج ابنته، أما إن أبيت فعزيز علي أن أبلغك أننا آسفون إذا لم نستطع أن نجيبك إلى ما تطلب، ولا أريد منك الساعة جوابا، بل ترو في الأمر واستشر فيه.»
كذلك قالت لي يا أماه، وقد رأيتها على حق، فجئت أعرض الأمر عليك قبل أن أتخذ فيه إجراء أو أخطو فيه خطوة، فأشيري علي.»
بم أجيب؟ ليس الأمر الذي يعرضه علي ولدي نزوة شباب، ولا هو من ضآلة الشأن بما يثير ابتسامتي، بل هو أجل خطرا بالفعل من كل ما توقعت، فلا بد لي من مواجهته بشيء من الحزم يرد عني وعن أسرتنا كلها ما يهددها في صميم كيانها، لذلك لم أتردد في أن قلت: وما لأم هذه الفتاة أن تتدخل في أخص شئوننا وشئونك؟! وهلا ترى من تدخلها اليوم أنك إن صاهرتها غدا فستظل مستبدة بك تحاول توجيهك في الجليل والحقير من أمورك؟ لذلك أنصحك أن تعدل عن التفكير في هذه الفتاة، وأنا كفيلة بأن أجد لك خيرا منها يفرح بها قلبك، ويفرح بها قلبي، هذا إن كنت مصرا على الزواج وأنت لا تزال في هذه السن المبكرة، أما إن أردت الخير لنفسك فأجل تفكيرك في إقامة أسرة قد تنوء اليوم بأعبائها، حتى يعاونك عمل تنهض به، ويدر عليك أخلاف الرزق لتسعد أنت بأسرتك، وتسعد هذه الأسرة بك .
وأجابني الفتى: ليس الأمر الساعة أن أؤجل التفكير في الزواج أو أعجل به، وإنما الأمر في هذا الاسم الذي أحمله بغيا بغير حق، ولقد خاطبت أختي في أن نعود باسمينا إلى اسم أبينا الذي أنجبنا فوافقتني على ذلك، ولم يبد زوجها اعتراضا، هذا لب الموضوع في حديثي لك اليوم، فإن أنت وافقتني ثم اعترضت على زواجي من هذه الفتاة لأسباب تعرفينها فإني عند رأيك، ولا أعصي أمرك، فهل ترين ما يمنع عودتنا إلى التسمي باسم أبينا؟ إننا الآن راشدان أنا وأختي، ونستطيع هذا الأمر من تلقاء أنفسنا، لكنا لا نقدم عليه حتى تكوني راضية عنه مطمئنة إليه.
قلت وأعصابي تضطرب وأكاد أرى أسرتنا تنهار أمام عيني: أنظرني إلى غد أروي في الأمر وأشير بالرأي فيه، فإنني الساعة متعبة وأشعر بالحاجة إلى الراحة.
অজানা পৃষ্ঠা