الهدايا للموظفين - أحكامها وكيفية التصرف فيها
الهدايا للموظفين - أحكامها وكيفية التصرف فيها
প্রকাশক
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٢٦ هـ
প্রকাশনার স্থান
المملكة العربية السعودية
জনগুলি
الْهَدَايَا للموظفين
أَحْكَامهَا وَكَيْفِيَّة التَّصَرُّف فِيهَا
অজানা পৃষ্ঠা
أصل هذا الكتاب
بحث محكم ومنشور في مجلة البحوث الأمنية بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض في المجلد ١٣ العدد ١٩ ذو الحجة ١٤٢٥ هـ
ومن البحوث التي حصل بها المؤلف على درجة أستاذ مشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
طبعة منقحة بعد نشره في المجلة المذكورة
1 / 5
إهداء
إلى كل موظف محب لنفسه؛ فيؤمن بالله تعالى واليوم الآخر، ويعمل بأمانة في وظيفته، ويسعى بإخلاص في نفع المجتمع، فيبني خيرًا، ويزرع طيبًا، ويكسب حلالًا، ويقطف ثناءً حسنًا، ويدخر ثوابًا عظيمًا، وأذكره بهذين الحديثين الشريفين:
عن عدي بن عمير ﵁ (١) قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من استعملناه على عمل، فكتمنا مخيطًا فما فوقه، كان غلولًا يأتي به يوم القيامة» قال: فقام رجل أسود من الأنصار، كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله اقبل عني عملك. قال: «وما لك؟» قال: سمعتك تقول كذا وكذا، قال: «وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهى عنه انتهى» (٢).
_________
(١) عميرة - بفتح٣ العين -: أبو زرارة الكندي، صحابي ﵁ مات في زمن معاوية بن أبي سفيان ﵄. تقريب التهذيب ٢/ ١٧.
(٢) مسلم: ١٨٣٣.
1 / 7
وعن بريدة ﵁ (١) عن النبي ﷺ قال: «من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» (٢).
_________
(١) ابن الحصيب الأسلمي، أبو سهل، صحابي ﵁ أسلم قبل بدر، وتوفي ٦٣هـ تقريب التهذيب ١/ ٩٦.
(٢) الحاكم في المستدرك ١/ ٤٠٦ وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
1 / 8
مقدمة
الحمد لله الذي حمانا باجتناب الحرام من الضر والآثام، وأمرنا بالأمانة في الأعمال؛ لنعيش في بركة ووئام، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي رغبنا في ترك الشبهات؛ لإبراء ديننا من النقصان، وأعراضنا من البهتان، وعلى آهل وصحبه وأتباعهم، أما بعد:
فإن من الأفراد والشركات والمحلات التجارية ونحوها، من يبذل هدايا لبعض موظفي الدولة أو الشركات أو المؤسسات ونحوها، أو لنفس هذه الجهات؛ إكرامًا لإخلاص في عمل أو قضاء مصلحة، أو ترغيبًا في حسن تعامل لإنهاء مهمة، أو ترويج بضاعة.
وقد اعتنى الفقهاء رحمهم الله تعالى بأحكام الهدايا للموظفين عند كلامهم في أدب القاضي. وذكروا أن الهدايا لسائر العمال كالهدية للقاضي، إلا أن جرمه أغلظ منهم (١)؛:
_________
(١) فتاوى السبكي ١/ ٢١٥ ونهاية المحتاج ٨/ ٢٤٣ وما سيأتي في القسم الثاني من أقسام الهدايا.
1 / 9
* قال ابن الهمام: «وكل من عمل للمسلمين عملًا، حكمه في الهدية كالقاضي» (١) وأفردها السُّبكي برسالة عنوانها: «فصل المقال في هدايا العمال» واختصرها نفسه، بعنوان: (مختصر فصل المقال في هدايا العمال) (٢) وهذه المختصرة جمعت نصوصًا من الكتاب والسنة وكلامًا لأهل العلم وردت في هدايا العمال. ولم أر لغيره رسالة مفردة في ذلك، وإنما تُطرق لها تبعًا، كما فعل النابلسي (٣) في كتابه: (تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية) وعبد الله الطريقي (٤) في كتابه: (جريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية).
فلما رأيت عدم إفراد البحث بأحكام الهدايا للموظفين، والحاجة داعية لبيانها؛ لتنوع وتجدد صورها، استعنت بالله تعالى وحده في إفراد ذلك؛ تبيانًا لحكمها، وكيفية التصرف الشرعي عند بذلها، وسميته: «الهدايا للموظفين؛ أحكامها
_________
(١) فتح القدير (٧/ ٢٧٢).
