ويحاول أن يقول شيئا، فيخونه لسانه أن يقول، ثم لا يشعر بشيء. وبعد لحظات يمد عبد الواحد إليه يدا مرتعشة ويجس نبضه. لقد مات، ولا يدري من أين انبعث هذا الصوت الذي جاءه يقول له في لهجة تقريرية حاسمة: «قتلته.»
ويقول هو دون أن يحس ولكن بلا سلاح، وبعد حين يأتي الطبيب الشرعي ويفحص الجثة ويكتب تقريره «وفاة نتيجة أزمة قلبية»، ويصرح بالدفن فليس في الأمر جريمة، لا ليس في الأمر جريمة.
رضوان أفندي
وبدأت الإجازة الصيفية حيث تنداح الأيام في غمار الزمن، فلا ينفصل يوم عن يوم، ولا ساعة عن ساعة، وإنما هو فراغ طويل يفغر فاها مخيفا، يرسل الملل والضيق والسأم.
لم يعد يهمني ماذا يكون اليوم، أهو السبت فأصحو في باكر الصباح، أم هو الإثنين فأتئد قليلا عند اليقظة، وأتقلب في راحة وسرور فوق السرير، فما يبدأ يومي في المدرسة إلا بعد الحصة الثانية؟ ولم يعد يهمني إن كان اليوم الأربعاء فأتقلب مرة واحدة أو مرتين على الأكثر؛ فقد كان لا بد في العام الدراسي المنقضي أن أكون في المدرسة بعد الحصة الأولى.
وما أفكر الآن في يوم الخميس لأهيئ سهرتي مع أصدقائي حول الراديو؛ لأتيح لنفسي أن أنام في يوم الجمعة حتى يحين موعد الصلاة. تشابهت الآن الأيام، فكلها جمع، فما عاد السهر يحلو لي، وما عدت أستمتع بنومي في يوم الجمعة. الأيام جميعها جمع.
بل إنها خالية حتى من فرض الصلاة الجامعة؛ أصبح يوم الجمعة هو أكثر أيامي مشغولية، وأصبحت الأيام الأخرى فضاء، ما عدا التفكير الذي يسيطر على اليوم.
لقد كنت فيما مضى من أعوام أهفو إلى هذه الإجازة، وأرنو إلى أيامها المقبلة في ضمير الزمن، بعين مترقبة، ونفس متشوقة، وروح مشوقة. ماذا حدث للأيام؟ أتراها تغيرت أم تراني أنا الذي تغيرت؟ كنت قبل زواجي مقبلا على أيام الفراغ لأقضيها مع زوجتي، ومرت الأيام فاكتملت شهور واكتملت الشهور سنين، فما لي لا أجلس مع زوجتي؟
عاقر هي، ما أبغض المرأة العاقر إلى قلبي! شجرة لا تنبت ولا تخضر، سائرة إلى الجفاف بلا ربيع لها، لا تتجدد ولا تتجدد الحياة فيها؛ فالحياة حولها طريق إلى النهاية، طريق لا ينيره أمل من طفل ولا ابتسامة من طفلة، ولا وعد من الحياة أن لي في الحياة من بعدي وجودا من أطفالي. أنا جذورهم، وهم الفروع مثلما كنت فرعا لجذور من قبلي. إنني بزوجتي العاقر قد أوقفت الحياة، لن تتجدد وتسير وتزدهر، كأني كتبت على هذا الجزء الذي أمثله من الحياة «ينتهي بانتهاء صاحبه». أنا في الحياة فناء، أنا نهاية شجرة بدأها آدم ورعاها أجدادي على مر الأجيال، فهي قائمة مزهرة منتجة باقية، حتى إذا بلغتني توقفت عن الازدهار والتجديد، فهي إلى الفناء تجف كلما مر بها يوم، لا نماء لها ولا أمل في النماء. لا أمل؟ ألا أمل هناك؟ وهب زوجتي عاقرا، فهل أنا أيضا عاقر؟ فإذا لم أكن فكيف أقبل أن أشترك معها في إنهاء الحياة، في توقفها؟ كيف أقبل أن أمثل النهاية في عالم يتجدد في كل لحظة ببدايات جديدة مع أطفال جدد سيكبرون في غد ويصبحون جذورا جديدة للحياة. لا لن أكون هذه النهاية. مسكينة زوجتي لقد خلق فيها عقمها نوعا من الغيرة الطاحنة؛ لا أنسى يوم جاءتني فوقية والدة شحاته عبد الموجود ترجوني أن أعطي درسا لابنها اليتيم.
لا أنسى يومذاك حين انتفضت زوجتي فاطمة عن ثورة مشبوبة لاهية: امرأة بلا زوج! ألا تستحي؟ - زوجها مات. - ترسل أخاها. - ولماذا يا ستي؟ لقد جاءت إلي في بيتي وكلمتني أمامك، وسألت عنك قبل أن تسأل عني. - طبعا، تدافع عنها، امرأة بلا زوج وحلوة، وليست عقيما، لماذا لا تدافع عنها؟ طبعا. - يا ستي أبدا. - طبعا. أنا عارفة حظي، بختي مائل طول عمري.
অজানা পৃষ্ঠা