[المقدمة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. رَبِّ يَسِّرْ وَاعْفُ وَاخْتِمْ بِخَيْرٍ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الرَّحَّالَةُ الْبَحْرُ الْفَهَّامَةُ مُفِيدُ الطَّالِبِينَ صَدْرُ الْمُدَرِّسِينَ حُجَّةُ الْمُنَاظِرِينَ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي الْعَالَمِينَ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَنَفَعَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِبَرَكَتِهِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ بَهْجَةَ دِينِهِ الْقَوِيمِ وَهَدَى مَنْ وَفَّقَهُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ وَعَلَّمَ وَسَدَّدَ إلَى الصَّوَابِ وَقَوَّمَ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الْكَرِيمُ الْحَلِيمُ السَّتَّارُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى إخْوَانِهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِ كُلٍّ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ وَتَابِعِهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ (وَبَعْدُ) فَإِنَّ الْبَهْجَةَ الْوَرْدِيَّةَ فِي الْفِقْهِ لِلْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ وَالْحَبْرِ الْمُدَقِّقِ أَبِي حَفْصٍ زَيْنِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ مُظَفَّرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الْوَرْدِيِّ طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَأْوَاهُ لَمَّا كَانَتْ مِنْ أَبْدَعِ كِتَابٍ فِي الْفِقْهِ صُنِّفَ وَأَجْمَعِ
ــ
[حاشية العبادي]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَبِهِ نَسْتَعِينُ حَمْدًا لِمَنْ تَوَّجَنَا بِبَهْجَتِهِ وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا سَوَابِغَ جُودِهِ وَمِنَّتِهِ وَأَفَاضَ عَلَيْنَا شَآبِيبَ لُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى أَرْفَعِ خَلِيقَتِهِ وَأَنْفَعِ بَرِّيَّتِهِ وَأَجْمَلِ ذَوِي طَرِيقَتِهِ أَحْمَدَ الْخِصَالِ وَأَكْمَلِ الْخِلَالِ وَأَفْضَلِ مَنْ لَهُ صَحْبٌ وَآلٌ الْمُخْتَصِّ بِجَمِيلِ الْمَآثِرِ وَجَلِيلِ الْمَفَاخِرِ وَعَظِيمِ الذَّخَائِرِ وَالْمَنْعُوتِ بِفَاخِرِ الْمَحَامِلِ وَكَامِلِ الْمَقَاصِدِ وَظَاهِرِ الْعَوَائِدِ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ وَالْخِيَارِ مِنْ الْخِيَارِ مِنْ الْخِيَارِ وَعَلَى آلِهِ الْمُكْرَمِينَ الْأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الْمُعَظَّمِينَ الْأَبْرَارِ وَأَنْصَارِهِ وَذُرِّيَّتِهِ الْمُخْلَصِينَ الْأَخْيَارِ (وَبَعْدُ) فَهَذَا مَا يَسَّرَ اللَّهُ بِتَجْرِيدِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَتَقْيِيدِهِ مِمَّا كَتَبَهُ أُسْتَاذُ عَصْرِهِ وَشَيْخُ مِصْرِهِ شَيْخُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا الشِّهَابُ الْعَبَّادِيُّ الشَّهِيرُ بِابْنِ قَاسِمٍ أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيْهِ جَزِيلَ الْأَيَادِي عَلَى نُسْخَتِهِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْوَرْدِيَّةِ ذِي الْغُرُرِ الْبَهِيَّةِ تَأْلِيفِ الْجَدِّ الْأَكْبَرِ وَالْعَلَمِ الْأَشْهَرِ هُوَ الْأُسْتَاذُ وَالْكَهْفُ وَالْمَلَاذُ الْعَارِفُ بِرَبِّهِ وَالْغَارِفُ مِنْ بِحَارِ قُرَبِهِ الْقُطْبُ الرَّبَّانِيُّ وَالْمُحَقِّقُ الصَّمَدَانِيُّ عُمْدَةُ الْمُسْلِكِينَ زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ عُمْدَةُ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الشَّافِعِيُّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِغُفْرَانِهِ وَكَسَاهُ حُلَلَ رِضْوَانِهِ آمِينَ وَقَدْ ذَكَرْت بَعْضَ مَنَاقِبِهِ فِي تَرْجَمَةٍ لَطِيفَةٍ ثُمَّ لَخَّصْتهَا فِي كُرَّاسَةٍ قَلِيلَةِ الْأَوْرَاقِ كَالصَّحِيفَةِ نَفَعَ اللَّهُ بِهَا آمِينَ (وَاعْلَمْ) أَنِّي لَمْ أَتَصَرَّفْ عَلَيْهِ بِنَقْصٍ وَلَا زِيَادَةٍ حَتَّى ذَكَرْت فِيهِ مَا تَكَرَّرَ لَفْظُهُ أَوْ وَصَفَ مَعْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ أَوْ وَضَعَهُ عَلَى مَحَلٍّ، وَالْأَنْسَبُ ذِكْرُهُ بِغَيْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُ شُيُوخِنَا الشَّمْسُ بْنُ الرَّمْلِيِّ بِلَفْظِ م ر فَزِدْت ضَمِيرًا أَوْ اسْمَ إشَارَةٍ أَوْ عَطْفًا أَوْ تَعَلَّقَ بِالْقَلَمِ الْهِنْدِيِّ فَأَتَيْت بِهِ صَرِيحًا لِيَحْسُنَ وَقْعُهُ وَيَظْهَرَ نَفْعُهُ وَلَمْ أَقُلْ: أَشَارَ إلَى كَذَا خَشْيَةَ تَوَهُّمِ نِسْبَتِهِ لِلشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى إيضَاحِهِ تَطْوِيلُ الْعِبَارَةِ وَهَذِهِ رُمُوزُهُ بِرّ لِشَيْخِهِ الشِّهَابِ الْبُرُلُّسِيِّ الشَّهِيرِ بِعَمِيرَةَ. مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُصَرِّحُ بِهِ، وحج لِشَيْخِهِ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيِّ وَقَدْ يَقُولُ حُرّ وَقَدْ يَقُولُ ح ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يَزِيدُ عَلَيْهِ د إشَارَةً لِشَرْحِ الْإِرْشَادِ وهب إشَارَةً لِشَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَوْ ع إشَارَةً إلَى شَرْحِ الْعُبَابِ وَقَدْ يَزِيدُ عَلَيْهَا ش وَقَدْ يُطْلِقُ وَقَدْ يُصَرِّحُ بِاسْمِهِ وم ر إشَارَةً لِشَيْخِهِ الشَّمْسِ بْنِ الرَّمْلِيِّ وَقَدْ يَزِيدُ عَلَيْهِ ش إشَارَةً إلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وسم إشَارَةً لِنَفْسِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
ــ
[حاشية الشربيني]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 / 2
مَوْضِعٍ فِيهِ عَلَى مِقْدَارِ حَجْمِهِ أُلِّفَ طَلَبَ مِنِّي بَعْضُ الْأَعِزَّةِ عَلَيَّ مِنْ الْفُضَلَاءِ الْمُتَرَدِّدِينَ إلَيَّ أَنْ أَضَعَ عَلَيْهَا شَرْحًا يَحِلُّ أَلْفَاظَهَا وَيُبْرِزُ دَقَائِقَهَا وَيُحَقِّقُ مَسَائِلَهَا وَيُحَرِّرُ دَلَائِلَهَا فَأَجَبْته إلَى ذَلِكَ بِعَوْنِ الْقَادِرِ الْمَالِكِ ضَامًّا إلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَجَادَاتِ وَالْقَوَاعِدِ الْمُحَرَّرَاتِ مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُ أُولِي الرَّغَبَاتِ رَاجِيًا بِذَلِكَ جَزِيلَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ وَمُؤَمِّلًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصِيرَ هَذَا الْكِتَابُ عُمْدَةً وَمَرْجِعًا بِبَرَكَةِ الْأَكْرَمِ الْوَهَّابِ وَسَمَّيْته الْغُرُرَ الْبَهِيَّةَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْوَرْدِيَّةِ وَاَللَّهُ أَسْأَلُ أَنْ يَجْعَلَهُ نَافِعًا خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَوَسِيلَةً لِلْفَوْزِ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ قَالَ النَّاظِمُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ: أَبْتَدِئُ أَوْ أُؤَلِّفُ إذْ كُلُّ فَاعِلٍ يَبْدَأُ فِي فِعْلِهِ بِبِسْمِ اللَّهِ. يُضْمِرُ مَا جَعَلَ التَّسْمِيَةَ مَبْدَأً لَهُ كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا حَلَّ أَوْ ارْتَحَلَ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ كَانَ الْمَعْنَى بِسْمِ اللَّهِ أُحِلُّ وَبِسْمِ اللَّهِ أَرْتَحِلُ وَالِاسْمُ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ وَقِيلَ: مِنْ الْوَسْمِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا سُمِّيَ فَقَدْ نُوِّهَ بِاسْمِهِ وَوُسِمَ. وَاَللَّهُ عَلَمٌ لِلذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ، وَأَصْلُهُ الْإِلَهُ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ وَعُوِّضَ مِنْهَا حَرْفُ التَّعْرِيفِ ثُمَّ جُعِلَ عَلَمًا وَهُوَ عَرَبِيٌّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَزَعَمَ الْبَلْخِيّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ فَقِيلَ: عِبْرِيٌّ وَقِيلَ: سُرْيَانِيٌّ، وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ وَالرَّحْمَةُ لُغَةً رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ تَقْتَضِي التَّفَضُّلَ فَالتَّفَضُّلُ غَايَتُهَا وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَأْخُوذَةُ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا تُؤْخَذُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَةِ دُونَ الْمَبْدَأِ، وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَطَعَ وَقَطَّعَ وَنَقَضَ بِحَذَرٍ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ حَاذِرٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ وَبِأَنَّهُ لَا يُنَافِي أَنْ يَقَعَ فِي الْأَنْقَصِ زِيَادَةُ مَعْنًى بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْإِلْحَاقِ بِالْأُمُورِ الْجِبِلِّيَّةِ مِثْلَ شَرِهٍ وَنَهِمٍ وَبِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُتَلَاقِيَانِ فِي الِاشْتِقَاقِ مُتَّحِدَيْ النَّوْعِ فِي الْمَعْنَى كَغَرْثٍ وَغَرْثَانَ وَصَدٍ وَصَدْيَانَ لَا كَحَذِرٍ وَحَاذِرٍ لِلِاخْتِلَافِ (قَالَ الْفَقِيرُ عُمَرُ بْنُ الْوَرْدِيّ الْحَمْدُ لِلَّهِ) بَدَأَ بِالْبَسْمَلَةِ وَبِالْحَمْدَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلًا بِخَبَرِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَفِي رِوَايَةٍ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَجَمَعَ النَّاظِمُ كَغَيْرِهِ بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا إذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ فَالْحَقِيقِيُّ حَصَلَ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْإِضَافِيُّ بِالْحَمْدَلَةِ وَقَدَّمَ الْبَسْمَلَةَ عَمَلًا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالْإِجْمَاعِ وَعَبَّرَ بِقَالَ دُونَ يَقُولُ تَفَاؤُلًا أَوْ إظْهَارًا لِقُوَّةِ رَجَائِهِ كَمَا يَقُولُ مَنْ قَوِيَ رَجَاؤُهُ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ: انْقَضَتْ حَاجَتِي. وَجُمْلَةُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: إذْ كُلُّ فَاعِلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ: يُضْمِرُ مَا جَعَلَ) أَيْ: لَفْظَ مَا جَعَلَ قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ شَيْءٌ وَيُرَادَ أَنَّهُ يُضْمِرُ نَفْسَ مَا جَعَلَ أَيْ: يَقْصِدُهُ وَيُلَاحِظُهُ فَنَاسَبَ تَقْدِيرُ لَفْظِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا الشَّرِيفَ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ مَا سُمِّيَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ: فَقَدْ نُوِّهَ بِاسْمِهِ) لَعَلَّ نَائِبَ فَاعِلِ نُوِّهَ ضَمِيرُ مَا سُمِّيَ وَمَعْنَاهُ رَفَعَ أَيْ: فَقَدْ رَفَعَ بِاسْمِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ وَإِظْهَارِهِ إيَّاهُ (قَوْلُهُ: نُوِّهَ بِاسْمِهِ) وَوَسَمَ أَيْ: بِهِ عِبَارَةَ الْبَيْضَاوِيِّ؛ لِأَنَّهُ رِفْعَةٌ لِلْمُسَمَّى وَشِعَارٌ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَمٌ لِلذَّاتِ) أَيْ: لِمَا انْحَصَرَ فِيهِ هَذَا الْمَفْهُومُ فِي الْخَارِجِ لَا لِهَذَا الْمَفْهُومِ. (قَوْلُهُ: وَعُوِّضَ مِنْهَا) وَتَعْوِيضُهُ مِنْهَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْحَذْفِ وَالتَّعْوِيضِ. (قَوْلُهُ: بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ) فَإِنْ قُلْت: يَرِدُ أَنَّ ح عَلَى حَصْرِ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ فِي الصِّيَغِ الْخَمْسِ الْمَشْهُورَةِ قُلْت: لَا أَمَّا. الرَّحِيمُ فَدَاخِلٌ فِيهَا وَأَمَّا الرَّحْمَنُ فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ بِوَضْعِهِ وَمَادَّتِهِ بِخِلَافِ الْحَصْرِ فِي تِلْكَ الصِّيَغِ فَإِنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ بِصِيغَتِهَا وَصُورَتِهَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ أَنَّهُمْ قَصَدُوا الْحَصْرَ. (قَوْلُهُ: مِنْ رَحِمَ) أَيْ: بَعْدَ جَعْلِهِ لَازِمًا أَوْ تَحْوِيلِهِ إلَى فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ.
(قَوْلُهُ: إنَّمَا يُؤْخَذُ) فَيَكُونَانِ بِمَعْنَى الْمُتَفَضِّلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا بِمَعْنَى مُرِيدِ التَّفَضُّلِ. (قَوْلُهُ: لِلِاخْتِلَافِ) فَإِنَّ الْأَوَّلَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ وَالثَّانِيَ اسْمُ فَاعِلٍ. (قَوْلُهُ: ذِي بَالٍ) أَيْ: شَأْنٍ أَيْ: عَظِيمٍ لَا حَقِيرٍ. (قَوْلُهُ: ذِي بَالٍ) أَيْ: قَلْبٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَقُ بِالْقَلْبِ لِعَظَمَتِهِ. (قَوْلُهُ: لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا إلَخْ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَاصِلُ هَذَا الْجَوَابِ دَفْعُ التَّعَارُضِ بِحَمْلِ الِابْتِدَاءِ فِي خَبَرِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَفِي خَبَرِ الْحَمْدَلَةِ عَلَى الْإِضَافِيِّ. فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعَارُضَ كَمَا يَنْدَفِعُ بِهَذَا يَنْدَفِعُ بِعَكْسِهِ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى إيثَارِ هَذَا؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلُ السَّلَفِ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ قَوْلُهُ: وَقَدَّمَ الْبَسْمَلَةَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعِ) أَيْ: الْفِعْلِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِظْهَارًا لِقُوَّةِ إلَخْ) فِي نُسْخَةٍ أَوْ إظْهَارًا فَهِيَ مَانِعَةُ خُلُوٍّ وَتَرْكُ احْتِمَالِ تَقَدُّمِ الْمَقُولِ فِي الْوُجُودِ فَيَكُونُ قَالَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِبُعْدِهِ سم.
