دلائل التوفيق لأصح طريق لجمع الصديق
دلائل التوفيق لأصح طريق لجمع الصديق
জনগুলি
وكذلك قتال سائر من قوتل من المنتسبين إلى القبلة، كما ذكر ذلك من ذكره من أصحاب أبي حنيفة والشافعي ومن وافقهم من أصحاب أحمد وغيرهم". (^١)
كتاب أبي بكر- ﵁ إلى المرتدين:
ومما يُستأنس به ها هنا أيضًا وبه نختم هذا المبحث الهام: كتاب أبي بكر- ﵁ إلى المرتدين، فقد كتب إليهم كتابًا طويلًا حوى أمورًا شتى ومتنوعة في مضمونها وفحواها، وممَّا ورد في كتابه إليهم قوله- ﵁:
بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر خليفة رسول الله ﷺ إلى من بلغه كتابي هذا، من عامة وخاصة، أقام على إسلامه أو رجع عنه (^٢).
فهذا يدلُّ على إن بعض أهل الردة بقي على إسلامه ولم يخرج عنه، وكلامه قد وجهه إلى فئتين اثنتين، فيُؤخذ ويُفهم ويُستدلُّ منه على أن الذي ارتد عن الإسلام من الفئتين إنما هي فئة واحدة منهما لا الفئتين.
والشاهد الأول مما سبق ذكره:
أن الصديق الأول- ﵁ قام مقام الجبال الرواسي الشامخات ليرد الأمة إلى دينها فحارب وقاتل المرتدين بشجاعة وثبات ورباطة جأش، فالموقف جد عصيب فقد ارتدت جموع غفيرة وأحياء كثيرة من العرب وقد عارضه في ذلك أول الأمر أقرب المقربين ومع هذا كله فقد ثبت ﵁ ثبات الجبال الرواسي واستطاع بعد عون الله وتوفيقه أن يُعيد الأمة إلى رشدها، وأن يعيد للإسلام صولته وقوته ومكانته، فكان- ﵁ للإسلام يوم الردة، كما كان الإمام أحمد للإسلام كذلك يوم المحنة.
ولنتأمل ما رواه البخاري- ﵀ من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لأَبِي بَكْرٍ- ﵄: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلهَ إِلاَّ الله. فَمَنْ قَالَ: لَا إِلهَ إِلاَّ الله فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالله لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَالله لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ-﵁: فَوَ الله مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ اللهَ ﷿ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ. فَعَرفتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. (^٣)
ولقد كلف الصديقُ-﵁ للقيام بهذه المهمة وهذا العمل العظيم -زيد بن ثابت الأنصاري-﵁، ولنتأمل خبر تلك الواقعة العظيمة التي قيد الله لها الخليفتين الراشدين الجليلين صاحبي خير الخلق وحبيب الحق محمد- ﷺ ولندع المجال للإمام البخاري ﵀ ليقص لنا الخبر على لسان من كُلِفَ بهذه المهمة الهامة الشاقة بنفسه ألا وهو الصحابي الجليل زيد بن ثابت الأنصاري- ﵁ حيث يقول:
" أَرْسَلَ إلَيَّ أبو بَكْرٍ مَقْتَلَ أهْلِ اليَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عِنْدَهُ، قالَ أبو بَكْرٍ ﵁: إنَّ عُمَرَ أتَانِي فَقالَ: إنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَومَ اليَمَامَةِ بقُرَّاءِ القُرْآنِ، وإنِّي
(^١) - يُنظر: مجموع الفتاوى: (٢٨/ ٥١٥). مجموع الفتاوى المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: ٧٢٨ هـ) المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية عام النشر: ١٤١٦ هـ/ ١٩٩٥ م (^٢) - يُنظر: نص الكتاب: كتاب الردة، الواقدي (٧١)، وتاريخ الطبري (٣/ ٢٥٠). (^٣) أخرجه البخاري في "كتاب الزكاة" "باب وجوب الزكاة" حديث (١٣٩٩)، وأخرجه مسلم حديث (٢٠)، وأخرجه أبو داود في "كتاب الزكاة" حديث (١٥٥٦ و١٥٥٧)، وأخرجه الترمذي في "كتاب الإيمان" "باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" حديث (٢٦٠٧)، وأخرجه النسائي في "كتاب الزكاة" "باب مانع الزكاة" حديث (٢٤٤٢).
67 / 109