এভাবে সৃষ্টি করা হয়েছিল: একটি দীর্ঘ গল্প
هكذا خلقت: قصة طويلة
জনগুলি
وأخذت لهذه العبارة الأخيرة، فلن يحملني اعتبار أيا كان على التحدث إلى هذه المرأة التي سلبتني هناءتي وسعادتي، بل سلبتني كل ما في الحياة من نعمة وجمال، على أني سارعت مع ذلك وقلت لمحدثتي: «أنت يا سيدتي في غير حاجة إلى من يقدمك لها، وحسبك أن تبادئيها الحديث بإطراء جمالها لتكسبي قلبها، وهي طيبة القلب كما ذكرت لك، ويسرها لذلك أن تعامليها من غير كلفة ولا رسميات.»
لا أستطيع أن أصف ما أثاره هذا الحديث في نفسي من غيرة ومن حيرة، لقد كان هذا الانتصار الباهر الذي أحرزته صديقتي خنجرا مسموما صوب إلى صدري، ولكني كتمت موجدتي، واتخذت من طفلي مسلاة لي أنسى بهما همي وكربتي.
وتناولنا طعام الظهيرة وذهبنا إلى بهو الباخرة نتناول القهوة، فإذا إعلان بخط واضح أن الآنسة الإيطالية، ضاربة الكمان الشهيرة في الأوساط العالمية جميعا، تفضلت بإحياء سهرة هذا المساء في بهو الباخرة، وتبدأ الساعة التاسعة والنصف، والجميع مدعوون.
أقبل المساء وبدل المسافرون ملابسهم لطعام العشاء، فإذا صديقتي أبدع ثوبا وزينة مما كانت عليه أمس، وإذا العيون تنهبها ساعة دخلت قاعة الطعام، وعجب الناس حين رأوها تتخطى المائدة التي كانت تجلس عليها الليلة الماضية إلى مائدة القبطان لتجلس إلى جانبه، عند ذلك دوت القاعة بالتصفيق مما أخجل مصريتي، فلما فرغنا من الطعام وذهبنا إلى البهو إذا رجال الباخرة قد استحدثوا فيه منصة للاعبة الكمان، وإذا على هذه المنصة كراسي ثلاثة لم نعرف لمن وضعت، وبعد قليل أقبل القبطان وعن يمينه لاعبة الكمان، وعن يساره صديقتي، وإذا هم يصعدون جميعا إلى المنصة، ويجلس القبطان بين السيدتين، فلما سكن تصفيق الحضور وقف القبطان يقول: «لا حاجة بي إلى تقديم الآنسة ربة الكمان وشهرتها تغنيها عن كلامي، وكمانها الذي ستسمعونه عما قليل أبلغ عبارة مني في تقديمها، أما السيدة المصرية فقد عرفتموها جميعا ليلة أمس، بعد أن قدمها لكم جمالها وظرفها وقلبها الكبير، والكلمة الآن للكمان البارع.»
فلما كان يوم الرحيل وذهبنا إلى الميناء ألفيت زوجي في انتظارنا، فلما رآنا أقبل علينا وقبل الولدين.
ولعبت الآنسة عدة مقطوعات لعبت معها بالعقول والقلوب، فكانت كل مقطوعة تنتهي تدمي الأكف بالتصفيق، ولست أذكر أني سمعت موسيقى بلغت من الإعجاز ما بلغت موسيقى تلك الليلة، سمعنا مقطوعات لبتهوفن، ولموزار، ولفاجنر، وأمثالهم من الخالدين الذين أشاعوا في جو العالم أبدع الأنغام وأعذب الألحان، فلما فرغت الآنسة من إيقاعها البارع البديع الذي سما بنفوسنا إلى أجواء الفن العليا، وقف القبطان يشكرها لما أسعدتنا جميعا به من تلك الموسيقى السماوية، ثم قال: «ولم أرد أن أروعكم ساعة بدأت هذه الحفلة، فقد صادف بدؤها بدء عاصفة لعبت بالباخرة، وستحسونها جميعا عما قليل، لكن هذه العاصفة وعبثها بالباخرة لم يكن لهما أي سلطان على الآنسة؛ لأن فنها ملكها في أثناء لعبها فلم يكن لغيره، ولم يكن للعاصفة، سلطان على أصابعها البارعة، ولا على جسمها الذي استطاع أن يحتفظ بكل توازنه أكثر مما استطاعت باخرتي أن تحتفظ بتوازنها.
ولم تقف قدرة الآنسة عند هذا الحد، فقد أنستكم جميعا ببراعة فنها أن الباخرة تميل يمنة ويسرة؛ لأن أنغامها أمسكتكم في مقاعدكم تطربون لها وتستمعون إليها، أفلا يوجب هذا كله علي وعليكم أن نضاعف شكرنا لمن أباحت لنا هذا الفن الجميل، وأنستنا غضب البحر وهياجه؟! فباسم هؤلاء الحاضرين واسمي أقدم لك يا سيدتي خالص الشكر وجزيل الثناء.»
واندفع الحاضرون نحو المنصة يحيون الآنسة ويشكرونها، ولكن الأعجب من هذا أنهم كانوا يتجهون بعد تحيتها إلى صديقتي يحيونها هي الأخرى، ثم يقفون حولها يبدون من الإعجاب بجمالها مثل إعجابهم بالكمان ولاعبته، وحاولت صديقتي أن تنصرف حين انصرف القبطان، فإذا المحيطون بها قد ضربوا حولها نطاقا يتعذر اختراقه، ولم ينجها من هذا الموقف إلا أن أعلنت أنها بدأت تشعر بالدوار، وأنها في حاجة إلى الهواء الطلق، أو تهبط إلى قمرتها ، عند ذلك أفسح المحيطون بها طريقا لها، وكلهم يكررون آي إعجابهم بجمالها ورقتها وظرفها.
وكنت أشهد ذلك مشدوهة، لا دهشة أعظم من دهشتي، ولا حيرة أعظم من حيرتي وغيرتي، ولو أن زوجي اختار لها أن تسافر معي على هذه الباخرة كيدا لي، لقد بلغ من كيده ما أراد، وأكثر مما أراد، أما إن كانت المصادفة هي التي ساقت ذلك كله إلي فيا لبؤسها من مصادفة مشئومة!
وخرجت مع الناس إلى ظهر الباخرة، وكأني أشعر بالدوار يعبث بي، فهبطت مسرعة إلى قمرتي، وقضيت بها ليلة نابغية، فلما أصبحت كان البحر قد استرد اتزانه فسكن هياجه، وعاد سلسا كما كان، والتقيت بالفرنسية بعد الفطور، وتبادلنا التحية، وأخذت تحدثني عن موسيقى الآنسة الإيطالية وروعتها، ثم قالت: «وصاحبتنا المصرية، أرأيت تهافت الرجال عليها، واستسلامهم لفتنة جمالها؟» قلت: «نعم، رأيت ذلك ولم يدهشني، ذلك شأن الرجال، يترامون على المرأة ترامي الفراش على النور، ثم لا يعنيهم أن تحرقهم بنارها، وتذري بقاياهم في الهواء يبددها كل ريح.»
অজানা পৃষ্ঠা