এভাবে সৃষ্টি করা হয়েছিল: একটি দীর্ঘ গল্প
هكذا خلقت: قصة طويلة
জনগুলি
ثم إنني قلما كنت أرى ما ينبهني إلى ذكر والدتي، فقد كان والدي يخرج كل صباح، ثم لا يعود إلا لتناول طعام الغداء، وليستريح بعده في سريره ساعة يخرج بعدها من جديد، ولم أكن أسأله كيف كان يقضي وقته، وكانت الطاهية تدخل مطبخها في الصباح لإعداد الإفطار، ثم لإعداد طعام النهار، أما الخادم الصغيرة فكانت من الإسكندرية، ولم أكن قد رأيتها من قبل، وقلما كنت أجد الفرصة للتحدث إليها، إلا حين تصحبني ساعة خروجي بعد الظهر أسير على شاطئ البحر، وفي تلك الساعة كانت تقص علي أنباء تافهة عن مخدوميها أصحاب الطابق الذي نقيم به، ولم يثر عنايتي من حديثها إلا إعجابها الذي لا حد له بجمال سيدتها، وجمال أخت هذه السيدة التي تزوجت قبلها، ثم ظلت سنوات مع زوجها لم تنجب فطلقها؛ لأنها لم ترض أن تشاركها فيه امرأة أخرى يرجو أن يرزق منها الخلف الصالح.
على أن هذه المسكينة المحسنة التي خففت بعض لوعتي لم تبلغ أن أنستني فادح مصابي، ولا حجبت عني طيف المتوفاة العزيزة التي أذاقني موتها طعم اليتم المرير، فقد كانت تتبدى لي في أحلامي، وكنت أرى طيفها في شبه اليقظة وأنا أنظر من الدار إلى غاية الأفق، وكأنها ترنو إلي بعيون ممتلئة حنانا وعطفا، وكثيرا ما كنت أناجي السماء عند هذا الأفق البعيد أسائلها: لم حرمني الله أمي وما جنت ذنبا، بل كانت البر والرحمة بكل محتاج إلى البر وإلى الرحمة؟!
وكنت أعيد هذا السؤال على نفسي إذا تبدت لي أمي في أثناء النوم، ثم استيقظت بكرة الصباح دامعة العين منقبضة النفس، واستبد بي هذا السؤال أيامنا الأخيرة بالإسكندرية، حتى كنت أخرج أحيانا من صلاتي قبل أن أتمها مخافة أن يجزيني الله بالتعرض لقضائه أو الاعتراض عليه، وكنت في بعض الأحيان أجمع بين يدي كل قوتي، وأمضي في الاعتراض على ما أراه ظلما وقع بوالدتي وبي، حتى إذا شعرت أنني أصبحت على شفا جرف من هاوية التجديف ارتددت فزعة أبكي، وأنا لا أدري: أكان بكائي فرقا من هول ما اجترحت في حق ربي، أم من هول المصاب الذي أذبل صباي وشبابي، وجعلني أرى المستقبل أمامي أسود لا يبدد ظلمته خيط من ضياء؟
وأدت بي هذه الحال إلى إهمال بعض صلواتي، وكنت من قبل حريصة على ألا يفوتني فرض منها، كما بدأ يخامرني شيء من الشك فيما كان أستاذي يلقيه علي من دروس الديانة.
وعدنا إلى القاهرة لموعد بدء الدراسة في المدرسة السنية، فلما كنت بين زميلاتي ومعلماتي لم أجد بدا من العودة إلى العناية بمصلى المدرسة محافظة على مكانتي، وانخرطت في الدرس، وضاعفت مذاكرة علومي في البيت، ووجدت في ذلك مسلاة عن همي، وجاءت عمتي من جديد فتولت تدبير المنزل، ثم أعفتني المذاكرة من طول المكث معها، واطردت حياتنا على هذه الوتيرة زمنا كان والدي يسبغ علي في أثنائه أضعاف ما كان يسبغه علي من قبل من عطف وحنان، وأخذت عمتي تدنيني منها، فأنساني مر الزمن ما سمعته من خدم البيت عن حديثها مع أبي في أمر زواجه، فلم تبق في نفسي من ناحيتها تلك الحفيظة التي شعرت بها من قبل، وتعودت حياة اليتم وأخذت أشعر بضرورة الاعتماد على نفسي في كل شأن من شئوني، وبأني مطالبة فوق ذلك بالاشتراك مع عمتي في تدبير شئوننا المنزلية، وبخاصة ما تعلق براحة أبي في ملبسه وفي غرفة نومه، آملة أن يجد في عنايتي بأمره ما يصرفه عن التفكير في الزواج.
الفصل الثاني
أقبل شهر رمضان بعد أسابيع من بدء السنة الدراسية، فاختار أبي فقيها ندي الصوت، أحيا لياليه مع الفقيه الذي ألفنا سماعه عندنا في هذا الشهر المبارك، فلما كان عيد الفطر خرجت مع والدي وعمتي وزرنا قبر والدتي، وذرفت عليه دمعات سخينة، ووضعت عليه الورود وأغصان الشجر التي أحضرها والدي، وبعد شهرين كان عيد الأضحى، فزرنا القبر كرة أخرى، وسمعنا عنده من يرتل القرآن، ووضعت عليه الورود وأغصان الشجر، وشعرت بدمعي أقل سخاء مما كان في عيد الفطر، وإن بقي قلبي يشعر بألم اليتم شعورا قاسيا عميقا.
وبعد أسبوعين علمت أن أبي سافر إلى الإسكندرية لأمر لم أعرفه ولم تطل غيبته هناك غير أسبوع ثم عاد إلينا وقد تزوج.
تزوج السيدة الجميلة المطلقة شقيقة صاحبة الطابق الذي نزلنا به حين سافرت معه، فلما دخل البيت معها ناداني وقال: سلمي على «تيزة». ونظرت إليها فإذا هي جميلة هذا الجمال الشركسي البارع، فارعة القد، عالية العنق، دعجاء العينين، رقيقة البشرة، دقيقة الأنف والشفتين، يلفت جمالها النظر ويمسكه.
وسلمت عليها في تأديب، وبقيت هنيهة صامتة، ثم شعرت بأني أطلت المقام، فانفلت مسرعة إلى غرفتي، وقد أحسست بالعبرات تملأ عيني، وخشيت عدم القدرة على أن أحبس في صدري نشيج البكاء، وأغلقت باب الغرفة، وانخرطت في حزن صامت مخافة أن يسمع أبي صوتي، ترى ما عسى أن يكون مصيري مع هذه السيدة البارعة الجمال؟ وهل اصطحبني والدي إلى الإسكندرية ليخطبها إلى نفسه وأنا عما صنع في جهل وعماية؟
অজানা পৃষ্ঠা