مر ضوء عينيه على الوجوه، وعلى وجهه ضمنا، فجال بخاطره أنه دخل تاريخ الحكومة، وأنه يحظى بالمثول في الحضرة. وخيل إليه أنه يسمع همهمة من نوع عجيب، لعله يسمعها وحده، ولعله صوت القدر نفسه. ولما استوفت الفراسة امتحانها الوئيد تكلم صاحب السعادة. تكلم بصوت بطيء وهادئ ومنخفض فلم يكشف عن شيء يذكر من جوهره. قال متسائلا: جميعهم من حملة البكالوريا؟
فأجاب حمزة السويفي: بينهم اثنان من حملة التجارة المتوسطة.
فقال صاحب السعادة بنبرة مشجعة: العالم يتقدم، كل شيء يتغير، ها هي البكالوريا تحل محل الابتدائية.
اطمأنت القلوب ودارت فرحتها بمزيد من الخشوع، فقال الرجل: حققوا المأمول منكم بالاجتهاد والاستقامة.
وراح يراجع بيانا بالأسماء حتى سأل عن غير توقع: من منكم عثمان بيومي؟
دق قلبه دقة قوية جدا. وقع نطق الرجل لاسمه من نفسه موقعا مؤثرا عنيفا. تقدم خطوة مطرقا وهمس: أنا يا صاحب السعادة! - ترتيبك ممتاز في البكالوريا فلم لم تكمل تعليمك؟
صمت. اضطرب. لم يدر في الواقع ماذا يقول بالرغم من حضور الجواب في وعيه طيلة الوقت. وعنه أجاب مدير الإدارة كالمعتذر: لعلها ظروف يا صاحب السعادة!
سمع الهمهمة مرة أخرى، سمع صوت القدر. ولأول مرة شعر بأن ثمة زرقة تخضب الجو، وأن رائحة طيبة غريبة تجول في المكان. ولم يحزنه أن يشار إلى «ظروفه» المعوقة بعد أن تقدس شخصه بعطف صاحب السعادة وتقديره. وقال لنفسه إنه يستطيع أن يحارب جيشا بمفرده فينتصر عليه. والحق أنه ارتفع وارتفع حتى غاص رأسه في السحاب، وثمل لدرجة العربدة الوحشية. أما صاحب السعادة فنقر على حافة المكتب وقال مؤذنا بالختام: شكرا، ومع السلامة ..
وهو يغادر المكان قرأ في سره آية الكرسي.
2
অজানা পৃষ্ঠা