(٢) مطبوعة ضمن فتاوى السبكى (١/ ٢١٣).
(٣) عبد الغني بن إسماعيل النابلسي، حنفي المذهب، مكثر في التصنيف، ولد في دمشق سنة ١٠٥٠هـ وتوفي بها سنة: ١١٤٣هـ. الأعلام ٤/ ٣٢.
(٤) دكتور عبد الله بن عبد المحسن المنصور الطريقي، أستاذ الفقه بكلية إعداد المعلمين بالرياض.
1 / 10
وكيفية التصرف فيها».
ونهجت في كتابته: ذكر التعريفات اللغوية والاصطلاحية بإيجاز، وبيان أحكام المسائل الفقهية مقرونة بأدلتها، وما اختلف فيها الفقهاء رحمهم الله تعالى ذكرت أقوالهم وأدلتها والترجيح بينها ما أمكن، وعزوت الآيات الكريمة إلى مواضعها من المصحف الشريف، وخرجت بإيجاز الأحاديث الشريفة من مصادرها الأصلية؛ فاقتصرت على اسم المصدر، ورقم الحديث فيه، فإن لم تكن أحاديثه مرقمة، اقتصرت على رقم الجزء والصفحة. وبينت ما اطلعت عليه من درجة أحاديث غير الصحيحين، واقتصرت على روايتهما فيما أخرجه معهما غيرهما، ما لم يكن في لفظه زيادة. وما أخرج منها في أكثر من مصدر، اقتصرت على واحد منها. وعزوت ذلك كله إلى مصادره الأصلية. وما لم أجده في مصادره، عزوته إلى المصدر الذي ذكره. وما لم أنسبه لأحد، فهو من كلامي ومعرض للخطأ. وترضيت كتابة على الصحابة الكرام ﵃ وللإيجاز ذكرت غيرهم بأسمائهم، وترحمت عليهم شفهيًا، وعرفت بالأعلام غير المشهورين، وهم من يندر ورود اسمه، أو يستغرب، أو يشتبه بغيره.
1 / 11
وجعلت البحث بعد مقدمته مشتملًا على ثلاثة فصول، وخاتمة، وفهرسين:
الفصل الأول: الهدية، والرشوة، والفرق بينهما.
الفصل الثاني: الهدية إلى الموظف، وإلى جهة عمله.
الفصل الثالث: التصرف في الهدايا للموظف.
الخاتمة: أهم النتائج والتوصيات.
الفهرسان: أحدهما للمصادر والمراجع، وثانيهما للمحتويات.
وهذا البحث قدمته للتحكيم والنشر في مجلة البحوث الأمنية بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض؛ وتم ذلك في مجلدها ١٣ العدد ٢٩ ذو الحجة ١٤٢٥هـ وأفدت كثيرًا من ملاحظات المحكمين، كما قدمته للمجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ ضمن البحوث للحصول على درجة أستاذ مشارك، وتم تحكيمه من اللجنة المختصة، وحصولي على الدرجة المذكورة، ثم طلب الإذن من المجلة المذكورة بطباعته في كتاب مستقل، فتمت الموافقة بخطابها رقم ١٧/ ٣/٢٥٣ وتاريخ ٢٦/ ٥/١٤٢٦هـ فقمت بقراءة البحث وتنقيحه؛ رجاء
1 / 12
تدارك ما يسبق به القلم من أخطاء، وتسهيل الانتفاع به أكثر، ولا يزال من جهد بشر معرض للخطأ.
وإني أتقدم بالشكر لأعضاء هيئة تحرير مجلة البحوث الأمنية، ولأعضاء المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وللمحكمين لهذا البحث، على ما بذلوه من جهد وتوجيه، والشكر موصول لرئيس هيئة تحرير المجلة المذكورة على إذنه بطباعة هذا البحث. وأسأل الله تعالى بكل وسيلة يرتضيها، أن يتقبل هذا البحث، وأن ينفع به ويجعله من الوسيلة الطيبة إلى رضاه، وأن يغفر لي ووالدي وأهلي ومشايخي والمسلمين، وأن يوفق ولاة أمرنا وموظفينا في هذه البلاد المباركة وسائر بلاد المسلمين إلى ما فيه الخير لهم ولشعوبهم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، آمين.
1 / 13
الفصل الأول
الهدية، والرشوة، والفرق بينهما
الحديث عن هذا الفصل في ثلاثة فروع:
الفرع الأول: الهدية
في هذا الفرع مبحثان:
المبحث الأول: التعريف بالهدية
الهدية في اللغة: تمليك المرء ماله (١) لغيره بلا عوض؛ تلطفًا (٢).
