ولم يكن محمد، إذن جبريا أكثر من مؤسسي الأديان الذين ظهروا قبله، ولم يسبق محمد في جبريته علماء الوقت الحاضر الذين أيدوا مع العلامة لاپلاس رأي الفيلسوف ليبنتز في القول: «إنه إذا وجد ذكاء يعرف، لوقت، جميع قوى العالم ومواضع ما فيه من الموجودات، ويستطيع أن يحللها، ويحيط بمحركات أعظم أجرام العالم وأصغر ذراته، فإنه لا يبقى عنده شيء غير معين، ويصبح الماضي والمستقبل حالا في نظره.»
والجبرية الشرقية التي قامت عليها فلسفة العرب، ويستند إليها كثير من مفكري العصر الحاضر هي نوع من التسليم الهادئ الذي يعلم به الإنسان كيف يخضع لحكم القدر من غير تبرم وملاومة، وتسليم مثل هذا هو وليد مزاج أكثر من أن يكون وليد عقيدة، وقد كان العرب جبريين بمزاجهم قبل ظهور محمد، فلم يكن لجبريتهم تأثير في ارتقائهم كما أنها لم تؤد إلى انحطاطهم.
هوامش
الفصل الثالث
فتوح العرب
(1) حال العالم في زمن محمد
كان يتنازع سيادة العالم حين وفاة محمد دولتان عظيمتان: إحداهما: دولة الروم التي كانت عاصمتها القسطنطينية، وكانت صاحبة السلطان على جنوب أوربة والشرق الأدنى وشمال إفريقية الممتد من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلنطي، والأخرى: دولة الفرس التي كان سلطانها ممتدا إلى مكان بعيد من آسية، وكان شمال أوربة وغربها فريسة للبرابرة الذين كانت أمورهم فوضى، وكانوا يتقاتلون على أسلاب الرومان وغنائمهم.
وكانت دولة الروم التي نهكتها محارباتها لدولة الفرس، والتي كانت تعاني عوامل الانحلال الكثيرة، في دور الانحطاط، ولم تكن غير هيكل نخر يكفي أقل صدمة لتداعيه.
وكذلك كانت علائم الانقراض بادية على دولة الفرس التي أوهنتها تلك الحروب أيضا.
وأثقل الحكم الروماني كاهل مصر وإفريقية، وكانت القسطنطينية تستغل شعوبها من غير أن تحسن سياستهما، وكانت الاختلافات الدينية ومظالم الحكام تقوض دعائمهما.
অজানা পৃষ্ঠা