ــ
[حاشية الشربيني]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (قَوْلُهُ: الرَّحْمَنِ) مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ إنْ كَانَ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَكُونَ مُؤَنَّثُهُ فَعْلَانَةً وَمَصْرُوفٌ إنْ كَانَ الشَّرْطُ وُجُودَ مُؤَنَّثِهِ عَلَى فَعْلَى إذْ لَا مُؤَنَّثَ لَهُ، اُنْظُرْ حَاشِيَةَ عَمِيرَةَ عَلَى الْمُحَلَّى اهـ (قَوْلُهُ: إنَّمَا تُؤْخَذُ إلَخْ) فَيَكْفِي فِي وُجُودِ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي الْمُشْتَقِّ وُجُودُ مَا تَسَبَّبَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَبْلَغُ) مِنْ بَلَغَ بُلُوغًا مِنْ حَدِّ كَرُمَ لَا مِنْ الْبَلَاغَةِ إذْ لَا يُوصَفُ بِهَا الْمُفْرَدُ وَلَا مِنْ الْمُبَالَغَةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْقِيَاسِ
1 / 3
لِحُصُولِ الْحَمْدِ بِالتَّكَلُّمِ بِهَا مَعَ الْإِذْعَانِ لِمَدْلُولِهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً شَرْعًا لِلْإِنْشَاءِ، وَالْحَمْدُ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ سَوَاءٌ جُعِلَتْ أَلْ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمْ لِلْجِنْسِ كَمَا عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ؛ لِأَنَّ لَامَ لِلَّهِ لِلِاخْتِصَاصِ فَلَا فَرْدَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَلَا اخْتِصَاصَ لِتَحَقُّقِ الْجِنْسِ فِي الْفَرْدِ الثَّابِتِ لِغَيْرِهِ أَمْ لِلْعَهْدِ كَاَلَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ [التوبة: ٤٠] كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَجَازَهُ الْوَاحِدِيُّ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْحَمْدَ الَّذِي حَمِدَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ، وَحَمِدَ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ مُخْتَصٌّ بِهِ وَالْعِبْرَةُ بِحَمْدِ مَنْ ذُكِرَ فَلَا فَرْدَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ، وَأَوْلَى الثَّلَاثَةِ الْجِنْسُ. وَالْحَمْدُ أَيْ: اللَّفْظِيُّ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ فَدَخَلَ فِي الثَّنَاءِ الْحَمْدُ وَغَيْرُهُ وَخَرَجَ بِاللِّسَانِ الثَّنَاءُ بِغَيْرِهِ كَالْحَمْدِ النَّفْسِيِّ وَبِالْجَمِيلِ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ إنْ قُلْنَا بِرَأْيِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الثَّنَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَإِنْ قُلْنَا بِرَأْيِ الْجُمْهُورِ إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ فَقَطْ فَفَائِدَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ تَحْقِيقُ الْمَاهِيَّةِ أَوْ دَفْعُ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عِنْدَ مَنْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لِحُصُولِ التَّكَلُّمِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ إنْشَائِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: بِالتَّكَلُّمِ بِهَا) لَا قَبْلَهَا وَهِيَ حِكَايَةٌ عَنْهُ حَتَّى تَكُونَ خَبَرِيَّةً. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إلَخْ) أَقُولُ: يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ خَبَرِيَّةً لَفْظًا وَمَعْنًى مَعَ حُصُولِ الْحَمْدِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ إذْ الْإِخْبَارُ عَنْ الْحَمْدِ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ أَوْ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ يَسْتَلْزِمُ مَالِكِيَّةَ الْحَمْدِ أَوْ اسْتِحْقَاقَهُ إلَيْهِ تَعَالَى وَذَلِكَ جَمِيلٌ وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ قَوْلُهُ: لِحُصُولِ الْحَمْدِ إلَخْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْتِجُ الْإِنْشَائِيَّةَ لِحُصُولِهِ مَعَ الْخَبَرِيَّةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِحُصُولِ الْحَمْدِ بِالتَّكَلُّمِ بِهَا بِنَفْسِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ: شَرْعًا لِلْإِنْشَاءِ) فَتَكُونُ إنْشَائِيَّةً لَفْظًا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: أَمْ لِلْعَهْدِ) أَيْ: وَلَامُ لِلَّهِ لِلِاخْتِصَاصِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْرِيرُهُ. (قَوْلُهُ: وَأَجَازَهُ الْوَاحِدِيُّ) كَأَنَّ الْمُرَادَ حَكَمَ بِجَوَازِهِ كَأَنْ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَذَا. (قَوْلُهُ: الَّذِي حَمِدَ اللَّهَ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: الْحَمْدُ الَّذِي حَمِدَ بِهِ نَفْسَهُ وَحَمِدَهُ بِهِ مَنْ ذُكِرَ مِنْ لَازِمِهِ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَلَالَةِ الْجُمْلَةِ عَلَيْهِ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ لَا تُتَصَوَّرُ إضَافَتُهُ لِغَيْرِهِ. قُلْت: الَّذِي هُوَ مِنْ لَازِمِهِ الِاخْتِصَاصُ الْوُقُوعِيُّ وَالْمَقْصُودُ الدَّلَالَةُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ الِاسْتِحْقَاقِيِّ فَتَأَمَّلْهُ سم. (قَوْلُهُ: وَأَوْلَى الثَّلَاثَةِ الْجِنْسُ) وَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ سُلُوكَ طَرِيقِ الْبُرْهَانِ وَيَزِيدُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّالِثِ أَنَّ الْعَهْدَ لَا يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْحَمْدِ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْهُ سم. (قَوْلُهُ: أَيْ: اللَّفْظِيُّ) لِأَجْلِ قَيْدِهِ بِاللِّسَانِ. (قَوْلُهُ: الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ) أَيْ: نِسْبَةُ الْجَمِيلِ وَلَوْ غَيْرَ اخْتِيَارِيٍّ وَهَذَا هُوَ الْجَمِيلُ الْمَحْمُودُ بِهِ. وَأَمَّا الْجَمِيلُ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ. (قَوْلُهُ: إنْ قُلْنَا إلَخْ) فِي هَذَا الْبِنَاءِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْجَمِيلَ فِي التَّعْرِيفِ مُثْنًى عَلَيْهِ أَيْ: لِأَجْلِهِ وَالْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْجُمْهُورِ فِي الثَّنَاءِ وَهُوَ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ مُثْنًى بِهِ لَا مُثْنًى عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْبِنَاءُ وَكَيْفَ يَحْتَاجُ لِمَا وُجِّهَ بِهِ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ فَتَأَمَّلْهُ سم.
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: لِلِاسْتِغْرَاقِ) أَيْ لِلْجِنْسِ بِاعْتِبَارِ تَحَقُّقِهِ فِي ضِمْنِ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ إذْ الِاسْتِغْرَاقُ لَيْسَ مَعْنَى اللَّازِمِ حَقِيقَةً وَلَا هُوَ مِنْ التَّعْرِيفِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فُرُوعِ الْجِنْسِ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: كَمَا عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ) قَالَ السَّيِّدُ ﵀: السَّبَبُ فِي اخْتِيَارِهِ الْجِنْسَ هُوَ أَنَّ اخْتِصَاصَ الْجِنْسِ مُسْتَفَادٌ مِنْ جَوْهَرِ الْكَلَامِ دُونَ أَمْرٍ خَارِجٍ وَمُسْتَلْزِمٌ لِاخْتِصَاصِ الْأَفْرَادِ فَلَا حَاجَةَ فِي تَأْدِيَةِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ الْحَمْدِ لَهُ تَعَالَى وَانْتِفَاؤُهُ عَنْ غَيْرِهِ إلَى أَنْ يُلَاحَظَ الشُّمُولُ الَّذِي هُوَ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى الْجِنْسِ وَيُسْتَعَانُ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ الْخَارِجَةِ عَنْ اللَّفْظِ اهـ. يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ لَيْسَ مَعْنَى اللَّازِمِ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لِأَنَّ اللَّامَ لَا تُفِيدُ سِوَى التَّعْرِيفِ وَالْإِشَارَةِ، وَالِاسْمُ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى مُسَمَّاهُ وَحَيْثُ كَانَ الْمَقْصُودُ حَاصِلًا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى ارْتِكَابِ الْمَجَازِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَامَ لِلَّهِ إلَخْ) هَذِهِ طَرِيقَةُ السَّيِّدِ قَالَ: لِأَنَّ الْحُكْمَ بِأَنَّ جِنْسَ الْكَرَمِ مَوْصُوفٌ بِكَوْنِهِ حَاصِلًا فِي الْعَرَبِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْحِصَارَ أَفْرَادِهِ فِيهِمْ لِجَعْلِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُمْ فِي ضِمْنِ فَرْدٍ وَلِغَيْرِهِمْ فِي ضِمْنِ آخَرَ اهـ. وَقَالَ السَّعْدُ: يَكْفِي فِي الْقَصْرِ تَعْرِيفُ الْمُبْتَدَأِ نَحْوُ: الْكَرَمُ فِي الْعَرَبِ. بِشَهَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ اُنْظُرْ الْمُطَوَّلَ وَحَاشِيَتَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِلِاخْتِصَاصِ) نَازَعَهُ فِيهِ عَبْدُ الْحَكِيمِ وَقَالَ: إنَّهَا لَامُ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ بَيْنَ مَعْنًى وَذَاتٍ وَلَامُ الِاخْتِصَاصِ هِيَ الْوَاقِعَةُ بَيْنَ ذَاتَيْنِ لَا تَمْلِكُ أُخْرَاهُمَا أُولَاهُمَا كَالْجَلِّ لِلْفَرَسِ فَإِنْ مَلَكَتْ فَلَامُ الْمِلْكِ اهـ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ تَعَلَّقَ إلَخْ) تَعْمِيمٌ فِي الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ أَيْ: لِأَجْلِهِ اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ الْمَزَايَا الذَّاتِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ بِأَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا فَالْمُرَادُ بِالشَّجَاعَةِ آثَارُ تِلْكَ الْمَلَكَةِ كَالْخَوْضِ فِي الْمَهَالِكِ وَالْإِقْدَامِ فِي الْمَعَارِكِ وَهَكَذَا الْبَاقِي اهـ.
(قَوْلُهُ: فَدَخَلَ إلَخْ) أُورِدَ أَنَّ قَيْدَ اللِّسَانِ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ الثَّنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ إذْ هُوَ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ اهـ وَأُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِصَاصَهُ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الصِّحَاحِ وَمِنْ الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ [البقرة: ٦٣] أَنَّ الثَّنَاءَ هُوَ الْإِتْيَانُ بِمَا يُشْعِرُ بِالتَّعْظِيمِ مُطْلَقًا بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ اخْتِصَاصَ الذِّكْرِ بِاللَّفْظِيِّ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ) كَانَ الظَّاهِرُ الثَّنَاءَ بِغَيْرِ الْجَمِيلِ إلَّا أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ هَذَا الْفَرْدَ وَهُوَ الثَّنَاءُ بِالْجَمِيلِ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ لِيُفِيدَ خُرُوجَهُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الثَّنَاءَ بِالْجَمِيلِ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ لَيْسَ بِحَمْدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الثَّنَاءَ لَيْسَ بِخَيْرٍ كَمَا أَنَّ الْمُثْنَى
1 / 4
يُجَوِّزُهُ وَبِالِاخْتِيَارِيِّ الْمَدْحُ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الِاخْتِيَارِيَّ وَغَيْرَهُ. تَقُولُ: مَدَحْت اللُّؤْلُؤَةَ عَلَى حُسْنِهَا دُونَ حَمِدْتهَا، وَعَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ مُتَنَاوِلٌ لِلظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إذْ لَوْ تَجَرَّدَ الثَّنَاءُ عَلَى الْجَمِيلِ عَنْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ أَوْ خَالَفَهُ أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ لَمْ يَكُنْ حَمْدًا بَلْ تَهَكُّمٌ أَوْ تَمْلِيحٌ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَوَارِحِ وَالْجِنَانِ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُمَا اُعْتُبِرَا فِيهِ شَرْطًا لَا شَطْرًا. وَالشُّكْرُ لُغَةً فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الشَّاكِرِ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِاللِّسَانِ أَمْ بِالْجِنَانِ أَمْ بِالْأَرْكَانِ فَمَوْرِدُ الْحَمْدِ اللِّسَانُ وَحْدَهُ وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةُ وَغَيْرُهَا وَمَوْرِدُ الشُّكْرِ اللِّسَانُ وَغَيْرُهُ وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةُ وَحْدَهَا فَالْحَمْدُ أَعَمُّ مُتَعَلِّقًا وَأَخَصُّ مَوْرِدًا، وَالشُّكْرُ بِالْعَكْسِ وَمِنْ ثَمَّ تَحَقَّقَ تَصَادُقُهُمَا فِي الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِحْسَانِ، وَتَفَارُقُهُمَا فِي صِدْقِ الْحَمْدِ فَقَطْ عَلَى الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ عَلَى الْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ، وَصِدْقِ الشُّكْرِ فَقَطْ عَلَى الثَّنَاءِ بِالْجِنَانِ عَلَى الْإِحْسَانِ. وَالْحَمْدُ عُرْفًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَالشُّكْرُ عُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ السَّمْعِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ فَهُوَ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ لِاخْتِصَاصِ مُتَعَلِّقِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلِاعْتِبَارِ شُمُولِ الْآلَاتِ فِيهِ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ، وَالشُّكْرُ اللُّغَوِيُّ مُسَاوٍ لِلْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ فَبَيْنَ الْحَمْدَيْنِ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ.
(أَتَمَّ الْحَمْدِ) أَيْ:
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَبِالِاخْتِيَارِيِّ الْمَدْحُ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الِاخْتِيَارِيَّ وَغَيْرَهُ) قَضِيَّتُهُ خُرُوجُ الْمَدْحِ بِقِسْمَيْهِ، وَفِي خُرُوجِ قِسْمِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْهُ وَصِحَّةِ خُرُوجِهِ نَظَرٌ لِشُمُولِ التَّعْرِيفِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْحَمْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَعُمُّ إلَخْ) هَذَا لَا يُفِيدُ خُرُوجَ الْمَدْحِ مُطْلَقًا بَلْ خُرُوجَ قِسْمٍ مِنْهُ وَيُحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِ الْقِسْمِ الْآخَرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ. مَا لَا يَكُونُ نَوْعُهُ إلَّا عَلَى ذَلِكَ فَيَخْرُجُ الْقِسْمَانِ أَوْ يُقَالُ الْقِسْمُ الْآخَرُ حَمْدٌ أَيْضًا فَلَا يُحْتَاجُ لِإِخْرَاجِهِ بَلْ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: عَنْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ) أَفَادَ اعْتِبَارَ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَكْفِي عَدَمُ اعْتِقَادِ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: أَوْ خَالَفَهُ إلَخْ) أَفَادَ اعْتِبَارَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الْجَوَارِحِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ مُوَافَقَتِهَا. (قَوْلُهُ: فِعْلٌ يُنْبِئُ) أَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَ وَهُوَ لَيْسَ بِفِعْلٍ فِي التَّحْقِيقِ فَيَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ الْفِعْلِ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي التَّعْرِيفِ مَعَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الْقَوْلَ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ مَا لَا يَشْمَلُهُ وَذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ التَّعْرِيفَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ امْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي التَّعْرِيفِ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ وَهِيَ هُنَا قَوْلُهُ: سَوَاءٌ إلَخْ سم. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ) أَيْ: الْفِعْلُ. (قَوْلُهُ: أَمْ بِالْجِنَانِ) الْمُرَادُ بِالْجِنَانِ الِاعْتِقَادُ كَمَا بَيَّنَهُ السَّيِّدُ. (قَوْلُهُ: فَمَوْرِدُ الْحَمْدِ) فِي بَعْضِ حَوَاشِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ الْأَظْهَرُ فَمَصْدَرُ الْحَمْدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْرِدِ مَا وَرَدَ عَنْهُ لَا مَا وَرَدَ عَلَيْهِ لَكِنْ فِي اخْتِيَارِهِ الْمَوْرِدَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَمْدَ كَأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ الْقَلْبِ فَوَرَدَ عَلَى اللِّسَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَبَيْنَ الْحَمْدَيْنِ) اللُّغَوِيِّ وَالْعُرْفِيِّ.
ــ
[حاشية الشربيني]
لِأَجْلِهِ لَيْسَ بِجَمِيلٍ فَهُوَ خَارِجٌ بِجِهَتَيْنِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَبِالِاخْتِيَارِيِّ الْمَدْحُ) اخْتَارَ الزَّمَخْشَرِيّ تَرَادُفَهُمَا أَيْ: إنَّ الْمَمْدُوحَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا كَالْحَمْدِ قَالَ: وَمِثَالُ اللُّؤْلُؤَةِ مَصْنُوعٌ وَتَأَوُّلُ التَّمَدُّحِ بِالْجَمَالِ وَحُسْنِ الْوَجْهِ بِدَلَالَتِهِمَا عَلَى الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ. (قَوْلُهُ: عَنْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ) فَلَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَطَالِعِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ التَّعْظِيمُ الْبَاطِنِيُّ لِيُدْخِلَ مَدَائِحَ الشُّعَرَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تَصْدِيقَ فِي الْقَضَايَا الشِّعْرِيَّةِ بَلْ تَخْيِيلٌ وَتَصْوِيرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا لَا يَقْتَضِي إلَخْ) فَلَا يَرِدُ أَنَّ مَوْرِدَ الْحَمْدِ اللِّسَانُ فَقَطْ اهـ. (قَوْلُهُ: بِاللِّسَانِ) وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْكُورُ بِهِ اخْتِيَارِيًّا وَلَا إنْعَامًا كَالْمَشْكُورِ عَلَيْهِ اهـ عَمِيرَةُ لَكِنْ فِي تَفْسِيرِ الْقَاضِي: إنَّ الشُّكْرَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: عُرْفًا) الْعُرْفُ الْعَامُّ هُوَ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ نَاقِلُهُ وَالْخَاصُّ مَا تَعَيَّنَ نَاقِلُهُ وَيُسَمَّى اصْطِلَاحًا وَإِذَا أُطْلِقَ حُمِلَ عَلَى الْعَامِّ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ اهـ.
