على حكم الحال الأولى وسكت عن الثانية، ولهذا سمي تعديته إلى الحال الثانية حيث كانت عارية عن الدليل استصحابا، ومن ثم أيضا جعل الاستصحاب دليلا برأسه مقابلا للسنة، وبابطال الأدلة المذكورة تنتفي الحجية ويزيد ذلك بيانا أيضا وجوده:
(الأول) - أن مفاد الاستصحاب - على ما ذكروه - إنما هو الظن، وقد قامت الأدلة القاطعة - كما بسطنا الكلام عليه في كتاب المسائل - على أن الظن المتعلق بنفس أحكامه تعالى غير معتبر شرعا. على أن وجود الظن أيضا فيه ممنوع، لأن موضوع المسألة الثانية مقيد بالحالة الطارئة وموضوع المسألة الأولى مقيد بنقيض تلك الحالة، فكيف يظن بقاء الحكم الأول؟
(الثاني) - أنه لا يخفى - على من راجع الأخبار وغاص لجج تلك البحار - أنه قد ورد من الشارع في بعض الصور حكم يوافق الاستصحاب بالمعنى الذي ذكروه وفي بعضها ما يخالفه. ومنه يعلم أنه ليس حكما كليا ولا قاعدة مطردة تبنى عليه الأحكام، ومن تأمل - في أحاديث مسألة المتيمم إذا وجد الماء بعد الدخول في الصلاة التي هي المثال الدائر للاستصحاب - ظهر له صحة ما قلنا، فإن بعضها قد دل على أنه ينصرف من الصلاة ويتوضأ ما لم يركع، وبعضها على أنه يمضي في صلاته مطلقا، وبعضها على أنه ينصرف بعد أن صلى ركعة ويتوضأ ويبني على ما مضى، وجل الأخبار دال على الانصراف وإن كان في بعضها (ما لم يركع) وبعضها (ولو بعد تمام الركعة) ولم يرد بالمضي إلا رواية محمد بن حمران، فلو كان الاستصحاب - الذي اعتمدوه دليلا في الأحكام ومثلوا له بهذا المثال - دليلا برأسه لوجب - على هذا المصلي بمقتضى ذلك - المضي في الصلاة ولزم طرح هذه الأخبار. وفيه من البطلان ما لا يحتاج إلى البيان (1).
পৃষ্ঠা ৫৪