أجملنا حياة بدهة على حسب ما جاءت في القصة، وسنتكلم عن ديانته كما فهمها أتباعه وتوطدت فيما بعد، وكما تبدو في الكتب التي انتهت إلينا، لا كما جاء بها لأول مرة حينما غادر شجرة الحكمة. (3) الديانة البدهية
لم تأت البدهية العالم بدين جديد في الحقيقة، بل جاءت بأدب جديد، وليس فيها سوى عقيدة واحدة قائمة على توكيد أمر الوهم والعدم.
حقا أن البدهية لم تكبكب شيئا ولم تكافح أمرا من الناحية العملية، فقد أبقت على البرهمية وعلى آلهتها وطوائفها، مع القول إن الآلهة والعفاريت والبراهمة والشودرا ليست إلا صورا مؤقتة متحولة بلا انقطاع إلى أن تفنى فيه تعالى بعد أن تكون بدهة، أي أن تصير صاحبة العقل المطلق فترى بنور البصيرة سلسلة الموجودات السابقة وغاية الحياة وارتباط العلل والمعلولات، ثم تدخل في سلام نروانا الأعلى الأبدي.
ذلك هو الهدف الذي تسير إليه النباتات والحيوانات والآلهة والناس وجميع المخلوقات الحية بعد ما لا يحصى له عد من التناسخات والتقمصات.
والطبيعة الأزلية إذ وجدت في كل زمن وكانت جوهر كل شيء عدت عدما لا أساس له، وإن شئت فقل خلاء لا حد له، والخلاء هذا قد تجلى، ذات مرة، على صورة بفعل الرغبة فصار ذا إحساس وضمير وإرادة، أي ذا حياة، وأخذ يتطور تطورا متسلسلا، والسبب الأعلى بعد أن تجسد على هذا الوجه غدا قادرا على القيام ببعض الأعمال الطيبة أو السيئة، وأضحى عاجزا عن الاهتداء ثانية إلى جوهره الهادئ إلا بثواب أعماله، وفي الكرما تقدير لانتقال السبب الأعلى من الأسفل إلى الأسمى نتيجة لجميع أعماله وجميع أقواله وجميع أفكاره في أثناء كل حياة من حيواته، فيصل إلى درجة الإنسان، فإلى درجة المتدين، فإلى درجة بودهي ستوا، فإلى درجة بدهة، ثم يهبط إلى الهوة الصامتة الهادئة التي أخرجته الرغبة منها، وترافقه الرغبة وما تجره في موكبها من الآلام ما دام حيا، فهدف البدهي الصحيح، إذن، هو أن يميت الرغبة في نفسه لينال الراحة العليا.
وتأتي الأعمال الصالحة التي تسير إلى تلك الغاية بجانب ذلك الجهد الدائم المؤثر، ولكل عمل ثمرته، ومن الأعمال النيات والأقوال والأفكار.
وتجد روح البرهمية في مذهب الكرما القائل إن أعمال كل واحد تعين الصور التي يبعث بها فيما بعد، بيد أن الأدب في البدهية أرقى مما في البرهمية، فالبدهية تعنى بالحياة الباطنية وبجميع الأعمال التي تصنع كل يوم في ضمير الإنسان، فبدهة، كما في الإنجيل، يعد الإنسان قاتلا إذا أراد سوءا بإنسان آخر، ويعد مجرم شهوة كل من يبتغي ثمرة محرمة، ولا يقول بدهة إن التوبة تكفر الذنوب، فهو يرى أن التوبة، مقصودة كانت أو غير مقصودة، لا تستطيع أن تمنع صدور المعلول عن العلة ولا العمل عن نتائجه، وأكثر ما يبدو الفرق الأساسي بين البرهمية والبدهية هو فيما تقول به البدهية من روح المحبة القوية التي تحيي هذا الأدب الجديد في تواضعها وحلمها ولطفها وتسامحها العام.
ويكتب نجاح كبير، لا ريب، لإصلاح ديني يرفع البائسين الذين أثقل نظام الطوائف كواهلهم، ويجعلهم من الناحية النظرية، إن لم يكن من الناحية السياسية، مساوين بطبيعتهم ومستقبلهم لسادتهم المتكبرين، ويحمل القول العذب والمبادئ الرحيمة إلى مجتمع حناه حكم حديدي، ويظهر أسباب الألم في منابعه، ويعلم وسائل إزالته شعبا أرخاه جو شديد وأخافه كابوس دين صارم بما لا يعرف الرحمة من الوسائل المفاجئة.
شكل 3-7: ناغدها. قسم من معبد بانكا «أقيم في القرن العاشر من الميلاد على ما يحتمل.»
ذلك الإصلاح الديني هو وليد احتياجات جلية فظهر لقضاء هذه الاحتياجات، فلا يبحثن العلماء في براهين أئمته الدقيقة وما استنبطوه من النتائج الفلسفية عن أسباب انتصار البدهية وما بين أدبها ومذهبها من التناقض.
অজানা পৃষ্ঠা