_________
(١) المال في اللغة: ما يملكه الإنسان من جميع الأشياء. لسان العرب ١١/ ٦٣٥ وفي الاصطلاح: عرف بعدة تعريفات. من أرجحها: ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه. الأشباه والنظائر، للسيوطي ص٣٢٧ ويدخل فيه العين كالنقد والثوب والدار، والمنفعة: كالخدمة وسكنى دار. ينظر: التعيين وأثره في العقود المالية ص٣٣ - ٣٧.
(٢) المفردات في غريب القرآن ص٥٤١ والمصباح المنير ص٦٧٣.
1 / 14
وفي الاصطلاح: عرفت بعدة تعريفات متقاربة (١) ويجمعها هذا التعريف: «تمليك ممن له التبرع في حياته لغيره، عينًا من ماله؛ إكرامًا بلا شرط ولا عوض» (٢).
شرح التعريف:
تمليك ممن له التبرع: أخرج من ليس له التبرع كالمجنون.
في حياته لغيره: أخرج الوصية، فهي: تمليك للغير من المتبرع بعد موته.
عينًا من ماله: أخرج العارية، فهي: تمليك منفعة مال لا عينه.
إكرامًا: أخرج الصدقة، فهي: عطًا على الفقير؛ لوجه الله تعالى.
بلا شرط ولا عوض: أخرج الهبة على شرط، فهي: وعدٌ. والهبة على عوض، فهي: بيع.
_________
(١) ينظر: بدائع الصنائع ٦/ ١٢٧، وأقرب المسالك ٥/ ٤٣١، ٤٣٢، والمنهاج ٢/ ٣٩٦، ومطالب أولي النهي ٤/ ٣٧٧.
(٢) ينظر: أقرب المسالك ٥/ ٤٣١، ٤٣٢ ومطالب أولي النهي ٤/ ٣٧٧ والتعيين وأثره في العقود المالية ص٣٩٩، ٤٠٠.
1 / 15
وأخرج الرشوة، فهي: بشرط عوض محرم من إبطال حق، أو إحقاق باطل.
وأخرج الغلول، وهو: الخيانة في المال: ومنها الهدية للعامل المنهي عنها (١).
المبحث الثاني: بذل الهدية وقبولها والمكافأة عليها
الهدية مندوب إلى بذلها؛ فقد أمر بها الشارع الحكيم وحث عليها (٢) وإن كانت قليلة، فعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة» (٣).
وجاء في فضل الهدية نصوص كثيرة، منها: عن أبي هريرة
_________
(١) ينظر: إحياء علوم الدين ٢/ ١٥٢ - ١٥٤ وفتاوى السبكي ١/ ٢١٤ وفتح الباري ٥/ ١٩٧، ٢١٠ والمغني ٨/ ٢٥٠ والنهاية في غريب الحديث ٣/ ٣٨٠.
(٢) المغني ٨/ ٢٤٠.
(٣) البخاري: ٢٥٦٦. والفرسن - بكسر الفاء وفتح السين -: عُظيم قليل اللحم، وهو للبعير: موضع الحافر. ويطلق على الشاة، مجازًا، وجمعه فراسن. المصباح المنير ص٤٦٨ وفتح الباري ٥/ ١٩٨.
1 / 16
﵁ عن النبي ﷺ قال: «تهادوا تحابوا» (١).
ودل الإجماع على استحبابها (٢).
ولما يترتب عليها من الآثار والمعاني الاجتماعية الحسنة؛ فهي تئول إلى التوسعة على الآخذ، ونفي الشح عن نفس الباذل (٣) وهي وسيلة للإكرام والإجلال كالهدية للوالد والعالم، وللتلطف والتودد كالهدية للزوج والقريب والصديق والجار، وللمكافأة على فعل معروف أو دفع ضر ممن لا يجبان عليه بعمل في ولاية لسلطان ونحوه (٤).
وكل هذه الأمور حث عليها الإسلام، ومن مقاصده العظام، وطرقه القويمة في تأليف المجتمع الذي امتن الله سبحانه عليه بالألفة؛ في قوله تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ
_________
(١) البخاري في الأدب المفرد: ٥٩٤، وقال ابن حجر: إسناده صحيح. التلخيص الحبير ٣/ ١٠٤٧.
(٢) مغني المحتاج ٢/ ٣٩٦.
(٣) كشاف القناع ٤/ ٢٩٩.
