استشهدت بما سبق؛ لأثبت لك أنني رجل عملي يواجه الحقائق، حينما كنت أكارا كانت دابتي في معظم الأحيان محملة سائرة في الطريق لا مربوطة إلى معلف، وهذه الرواية «حفنة ريح» لم أكتبها لتحفظ في متحف بل لتمثل، وستمثل بنجاح على الرغم من أنك مخرجها؛ بسبب أني تفرست فيها بوقائع الحياة، فنحن ليس عندنا من المسرح حتى ولا أخشابه، وأنت ترى في «حفنة ريح» أنها ذات مشهد واحد من السهل إعداده، فلا رياش ثمين، ولا مناظر غير عادية، ولا تغيير مشاهد تتطلب السرعة والاستعانة بالآلات الميكانيكية أو الأنوار الكهربائية الملونة، أو تزييف الضوء وتغييره بين سطوع وسواد وما بينهما من ألف لون.
كذلك أعرف أن منظماتنا غير محترفة؛ لذلك جاءت «حفنة ريح» قصيرة تفسح المجال لرئيس جمعية «الفلاح والكفاح» أن يرش على النظارة شيئا من اللعاب خلال ممتع الخطاب، أو لقائمقام القضاء أن يظهر افتتانه بأعضاء الجمعية النبهاء الذين يمثلون الرواية، أو لفرقة التلامذة أن يغنوا (نظم الأستاذ محروس بك النابه) نشيد الجمعية:
كلنا نبغي الفلاح
في مساء أو صباح
ولكن أذكر أن كل هذه الحوادث الجسام تجري قبل الرواية لا بعدها، وأن كل ما يسبق الرواية يجب ألا يستغرق أكثر من 29 دقيقة، تسعا وعشرين دقيقة، لا ثلاثين، أفهمت؟
حين مثلوا روايتي «لولا المحامي» في بغداد للمرة الأولى، نهض شاعر لم يظهر اسمه على البرنامج ليلقي بضعة أبيات، فلما فتح فمه وقع ميتا بطعنة خنجر، ولم تهتد الحكومة حتى اليوم إلى معرفة القاتل، أريد أن أعترف لك بأنني أنا الذي قتلته، إن لي شبحا يرافق رواياتي في ليالي التمثيل، وهو يطعن بخنجر مميت كل من يخالف وصاياي.
أغلاط طفيفة
أحذرك من اقترافها؛ مثل أن يجلس أحد الممثلين بين الجمهور بعد أن ينتهي من تمثيل دوره على المسرح، هذه عادة سمجة تقتل الرواية، في تلك الليلة أنت جاد في أن تظهر على المسرح قطعة من الحياة تحاول أن تجعلها حقيقة واقعة، فيأتي أحد ممثليك، فريد أسعد معزور، وبعد أن ينتهي من إبداعه يرجع إلى القاعة، فيجلس بين أفراد عائلته، وهم عادة في المقاعد الأمامية، لئن فعل ذلك فاقبض على رقبته وارم به خارجا، وبعد أن تدغدغ مشفريه بلطمة ساحقة بلغه سلامي، وقل له: رويدا حتى ترجع إلى بيتك فستعانقك الماما فرحة بنجاحك، وستخف إليك في صباح الغد ابنة الجيران بعبارات التهنئة والمديح، أما الآن فابتعد عن الجمهور؛ إذ إننا لا نريد أن نقتل «حفنة ريح». «ترابة إفرنجية»، «سمنت»، «شمنتو»
ليس في الأدب العربي كتاب يفوق «الحواشة السخفولية» قيمة، إذا وقعت بين يديك نسخة منها، فأنت ترى في باب المسرحيات أن الممثل يتمتع بجميع الحقوق التي ينعم بها الشاعر؛ مثل تسكين أواخر حروف الكلمات، وصرف ما لا ينصرف، فلتكن لهجة ممثليك ونطقهم الكلمات أقرب ما يكونان إلى اللهجة العادية في المحادثات، لاحظ قولي «اللهجة العادية» لا «اللهجة العامية»، ولئن اقتتل الفن وعلم النحو، النحو والصرف، فلا تنس أن هذه التي في يمينك هي راية الفن، واذكر أنني أول من اقترح إقامة تمثال للأستاذ إسعاف النشاشيبي، وكنت البادئ بافتتاح الاكتتاب؛ إذ تبرعت بدينار مزيف! ... ولكن لكل موقف رجل، وأنت إذن تكشف أمام جمهور ناحية من نواحي الحياة، تريد أن تحدثهم بكلمات يفهمونها، وإلا كان الأمر حماما بدون مياه؛ إذن فلك أنت أن تستعيض عن «سمنت» ب «شمنتو» أو «ترابة إفرنجية» أي منها أكثر شيوعا وأقرب إلى قلوب الجمهور، وهذا ما ينطبق على «ياخور» أو «إسطبل»، لا تقتل النكتة أو الرواية؛ رغبة بإرضاء الأستاذ إسعاف، الحكومة اللبنانية أرضته، منحته وساما، سأخترع يوما من الأيام شيئا هو عكس الوسام.
خذ عبارة «لو كان دماغك ترابة إفرنجية، لكان رأسك أكبر من معامل شكا» هذه العبارة تكون ناجحة في بيروت، أما في بغداد مثلا، فإنهم لا يعرفون معامل «شكا»، وإني أفوضك بأن تستبدلها بما يفهمه الجمهور العراقي، في بغداد التمر كثير، فيها بالطبع تاجر كبير له عنابر هائلة، لنفرض أن اسمه «جاد الله»، إذن فالعبارة تصبح «لو كان دماغك تمرة، لكان رأسك أكبر من عنابر جاد الله» هكذا يفهمها الجمهور البغدادي.
অজানা পৃষ্ঠা