হাবারমাস মুকাদ্দিমা কাসিরা
يورجن هابرماس: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
وعلى ما تقدم، ولأن أفكار هابرماس عن التواصل والخطاب تتسم بالثراء البالغ معياريا، فإن تحليله يصطبغ دوما بصبغة أخلاقية. يعتمد الفعل التواصلي على «الإدراك المتبادل» لادعاءات الصحة. وفي العالم المعيش، نجد أن آلية الكلام المنسقة للفعل تجبر الأفراد على أن يضعوا في اعتبارهم غيرهم من المتكلمين والمستمعين والفاعلين وأسبابهم. ويتألف الخطاب من قواعد تضمن الاحترام المتساوي للآخرين جميعا والتضامن الكلي بينهم. إن مثل المساواة والكلية والشمولية راسخة في الأنشطة التواصلية في العالم المعيش، والفاعلون، بحكم تواصلهم وحسب، يلتزمون بها. ومن ثم، فإن الإدماج الاجتماعي في العالم المعيش نوع من التهذيب الأخلاقي؛ وهي عملية الاعتياد على التصرف بما يتفق مع هذه المثل. وفي المقابل، فإن الأنظمة تغرس العادات الأداتية لمعاملة الآخرين باعتبارها سبلا لتحقيق غايات المرء، وتعزز اللامبالاة فيما يتعلق بغايات الآخرين. وهنا، لا يستطيع المرء أن يمنع نفسه من التفكير في ملاحظة أدورنو بأن عدم اكتراث الطبقات المتوسطة ولامبالاتها كانا «المبدأ الذي من دونه لم تكن أحداث معسكر أوشفيتس ستقع قط.» الفارق الأساسي هو أنه، بحسب تقييم أدورنو، كان عدم اكتراث الناس ولامبالاتهم اللذان أفضا في نهاية المطاف لقسوة بعضهم تجاه بعض؛ كانا تبعة غير مقصودة للجانب السلبي للتحكم الذاتي العقلاني والاستقلال الأخلاقي الكانطي. يرى هابرماس أن ظاهرة شبيهة تنتج عن الآثار المفسدة للأخلاق والناجمة عن استعمار النظام للعالم المعيش، لا من داخل الخلقية نفسها. ومحصلة كل ذلك أن استعارة هابرماس الطبية «الآفات الاجتماعية» لها ميزة خلقية ضمنية وغير معلنة. ظاهريا، تنص نظريته على أن استعمار العالم المعيش يصيب المجتمع بخلل وظيفي. وباطنيا، فهي تشير إلى أن هذا الخلل الوظيفي سيسفر عن ظهور أشخاص فاسدين أخلاقيا.
الفصل الخامس
نظرية الحداثة لدى هابرماس
لفلسفة هابرماس جانب تاريخي ومنهجي في الوقت نفسه. فقد تعلم من هيجل وماركس، ومن الفلسفة التأويلية القائلة بأن موضوعات النظرية الاجتماعية ونظامها لهما تواريخ. وكما قال نيتشه: «الشيء الذي ليس له تاريخ هو وحده الذي يمكن تعريفه.» ولأن المجتمعات لها تاريخ، فإنه لا يمكن تعريفها؛ وهذا لا يعني أنه يتعذر تفسيرها، بل يعني أن تفسيرها يجب أن يضع في الاعتبار هذه التواريخ. وهذا ما تحققه فلسفة هابرماس اقتداء بأسلوب معين (مع أنه أسلوب من المرجح أن يثير حفيظة المؤرخين). حتى الآن، مررت مرور الكرام على حقيقة أن النظرية الاجتماعية لهابرماس تشخيص ونقد للأشكال «الحديثة» من الحياة الاجتماعية، وأن أخلاقيات الخطاب تبرير وبيان للخلقية «الحديثة». والآن حان الوقت لمزيد من التركيز على نظرية الحداثة والتحديث. فذلك من شأنه أن يساعد في تسليط الضوء على البعد الأخلاقي الخفي في نظرية هابرماس الاجتماعية. بإثبات مدى التشابك بين الخلقية والحداثة، ستوضح النظرية السبب الذي يجعل لآثار الاستعمار الاجتماعية الضارة أثرها على أخلاق مجتمع ما.