(٤) ينظر: إحياء علوم الدين ٢/ ١٥٣ والتعيين وأثره في العقود المالية ص٣٩٩، ٤٠١، ٤١٥ وجريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية ص٦٨ - ٧٥.
1 / 17
بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: ٦٣].
والهدية وسيلة للتآلف؛ لأنها تجلب المحبة بين المتهادين، وتؤلف بينهم إذا تنافروا (١) والمحبة بين المسلمين وعدم تنافرهم، طريقان لأمنهم وسعادتهم في الدنيا، وفوزهم بالجنة في الآخرة؛ فعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» (٢) فإذا كانت الهدية بالسلام تفعل هذا، وهي مجرد كلام، فكذا الهدية بالمال تفعل مثله أو أكثر!
وقبول الهدية فيه إدخال للسرور على باذلها؛:
* قال الخطابي: «قبول النبي ﷺ الهدية، نوع من الكرم، وباب من حسن الخلق؛ يتألف به القلوب ... وكان أكل الهدية شعارًا له ﷺ وأمارة من أماراته، ووصف ﷺ في الكتب المتقدمة: بأنه يقبل الهدية» (٣).
_________
(١) ينظر: تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية ص/٥٥ - ٩٩.
(٢) مسلم: ٥٤.
(٣) معالم السنن ٣/ ١٦٨.
1 / 18
فيستحب قبولها؛ ويكره ردها؛ فعن ابن مسعود ﵁ مرفوعًا: «لا تردوا الهدية» (١).
وتمتلك ويباح التصرف فيها؛ قال الله تعالى: ﴿وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: ٤].
ففي الآية دلالة على إباحة قبول الهدية؛ لأن الله تعالى أمر الزوج بأكل ما طابت به نفس امرأته مما أعطته من مهرها، ووصفه بأنه هنيئًا مريئًا (٢) وهو منها لزوجها هدية. وهذان: الأمر والوصف، من أقوى الأدلة على إباحة قبول الهدية.
ويكره قبول الهدية إذا ترتب عليها ما يناقض القصد الذي شرعت له؛ لأن المقاصد في العقود معتبرة (٣).
ويجب ردها إن علم أنها بذلت بغير طيب نفس؛ لما روى أنس ﵁ قال رسول الله ﷺ: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا
_________
(١) مسند أحمد بن حنبل: ٨٣٨٣. وصححه الألباني. إرواء الغليل ٦/ ٥٩.
(٢) ينظر: تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية ص٥٥ - ٩٩.
(٣) ينظر: فتح الباري ٥/ ٢٠٣، ٢٢١ والنية وأثرها في الأحكام الشرعية ٢/ ٢٦٢ والقواعد ص٣٤٨.
1 / 19
بطيب نفسه» (١) أو كانت مما لا يحل للمهدي أخذه (٢).
ويباح ردها إن كان باذلها منانًا؛ دفعًا للمنة.
وتستحب المكافأة على الهدية (٣) ولو بأقل منها؛ فعن عائشة ﵂ قالت: «كان رسول الله ﷺ يقبل الهدية، ويثيب عليها» (٤) وعن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «من أهدى إليكم فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتى ترون أن قد كافأتموه» (٥).
والأفضل أن تكون المكافأة على الهدية بأعلى منها وإلا فبمثلها (٦)؛ وصدق الله العظيم: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٨٦].
_________
(١) مسند أحمد بن حنبل: ٢٠٩٧١ والدارقطني ٣/ ٢٦. وصححه الألباني إرواء الغليل ٥/ ٢٧٩.
(٢) فتح الباري ٥/ ٢٢١ والفتاوى الكبرى الفقهية ٤/ ٣١٠ ومنار السبيل إلى شرح الدليل ٢/ ٢٥.
(٣) ينظر: معالم السنن ٣/ ١٦٨ وذكر قولًا: بوجوب المكافأة.
(٤) البخاري: ٢٥٨٥.
(٥) الحاكم ١/ ٤١٢ وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي.
(٦) ينظر: فتح الباري ٥/ ٢١٠.
1 / 20
الفرع الثاني: الرشوة
الحديث عن هذا الفرع في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بالرشوة
الرشوة في اللغة: بكسر الراء وضمها وفتحها (١): ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره؛ ليحكم له، أو يحمله على ما يريد (٢).
وفي الاصطلاح: عرفت بعدة تعريفات لا يخلو معظمها من نقد؛ لكونها غير جامعة أو غير مانعة (٣) وأحسنها ما نسبه ابن عابدين لصاحب المصباح (٤) وهو التعريف اللغوي المذكور. وعليه لا يعدو معنى الرشوة في الاصطلاح معناها اللغوي.
