এভাবে সৃষ্টি করা হয়েছিল: একটি দীর্ঘ গল্প
هكذا خلقت: قصة طويلة
জনগুলি
وتنفست الصعداء حين نزلت بيتي أنا، لا بيت زوجي، وشعرت كأن عبئا ثقيلا قد انزاح من فوق صدري، واستنشقت رئتاي هذا الهواء الجديد، هواء الحرية المطلقة، وخيل إلي أن السعادة أصبحت في متناول يدي، وأنني ألقيت ما كان يساورني من هموم في لجة البحر المترامي بموجه المصطخب أمام نظري، وزاد في غبطتي أني رأيت طفلي مغتبطين بهذا الانتقال كأنما كانا يعانيان ما كنت أعاني، ويضيقان بالجو الخانق الذي كنت أضيق به.
وبعد أسبوع أو نحوه جاء صديقنا يزورني، فلما رأى المنزل ونظامه هنأني على حسن اختياري، ثم تحدثنا في شئون حرص من ناحيته وحرصت من ناحيتي على ألا نشوبها بشيء من ذكرى الماضي، وقد حمدت له عنايته بسؤالي عن الطفلين وأية مدرسة اخترت لهما، ونصحه إياي أن أحتفظ بمربيتهما. وانقضى الوقت وأنا أقص عليه في مرح كمرح الأطفال ما أجده في هذه الحياة الجديدة من مسرة، أيسرها جلوسي إلى شاطئ البحر، أسمع إلى صريف أمواجه، وأستنشق طيب هوائه، وأمد ببصري إلى آفاقه التي لا تنتهي، والتي تحجب في طياتها غيب السموات والأرض.
أتاح لي هذا الهدوء الذي اشتملني أول مقامي بالإسكندرية - لبعده عن موطن النضال، وما يثيره النضال في النفس من غضب - أن أسبر غور نفسي لأستظهر عواطفي، لقد بذلت الجهد في مقاومة صديقتي، أريد أن أستخلص من براثنها زوجي لأختصه خالصا لي ولولدي، غير مطمئنة لتوكيده المتكرر لي أنه لا يحبها ولا يحب غيري، وأن تردده عليها عناية بشأن أولادها لا تشوبه قط ريبة، وقد بقيت أمقتها برغم شعوري في أعماق روحي بأن حجابا قام بيني وبين زوجي يحول دون تآلفنا وامتزاج قلبينا، وقد بلغت قسوتي في مقاومتها ذروتها يوم أوحيت إلى صديقنا فذهب إلى الصحراء فألفاها في سيارة مع قريبي ويدها بين يديه، ورأسها على كتفه، فأفسد ذلك عزمه على التزوج منها، وكان هذا الزواج موشكا أن يتم، وأنا إن أحسست في نفسي ميلا لصديقنا واستلطافا، فلم يبلغ هذا الميل وهذا الاستلطاف مبلغ الحب الذي يجيز لصاحبه أو لصاحبته المغامرة بمثل ما فعلت، ولا أحسب غيرتي من جمالها باعثي على هذا النضال، وهل تراني تحركني غيرة من مثلها ولم يقف جمالها الساحر حائلا دون فتنة المعجبين بي وقد فتنتهم جاذبيتي وذكائي، وسحر حديثي، وسائر مواهبي؟ وحسبي أن أذكر الألماني الذي كان يجالسنا معا بالأقصر، وكيف دفعه ذكاؤه وواسع علمه وسعة أفقه ففتن بي وسحره حديثي، ولم يفتن بها ولم يسحره جمالها. فما الذي حركني إذن إلى هذا النضال؟
لم أهتد إلى جواب على هذا السؤال بعد أن جهدت أياما حسوما ألتمس الجواب عليه، وعند ذلك آثرت أن أدعه واثقة أن الزمن سيكشف لي عن هذا الجواب، وعدت إلى طمأنينتي السابقة الجميلة، وقد زادت حياتي الجديدة في سعادتي بها واستراحتي لها.
كان صديقنا يزورني في عطلة آخر الأسبوع مرتين على الأقل في كل شهر، وإننا يوما لنتحدث إذ فتح الباب، ورأينا زوجي وكأنما يريد أن يدخل علينا، وأجفلت لمرآه وتولتني الحيرة ماذا أصنع؟ لكنه لم يدع لي فرصة للتفكير، فإنه ما لبث حين رآنا أن ارتد على عقبه، وأن أقفل الباب الذي فتحه، وأن هرول مسرعا إلى خارج الدار حتى خلت أنه طيف لا حقيقة له، وأن خيالي هو الذي صوره لي، ولكنني صدمت بهذه المفاجأة صدمة هزت أعصابي، واضطر صديقنا أن يدعو المربية لتسعفني، وانقضى وقت غير قليل قبل أن أسترد هدوئي، فلما سكنت نفسي، واستطعت أن أفكر وأن أتكلم قلت: كيف اهتدى هذا الرجل إلى المنزل، وكيف سولت له نفسه أن يصعد إلى هنا؟
ولم يكن صديقنا أقل مني حيرة ولا دهشة ، فهو لم ير زوجي منذ أطلعه على خطابي، ولم يحدث له من أمري ذكرا، من ذا الذي هداه إذن إلى بيتي؟ وهل تراه يريد أن يفسد علي حياتي من جديد بعد أن تركت له العاصمة كلها، وما فيها ومن فيها؟ لقد كان يخشى قالة الناس فينا إذا هو سرحني ولم يمسكني، أما وقد حسمت ما بيني وبينه بهذا الانفصال من غير طلاق فما مطاردته لي، كأنني سجين هارب من سجنه، ولا مفر من إعادة القبض عليه؟!