(قَوْلُهُ: صَرْفُ الْعَبْدِ إلَخْ) فَإِنْ صَرَفَهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ سُمِّيَ شَكُورًا عُرْفًا أَوْ فِي أَوْقَاتٍ فَهُوَ شَاكِرٌ فَقَطْ عُرْفًا أَيْضًا وَلَا يَرِدُ أَنَّ فَعُولًا صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ تَصْدُقُ بِالصَّارِفِ فِي أَوْقَاتٍ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّسْمِيَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَذَلِكَ فِيهَا يُقَالُ لَهُ شَاكِرٌ فَقَطْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ الْحَمَدَيْنِ إلَخْ) لَوْ قَالَ وَبَيْنَهُمَا أَيْ: الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ وَالْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ وَبَيْنِ الْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ لَكَانَ أَوْلَى لَكِنْ اكْتَفَى بِالْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ: مِنْ وَجْهٍ) يَجْتَمِعَانِ فِي ثَنَاءٍ بِاللِّسَانِ عَلَى الْإِحْسَانِ وَيَنْفَرِدُ الْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ فِي ثَنَاءٍ بِاللِّسَانِ عَلَى جَمِيلٍ غَيْرِ إحْسَانٍ وَيَنْفَرِدُ الِاصْطِلَاحِيُّ كَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ فِي ثَنَاءٍ بِغَيْرِ اللِّسَانِ عَلَى الْإِحْسَانِ. وَنَقِيضُ الْحَمْدِ الذَّمُّ وَهُوَ نَقِيضُ الْمَدْحِ أَيْضًا وَلَوْ لَمْ يُسَاوِ الْحَمْدَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّقِيضِ مَا لَا يُجَامِعُ لَا الرَّفْعُ حَتَّى لَا يَكُونَ نَقِيضُ أَحَدِهِمَا نَقِيضَ الْآخَرِ، وَالذَّمُّ لَا يُجَامِعُ شَيْئًا مِنْهُمَا وَالْمَدْحُ كَالْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ عَلَى رَأْيِ الزَّمَخْشَرِيّ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ اهـ وَفِي شَرْحِ م ر الْمَدْحُ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ مُطْلَقًا عَلَى قَصْدِ التَّعْظِيمِ وَعُرْفًا مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَمْدُوحِ بِنَوْعٍ مِنْ الْفَضَائِلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الطَّاقَةِ) أَيْ: طَاقَةِ الْمُصَنِّفِ وَانْدَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبٍ مِنْ الْمُبَالَغَةِ؛ لِأَنَّ أَتَمَّ الْحَمْدِ مُطْلَقًا لَا يُمْكِنُ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ إذْ حَمْدُ الْأَنْبِيَاءِ خُصُوصًا سَيِّدَهُمْ ﷺ
1 / 5
أَكْمَلَهُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ بِأَنْ يَنْسُبَ إلَيْهِ تَعَالَى عُمُومَ الْمَحَامِدِ عَلَى جِهَةِ الْإِجْمَالِ لِعَجْزِنَا عَنْ التَّفْصِيلِ ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: ١٨] أَيْ: لَا تُطِيقُوا عَدَّهَا وَبُلُوغَ آخِرِهَا " وَأَتَمَّ " مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ نَائِبٌ عَنْ الْمَصْدَرِ (وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ) وَالسَّلَامُ كَائِنٌ (لِلْأَنْجَابِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ نَجِيبٍ وَهُوَ الْكَرِيمُ الْبَيِّنُ النَّجَابَةِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى مِثْلُ مَا مَرَّ (مُحَمَّدٍ وَالْآلِ وَالْأَصْحَابِ) لَهُ بَيَانٌ لِلْأَنْجَابِ وَقَرَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، أَمَّا عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: ٤] أَيْ: لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أُحِبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَرْءُ بَيْنَ خِطْبَتِهِ يَعْنِي بِكَسْرِ الْخَاءِ وَكُلِّ أَمْرٍ طَلَبَهُ غَيْرَهَا حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَمَّا عَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ فَتَبَعًا لَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَيَصْدُقُ عَلَى الْأَصْحَابِ فِي قَوْلِ: وَلِأَنَّهَا إذَا طُلِبَتْ عَلَى الْآلِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَعَلَى الصَّحَابَةِ أَوْلَى. وَالصَّلَاةُ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هِيَ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ الْآدَمِيِّ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ. وَاخْتَارَ النَّاظِمُ اسْمِيَّةَ جُمْلَتَيْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى فِعْلِيَّتِهِمَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ، وَأَصْلُ الدُّعَاءِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَاغْفِرْ لَنَا، وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ تَفَاؤُلًا بِالْإِجَابَةِ.
وَمُحَمَّدٌ عَلَمٌ عَلَى نَبِيِّنَا
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بِأَنْ يُنْسَبَ) أَيْ: عَلَى جِهَةِ الْإِجْمَالِ قَدْ يُقَالُ مِنْ الطَّاقَةِ وَهُوَ الْحَمْدُ مِنْ هَذَا نِسْبَةُ الْبَعْضِ تَفْصِيلًا أَيْضًا بِأَنْ يُنْسَبَ مَقْدُورُهُ مِنْ التَّفْصِيلِ مَعَ نِسْبَةِ الْعُمُومِ إجْمَالًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعُدُّوا إلَخْ) يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْعَجْزِ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ مِنْ الْحَمْدَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: نِعْمَةَ اللَّهِ) فَالْحَامِدُ عَاجِزٌ عَنْ تَفْصِيلِ الْمَحَامِدِ الْمُقَابِلَةِ لِلنِّعَمِ وَكَذَا غَيْرُ الْمُقَابِلَةِ لَهَا لِعَجْزٍ عَنْ تَفْصِيلِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ إلَخْ) إنْ جُعِلَتْ خَبَرِيَّةً مَعْنًى أَيْضًا كَمَا قِيلَ بِهِ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِهَا مُجَرَّدَ الثَّنَاءِ فَقَدْ يُشْكِلُ تَخْصِيصُ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ. بِالْمَذْكُورِينَ لِإِخْرَاجِهِ بَقِيَّةَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ ﵊ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ الْأَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ لِلْمَجْمُوعِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ الْأَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ مَا لَهُ ﵇ وَإِنْ جُعِلَتْ إنْشَائِيَّةً كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمَشْهُورُ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ حِينَئِذٍ سُؤَالُ حُصُولِ الْأَفْضَلِ لِلْمَذْكُورِينَ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِهِمْ وَإِخْرَاجَ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا إشْكَالَ فِي عَطْفِهَا عَلَى جُمْلَةِ الْحَمْدِ وَإِنْ جُعِلَتْ إنْشَائِيَّةً وَهَذِهِ خَبَرِيَّةً؛ لِأَنَّ لِتِلْكَ مَحَلًّا مِنْ الْإِعْرَابِ فَيَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَيْهَا وَإِنْ تَخَالَفَا إنْشَاءً وَخَبَرًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ فَإِنْ قُلْت: يَرِدُ عَلَى الْجَوَابِ السَّابِقِ عَنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْآلِ وَالْأَصْحَابِ لَغْوًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ لَمْ يَحْصُلْ إنْشَاءٌ وَلَا إخْبَارٌ مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ قُلْت: يُمْكِنُ دَفْعُ هَذَا بِأَنْ يُرَادَ بِالْأَفْضَلِ مَجْمُوعُ الْفَرْدِ الْمُخْتَصِّ بِهِ ﵊ وَالْفَرْدِ الَّذِي لِآلِهِ وَأَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُ الْحَصْرِ إضَافِيًّا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ وَالْمُرَادُ التَّخْصِيصُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَا الْأَنْبِيَاءَ فَلَا إشْكَالَ فَتَدَبَّرْ سم.
(قَوْلُهُ: وَالْأَصْحَابِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْآلِ. (قَوْلُهُ: لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِالْآلِ وَالْأَصْحَابِ. (قَوْلُهُ: لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي) أَيْ: فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ كَالْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ بِرّ. (قَوْلُهُ: فَتَبَعًا لَهُ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ: هَلْ الْمَشْرُوطُ التَّبَعِيَّةُ مَعْنًى فَقَطْ أَمْ لَفْظًا أَيْضًا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَهُمْ وَلَوْ مُنْفَرِدًا عَنْهُمْ كَهُمْ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلَ الْمَتْنِ الْآتِيَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ بِلَا صَلَاةٍ فَهِيَ لَا تَحْسُنُ لَك وَلَا عَلَى غَيْرِ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ إلَّا تَبَعًا اهـ. أَقُولُ: الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ التَّبَعِيَّةِ لَفْظًا. (قَوْلُهُ: فِي قَوْلٍ) هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ آلَهُ أُمَّتُهُ بِرّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَسْمِيَةِ اسْتِغْفَارِهِمْ صَلَاةً إتْيَانُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ خُصُوصِ مَادَّةِ الِاسْتِغْفَارِ بَلْ الْمُشْتَرَطُ ذَلِكَ أَوْ مَا يَئُولُ لِمَعْنَاهُ كَارْحَمْ وَاعْفُ وَلَا تُؤَاخِذْ يَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ سَيِّدِ الْبَشَرِ ﷺ «فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» بِرّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْآدَمِيِّ) أَيْ: وَالْجِنِّ. (قَوْلُهُ: وَالدَّوَامِ) يُتَأَمَّلُ الْمُرَادُ فَقَدْ يُقَالُ: الْجُمْلَةُ إنْشَائِيَّةٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَإِنْ أُرِيدَ دَوَامُ الْإِنْشَاءِ أَوْ الْمَنْشَأِ كَالثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ فَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَوْ مُتَعَلِّقُ الْمَنْشَأِ كَالِاتِّصَافِ بِالْجَمِيلِ فَدَوَامُ ذَلِكَ إنَّمَا يُسْتَفَادُ بِطَرِيقِ الْإِخْبَارِ وَالْغَرَضُ الْإِنْشَاءُ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ إنْشَاءُ نِسْبَةِ الِاتِّصَافِ بِالْجُمَلِ عَلَى الدَّوَامِ بِأَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ الِاتِّصَافُ كَذَلِكَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَصْدَ الْإِنْشَاءِ يُنَافِي إفَادَةَ الْجُمْلَةِ الدَّوَامَ. (قَوْلُهُ: بِلَفْظِ الْخَبَرِ) كَمَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ إلَخْ.
ــ
[حاشية الشربيني]
وَلَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ أَبْلَغُ مِنْ حَمْدِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ مِنْ إجْمَالَاتِ الْحَمْدِ عَلَى مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ اهـ. (قَوْلُهُ: اسْمِيَّةَ جُمْلَتَيْ الْحَمْدِ إلَخْ) سَوَاءٌ قُدِّرَ الْمُتَعَلِّقُ اسْمَ فَاعِلٍ أَوْ فِعْلًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا نَمْنَعُ كَوْنَ اسْمِ الْفَاعِلِ لِلْحُدُوثِ وَلَا يَضُرُّهُ الْعَمَلُ فِي الظُّرُوفِ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِيهِ رَائِحَةُ الْفِعْلِ فَيَكُونُ عَامِلًا وَهُوَ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الِاسْمِيَّةَ الَّتِي خَبَرُهَا فِعْلٌ إنَّمَا تُفِيدُ التَّجَدُّدَ إذَا لَمْ يُوجَدْ دَاعٍ إلَى الدَّوَامِ كَالْعُدُولِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الْمَقَامِ. اهـ. عَمِيرَةُ بِزِيَادَةٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى الثَّبَاتِ) أَيْ: لَا التَّجَدُّدِ وَهُوَ الْحُدُوثُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ. (قَوْلُهُ: وَالدَّوَامِ) أَيْ: بِوَاسِطَةِ الْعُدُولِ
1 / 6
مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةٍ مُشْتَقَّةٍ مِنْ التَّحْمِيدِ يُقَالُ مُحَمَّدٌ وَصْفًا لِمَنْ كَثُرَتْ خِصَالُهُ الْحَمِيدَةُ وَلَمَّا طَبَعَ اللَّهُ نَبِيَّنَا عَلَى ذَلِكَ أَلْهَمَ أَهْلَهُ أَنْ يُسَمُّوهُ بِذَلِكَ فَطَابَقَ الِاسْمُ الْمُسَمَّى. وَآلُهُ ﷺ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَسَيَأْتِي فِي الزَّكَاةِ وَقِيلَ: عِتْرَتُهُ الْمُنْتَسِبُونَ إلَيْهِ وَقِيلَ: أُمَّتُهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَهُوَ أَقْرَبُهَا إلَى الصَّوَابِ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْأَشْرَافِ بِخِلَافِ أَهْلٍ وَإِنَّمَا قِيلَ: آلُ فِرْعَوْنَ لِتَصَوُّرِهِ بِصُورَةِ الْأَشْرَافِ أَوْ لِشَرَفِهِ فِي قَوْمِهِ عِنْدَهُمْ وَعَنْ الْبَصْرِيِّينَ إنَّ اللَّفْظَيْنِ بِمَعْنًى. وَالْأَصْحَابُ جَمْعُ صَحْبٍ كَأَشْهَادٍ وَشَهْدٍ لَا جَمْعُ صَاحِبٍ؛ لِأَنَّ فَاعِلًا لَمْ يَثْبُتْ جَمْعُهُ عَلَى أَفْعَالٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحْبٌ قَالَ سِيبَوَيْهِ: اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ وَالْأَخْفَشُ: جَمْعٌ لَهُ وَبِهِ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ: وَجَمْعُ صَاحِبٍ صَحْبٌ كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ، وَصُحْبَةٌ بِالضَّمِّ كَفَارِهٍ وَفُرْهَةٍ وَصِحَابٌ كَجَائِعٍ وَجِيَاعٍ وَصُحْبَانٌ كَشَابٍّ وَشُبَّانٍ انْتَهَى. وَالصَّحَابِيُّ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ ﷺ مُؤْمِنًا وَمَاتَ كَذَلِكَ وَإِفْرَادُ الصَّلَاةِ عَنْ السَّلَامِ مَكْرُوهٌ فَلَعَلَّ النَّاظِمَ قَرَنَ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَإِنْ أَفْرَدَهَا خَطًّا.
(وَبَعْدُ) أَتَى بِهَا اقْتِدَاءً بِغَيْرِهِ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْتِي بِأَصْلِهَا فِي خُطَبِهِ وَهُوَ أَمَّا بَعْدُ بِدَلِيلِ لُزُومِ الْفَاءِ فِي حَيِّزِهَا غَالِبًا لِتَضَمُّنِ أَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْعَامِلِ فِيهَا، أَمَّا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لِنِيَابَتِهَا عَنْ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ نَفْسُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ (فَالْعِلْمُ) الْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرِيعَةِ كَالْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَالنَّحْوِ (عَظِيمُ الْمَنْزِلَهْ) أَيْ: الْمَرْتَبَةِ قَالَ تَعَالَى ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩] ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ [آل عمران: ١٨] ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١] «وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَلِيٍّ ﵁ فَوَاَللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَك مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ» ثُمَّ قَالَ «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ فِي الْمَاءِ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الْخَيْرَ» وَقَالَ «فَقِيهٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ» رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ مُعَاذٍ «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لَك حَسَنَةٌ وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ وَتَعْلِيمَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ» .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: نَبِيَّنَا عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: كَثْرَةِ الْخِصَالِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْأَشْرَافِ) أَيْ: لَا يُضَافُ إلَّا لِلْأَشْرَافِ بِرّ. (قَوْلُهُ: آلُ فِرْعَوْنَ) مَعَ أَنَّهُ لَا شَرَفَ لِفِرْعَوْنَ. (قَوْلُهُ: اللَّفْظَيْنِ بِمَعْنًى) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْنَى أَهْلٍ بِرّ. (قَوْلُهُ: اسْمُ جَمْعٍ إلَخْ) يَحْتَمِلُ إرَادَةَ الْجَمْعِ الِاصْطِلَاحِيِّ. (قَوْلُهُ: جَمْعٌ لَهُ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْجَمْعَ اللُّغَوِيَّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ اصْطِلَاحًا. (قَوْلُهُ: مَنْ لَقِيَ) شَامِلٌ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَلِلْأُنْثَى وَالرَّقِيقِ. (قَوْلُهُ: وَإِفْرَادُ الصَّلَاةِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ مَا صَاحَبَهُ السَّلَامُ فَتَضَمَّنَ قَوْلُهُ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ التَّعَرُّضَ لِلسَّلَامِ فَلَا إفْرَادَ مُطْلَقًا لَا لَفْظًا وَلَا خَطًّا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ إتْيَانِهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي قَوْلِك مَثَلًا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ. إذْ لَا إفْرَادَ وَقَدْ يُسْتَبْعَدُ وَقَدْ يُلْتَزَمُ وَالْحَقُّ أَنَّ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ.