_________
(١) مختار الصحاب ص٢٤٤ والقاموس المحيط ٤/ ٣٣٦.
(٢) المصباح المنير ص٢٢٨.
(٣) ينظر: فتح الباري ٥/ ٢٢١ وجريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية ص٥٠ - ٥٢.
(٤) رد المحتار ٥/ ٣٦٢ وينظر: شرح السنة ١٠/ ٨٨ وتحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية ص١٨٤.
1 / 21
المبحث الثاني: أضرار الرشوة
الرشوة من المكاسب المحرمة، والمتوعد عليها بلعنة الله تعالى، وفيها أضرار عظيمة، ومفاسد وخيمة على الفرد والمجتمع؛ فهي مما يخل بأمن المجتمع وسعادته؛ بينما الإسلام يؤكد الأخوة والأمانة بين المسلمين؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: ١٠].
* ومما تعنيه الأُخوة: التعاون على قضاء حاجات الإخوان بأمانة، وبدون رشوة؛ عن أنس ﵁ عن النبي ﷺ قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (١)، والمؤمن لا يحب أن تقضى حاجته برشوة، فكيف هو لا يقضي حاجة أخيه إلا بها!
وبينما يأمر الإسلام بالعزة وعلو النفس والكرامة، وبأسباب المحبة بين المسلمين من التزاور والتواضع، ومن التعاون بالهدية والصدقة والشفاعة الحسنة وقضاء الحاجات والنصح لهم وأداء الأمانة، ويحرم عليهم القطيعة والخيانة والغش
_________
(١) البخاري: ١٣.
1 / 22
بينهم. تأتي الرشوة مناقضة لذلك، فتفسد الخلق؛ روي عن كعب (١): «الرشوة تسفه الحليم، وتعمي عين الحكيم» (٢)، وتحدث في المجتمع القهر والحقد في النفوس، وتنتشر العداوة والظلم والأنانية؛:
* قال الطريقي: «والرشوة من أهم العوامل التي تنشر الفساد، وتضيع الحقوق، وتنصر الظالم على المظلوم ... ولأن أخذ الرشوة، خيانة لهذه الأمانة - أمانة الوظيفة - وفيه غش وخديعة للأمة» (٣).
* وقال القرضاوي: «ولا غرابة في تحريم الإسلام للرشوة، وتشديده على كل من اشترك فيها، فإن شيوعها في مجتمع،
_________
(١) لم أقف على المراد به. ولعله كعب الأحبار؛ فهو المشهور. ابن مانع الحميري، العلامة الحبر، كان يهوديًا فأسلم، مخضرم، روى عن جمع من الصحابة، وروى عنه جمع منهم ﵁ مات في خلافة عثمان ﵁ ينظر: تقريب التهذيب ٢/ ١٣٤، ١٣٥، وأخبار القضاة ١/ ٥٥، وسير أعلام النبلاء ٣/ ٤٨٩ - ٤٩٤.
(٢) فتاوى السبكي ١/ ٢١٤ والمغني ١٤/ ٦٠، ولم أقف على هذا الأثر في مظانه من كتب الحديث والسير. وعه: «هذه الرشوة أخذها يطمس البصر، ويطبع القلب» أخبار القضاة ١/ ٥٥.
(٣) جريمة في الرشوة في الشريعة الإسلامية ص١٥٣.
1 / 23
شيوع للفساد والظلم: من حكم بغير حق، أو امتناع عن الحكم بالحق، وتقديم من يستحق التأخير، وتأخير من يستحق التقديم، وشيوع روح النفعية في المجتمع، لا روح الواجب» (١).
* والنفعية: تقديم الشخص منفعة نفسه على ما يجب عليه من نفع غيره. فيصير الموظف لا يقوم بحقوق غيره الواجبة عليه بطريق وظيفته مقابل راتبه، بل مقابل انتفاعه بما يتقاضاه منهم من رشوة أو هدية محرمة؛ فيكون كل من الموظف والباذل له قد عملا لمنفعتهما لا للمصلحة العامة، بل على حسابها! فيضران غيرهما، ويحدثان في المجتمع الأنانية التي هي من أوائل أسباب الفساد فيه.
المبحث الثالث: بذل الرشوة وقبولها
الرشوة محرم بذلها وقبولها؛ دل عليهما القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والإجماع.
فمن القرآن الكريم: قول الله جل وعز: ﴿وَلَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
_________
(١) الحلال والحرام في الإسلام ص٣٢٢.
1 / 24