ولا يخرج الشيخ محمود إلا وقد قرأ الفاتحة مع عبد الواحد على أن يزوجه أخته التي وافقت دون أن تفكر، فكأنها كانت تحس بغريزة المرأة أن مصيرها المحتوم هو الشيخ محمود.
ويتم الزواج بعد أسابيع قلائل، وتبدأ الأيام رحلة جديدة مع الشيخ محمود وزوجته نعمات.
أيام عقيمة. يمر الشهر وتليه الشهور، ونعمات لا تبشر زوجها بما يبشر به الزوجات أزواجهن. ويموت الشيخ حمادة فينشغل الشيخ محمود بموت أبيه وبالتركة عن الإنجاب، ولكن الزمان واسع وحادثة الوفاة لا تلتهم منه إلا شهرا أو شهرين، ثم يتسع الزمان مرة أخرى أمام عيني محمود، يتسع عن فراغ ، فراغ قاتل. لا ولد، سيموت هو أيضا بعد حين، طال هذا الحين أو قصر، ويومئذ لا ولد. لن يذكر الشيخ محمود أحد كأنما لم يكن.
لا يجد بدا من أن يذهب إلى القاهرة، وهناك يمر بالأطباء جميعا ويبذل المال عن غدق، ولكن المال لا يجدي كما لا يفلح الأطباء، والسنوات تغول العمر، ويمر الشباب، وتتخطر الكهولة إلى الشيخ محمود في ردائها الأبيض الباهت، وينظر الرجل إلى ما فاته من عمره وما بقي منه، فتروعه النظرة، لن يبقى له قدر ما فات.
وينظر إلى زوجته، طيبة هي حنون لا تعصي له أمرا، ولا تناقش له رأيا، ولكنها عقيم، أو لعله هو العقيم، لا يدري، إنما المؤكد أن زواجهما عقيم، ويأتي إليه يوما الشيخ عبد الواحد: محمود، لقد أطلت البحث عند الأطباء. - أمر الله يا عبد الواحد. - تزوج من أخرى. - على نعمات! على أختك! أموت ولا أفعل هذا. - أنا الذي أطلب هذا. - والله وإن طلبت نعمات نفسها. - لقد وافقت. - أقلت لها؟ - نعم.
جزاك الله، لقد روعتها بغير داع. والله لن يكون هذا أبدا، لا والله لن يكون هذا. أنا والله لا أدري إن كنت أنا العقيم أم هي، وما كنت لأتزوج وأختك في بيتي أبدا. إنك حياتي كلها يا عبد الواحد، ولو لم أكن أعرف أنني سأكرم أختك حتى يختارنا الله ما تزوجتها.
ويرفض الشيخ محمود رفضا قاطعا وتمر السنون، ويدرك الشيخ محمود أن لا أمل إلا أن يكثر من اصطحابها إلى القاهرة، وينزل بها في أفخر الفنادق، وينفق عن سعة، فإذا قصر المال الناتج عن الأرض باع بعض أرضه وأنفق، وعاشا سنوات في بحبوحة وهناء.
حتى خطر لها يوما أن يحجا إلى بيت الله، وكان هو يفكر في شيء آخر؛ كان يفكر أن يبيع البقية الباقية من الأرض وينفق منها ما بقي لهما من سنوات، ثم يترك لها الباقي عند وفاته مالا في يدها، حتى لا يشاركها في الميراث أحد من قرابته، وحتى لا تضطر إلى الإشراف على الأرض، وهي السيدة التي لم تمارس الحياة ولا أعمال الرجال.
واستطاع الشيخ محمود أن يبيع أرضه بسبعة آلاف جنيه، وقدر في نفسه أنه إذا عاش بعد ذلك عشر سنوات فقد يكفيه خمسمائة جنيه في العام، ويترك لزوجته ألفي جنيه في رعاية أخيها لها، وما تركه لها أبوها من ميراث قليل.
وحين أخبر زوجته بتفكيره هذا قالت له: لا أريد إلا أن أحج إلى بيت الله الكريم معك.
অজানা পৃষ্ঠা