وهو وصف للحب لا يمكن أن يشعر به واصف ولا أن يصفه شاعر بأبلغ من هذا البيان الذي كأنه يصور الغرام بمداد من دماء القلب، ولا يكاد يشعر العاشق بأعظم منه.
ومن عقيدته في الحب قوله يصف مجلسا له أيضا ثم يمازج فيه بين الديانة والعشق وهو: «حتى إذا كنا مرة جالسين في حديقة ... نظرت إليها فرأيت الدمع يجول في عينيها فقلت لها: من أي شيء تبكين؟ قالت: من السعادة ، فإن هذا اليوم وهذه السماء وهذا المنظر وهذا السكون والسكوت والوحدة واختلاط نفسينا حتى لا تحتاج إحداهما إلى الكلام، كل هذه أكثر من أن تحملها فتاة مثلي يقتلها السرور كما يقتلها الحزن. ثم تورد خداها وبرقت عيناها حتى خفت أن يستحسنها الموت على تلك الحال فيأخذها مني، ورأت ما كان بي من الاندهاش فقالت كمن ينبهني من حلم: يا روفائيل، إن في الدنيا إلها، وإن الله موجود. قلت: وما الذي دعاك إلى هذا الكلام الآن؟ قالت: الحب، فإن الذي أشعر به منه أشبه بنهر يجري في فؤادي وله صوت لطيف تطرب له آذاني بما لم أتعود سماعه قبل اليوم، ولا شك أن المنبع الذي يجري منه مثل هذا النهر ... هو الله يرسله من أعلى سمائه، إذن فالله موجود ومحبته عظيمة فائقة ليست محبتنا إلا نقطة منها، فلا تحسبن أنني أحبك أو تحبني فإنما نحن نحب الله ولا ندري ونحسب أن كلا منا يحب أخاه.»
ومن تفقد سائر روايات لامارتين وتتبع مواقع كلامه فيها وطالع ما له من النظم البديع في هذه المعاني، وفي جملتها كتاب له شعري نزع فيه إلى فلسفة الغزل وحقيقة الغرام سماه «سقطة ملاك»؛ يجد أن الرجل خيالي محض، ولكنه زاد في الخيال حتى جعله حقيقة وأبدع في وصف الوهم حتى صوره مثالا تكاد تبصره العين، وتلاعب بالقلوب والأفكار تلاعبا خيل معه لأبناء عصره أن القلوب واقفة على قلمه وأن النفوس سائلة على أثر ما يسيل من مداده، ولا يزال رجال العلم في فرنسا يعجبون كيف تولى على أعمال السياسة الصارمة رجل مثل هذا صناعته الرقة ودأبه الصبابة والأغزال؟!
ذلك هو الرجل من حيث قلمه وسياسته، أما من حيث إنه رجل فقد كان طويل القامة، حلو العينين، جميل الصورة، طلق اللسان، حاضر البديهة، رقيق الفؤاد جدا، يتأثر لأقل مصاب ويبكي لتعاسة كل إنسان، وقد نظم في غصن البان حين ذهب ليراها على البحيرة فعاقتها المنية دون لقائه كما هو مبين في آخر القصة مرثية مفجعة استبكى بها كل ذي فؤاد رقيق في فرنسا وغيرها من عارفي ذلك اللسان، وقد صنعوا لها لحنا حين ظهورها في مكان يوجد فيها آلة موسيقية إلا ضربت هذا اللحن ولا أجادته موسيقى حق إجادته إلا أبكت به من حضر، قال في مطلعها:
أكذا تمر بنا أويقات الصفا
وتقودنا كرها إلى ظلم الردى
ونخوض في بحر الحياة بسرعة
من غير أن نرسو به فيمن رسا؟!
ومنها يشير إلى الليلة التي عاد بها مع حبيبته إثر غرقها، وغنت له في الزورق ذلك الغناء الذي مر ذكره:
هل تذكرين بحيرة الوادي لنا
অজানা পৃষ্ঠা