انصرف صديقنا حين أوشك النهار أن يولي، بعد أن حاول ما استطاع أن يهون علي ما حدث، فلما خلوت إلى نفسي ارتسمت أمامي صورة زوجي ساعة فتح الباب علينا ووجدني في خلوة مع صديقنا، وكاد يتولاني الدوار من جديد، ترى أي ظنون قامت بذهنه لهذا المنظر الذي لم يكن يتوقعه؟ أم تراه جاء وهو يعلم بوجود صديقنا عندي، فأراد أن يظهرني على أنه يعلم من أمري ما أردت ستره؟ أم أنها المصادفة البحتة هي التي ساقته في تلك الساعة، وأوقفتني منه موقفا أرتج علي فيه فلم أستطع أن أقول كلمة، ولم أستطع أن أزجره لاقتحامه علي بيتا هو بيتي وليس بيته ولا شأن له به؟ وكذلك أخذت أقلب هذا الأمر في نفسي، ثم ترتسم بين آونة وأخرى أمام خيالي تلك الصورة التي أثارت انزعاجي، ترى أين ذهب بعد أن ولى مدبرا وأقفل الباب وراءه؟ هل ذهب يدعو من يشهد ما رأى؟ لكن أحدا لم يحضر، وهل تراه غادر الإسكندرية أم بقي بها؟ وهل أستطيع أن أراه لأؤنبه على فعلته المنكرة؟
وجفا النوم مضجعي تلك الليلة لكثرة ما فكرت فيما عساي أصنع، وكيف أستطيع أن أعلم كيف عرف زوجي مقري، ولم يغمض لي جفن حتى الهزيع الأخير من الليل، فلما استيقظت ضحى الغد ناولتني مربية أولادي خطابا عرفت لأول ما رأيت عنوانه أنه من زوجي، وتوقعت قبل أن أفتحه أن أقرأ فيه من فحش القول وهجر الكلام ما لا أستطيع الرد عليه، وما لزوجي كل العذر في أن يقوله، فلما فتحته وتلوته انقلبت مخاوفي دهشة وعجبا، وتولاني من الحيرة ما كاد يذهلني، فهو كتاب موجز كل الإيجاز، وفيه يقول زوجي بعد تحية رقيقة إنه لم يحضر إلى بيتي لظنة قامت بنفسه كما قد أتوهم، ولكن عليه واجبات بصفة كونه زوجا وأبا لا يمكن أن يهملها، ولا بد له من أدائها، ويسألني أن أفكر لصحتي وصحة الولدين أن أسافر إلى أوروبا هذا العام ليبعث لي نفقات السفر كما عودني، ويختم خطابه: زوجك الوفي المخلص.
لم أصدق عيني حين تلوت الكتاب، فأعدت تلاوته مرة ومرة ومرة، ثم شعرت بعد هذه التلاوة وكأنني هويت من أعلى السحاب! يا عجبا! أولو كانت في يد هذا الرجل طبنجة أفرغها في وفي صديقنا، أفكان يلومه أحد؟ أولو كانت معه هراوة أدارها علينا، ثم طرد صديقنا كما يطرد الكلب، أفما كان الناس جميعا يرونه محقا؟ أولو كان قد وجه إلينا أقبح الشتائم وأقذع السباب، أكان في مقدورنا أن ندافع عنا بكلمة؟ لكنه لم يفعل من ذلك كله شيئا، بل انسحب وكأنه لم يرنا، وها هو ذا يبعث إلي بذلك الكتاب العجيب يريد أن يؤدي واجب الزوج والأب، ويعرض علي أن أسافر إلى أوروبا، أأستطيع مع ذلك أن أهمل الرد عليه؟ وإذا رددت فماذا أقول؟!
وأسندت رأسي برهة إلى مقعدي أفكر في الأمر، على أنني ما لبثت أن مر بخيالي أن يكون هذا الخطاب أحبولة نصب لي شباكها، فلو أنني قبلت ما عرضه لكان ذلك أقوى سند له إذا أراد أن يكرهني بحكم القضاء على العود إلى بيته، وإلى طاعته، أأرفض إذن؟ ولكني إن رفضت أسقطت حجتي في مطالبته بنفقتي ونفقة الطفلين إذا اقتضى الأمر. وإني لأفكر في هذا كله إذ جاء صديقنا يبلغني أنه عائد إلى القاهرة، ويسألني أفي حاجة أنا لأي رأي أو معونة، ولعله أراد أكثر من هذا وذاك أن يرى الأثر الذي تركته مفاجأة زوجي في نفسي بعد انقضاء يوم كامل عليها، فلما أريته الخطاب وتلاه تولاه من الدهشة ما تولاني، وأخذ يقلب الأمر معي على وجوهه بعد أن ذكرت له ما ثار عندي من ظنون، ثم إننا اتفقنا على أن أكتب له في إيجاز كتابا أقول له إنه أدرى بواجبه أكثر مني، وإن طبه يسمح له بأن يقدر حاجة الولدين للسفر إلى أوروبا، فإن رأى ذلك ورأى أن أسافر معهما للعناية بهما فإنني لن أقصر في القيام بواجب الأمومة، وسأنهض به كما ينهض هو بواجب الأبوة، أما إن رأى بقاء الطفلين بمصر فلا اعتراض لي على ذلك، فصحة الولدين غاية همي، والعناية بهما مصدر سعادتي وهنائي.
অজানা পৃষ্ঠা