(تَنْبِيهٌ) هَلْ كَرَاهَةُ إفْرَادِ الصَّلَاةِ عَنْ السَّلَامِ خَاصَّةٌ بِنَبِيِّنَا أَوْ عَامَّةٌ لَهُ وَلِبَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَفْرَدَهَا خَطًّا) صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ بِكَرَاهَةِ الْإِفْرَادِ خَطًّا أَيْضًا بِرّ. (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ لُزُومِ إلَخْ) فَكَأَنَّ الْوَاوَ نَائِبَةٌ عَنْ إمَّا وَمُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَاهَا. (قَوْلُهُ: كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ) إنْ كَانَ الْمُخَاطَبُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ لَا الصَّحَابَةَ فَقَطْ فَهُوَ أَبْلَغُ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لَك) أَيْ: أَيُّهَا الْمُتَعَلِّمُ
ــ
[حاشية الشربيني]
عَنْ الْفِعْلِيَّةِ أَوْ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ عَلَى حَسَبِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ وَقَوْلُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَاهِرِ لَا دَلَالَةَ " لِزَيْدٌ قَائِمٌ " عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثُبُوتِ الْقِيَامِ يَعْنِي بِحَسَبِ أَصْلِ الْوَضْعِ فَلَا يُنَافِي الدَّلَالَةَ بِاعْتِبَارِ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَآلُهُ) أَصْلُهُ أَهْلٌ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فَأَبْدَلَ الْهَاءَ هَمْزَةً تَوَصُّلًا لِقَلْبِهَا أَلِفًا فَلَا يُقَالُ الْهَمْزَةُ أَثْقَلُ مِنْ الْهَاءِ فَكَيْفَ يُعْدَلُ مِنْ الْهَاءِ إلَيْهَا. وَقِيلَ هُوَ مِنْ آلَ يَئُولُ إلَى كَذَا إذَا رَجَعَ إلَيْهِ بِقَرَابَةٍ وَنَحْوِهَا فَأَصْلُهُ أَوَلَ تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا. حَكَى الْكِسَائِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: أَهْلٌ وَأُهَيْلٌ وَآلٌ وَأُوَيْلٌ. وَإِلَى مَا تَقَرَّرَ أَشَارَ الشَّاطِبِيُّ بِقَوْلِهِ: فَإِبْدَالُهُ مِنْ هَمْزَةٍ هَاءً أَصْلُهَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ وَاوٍ أُبْدِلَا. اهـ. عَمِيرَةُ وَمِثْلُهُ الْجِنُّ. اهـ. عَمِيرَةُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ عِتْرَتُهُ إلَخْ) وَهُمْ أَوْلَادُهُ وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ مَا تَنَاسَلُوا. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: أُمَّتُهُ) أَيْ: أُمَّةُ الْإِجَابَةِ. اهـ. عَمِيرَةُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْأَشْرَافِ) فَفِيهِ تَخْصِيصَانِ تَخْصِيصٌ بِذَوِي الْعَقْلِ وَآخَرُ بِالْأَشْرَافِ مِنْهُمْ بِخِلَافِ آلٍ فَيُقَالُ آلُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: جَمْعُ) حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ وَهُوَ بَعِيدٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَاتَ كَذَلِكَ) لَيْسَ احْتِرَازًا عَمَّنْ مَاتَ مُرْتَدًّا كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّعْرِيفِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْمُنَافِي الْعَارِضِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُسَمَّى الشَّخْصُ صَحَابِيًّا حَالَ حَيَاتِهِ وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِإِرَادَةِ تَعْرِيفِ مَنْ يُسَمَّى صَحَابِيًّا بَعْدَ انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ قَالَهُ الْمَحَلِّيُّ. (قَوْلُهُ: كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ) أَيْ: بُعْدُ مَا بَيَّنَ دَرَجَتَيْ الْعَالِمِ وَالْعَابِدِ كَبُعْدِ مَا بَيْنَ دَرَجَتَيْ النَّبِيِّ ﷺ وَالْأَدْنَى بِمَعْنَى أَنَّ الْعَالِمَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَابِدِ فِي غَايَةِ الصُّعُودِ وَالْعَابِدَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ فِي غَايَةِ النُّزُولِ كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَدْنَى فِي غَايَةِ الصُّعُودِ وَالْأَدْنَى بِالنِّسْبَةِ لَهُ فِي غَايَةِ النُّزُولِ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يُقَاسَ فَضْلُ الْعَالِمِ بِفَضْلِهِ ﷺ لِتَفَاوُتِهِمَا فِي الْكَيْفِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي الرَّشِيدِيِّ تَدَبَّرْ. ثُمَّ رَأَيْت
1 / 7
﵀: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ. وَقَالَ: لَيْسَ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ (قَدْ اصْطَفَى اللَّهُ) أَيْ: اخْتَارَ (خِيَارَ الْخَلْقِ لَهْ) وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَوَرَثَتُهُمْ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ قَالَ ﷺ «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵁: إنْ لَمْ تَكُنْ الْفُقَهَاءُ الْعَامِلُونَ أَوْلِيَاءً لِلَّهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ وَلِيٌّ (وَالْعُمْرُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا (عَنْ تَحْصِيلِ كُلِّ عِلْمِ يَقْصُرُ فَابْدَأْ مِنْهُ بِالْأَهَمِّ وَذَلِكَ الْفِقْهُ فَإِنَّ مِنْهُ مَا لَا غِنًى فِي كُلِّ حَالٍ عَنْهُ) وَلِأَنَّهُ نَتِيجَةُ بَقِيَّةِ الْعُلُومِ وَسَبَبُ الْفَوْزِ بِالسَّعَادَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ الْأَهَمُّ بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَالْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ بِقَرِينَةِ إتْيَانِهِ بِمِنْ فِي التَّعْلِيلِ أَوْ جَعَلَهُ الْأَهَمَّ مُبَالَغَةً بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ وَهُوَ لُغَةً الْفَهْمُ وَقِيلَ: فَهْمُ مَا دَقَّ. قَالَ النَّوَوِيُّ يُقَالُ فَقِهَ يَفْقَهُ فَقَهًا كَفَرِحِ يَفْرَحُ فَرَحًا وَقِيلَ: فِقْهًا بِسُكُونِ الْقَافِ وَابْنُ الْقَطَّاعِ وَغَيْرُهُ يُقَالُ: فَقِهَ إذَا فَهِمَ وَفَقُهَ إذَا صَارَ الْفِقْهُ لَهُ سَجِيَّةً وَفَقَهَ إذَا سَبَقَ غَيْرَهُ إلَى الْفَهْمِ وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسَبُ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ
وَمَوْضُوعُهُ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ بِهَا، وَفِي وَضْعِ النَّاظِمِ " ذَلِكَ " مَوْضِعَ " هُوَ " تَعْظِيمٌ لِلْمُسْنَدِ إلَيْهِ بِالْبُعْدِ تَنْزِيلًا لِبُعْدِ دَرَجَتِهِ وَرِفْعَةِ مَحَلِّهِ مَنْزِلَةَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ (وَلَيْسَ فِي) كُتُبِ (مَذْهَبِنَا) أَيْ: طَرِيقَتِنَا أَيُّهَا الشَّافِعِيَّةُ (كَالْحَاوِي) لِلْعَلَّامَةِ نَجْمِ الدِّينِ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيِّ (فِي الْجَمْعِ) لِلْأَحْكَامِ (وَالْإِيجَازِ)
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ بِهِ خَيْرًا) أَيْ كَامِلًا أَوْ عَظِيمًا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ تُفِيدُ الْعُمُومَ (قَوْلُهُ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا) كِنَايَةٌ عَنْ مُطْلَقِ الْمَالِ وَلَوْ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ بِدَلِيلِ إنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ (قَوْلُهُ فَابْدَأْ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ حَالٍ) يَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِمَعْنَى النَّفْيِ أَيْ انْتَفَى فِي كُلِّ حَالٍ الْغِنَى عَنْهُ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ الِاحْتِيَاجُ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ. وَتَعَلُّقُهُ بِنَفْيٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْفِيَّ الْغِنَى فِي كُلِّ حَالٍ لَا مُطْلَقًا فَلَا يُقَيَّدُ الِاحْتِيَاجُ فِي كُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مِنْ عُمُومِ السَّلْبِ لَا سَلْبِ الْعُمُومِ فَلَا يَقْتَضِي مَا ذُكِرَ وَيُفِيدُ مَا ذُكِرَ؛ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ بِمَنْ) أَيْ لِأَنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ أَحَقُّ بِالْأَهَمِّيَّةِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الْقَرِينَةُ إنَّمَا تُفِيدُ هَذَا التَّقْيِيدَ بِالنِّسْبَةِ لِمَجْمُوعِ الْفِقْهِ، لَا لِلْبَعْضِ الَّذِي لَا غِنَى عَنْهُ فِي كُلِّ حَالٍ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ الْمُكْتَسِبُ) صِفَةٌ لِلْعِلْمِ. (قَوْلُهُ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْأَقْوَالَ وَالنِّيَّاتِ وَالِاعْتِقَادَ. (قَوْلُهُ: النَّاظِمِ ذَلِكَ) أَيْ لَفْظَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ فِي الْجَمْعِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ: قَضِيَّةُ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بَيْنَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ أَعْنِي لَفْظَ: كُتُبِ تَسْلِيطُ السَّلْبِ عَلَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِ فَلَوْ قَدَّرَ لَفْظَ: مُخْتَصَرَاتٍ اتَّجَهَ السَّلْبُ الْجَمِيعِيُّ فَتَأَمَّلْ. اهـ. وَظَاهِرٌ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ مُطْلَقَ الْجَمْعِ؛ إذْ لَيْسَ فِي مُجَرَّدِ ذَلِكَ مَدْحٌ وَلَا بِالْفَتَاوَى مُجَرَّدُ ذَاتِ الْمَسَائِلِ مُطْلَقًا؛ لِذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْجَمْعِ: إمَّا كَثْرَةُ الْجَمْعِ فِي الْجُمْلَةِ، أَوْ كَيْفِيَّةُ الْجَمْعِ كَالْوَضْعِ وَالتَّرْتِيبِ الْخَاصَّيْنِ، وَجَمْعِ النَّظَائِرِ فِي مَحِلٍّ، وَبِالْفَتَاوَى: مُهِمُّ الْمَسَائِلِ وَغَرَائِبُهَا مُحَقَّقَةً مُلَخَّصَةً (قَوْلُهُ وَالْإِيجَازِ) الْإِيجَازُ وَالِاخْتِصَارُ مُتَرَادِفَانِ لُغَةً كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَكَذَا اصْطِلَاحًا
ــ
[حاشية الشربيني]
حَاصِلَ مَا قُلْته فِي عَمِيرَةَ عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ) الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ ظَنُّ الْمُجْتَهِدِ فَلِقُوَّتِهِ سُمِّيَ عِلْمًا ثُمَّ الْمُرَادُ بِالظَّنِّ التَّهَيُّؤُ لَهُ لَا الظَّنُّ بِالْفِعْلِ.
(قَوْلُهُ: الْعِلْمُ إلَخْ) أَيْ: التَّصْدِيقِ بِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تَعْدِيَتِهِ بِالْبَاءِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ " الْمُكْتَسَبُ " بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَنَّ الْكَسْبَ لَا يَدْخُلُ التَّصَوُّرَ وَالْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ النِّسَبُ التَّامَّةُ وَبِالشَّرْعِيَّةِ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الشَّرْعِ وَالْعَمَلِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ وَتِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ هِيَ الْوُجُوبُ وَالْحُرْمَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَالنَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ وَاجِبَةٌ فَالْعَمَلُ هُوَ النِّيَّةُ وَكَيْفِيَّتُهُ وُجُوبُهُ وَمَعْنَى تَعَلُّقِ النِّسْبَةِ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ أَنَّ الْكَيْفِيَّةَ وَالْعَمَلَ ظَرْفَانِ لَهَا وَخَرَجَ بِهِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الْعِلْمِيَّةِ أَيْ: الِاعْتِقَادِيَّةِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَالْمُرَادُ بِالِاعْتِقَادِيَّةِ الْمُعْتَقَدَاتُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ هُنَا لَيْسَ ظَرْفًا لِلنِّسْبَةِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: الْمُكْتَسَبُ) خَرَجَ غَيْرُهُ كَعِلْمِ اللَّهِ وَجِبْرِيلَ وَبِالتَّفْصِيلِيَّةِ الْعِلْمُ الْمُكْتَسَبُ لِلْخِلَافِيِّ مِنْ الْمُقْتَضِي وَالنَّافِي كَعِلْمِهِ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي عِنْدَ إمَامِهِ أَوْ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْوَتْرِ لِوُجُودِ النَّافِي وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ عِلْمًا كَلَامٌ فِي الْأُصُولِ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهَا مَوْضُوعٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَمُعْتَبَرَةٌ مَعَهَا فَالْحَيْثِيَّةُ قَيْدُ الْمَوْضُوعِ وَتَتِمَّةٌ لَهُ وَالْبَحْثُ فِيهِ عَنْ فِعْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِفِعْلِهِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَدُونَ) قُلْت مَعْنَى دُونَ فِي الْأَصْلِ أَدْنَى مَكَان مِنْ الشَّيْءِ لَكِنْ مَعَ انْحِطَاطٍ يَسِيرٍ فَإِنَّ دُونَ نَقِيضُ فَوْقَ عَلَى مَا فِي الصِّحَاحِ فَهُوَ ظَرْفُ مَكَان مِثْلُ عِنْدَ إلَّا أَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ دُنُوٍّ أَكْثَرَ وَانْحِطَاطٍ قَلِيلٍ يُقَالُ: هَذَا دُونَ ذَاكَ إذَا كَانَ أَحَطَّ مِنْهُ قَلِيلًا ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْأَحْوَالِ وَالرُّتَبِ تَشْبِيهًا بِالْمَرَاتِبِ الْحِسِّيَّةِ وَشَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ وَاسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ تَجَاوُزِ حَدٍّ وَهُوَ هُنَا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ أَنْظِمُ أَوْ مَا أَيْ: حَالَ كَوْنِي مُنَبِّهًا بِ قُلْت فِي الْيَسِيرِ وَمُتَجَاوِزًا عَنْ ذَلِكَ التَّنْبِيهِ فِي الْكَثِيرِ قَالَ الرَّضِيُّ: فِي بَحْثِ الْمَفْعُولِ فِيهِ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى قَرِيبٌ مِنْ غَيْرِهِ فَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ أَيْ: وَغَيْرَ مُنَبِّهٍ إلَخْ وَكُلُّ مَا قُلْته نَصَّ عَلَيْهِ السَّعْدُ فِي الْمُطَوَّلِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: تَخْصِيصُ أَمْرٍ بِصِفَةٍ دُونَ صِفَةٍ أُخْرَى. وَقَرَّرَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ سم وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ دُونَ لَا تَخْرُجُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ لَكِنْ مَنَعَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ.
1 / 8
لِلْأَلْفَاظِ أَيْ: تَقْلِيلِهَا مَعَ تَوْسِعَةِ مَعْنَاهَا وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ " الْإِيجَازِ، الْإِتْقَانِ " أَيْ: الْإِحْكَامِ.