على مستوى معين، تشير الحداثة إلى فترة من الفترات (أو مجموعة من الأفكار المرتبطة ارتباطا وثيقا بفترة ما) ذات بداية زمنية. وما إن كانت تلك الفترة قد ولت، أو ما زالت تتكشف، أو ما إن كان من المفترض، لو كانت قد مضت، أن نودعها فرحين، كل تلك الأسئلة كانت مثار كثير من الجدل في الثمانينيات مع نشر «نظرية الفعل التواصلي». (لحسن الحظ، من الواضح أن الفترة التي كان فيها هذا السؤال ملحا قد انتهت.) ولكن الحداثة تتجاوز كونها فترة وحسب؛ فهي تشير إلى الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية والمؤسسية والنفسية التي تنجم عن عمليات تاريخية بعينها.
ترتبط الحداثة من هذا المنطلق بمختلف الأعمال والأساليب الجمالية التي تنضوي تحت مسمى «الحداثوية»، لكنها تتمايز عنها. لدى الفنان حرية الاختيار؛ فإما أن يتبنى «الحداثوية» أو لا. أما الحداثة فهي تخالف ذلك. فقد تتجه أنت إلى الحداثوية (أو لا)، أما الحداثة فتأتي إليك. ورغم أنه من المنطقي أن نتحدث عن «نظرية» هابرماس عن الحداثة، كما أفعل الآن في هذا الكتاب، فهي ليست برنامجا منفصلا، كأخلاقيات الخطاب، بل مجموعة من الأفكار والفرضيات المنسوجة بداخل كل البرامج المختلفة.
يمكن القول إن نظرية الحداثة تنقسم إلى نصفين. وثمة رواية تاريخية واسعة النطاق جدا تتناول تطور المجتمع الغربي من نهاية فترة العصور الوسطى وحتى أواخر القرن العشرين. وللحبكة الفرعية الخاصة بنشأة الحداثة العلمانية في تلك الفترة من رحم إرث ديني مسيحي أهمية خاصة. علاوة على ذلك، يقدم هابرماس رواية إصلاحية شديدة الطموح لمنطق التطور الاجتماعي: نظرية للتطور الاجتماعي. لنلق نظرة على كل مما سبق على حدة. (1) الرواية التاريخية (1-1) التحديث والتمييز بين نطاقات القيمة
لقد تعرضنا فيما سبق لبعض وجهات نظر هابرماس حول أصول المجتمعات الحديثة وطبيعتها. في رواية هابرماس، نجد أن الحداثوية عملية تشمل العديد من المستجدات المترابطة، سبق أن تعرضنا لبعضها. أولا: كان هناك نمو كبير في المعرفة، ولا سيما في العلوم الطبيعية، من القرن السابع عشر فصاعدا. كانت علوم العصور الوسطى - وهي وسيلة غير موثوقة لإسناد خصائص من المفترض أنها تفسيرية للمواد على أساس ملاحظات تدريجية - تستند إلى حد بعيد إلى مرجعية أرسطو. وتدريجيا، أفسحت هذه المرجعية المجال لنهج أكثر تنظيما زاوج بين التقنيات الدقيقة للقياس وصياغة النظرية الرياضية، وأسلوب جديد لصياغة الفرضيات التنبئية واختبارها. لقد اتضح أن العلوم الجديدة ناجحة جدا، لدرجة أن صعود نجمها أفضى (على مدار عدة قرون وبالتآزر مع عوامل أخرى) إلى تراجع هيمنة المنهج الأرسطي، ووهن سلطة الكنيسة، وإحلال السلطة المعرفية للعلوم الطبيعية والمنطق محلهما. ويزعم هابرماس (متأسيا بماكس فيبر) أن هذه الزيادة المهولة في المعرفة المفيدة فنيا قد أفضت بدورها إلى الفصل بين ثلاثة نطاقات مختلفة للقيمة .
شكل 5-1: نطاقات القيمة الثلاثة.
وليس من عجب ظهور «ثلاثة» نطاقات متمايزة للقيمة. لقد حدث التمايز بين نطاقات القيمة منذ فجر نقل السلطة المعرفية والسلطة العملية من المناهج الدينية إلى الصحة، وبحسب هابرماس، هناك ثلاثة أنواع متمايزة من الصحة.
অজানা পৃষ্ঠা