(وَالْفَتَاوَى) جَمْعُ فُتْيَا بِالضَّمِّ وَفَتْوَى بِالْفَتْحِ مِنْ فَتِيَ بِالْكَسْرِ يُفْتِي فَتًّا فَهُوَ فَتِيُّ السِّنِّ أَيْ: حَدِيثُهُ وَكُلُّ حَدَثٍ أَشْكَلَ عَلَى أَحَدٍ طَلَبَ مِنْ الْمُفْتِي فِيهِ أَمْرًا حَدِيثًا فَالْفَتْوَى جَوَابٌ حَدِيثٍ لِأَمْرٍ حَدِيثٍ (وَكُنْت مِمَّنْ حَلَّهُ) أَيْ: الْحَاوِيَ (وَأَتْقَنَهْ) أَيْ: أَحْكَمَهُ (فِي الْحِفْظِ وَالْفَهْمِ) وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ " الْفَهْمِ، الْبَحْثِ " (عَلَى مَا أَمْكَنَهْ) أَيْ: عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ حَلِّهِ وَإِتْقَانِهِ (فَاخْتَرْت أَنْ أَنْظِمَهُ) حَالَةَ كَوْنِي (كَالشَّارِحِ) لَهُ أَوْ نَظْمًا كَالشَّارِحِ لَهُ فِي كَوْنِهِ يُفْصِحُ بِالْعَامِلِ وَيُظْهِرُ الضَّمِيرَ وَيُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ وَيُطْلِقُ الْمُقَيَّدَ وَيُوَضِّحُ الْعِبَارَةَ وَقَالَ كَالشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَارِحًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ بَقِيَ مِنْ وَظِيفَةِ الشَّارِحِ أَشْيَاءُ كَالدَّلِيلِ وَالتَّصْوِيرِ وَالتَّعْلِيلِ وَإِنْ أَتَى بِبَعْضِهَا أَحْيَانًا (أَرْجُو بِهِ) أَيْ: أُؤَمِّلُ بِنَظْمِهِ (دَعْوَةَ عَبْدٍ صَالِحِ) يُهْدِيهَا إلَيَّ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ لِلتَّعْلِيلِ (يَزِيدُ) أَيْ: النَّظْمُ بِمَعْنَى الْمَنْظُومِ (عَنْ خَمْسَةِ آلَافٍ) مِنْ الْأَبْيَاتِ بِمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ بَيْتًا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ (غُرَرْ) جَمْعُ غُرَّةٍ وَغُرَّةُ كُلِّ شَيْءٍ أَوَّلُهُ وَأَكْرَمُهُ (فِيهِ زِيَادَاتٌ) عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمُقَلِّدِيهِ وَغَيْرِهِمْ (إلَيْهَا يُفْتَقَرْ) غَالِبًا (مُنَبِّهًا) أَيْ: مُوَقِّفًا لِلطَّلَبَةِ (بِقُلْتُ فِي) بِمَعْنَى عَلَى (الْيَسِيرِ مِنْهَا وَدُونَ قُلْتُ) أَيْ: وَغَيْرَ مُنَبِّهٍ بِقُلْتُ (فِي الْكَثِيرِ) بِمَعْنَى عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا بَقِيَ مِنْهَا كَقَوْلِهِ فِي الْغُسْلِ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ مِمَّا بَقِيَ سَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ فِي مَحَالِّهِ.
(وَفِيهِ) أَيْضًا (عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ) بِحَمَاةِ الْعَلَّامَةِ شَرَفِ الدِّينِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيم بْنِ إبْرَاهِيمَ (الْبَارِزِيّ شَيْخِي تَتِمَّاتُ الْجَمَالِ الْبَارِزِيّ) بِالْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ أَيْ: تَتِمَّاتٌ حَسَنَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَفِي الْبَيْتِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ الْجِنَاسُ التَّامُّ الْمُمَاثِلُ وَهُوَ أَنْ يَتَّفِقَ اللَّفْظَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلِمَةِ كَاسْمَيْنِ أَوْ فِعْلَيْنِ أَوْ حَرْفَيْنِ فِي أَنْوَاعِ الْحُرُوفِ وَأَعْدَادِهَا وَهَيْئَاتِهَا وَتَرْتِيبِهَا (لَا حَشْوَ فِيهِ) وَهُوَ الزَّائِدُ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ (حَسَبَ) بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ: بِقَدْرِ (الْإِمْكَانِ) أَيْ: إمْكَانِهِ فَلَا يُنَافِي وُجُودَ الْحَشْوِ فِيهِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ تَرْكُهُ (وَإِنَّمَا جَمِيعُهُ) لَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ (مَعَانِي) مَقْصُودَةٌ جَمْعُ مَعْنًى وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِنْ الْعِنَايَةِ نُقِلَ إلَى مَعْنَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ مَا يُعْنَى بِاللَّفْظِ، فَقَوْلُهُ: مَعَانٍ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لَهُ الْمُقَدَّرُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ " جَمِيعُهُ " وَيَجُوزُ جَعْلُهُ خَبَرًا لِجَمِيعِهِ مُبَالَغَةً أَوْ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ: جَمِيعُ مَدْلُولَاتِهِ مَعَانٍ وَجَمِيعُهُ وَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا هُوَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ فَصَحَّ حَمْلُ الْجَمْعِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ فَعِيلًا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُفْرَدُ وَغَيْرُهُ وَفِي نُسْخَةٍ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ: وَإِنْ يَكُنْ حَشْوٌ فَذَاكَ نَادِرٌ يَصْرِفُهُ إلَى الْمَعَانِي الْمَاهِرُ أَيْ: الْحَاذِقُ وَفِي أُخْرَى بَدَلُهُمَا
ــ
[حاشية العبادي]
وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ حَذْفُ الطُّولِ وَهُوَ الْإِطْنَابُ وَالثَّانِيَ حَذْفُ الْعَرْضِ وَهُوَ تَكْرِيرُ الْكَلَامِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: مَعَ تَوْسِعَةِ مَعْنَاهَا) إذْ مُجَرَّدُ التَّقْلِيلِ غَيْرُ مَمْدُوحٍ. (قَوْلُهُ: وَالْفَتَاوَى) أَيْ: فِي مَجْمُوعِ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ: طَلَبَ مِنْ الْمُفْتِي) صِفَةٌ لِأَحَدٍ. (قَوْلُهُ: أَمْرًا حَدِيثًا) لَعَلَّ حَدَاثَتَهُ بِاعْتِبَارِ حَدَاثَةِ تَعَلُّقِهِ أَوْ لِبَيَانِ تَعَلُّقِهِ. (قَوْلُهُ: مِمَّنْ) جَوَّزَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي مِنْ هَذِهِ الِابْتِدَائِيَّةَ وَلَعَلَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَكُنْت مِنْ حَيْثُ كَوْنِي حَلَّلْته وَأَتْقَنْته مُبْتَدِئًا مِنْهُمْ لِأَنِّي أَخَذْت عَنْهُمْ فَهَذِهِ الصِّفَةُ حَصَلَتْ لِي بِوَاسِطَتِهِمْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَيْ: عَلَى الْوَجْهِ إلَخْ) هَذَا تَفْسِيرٌ مَعْنًى فَلَا يُنَافِي أَنَّ فَاعِلَ أَمْكَنَ ضَمِيرُ مَا وَضَمِيرُهُ الْبَارِزُ لِمَنْ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمُغْنِي فِي نَوْعٍ مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَظْمًا كَالشَّرْحِ) إنْ قِيلَ فِيهِ حَذْفُ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةُ شِبْهُ جُمْلَةٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ الْمَوْصُوفُ بَعْضًا مِنْ مَجْرُورٍ بِمِنْ أَوْ فِي فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْكَافَ اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلٍ فَلَيْسَ هُنَا شِبْهُ جُمْلَةٍ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ.
أَقُولُ: أَوْ يُجَابُ بِأَنَّ الْخَالِيَ عَنْ الشَّرْطِ وَارِدٌ قَلِيلًا وَجُعِلَ مِنْهُ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ أَيْ: نَبَأٌ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ. (قَوْلُهُ: وَيُطْلَقُ الْمُقَيَّدُ) أَيْ: يُبَيِّنُ أَنَّ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْإِطْلَاقُ وَلَوْ بِاقْتِصَارِ النَّظْمِ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْإِطْلَاقِ. (قَوْلُهُ: عَبْدٍ صَالِحٍ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصَّالِحِ الْمُؤْمِنَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَخَصَّ. (قَوْلُهُ: وَالْجُمْلَةُ حَالٌ) أَيْ: مِنْ فَاعِلِ أُنَظِّمُهُ. (قَوْلُهُ: يَزِيدُ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَقَدُّمِ الْخُطْبَةِ وَإِلَّا لَعَيَّنَ الْمِقْدَارَ وَقَدْ يُعْكَسُ وَإِلَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى هَذَا التَّعْيِينِ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ أَقْرَبُ. (قَوْلُهُ: وَدُونَ) قُلْت: لَمْ يَظْهَرْ مِنْ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ بَيَانُ الْمَعْطُوفِ وَمُتَعَلِّقُ دُونَ فِي قَوْلِهِ وَدُونَ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَجْعَلَ فِي عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ الظَّرْفِيَّةِ مُتَعَلِّقًا بِمُنَبِّهًا؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ ظَرْفٌ فِي الْجُمْلَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى زِيَادَتِهِ وَيُجْعَلُ الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفًا يَتَعَلَّقُ بِهِ دُونَ وَالتَّقْدِيرُ مُنَبِّهًا عَلَى زِيَادَةِ الزِّيَادَاتِ بِقُلْتُ فِي الْيَسِيرِ مِنْهَا وَذَاكِرًا لِلزِّيَادَاتِ دُونَ قُلْت فِي الْكَثِيرِ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: أَيْ: وَغَيْرَ مُنَبِّهٍ إلَخْ) شَامِلٌ لِلتَّنْبِيهِ بِدُونِ قُلْت وَلِعَدَمِ التَّنْبِيهِ رَأْسًا بِخِلَافِ الْمَتْنِ فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الْمَعْنَى وَمُنَبِّهًا بِدُونِ قُلْت فَلَا يَشْمَلُ عَدَمَ التَّنْبِيهِ رَأْسًا وَمِثَالُ التَّنْبِيهِ بِدُونِ قُلْت قَوْلُهُ فِي الْوُضُوءِ وَمَا لِلْأَعْضَاءِ لَمْ يَرَ النَّوَوِيُّ وَفِي الْغُسْلِ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِالْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ) فِيهِ أَنَّ الْجَمَالَ لَا يُحْمَلُ عَلَى التَّتِمَّاتِ إلَّا أَنْ يُرَادَ الْحَمْلُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَيَكُونَ ذِكْرُ حُسْنِهِ فِي التَّفْسِيرِ نَظَرًا لِلْوَاقِعِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: تَتِمَّاتٌ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ الْمُوَافِقُ لِكَوْنِ الْإِضَافَةِ بَيَانِيَّةً أَنْ يَقُولَ أَيْ: تَتِمَّاتٌ هِيَ الْحُسْنُ الظَّاهِرُ. (قَوْلُهُ: حَسَنَةٌ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَتْنُ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى الصِّفَةِ بِرّ.
(قَوْلُهُ: وَأَعْدَادِهَا) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ وَلَا يَضُرُّ فِي ذَلِكَ يَاءُ النَّسَبِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا كَلِمَةٌ بِرَأْسِهَا اهـ. وَقَدْ يُقَالُ هِيَ لَا تَضُرُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ الْمُشَدَّدَ فِي الْجِنَاسِ فِي حُكْمِ الْمُخَفَّفِ وَفِي الْجَمَالِ الْبَارِزِيِّ بِالْإِشْبَاعِ فَاتَّفَقَا فِي أَعْدَادِ الْحُرُوفِ. (قَوْلُهُ: الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ) الْمُتَعَيِّنُ إذْ غَيْرُ الْمُتَعَيِّنِ تَطْوِيلٌ لَا حَشْوٌ. (قَوْلُهُ: مَعَانٍ مَقْصُودَةٌ) أَيْ: مُحْتَاجٌ لَهَا بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ لِقَوْلِهِ لَا حَشْوَ فِيهِ وَإِلَّا فَمَعَانِي الْحَشْوِ مَقْصُودَةٌ أَيْ: مُرَادَةٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَا يُعْنَى أَيْ: يُقْصَدُ. (قَوْلُهُ: مَا يُعْنَى بِاللَّفْظِ) أَيْ: يُقْصَدُ بِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَعَانِيَ الْحَشْوِ مَقْصُودَةٌ بِهِ فَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ لَيْسَ مُجَرَّدَ أَنَّهَا مَقْصُودَةٌ بِالْأَلْفَاظِ بَلْ أَنَّهَا مُحْتَاجٌ إلَيْهَا فِي الْغَرَضِ. (قَوْلُهُ: مَدْلُولَاتِهِ مَعَانٍ أَوْ جَمِيعُهُ) دَالُّ مَعَانِي. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فَعِيلًا) أَيْ: بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فَجَمِيعٌ بِمَعْنَى مَجْمُوعٍ وَإِنْ
ــ
[حاشية الشربيني]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 / 9
وَرُبَّ حَشْوٍ مَا خَلَا عَنْ فَائِدَهْ ... أَوْضَحَ مَعْنًى أَوْ أَتَى بِزَائِدَهْ
(وَقَدْ) لِلتَّحْقِيقِ (يُسَمَّى) أَيْ: النَّظْمُ بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ وَيَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ بِجَعْلِهِ مُطَاوِعَ سُمِّيَ فَيَكُونُ مَبْدُوءًا بِتَاءِ الْمُطَاوَعَةِ يُقَالُ: سَمَّيْت فُلَانًا زَيْدًا وَسَمَّيْته بِهِ فَتَسَمَّاهُ وَتَسَمَّى بِهِ (بَهْجَةَ الْحَاوِي لِمَا حَوَى مِنْ الْبَهْجَةِ) أَيْ: لِمَا جَمَعَهُ مِنْ الْحُسْنِ (لَمَّا نُظِمَا) أَيْ: الْحَاوِي حَيْثُ سَهَّلَ مَبَانِيَهُ وَأَوْضَحَ مَعَانِيَهُ وَالْعِلْمُ قَدْ يُوضَعُ لِمَعْنًى فِي الْمُسَمَّى كَمَا فَعَلَ النَّاظِمُ لَكِنْ لَا يَكُونُ الْإِطْلَاقُ مَشْرُوطًا بِهِ لِإِطْلَاقِ أَحْمَرَ مَثَلًا عَلَى مَنْ سُمِّيَ بِهِ وَفِيهِ حُمْرَةٌ وَإِنْ زَالَتْ وَبِهِ يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى فِي إطْلَاقِ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَاعْتِبَارِهِ فِي الْمُسَمَّى عِنْدَ التَّسْمِيَةِ (وَكُلُّ مَنْ جَرَّبَ) أَيْ: اخْتَبَرَ (نَظْمَ النَّثْرِ) بِالْمُثَلَّثَةِ (لَا سِيَّمَا الْحَاوِي) الْمَعْلُومُ قَلَاقَتُهُ (أَقَامَ عُذْرِي) فِيمَا يَحْتَاجُ لِلِاعْتِذَارِ مِمَّا سَيَأْتِي وَسِيُّ مُشَدَّدٌ وَحَكَى الْأَخْفَشُ تَخْفِيفَهُ وَمَعْنَاهُ مِثْلُ ضُمَّ إلَيْهِ مَا وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِلَا؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ فَمَا زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ وَالْحَاوِي مَجْرُورٌ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ خَبَرًا لِمَحْذُوفٍ وَمَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَنَصْبُهُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ وَمَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَرُوِيَ بِالْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ
أَلَا رُبَّ يَوْمٍ صَالِحٍ لَك مِنْهُمَا ... وَلَا سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ
فَالثَّلَاثَةُ جَائِزَةٌ فِيمَا بَعْدَ سِيَّمَا مَعْرِفَةً كَانَ أَوْ نَكِرَةً، وَمَنْعُ الْجُمْهُورِ نَصْبَهُ مَعْرِفَةً مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نَصْبَهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى
ــ
[حاشية العبادي]
يَكُنْ حَشْوٌ أَيْ: بِحَسَبِ الظَّاهِرِ. (قَوْلُهُ: وَرُبَّ حَشْوٍ) أَيْ: بِحَسَبِ الظَّاهِرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَتَى بِزَائِدَهْ) أَيْ: بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ. (قَوْلُهُ: لِمَا حَوَى) أَيْ: النَّظْمُ. (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مَنْ جَرَّبَ إلَخْ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ أَيْ: النَّثْرَ الْوَاضِحَ بِعُسْرِ فَهْمِهِ إذَا نُظِمَ فَكَيْفَ بِالْعُسْرِ الْفَهْمُ كَالْحَاوِي وَلَقَدْ أَجَادَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا النَّظْمِ وَأَتَى فِيهِ بِأَوْضَحَ مِنْ عِبَارَةِ الْحَاوِي وَقَوْلُهُ: أَقَامَ عُذْرِي يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي الِاعْتِذَارَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ فِي نَظْمِهِ مَا هُوَ أَخْفَى مِنْ تَعْبِيرِ الْحَاوِي فَهُوَ يَسِيرٌ جِدًّا اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا سِيَّمَا الْحَاوِيَ) فِيهِ اسْتِعْمَالُ لَا سِيَّمَا مِنْ غَيْرِ وَاوٍ قَبْلَهَا وَقَدْ صَرَّحَ ثَعْلَبٌ بِأَنَّهُ خَطَأٌ لَكِنْ قَالَ غَيْرُهُ إنَّهَا قَدْ تُحْذَفُ. (قَوْلُهُ: فِيمَا يَحْتَاجُ لِلِاعْتِذَارِ) قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ أَقَامَ عُذْرِي فِي مَدْحِي بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَوْصَافِ الْجَلِيلَةِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ حَقِيقٌ بِذَلِكَ الْمَدْحِ فَلَا يُؤَاخِذُنِي فِيهِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا مِنْ السِّيَاقِ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِهِ) لِأَنَّهُ مُضَافٌ قَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ: وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ اهـ. فَإِنْ قُلْت: عَلَى تَقْدِيرِ زِيَادَةِ مَا وَجَرِّ الْحَاوِي وَهَذَا أَرْجَحُ الْوُجُوهِ كَمَا قَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ أَوْ رَفْعِهِ وَمَوْصُولِيَّةِ مَا يَكُونُ سِيُّ مُضَافًا لِمَعْرِفَةٍ وَالْمُضَافُ لِمَعْرِفَةٍ مَعْرِفَةٌ فَكَيْفَ صَحَّ نَصْبُهُ بِلَا مَعَ أَنَّهَا لَا تَعْمَلُ فِي الْمَعَارِفِ قُلْت: سِيُّ بِمَعْنَى مِثْلٍ فَلَا يَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ لِتَوَغُّلِهِ فِي الْإِبْهَامِ، ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الْكِتَابِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ: وَسِيُّ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَعْنِي رَفْعَ الْمَعْرِفَةِ بَعْدَهَا وَجَرَّهَا أَيْضًا نَكِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مِثْلٍ فَلَا يَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ لِتَوَغُّلِهِ فِي الْإِبْهَامِ وَلِهَذَا جَازَ دُخُولُ لَا الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْسِ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْكِتَابِ أَيْضًا وَيَجُوزُ مَجِيءُ الْوَاوِ الِاعْتِرَاضِيَّةِ قَبْلَ لَا سِيَّمَا إذْ هِيَ مَعَ مَا بَعْدَهَا بِتَقْدِيرِ جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ لَفْظًا وَمُتَعَلِّقَةٍ بِمَا بَعْدَهَا مَعْنًى نَحْوُ: جَاءَنِي الْقَوْمُ وَلَا سِيَّمَا زَيْدٌ أَيْ: وَلَا مِثْلَ زَيْدٍ مَوْجُودٌ بَيْنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ جَاءُوا أَيْ: هُوَ أَخَصُّ بِي وَأَشَدُّ إخْلَاصًا فِي الْمَجِيءِ وَخَبَرُ لَا مَحْذُوفٌ اهـ وَفِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلسُّيُوطِيِّ: وَيَجُوزُ حَذْفُهَا أَيْ: مَا نَحْوُ لَا سِيَّ زَيْدٌ نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ وَزَعَمَ ابْنُ هِشَامٍ الْخَضْرَاوِيُّ أَنَّهَا زَائِدَةٌ لَازِمَةٌ لَا تُحْذَفُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَا مَوْصُولَةٌ) يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ الْعَائِدِ الْمَرْفُوعِ مَعَ عَدَمِ طُولِ الصِّلَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِطْلَاقُ مَا عَلَى مَنْ يَعْقِلُ فِي نَحْوِ لَا سِيَّمَا زَيْدٌ. (قَوْلُهُ: وَنَصْبُهُ) بِإِضْمَارِ فِعْلٍ وَمَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَهَلَّا جَوَّزَ مَوْصُولِيَّتَهَا. وَالثَّانِي أَنَّ كَوْنَ النَّصْبِ بِإِضْمَارِ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَاتِ وَفِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ النَّحْوِيِّ وَإِنْ تَلَاهَا أَيْ: سِيَّمَا نَكِرَةً جَازَ فِيهِ الْأَمْرَانِ أَيْ: الرَّفْعُ وَالْجَرُّ وَثَالِثٌ وَهُوَ النَّصْبُ وَقَدْ رُوِيَ بِالْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ قَوْلُهُ: وَلَا سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ. وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ النَّصْبِ فَقِيلَ إنَّهُ عَلَى التَّمْيِيزِ وَمَا نَكِرَةٌ تَامَّةٌ غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِالْإِضَافَةِ وَالْمَنْصُوبُ تَفْسِيرٌ لَهَا أَيْ: وَلَا مِثْلَ شَيْءٍ يَوْمًا وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَى الظَّرْفِ وَمَا بِمَعْنَى الَّذِي وَهُوَ صِلَةٌ لَهَا أَيْ: وَلَا مِثْلَ الَّذِي اتَّفَقَ يَوْمًا فَحُذِفَ لِلْعِلْمِ كَمَا قَالُوا: رَأَيْت الَّذِي أَمْسِ أَيْ: الَّذِي وَقَعَ وَاتَّفَقَ وَقِيلَ إنَّ مَا حَرْفٌ كَافٍ لِسِيِّ عَنْ الْإِضَافَةِ وَالْمَنْصُوبُ تَمْيِيزٌ مِثْلُ قَوْلِهِمْ عَلَى الثَّمَرَةِ مِثْلُهَا زُبْدٌ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَالشَّلَوْبِينُ وَقِيلَ إنَّهَا كَافَّةٌ وَهُوَ ظَرْفٌ قَالَهُ ابْنُ الصَّائِغِ أَيْ: وَلَا مِثْلَ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: سِيَّمَا) لَيْسَتْ لِلِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا دَاخِلٌ فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ خِلَافُ ذَلِكَ وَعَيْنُهُ فِي الْأَصْلِ وَاوٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُسَاوَاةِ قُلِبَتْ يَاءً وَأُدْغِمَتْ. (قَوْلُهُ: زَائِدَةٌ) أَيْ: لِلتَّأْكِيدِ وَصَرَّحَ سِيبَوَيْهِ بِجَوَازِ حَذْفِهَا وَمَنَعَهُ ابْنُ هِشَامٍ الْخَضْرَاوِيُّ وَنُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ لُزُومُهَا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِجَرَيَانِ التَّرْكِيبِ مَجْرَى الْمَثَلِ. (قَوْلُهُ: لِمَحْذُوفٍ) أَيْ: وُجُوبًا لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى الْأَمْثَالِ فَلَا يُغَيَّرُ.
(قَوْلُهُ: مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِفَاعِلِهَا) وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ ضَمِيرٍ فِي الصِّفَةِ يَرْجِعُ إلَى الْمَوْصُوفِ وَيَكُونُ فَاعِلًا لَهَا لَفْظًا؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الصِّفَةِ إلَى مَرْفُوعِهَا إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ جَعْلِهِ فِي صُورَةِ الْمَنْصُوبِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالْمَفْعُولِ فِي كَوْنِهِ كَالْفَضْلَةِ بَعْدَ اعْتِبَارِ الضَّمِيرِ فِيهَا لِتَحْصُلَ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَرْفُوعَ عَيْنُ الصِّفَةِ فَكَانَ إضَافَتُهَا إلَيْهِ إضَافَةَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمَنْصُوبِ فَإِنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا لَكِنْ اعْتِبَارُ الضَّمِيرِ فِيهَا مَشْرُوطٌ بِأَنْ تَكُونَ فِي اللَّفْظِ جَارِيَةً عَلَيْهِ نَعْتًا أَوْ حَالًا أَوْ خَبَرًا وَفِي الْمَعْنَى دَالَّةً عَلَى صِفَةٍ لَهُ فِي
1 / 10
التَّمْيِيزِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ.
(لَكِنْ) أُقْسِمُ (يَمِينًا بِاَلَّذِي سَهَّلَهُ) عَلَيَّ (مَا كَانَ عِنْدِي أَنَّنِي كُفْءٌ) أَيْ: مُكَافِئٌ (لَهُ) وَمِثْلُهُ الْكَفِيءُ وَالْكُفُوءُ بِالْمَدِّ فِيهِمَا (وَإِنَّمَا رَأَيْتُ فِي مَنَامِي نَبِيَّنَا) ﷺ كَائِنًا (بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَدْ دَعَانِي ثُمَّ أَعْطَانِي وَرَقْ) بِالْوَقْفِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَحَرَكَةِ مَا قَبْلهَا بِلُغَةِ رَبِيعَةَ (نُظِمْنَ) أَيْ: الْوَرَقُ (فِي خَيْطٍ بِخَطٍّ اتَّسَقْ) أَيْ: انْتَظَمَ (فَكَانَ ذَا النَّظْمُ) بِمَعْنَى الْمَنْظُومِ (الْبَدِيعُ الْعَمَلِ) أَيْ: الْمُوجَدُ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ مَادَّةٍ (تَأْوِيلَ رُؤْيَايَ) الْمَذْكُورَةِ أَيْ: تَعْبِيرَهَا بِمَا تَئُولُ إلَيْهِ (بِسِرِّ الْمُرْسَلِ) أَيْ: بِسَبَبِ سِرِّهِ وَهُوَ مَا يُكْتَمُ وَجَمْعُهُ أَسْرَارٌ وَمِثْلُهُ السَّرِيرَةُ وَجَمْعُهَا سَرَائِرُ وَإِضَافَةُ الْبَدِيعِ لِلْعَمَلِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ لِفَاعِلِهَا نَحْوَ فُلَانٌ بَدِيعُ الشِّعْرِ أَيْ: بَدِيعٌ شِعْرُهُ، وَسَوَّغَ دُخُولَ أَلْ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهَا مُضَافَةٌ دُخُولُهَا عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَسَاغَ بِنَاؤُهَا مِنْ أَبْدَعَ مَعَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِجَعْلِهِ لَازِمًا وَنَقَلَهُ إلَى فَعُلَ بِالضَّمِّ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي فَائِقِهِ وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُرْسَلِ كَالتَّعْبِيرِ الشَّائِعِ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالرَّسُولِ لَكِنْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ: الرَّسُولُ بَلْ يُقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ أَوْ نَبِيُّ اللَّهِ قَالَ وَلَا يَرِدُ قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ﴾ [المائدة: ٤١] إذْ نِدَاؤُهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ﷺ تَشْرِيفٌ لَهُ بِأَيِّ خِطَابٍ كَانَ بِخِلَافِ كُلًّا مِنَّا وَالرَّسُولُ إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ وَالنَّبِيُّ إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الرَّسُولِ. وَالرِّسَالَةُ أَفْضَلُ مِنْ النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُثْمِرُ هِدَايَةَ الْأُمَّةِ، وَالنُّبُوَّةُ قَاصِرَةٌ عَلَى النَّبِيِّ كَالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ وَعَكَسَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ النُّبُوَّةَ الْوَحْيُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ مِنْ طَرَفَيْهَا وَالرِّسَالَةُ الْأَمْرُ بِالتَّبْلِيغِ لِلْعِبَادِ فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهَا وَبِالْعِبَادِ مِنْ الْآخَرِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِاَللَّهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَيُجَابُ بِأَنَّ الرِّسَالَةَ أَخَصُّ مِنْ النُّبُوَّةِ كَمَا أَنَّ الرَّسُولَ أَخَصُّ مِنْ النَّبِيِّ فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى النُّبُوَّةِ وَزِيَادَةٍ.
(وَرَبُّنَا) أَيْ: مَالِكُنَا (الْمَسْئُولُ فِي النَّفْعِ بِهِ وَ) فِي (جَعْلِ مَنْ يَقْرَأُ مِنْ حِزْبِهِ) أَيْ: جُنْدِهِ (أَسْأَلُهُ أَنْ يُصْلِحَ النِّيَّةَ لِي فِي نَظْمِهِ وَأَنْ يُزَكِّي) بِسُكُونِ الْيَاءِ بِإِهْمَالِ أَنْ أَيْ: يَمْدَحَ (عَمَلِي) فَيُثِيبَنِي عَلَيْهِ، وَجُمْلَةُ " أَسْأَلُهُ " خَبَرٌ لِرَبُّنَا وَالْمَسْئُولُ خَبَرٌ أَوَّلٌ أَوْ صِفَةٌ لَهُ وَالْجُمْلَتَانِ خَبَرِيَّتَانِ لَفْظًا إنْشَائِيَّتَانِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِمَا الدُّعَاءُ هَذَا.
(بَابُ الطَّهَارَةِ) بِالْمَاءِ وَهُوَ لُغَةً: مَا يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ. وَاصْطِلَاحًا: اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْكِتَابِ وَبِالْفَصْلِ
ــ
[حاشية العبادي]
مَا كَانَ لَك فِي يَوْمٍ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّهُ عَلَى الظَّرْفِ وَمَا بِمَعْنَى الَّذِي يُفِيدُ تَجْوِيزَ الْمَوْصُولِيَّةِ مَعَ النَّصْبِ.
(قَوْلُهُ: يَمِينًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ. (قَوْلُهُ: بِالْمَسْجِدِ) لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ وَيَحْتَمِلُ الْحَالِيَّةَ مِنْ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ أَوْ مِنْهُمَا وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ تَقْرِيرُ الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِنَحْوِ مُقْبِلًا عَلَيَّ. (قَوْلُهُ: سَبْقِ مَادَّةٍ) لِنَظْمِهِ. (قَوْلُهُ: تَأْوِيلَ رُؤْيَايَ) يَعْنِي مُؤَوَّلَهَا بِرّ. (قَوْلُهُ: أَيْ: تَعْبِيرَهَا) أَيْ: مَا عَبَّرَتْ الرُّؤْيَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِمَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ) يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تُعَبِّرْ بِعَيْنِ هَذَا النَّظْمِ بَلْ بِشَيْءٍ يَصْدُقُ بِهِ أَوْ يَتَحَقَّقُ بِهِ فِي الْخَارِجِ كَتَأْلِيفٍ فِي الْفِقْهِ سم. (قَوْلُهُ: بِمَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ) كَأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا يَصْدُقُ بِهِ كَتَأْلِيفٍ فِي الْفِقْهِ. (قَوْلُهُ: بِسِرِّ الْمُرْسَلِ) يُمْكِنُ تَفْسِيرُهُ بِحَالٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يَصْلُحُ لِلتَّوَسُّلِ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يُكْتَمُ) وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ حَالٌ صَالِحٌ لِلْعَبْدِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِإِفَاضَةِ الْمَطَالِبِ.
(قَوْلُهُ: وَسَاغَ بِنَاؤُهَا مِنْ أَبْدَعَ) فِي الْقَامُوسِ وَبِدَعَ كَفَرِحَ سَمِنَ وَكَمَنَعَ أَنْشَأَهُ كَابْتَدَعَهُ وَالرَّكِيَّةُ اسْتَنْبَطَهَا وَأَبْدَعَ إبْدَاعًا وَالشَّاعِرُ أَتَى بِالْبَدِيعِ اهـ. (قَوْلُهُ: إنْسَانٌ) وَقِيلَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْإِنْسَانِ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ شَرْحِ مُسْلِمٍ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ رُسُلِ اللَّهِ وَلَوْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ﴾ [الحج: ٧٥] وَلَا يُسَمَّى الْمَلَكُ نَبِيًّا اهـ. (قَوْلُهُ: إنْسَانٌ) عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بَدَلَهُ بِذَكَرٍ حُرٍّ مِنْ بَنِي آدَمَ. (قَوْلُهُ: بِشَرْعٍ) عُلِمَ بِهِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِيحَاءِ لَا يَقْتَضِي النُّبُوَّةَ وَإِنَّمَا يَقْتَضِيهَا إيحَاءٌ بِشَرْعٍ وَتَكْلِيفٌ يَخُصُّهُ. (قَوْلُهُ: وَعَكَسَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) وَالْكَلَامُ فِي نُبُوَّةِ الرَّسُولِ مَعَ رِسَالَتِهِ وَإِلَّا فَالرَّسُولُ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ قَطْعًا كَذَا قِيلَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا صَحَّ النِّزَاعُ فِي هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِشَخْصٍ صَحَّ فِيهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِشَخْصَيْنِ بِأَنْ نَنْظُرَ لِمُجَرَّدِ نُبُوَّةِ وَاحِدٍ مَعَ مُجَرَّدِ رِسَالَةِ آخَرَ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الرِّسَالَةَ أَخَصُّ) فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَيْضًا وَفِيهَا الْوَحْيُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: أَسْأَلُهُ أَنْ يُصْلِحَ النِّيَّةَ لِي) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَقَدُّمِ وَضْعِ الْخُطْبَةِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ دَوَامَ صَلَاحِهَا أَوْ إصْلَاحِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ لَا يَتَغَيَّرَ لِغَرَضٍ مَذْمُومٍ أَوْ يُرِيدُ بِالْإِصْلَاحِ مَعْنَى قَبُولِهَا وَالْإِثَابَةِ عَلَيْهَا أَوْ إصْلَاحَهَا بِالْحِفْظِ وَالتَّرْبِيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَسْأَلُهُ أَنْ يُصْلِحَ النِّيَّةَ لِي إلَخْ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَسُؤَالُهُ إصْلَاحَ النِّيَّةِ فِي النَّظْمِ يَقْتَضِي سَبْقَ هَذِهِ الْخُطْبَةِ لِلْمَقْصُودِ وَذِكْرُهُ عَدَدَ الْأَبْيَاتِ وَمَا فِيهَا مِنْ الزِّيَادَاتِ وَأَنَّهُ لَا حَشْوَ فِيهَا يَقْتَضِي تَأَخُّرَهَا عَنْهُ وَلَعَلَّ تِلْكَ الْأَبْيَاتَ مُتَأَخِّرَةٌ وَهَذَا مُتَقَدِّمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِسُكُونِ الْيَاءِ) قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَجُوزُ جَعْلُ يُزَكِّي مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ فَلَا إهْمَالَ اهـ. وَأَقُولُ: يَجُوزُ أَيْضًا جَعْلُهُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَأَعْمَلَ أَنْ لَكِنَّهُ وَصْلٌ بِنِيَّةِ الْوَقْفِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ وَجِيهٌ جِدًّا وَفِيهِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى تَنَاسُبِ الْفِعْلَيْنِ فِي الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ. (قَوْلُهُ: أَسْأَلُهُ) خَبَرُ أَقُولُ أَوْ اسْتِئْنَافٌ سم.
(بَابُ الطَّهَارَةِ) بِالْمَاءِ بِقَرِينَةِ إفْرَادِ التَّيَمُّمِ بِبَابٍ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ: الْبَابُ. (قَوْلُهُ: مَا يُتَوَصَّلُ إلَخْ) هَذَا يَشْمَلُ
ــ
[حاشية الشربيني]
نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ زَيْدٌ أَبْيَضُ الثَّوْبِ سَوَاءٌ كَانَتْ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ كَمَا فِي زَيْدٌ حَسَنُ الْوَجْهِ أَوْ لَا كَمَا فِي زَيْدٌ كَثِيرُ الْإِخْوَانِ أَيْ: مُتَقَوٍّ بِهِمْ وَمِنْهُ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْمَنْظُومِ غَرِيبًا. (قَوْلُهُ: مِنْ أَبْدَعَ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ مَعَ وُجُودِ بَدُعَ كَكَرُمَ بَدَاعَةً وَبُدُوعًا بِمَعْنَى بَلَغَ الْغَايَةَ
[بَابُ الطَّهَارَةِ]
(قَوْلُهُ: مَا يُتَوَصَّلُ إلَخْ) أَيْ: فُرْجَةٌ فِي نَحْوِ
1 / 11
أَيْضًا فَإِنْ جُمِعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَقُلْ: الْكِتَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَبْوَابٍ وَفُصُولٍ وَالْبَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْكِتَابِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى فُصُولٍ وَالْفَصْلُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْبَابِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مَسَائِلَ وَذِكْرُ التَّرَاجِمِ مَزِيدٌ عَلَى الْحَاوِي التَّارِكِ لَهَا اخْتِصَارًا لِوُضُوحِهَا. وَافْتَتَحَ أَئِمَّتُنَا بِالطَّهَارَةِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ» مَعَ افْتِتَاحِهِ ﷺ ذَكَرَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُمَا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ بِالصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي وَلِأَنَّهَا أَعْظَمُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي قَدَّمُوهَا عَلَى غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ طَبْعًا فَقُدِّمَ عَلَيْهِ وَضْعًا وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ إمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِعِبَادَةٍ أَوْ بِمُعَامَلَةٍ أَوْ بِمُنَاكَحَةٍ أَوْ بِجِنَايَةٍ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْبَعْثَةِ نَظْمُ أَحْوَالِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ.
وَانْتِظَامُهَا إنَّمَا يَكُونُ بِكَمَالِ قُوَاهُمْ النُّطْقِيَّةِ وَالشَّهْوِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ فَمَا يُبْحَثُ عَنْهُ فِي الْفِقْهِ إنْ تَعَلَّقَ بِكَمَالِ النُّطْقِيَّةِ فَالْعِبَادَةُ إذْ بِهَا كَمَالُهَا أَوْ بِكَمَالِ الشَّهْوِيَّةِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ فَالْمُعَامَلَةُ أَوْ بِالْوَطْءِ وَنَحْوِهِ فَالْمُنَاكَحَةُ أَوْ بِكَمَالِ الْغَضَبِيَّةِ فَالْجِنَايَةُ وَأَهَمُّهَا الْعِبَادَةُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَشْرَفِ ثُمَّ الْمُعَامَلَةُ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ثُمَّ الْمُنَاكَحَةُ؛ لِأَنَّهَا دُونَهَا فِي الْحَاجَةِ ثُمَّ الْجِنَايَةُ لِقِلَّةِ وُقُوعِهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهَا فَرَتَّبُوهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَرَتَّبُوا الْعِبَادَةَ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى تَرْتِيبِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ» وَاخْتَارُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى رِوَايَةِ تَقْدِيمِ الْحَجِّ عَلَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَعَمُّ وُجُوبًا وَلِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ وَلِتَكَرُّرِهِ فِي كُلِّ عَامٍ.
وَالطَّهَارَةُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ طَهَرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ يَطْهُرُ بِالضَّمِّ فِيهِمَا وَهِيَ لُغَةً: النَّظَافَةُ وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةٍ كَالْأَنْجَاسِ أَوْ مَعْنَوِيَّةٍ كَالْعُيُوبِ. يُقَالُ: تَطَهَّرْت بِالْمَاءِ وَهُمْ قَوْمٌ يَتَطَهَّرُونَ أَيْ: يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الْعَيْبِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل: ٥٦] وَشَرْعًا: تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى زَوَالِ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ وَالْخَبَثُ، وَبِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ
ــ
[حاشية العبادي]
الطَّرِيقَ فِي الصَّحْرَاءِ الْمُوصِلَ لِمَحَلٍّ آخَرَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بَابًا لُغَةً. (قَوْلُهُ: فَإِنْ جُمِعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) إنْ أُرِيدَ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا الْجَمْعُ عَلَى وَجْهِ دُخُولِ الْبَابِ وَالْفَصْلِ فِي الْكِتَابِ كَأَنْ يُتَرْجِمَ هُنَا لِكِتَابِ الطَّهَارَةِ ثُمَّ يُتَرْجِمَ عَنْ بَعْضِ أَنْوَاعِهَا بِبَابِ كَذَا وَعَنْ بَعْضِ مَسَائِلِهَا بِفَصْلِ كَذَا اقْتَضَى تَرَادُفَ الثَّلَاثَةِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ شَامِلٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهَا كَأَنْ يُتَرْجِمَ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ أَوْ مَسَائِلِهِ بِالْبَابِ فَقَطْ أَوْ الْفَصْلِ فَقَطْ وَلَا يَتَأَتَّى التَّرَادُفُ حِينَئِذٍ وَإِنْ أُرِيدَ الْجَمْعُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ كُلُّ تَرْجَمَةٍ لِجِنْسٍ مُسْتَقِلٍّ، وَرَدَّ عَلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ الْكُتُبِ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَبْوَابٍ وَلَا عَلَى فُصُولٍ، وَبَعْضَ الْأَبْوَابِ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَبْوَابٍ وَفُصُولٍ) يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِهِمَا الْجِنْسُ. (قَوْلُهُ: عَلَى فُصُولٍ) يَنْبَغِي أَنَّ الرَّادَّ الْجِنْسُ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَسَائِلَ) يَنْبَغِي إرَادَةُ الْجِنْسِ. (قَوْلُهُ: لِوُضُوحِهَا) عِلَّةُ الِاخْتِصَارِ بِرّ. (قَوْلُهُ: لِوُضُوحِهَا) عِلَّةُ التَّرْكِ لِلِاخْتِصَارِ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا) أَيْ: الطَّهَارَةَ أَعْظَمُ. (قَوْلُهُ: الَّتِي قَدَّمُوهَا) صِفَةٌ لِلصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَعَاشِ) وَالْمَعَادِ يَحْتَمِلَانِ الْمَصْدَرَ وَاسْمَ الزَّمَانِ. (قَوْلُهُ: بِكَمَالِ قُوَاهُمْ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِكَمَالِ تِلْكَ الْقُوَى الْجَرْيُ بِهَا وَاسْتِعْمَالُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَصْوَبِ الْأَعْدَلِ وَذَلِكَ بِمُرَاعَاةِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا فِيهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: النُّطْقِيَّةِ) أَيْ: الْإِدْرَاكِيَّةِ يَعْنِي الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي تُمَيِّزُ الْإِنْسَانَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَقَوْلُهُ: إذْ بِهَا كَمَالُهَا يَعْنِي بِالْعِبَادَةِ تَكْمُلُ الْقُوَى النُّطْقِيَّةُ وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الْبَقِيَّةِ بِحَسَبِهَا بِرّ وَهَلْ الْمُرَادُ بِكَمَالِهَا بِهَا أَنَّهَا تُزِيلُ نَقْصًا يَكُونُ لَوْلَاهَا أَوْ أَنَّهَا تُفِيدُ اعْتِبَارَهَا وَالِاعْتِدَادَ بِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ إرَادَةِ الْأَمْرَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَالْخُلُوصُ) يَحْتَمِلُ التَّفْسِيرَ. (قَوْلُهُ: ﴿أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٨٢] أَيْ: يَتَنَزَّهُونَ عَنْ إتْيَانِ الذُّكُورِ
ــ
[حاشية الشربيني]
الْحَائِطِ يُتَوَصَّلُ إلَخْ. فَلَا يَتَنَاوَلُ الطَّرِيقَ الْمُوَصِّلَ إلَى غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ جُمِعَ إلَخْ) أَيْ: جُمِعَتْ فِي كِتَابٍ وَقَوْلُهُ: فَقُلْ إلَخْ. يُفِيدُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْكُلِّيِّ. (قَوْلُهُ: وَذِكْرُ التَّرَاجِمِ إلَخْ) أَيْ: الْمُضَافِ إلَيْهِ مِنْهَا أَمَّا الْمُضَافُ كَلَفْظِ الْبَابِ هُنَا فَمَذْكُورٌ فِي الْحَاوِي كَذَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الذَّهَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: الْمَبْحُوثِ عَنْهُمَا) دَفْعٌ لِإِيرَادِهِمَا. (قَوْلُهُ: عَلَى غَيْرِهَا) أَيْ: مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: فَقُدِّمَ عَلَيْهِ وَضْعًا) أَيْ: حِينَ كَانَ أَعْظَمَ الشُّرُوطِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِالشُّرُوطِ الَّتِي أَخَّرُوهَا عَنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: فَالْجِنَايَةُ) لِأَنَّ الْتِزَامَ أَحْكَامِهَا يُفِيدُ التَّحَرُّزَ عَنْهَا. (قَوْلُهُ: فَرَتَّبُوهَا إلَخْ) وَالْفَرَائِضُ تَرْجِعُ لِلْمُعَامَلَاتِ إذْ مَرْجِعُهَا قِسْمَةُ التَّرِكَاتِ وَأَخَّرُوا الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَالْقَضَاءَ وَالشَّهَادَاتِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُعَامَلَاتِ وَالْجِنَايَاتِ وَالْمُنَاكَحَاتِ. (قَوْلُهُ: بِالْفَتْحِ إلَخْ) إمَّا بِضَمِّ الطَّاءِ فَهِيَ بَقِيَّةُ الْمَاءِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا) وَيُقَالُ: طَهِرَ يَطْهَرُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ إذَا اغْتَسَلَ لَا مُطْلَقًا فَلِذَا تَرَكَهَا ع ش. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ بِالْمَعْنَيَيْنِ وَقَدْ
1 / 12
لِإِفَادَةِ ذَلِكَ أَوْ لِإِفَادَةِ بَعْضِ آثَارِهِ كَالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ جَوَازَ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ مِنْ آثَارِ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي لَا جَرَمَ عَرَّفَهَا النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ مُدْخِلًا فِيهَا الْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ وَنَحْوَهَا بِأَنَّهَا رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا وَعَلَى صُورَتِهِمَا. وَقَوْلُهُ: وَعَلَى صُورَتِهِمَا. يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِمَا فِي مَعْنَاهُمَا مَا يُشَارِكُهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا قَالَ: وَقَوْلُنَا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا أَرَدْنَا بِهِ التَّيَمُّمَ وَالْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ وَتَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَالْغَسْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَمَسْحَ الْأُذُنِ وَالْمَضْمَضَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ نَوَافِلِ الطَّهَارَةِ وَطَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ اهـ. وَبِمَا تَقَرَّرَ انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مِنْ قِسْمِ الْأَفْعَالِ، وَالرَّفْعَ مِنْ قِسْمِهَا فَلَا تُعْرَفُ بِهِ وَبِأَنَّ مَا لَا يَرْفَعُ حَدَثًا وَلَا نَجَسًا لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا يَرْفَعُهُمَا وَبِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَشْمَلُ الطَّهَارَةَ بِمَعْنَى الزَّوَالِ، وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَايَاتِيُّ أَنَّ التَّعْرِيفَ بِاعْتِبَارِ وَضْعٍ لَا يُعْتَرَضُ بِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ أَفْرَادِ وَضْعٍ آخَرَ.
(كَالْحَدَثِ الْخَبَثُ) جُمْلَةٌ قَدَّمَ فِيهَا الْخَبَرَ مَعَ أَنَّ رُتْبَتَهُ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ أَصْلُ الْقِيَاسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِهَا وَالْخَبَثَ فَرْعُهُ وَلِأَنَّ حُكْمَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْخَبَثِ وَلِأَنَّ فِي تَصْدِيرِ الْكَلَامِ بِالْخَبَثِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لِإِفَادَةِ ذَلِكَ) أَيْ: زَوَالِ الْمَنْعِ وَكَذَا ضَمِيرُ آثَارِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ آثَارِ ذَلِكَ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَنْعِ فِي قَوْلِهِ زَوَالِ الْمَنْعِ إمَّا الْمَانِعُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ وَإِمَّا الْمَنْعُ نَفْسُهُ لَكِنْ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ لَوْ أَرَادَ مُطْلَقَ الْمَنْعِ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ لَكَانَ التَّيَمُّمُ مِمَّا يُفِيدُ زَوَالَ الْمَنْعِ لَا بَعْضَ آثَارِهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي لَا جَرَمَ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرَّفْعَ وَالْإِزَالَةَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي تَعْرِيفِ النَّوَوِيِّ الْمَذْكُورِ هُمَا نَفْسُ نَحْوِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَصَبِّ الْمَاءِ عَلَى الثَّوْبِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُ الْآتِي أَرَدْنَا بِهِ التَّيَمُّمَ إلَخْ لَكِنْ قَدْ يُتَوَقَّفُ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ مَثَلًا هُوَ نَفْسُ الرَّفْعِ بَلْ الرَّفْعُ يَحْصُلُ بِهِ وَلَيْسَ نَفْسَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ) أَوْ لِلتَّقْسِيمِ. (قَوْلُهُ: يُعْلَمُ بِهِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَعَلَى صُورَتِهِمَا. تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مَا فِي مَعْنَاهُمَا. (قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ: مِنْ أَنَّ الطَّهَارَةَ تُطْلَقُ بِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ إلَخْ وَمِنْ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى صُورَتِهِمَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَخْ بِرّ. (قَوْلُهُ: لَيْسَتْ مِنْ قِسْمِ الْأَفْعَالِ) وَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا أَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ قِسْمِ الْأَفْعَالِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: لَيْسَ فِي مَعْنَى إلَخْ) وَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي مَعْنَاهُمَا مَا عَلَى صُورَتِهِمَا. (قَوْلُهُ: انْدِفَاعِ هَذَا) خَصَّهُ لِخَفَائِهِ. (قَوْلُهُ: وَضْعٍ آخَرَ) قَدْ يُعْرَفُ بِمَا يَعُمُّ الْوَضْعَيْنِ بِأَنَّهَا زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ أَوْ النَّجَسِ أَوْ الْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ أَوْ لِإِفَادَةِ بَعْضِ آثَارِهِ.
ــ
[حاشية الشربيني]
يُقَالُ الشَّرْعِيُّ لِمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ ع ش وَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ صَحَّ أَنْ تُعَرَّفَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا صَنَعَ م ر فِي شَرْحِ الزَّيْدِ اسْتِنْبَاطًا مِنْ الِاسْتِعْمَالِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ هُنَا إلَخْ) لِأَنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا هُوَ بِالْأَفْعَالِ. (قَوْلُهُ: فِي مَجْمُوعِهِ) كِتَابٌ لِلنَّوَوِيِّ شَرَحَ بِهِ الْمُهَذَّبَ وَفِي فِقْهِ الشَّافِعِيِّ كِتَابٌ آخَرُ يُسَمَّى بِالْمَجْمُوعِ لِأَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَعَلَيْهِ شَرْحٌ يُسَمَّى الِاسْتِقْصَاءُ.
(قَوْلُهُ: مُدْخِلًا فِيهَا الْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِهَا بِالْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ إلَخْ وَكَتَبَ الرَّشِيدِيُّ عَلَى قَوْلِ م ر أَوْ الْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ إلَخْ. يَشْمَلُ نَحْوَ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فَإِنَّ تِلْكَ الْأَفْعَالَ الْمَخْصُوصَةَ مَوْضُوعَةٌ لِإِفَادَةِ مَا ذُكِرَ لَوْ كَانَ ثَمَّ مَنْعٌ وَإِنْ لَمْ تُفِدْهُ بِالْفِعْلِ فِي نَحْوِ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَنْعِ فَهُوَ مُوفٍ بِمَا فِي تَعْرِيفِ النَّوَوِيِّ الْآتِي خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ اهـ وَفِي شُمُولِهِ لِمَسْحِ الْأُذُنِ وَمَا بَعْدَهُ نَظَرٌ اهـ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ مَا عَدَا النِّيَّةَ بِدَلِيلِ إدْخَالِ رَفْعِ النَّجَسِ فِي التَّعْرِيفِ فَلَا إشْكَالَ فِي كَلَامِ الرَّشِيدِيِّ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى صُورَتِهِمَا) تَفْسِيرٌ لِمَا فِي مَعْنَاهُمَا وَلِذَا عَطَفَهُ بِالْوَاوِ دُونَ مَا قَبْلَهُ عَمِيرَةُ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُرِدْ إلَخْ) بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِهِمَا مِنْ حَيْثُ التَّوَقُّفُ عَلَى نِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَالْمَجِيءِ عَلَى الصُّورَةِ وَيَزِيدُ التَّيَمُّمُ وَطَهَارَةُ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالسَّلَسُ بِكَوْنِهَا مُبِيحَةً عَمِيرَةُ. (قَوْلُهُ: الِاعْتِرَاضُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا حَدٌّ لِلتَّطْهِيرِ لَا لِلطَّهَارَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قِسْمِ الْأَفْعَالِ بَلْ هِيَ مَصْدَرُ طَهُرَ بِمَعْنَى زَالَ الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ زَوَالًا وَلَيْسَتْ مَصْدَرًا لِتَطَهَّرَ وَلَا لِطَهُرَ فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهَا بِالرَّفْعِ. (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ وَضْعٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لِلطَّهَارَةِ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهَا شَرْعًا لِمَعْنَى الرَّفْعِ وَالْإِزَالَةِ وَالْفِعْلِ الَّذِي فِي مَعْنَاهُمَا فَهُمَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَبَادُرَ الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ عَلَامَةُ الْحَقِيقَةِ فَتَعْرِيفُ النَّوَوِيِّ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْوَضْعِ لَا يُعْتَرَضُ بِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ أَفْرَادَ الطَّهَارَةِ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهَا لِمَعْنَى الزَّوَالِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ قِسْمِ الْأَفْعَالِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ يَجُوزُ أَنْ يُلْحَقَ الزَّوَالُ بِالْإِزَالَةِ وَيُجْعَلَ فِي مَعْنَاهَا فَيَكُونَ التَّعْرِيفُ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعَيْنِ مَعًا وَشَامِلًا لِأَفْرَادِهِمَا نَظَرًا لِقَوْلِ النَّوَوِيِّ أَوْ فِي مَعْنَاهُمَا لَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ وَحَصَلَ الشُّمُولُ اهـ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الزَّوَالَ عَلَى صُورَتِهِمَا مِنْ حَيْثُ التَّوَقُّفُ الْمُتَقَدِّمُ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَالْخَبَثُ فَرْعُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: لِأَنَّهُ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَنْ الْحَدَثِ دُونَهُ وَلَوْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا صَرَفَهُ لِلنَّجَسِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِغَيْرِ الْمَاءِ فَالنَّجَاسَةُ الَّتِي هِيَ أَغْلَظُ أَوْلَى. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) أَيْ: بَيْنَ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ الْخَبَثِ فَكَمَا يُطَهِّرُهُ الْمَاءُ يُطَهِّرُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ نَحْوُ الْخَلِّ وَالْبِطِّيخِ مِمَّا لَا دُهْنِيَّةَ فِيهِ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ الْحَدَثَ أَقْوَى لِحُلُولِهِ بَاطِنَ الْأَعْضَاءِ وَظَاهِرَهَا فَلِذَا إذَا كُشِطَ الْجِلْدُ عَنْ الْعُضْوِ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ وَالنَّجَاسَةُ تَحِلُّ الظَّاهِرَ فَقَطْ
1 / 13
اسْتِهْجَانًا وَالْحَدَثُ لُغَةً: الشَّيْءُ الْحَادِثُ وَشَرْعًا: يُطْلَقُ عَلَى أَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ وَعَلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الطُّهْرُ وَعَلَى الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ هُنَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَالْخَبَثُ لُغَةً: مَا يُسْتَقْذَرُ وَشَرْعًا: مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ ثُمَّ بَيَّنَ النَّاظِمُ الْحُكْمَ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْقِيَاسِ بِجُمْلَةٍ ثَانِيَةٍ هِيَ قَوْلُهُ (رَافِعٌ كِلَا هَذَيْنِ) أَيْ: الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ (مَاءٌ) وَقَدَّمَ فِيهَا الْخَبَرَ اهْتِمَامًا بِهِ فِي بَيَانِ الْمَطْلُوبِ وَهِيَ بِقَرِينَةِ مَا أَفْهَمَتْهُ صِفَاتُ الْمَاءِ الْآتِيَةُ تُفِيدُ حَصْرَ الرَّافِعِ فِي الْمَاءِ لَا يُقَالُ بَلْ تُفِيدُهُ لِكَوْنِهَا مِنْ بَابِ صَدِيقِي زَيْدٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: ذَاكَ إنَّمَا أَفَادَ الْحَصْرَ بِعُمُومِ الْمُبْتَدَأِ وَخُصُوصِ الْخَبَرِ أَوْ تَعْرِيفِهِمَا وَذَلِكَ مُنْتَفٍ هُنَا.
وَيَصِحُّ إعْرَابُ مَا ذُكِرَ جُمْلَةً وَاحِدَةً بِجَعْلِ رَافِعٌ إلَى آخِرِهِ خَبَرَ " الْخَبَثُ " وَكَالْحَدَثِ حَالًا إمَّا مِنْ " الْخَبَثُ " بِنَاءً عَلَى جَوَازِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَإِمَّا مِنْ الْعَائِدِ إلَيْهِ فِي كِلَا هَذَيْنِ أَيْ: الْخَبَثُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الَّذِي إلَخْ) أَيْ: بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ نَفْسَهُ لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ وَأَمَّا أَثَرُهُ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ فَهُوَ الْأَوَّلُ أَوْ الْمَنْعُ فَهُوَ الثَّالِثُ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيَرْفَعُهُ غَيْرُ الْمَاءِ كَالتُّرَابِ لَكِنْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَنْعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ صَحَّ إرَادَتُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ وَكَذَا لَوْ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْمَنْعِ وَأُرِيدَ الْحَصْرُ الْإِضَافِيُّ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَائِعَاتِ. (قَوْلُهُ: حَصْرَ الرَّافِعِ فِي الْمَاءِ) فِيهِ بَحْثٌ بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ حَصْرَ الرَّافِعِ مِنْ الْمَاءِ فِي الْمَاءِ الْمَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ إنَّمَا هُوَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ قُيُودًا لِلْمَاءِ فَهِيَ إنَّمَا تَخْرُجُ مِنْهُ وَالْمَاءُ لَقَبٌ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَلَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا نَعَمْ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ الصِّفَةِ الثَّالِثَةِ مَنْعُ رَفْعِ غَيْرِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْفَعْ الْمَاءُ لِسَلْبِهِ الْإِطْلَاقَ فَغَيْرُهُ كَذَلِكَ لِذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ بَلْ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْإِسْنَادَ لِبَقِيَّةِ الصِّفَاتِ إذْ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي ذَلِكَ لِمَنْعِ رَفْعِ الْخَارِجِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْلُبْ الْإِطْلَاقَ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: الْعَائِدِ إلَيْهِ) أَيْ: الْخَبَثِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حَالًا مِنْ الْعَائِدِ فِي الْخَبَرِ إلَى الْمُبْتَدَأِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْخَبَرِ، وَتَثْنِيَةُ الْعَائِدِ إلَى الْمُبْتَدَأِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْمُبْتَدَأِ وَهَذَا تَدَافُعٌ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: الْخَبَثِ إلَخْ) هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْإِعْرَابِ الْأَوَّلِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَإِلَى الثَّانِي مَعْنًى فَقَطْ وَلَعَلَّ تَقْدِيرَهُ لَفْظًا أَيْضًا الْخَبَثُ رَافِعُهُ مَعَ الْحَدَثِ حَالَ كَوْنِهِ مُشَبَّهًا بِالْحَدَثِ مَاءٌ إلَخْ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّفِ بِرّ قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْإِعْرَابَ الْأَوَّلَ: وَلَا يَأْتِي هُنَا الْإِعْرَابُ الثَّانِي أَيْ: الْجَارِي فِي عِبَارَةِ الْحَاوِي أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ مُخْبَرٌ بِهَا عَنْ الْخَبَثِ وَقَوْلُهُ: كَالْحَدَثِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَوْنُ قَوْلِهِ: رَافِعٌ كِلَا هَذَيْنِ خَبَرًا عَنْ
ــ
[حاشية الشربيني]
فَلِذَا إذَا كُشِطَ الْجِلْدُ زَالَتْ وَلَا يَرِدُ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ فِي الْحَدَثِ مِنْ أَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ مُطَهِّرٌ لِلْحَدَثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَ إعْوَازِ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صُورَةٌ جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ فَلَا تُنَافِي الْإِجْمَاعَ كَمَا أَنَّ حِلَّ أَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ لَا يُنَافِي إجْمَاعَهُمْ عَلَى حُرْمَتِهَا لَكِنْ يَرِدُ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يُجَوِّزُ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِزَالَةَ النَّجَسِ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْوَسِيطِ طَهَارَةُ الْحَدَثِ مَخْصُوصَةٌ بِالْمَاءِ بِالْإِجْمَاعِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إنْ صَحَّ عَنْهُ وَوَافَقَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ. (قَوْلُهُ: اسْتِهْجَانًا) هُوَ الْإِتْيَانُ بِالْهُجْنَةِ وَهِيَ مَا يَقْبُحُ مِنْ الْكَلَامِ. (قَوْلُهُ: أَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ يَقُومُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: نَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِالْأَعْضَاءِ شَيْءٌ وَلَيْسَ ثَمَّ سِوَى مَنْعٍ شَرْعِيٍّ مِنْ أُمُورٍ مَنَعَهَا الشَّرْعُ وَلَوْ قَدَّرْنَا شَيْئًا لَمْ يُتَصَوَّرْ انْتِقَالُهُ أَيْ: لِأَنَّهُ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ اهـ. وَسَيَأْتِي جَوَابُ الرَّافِعِيِّ عَنْ الِانْتِقَالِ بِأَعْلَى الْهَامِشِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ الِاعْتِبَارِيَّ هُوَ كَوْنُهُ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ فَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ بِالْأَعْضَاءِ اتِّصَافُهَا بِكَوْنِهَا مَمْنُوعَةً وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْضَاءِ جَمِيعُ الْبَدَنِ لَكِنْ رَجَّحَ ع ش أَنَّ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ قَائِمٌ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ اهـ.
(قَوْلُهُ: حَصْرَ الرَّافِعِ فِي الْمَاءِ لَا حَصْرَ الْمَاءِ) فِي الرَّافِعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ صَدِيقِي زَيْدٌ) بَابُ ذَلِكَ مَا إذَا عَرَفَ الْمُخَاطَبُ أَنَّ لَك صَدِيقًا لَكِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُ فَتُقَدِّمُ مَا عَرَفَهُ وَتَحْكُمُ عَلَيْهِ بِمَا يُعِينُهُ فَيُفِيدُ انْحِصَارَ صَدِيقِك فِيهِ. (قَوْلُهُ: بِعُمُومِ الْمُبْتَدَأِ وَخُصُوصِ الْخَبَرِ) وَلَا نَظَرَ لِتَعْرِيفِهِمَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ فَقَطْ مَعْرِفَةً كَفَى نَحْوُ: الْكَرَمُ فِي الْعَرَبِ أَيْ: الْكَرَمُ مَوْصُوفٌ بِكَوْنِهِ فِي الْعَرَبِ أَمَّا عَكْسُهُ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَعْرِيفِهِمَا) لَعَلَّ مُرَادَهُ الْإِشَارَةُ إلَى مَذْهَبَيْ السَّعْدِ وَالسَّيِّدِ حَيْثُ ذَهَبَ الْأَوَّلُ إلَى كِفَايَةِ
1 / 14
حَالَ كَوْنِهِ مُشَبَّهًا بِالْحَدَثِ رَافِعُهُمَا مَاءٌ، وَالْحَصْرُ بِحَالِهِ فَلَا يَرْفَعُهُمَا إلَّا الْمَاءُ أَمَّا الْحَدَثُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [النساء: ٤٣] وَأَمَّا الْخَبَثُ فَلِلْقِيَاسِ السَّابِقِ وَلِقَوْلِهِ ﷺ حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً وَيُقَالُ الَّتِي فِيهَا مَاءٌ قَرِيبٌ مِنْ الْمِلْءِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَوْ رَفَعَ غَيْرُ الْمَاءِ لَمْ يَجِبْ التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِهِ وَلَا غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ وَاحْتَجَّ لَهُمَا مَعًا أَئِمَّتُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: ٤٨] وَبِقَوْلِهِ ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] ذَكَرَ الْمَاءَ امْتِنَانًا فَلَوْ رَفَعَ غَيْرُهُ فَاتَ الِامْتِنَانُ.
وَأَمَّا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا أَيْ: أَذْهَبَتْهُ فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الدَّمِ الْيَسِيرِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَمْ تُرِدْ عَائِشَةُ تَطْهِيرَهُ بَلْ إذْهَابَ صُورَتِهِ لِقُبْحِ مَنْظَرِهِ فَيَبْقَى الْمَحَلُّ نَجِسًا كَمَا كَانَ لَكِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِقِلَّتِهِ وَلَا حَاجَةَ فِي الْجَوَابِ إلَى كَوْنِ الدَّمِ مَعْفُوًّا عَنْهُ
ــ
[حاشية العبادي]
الْخَبَثِ اهـ.
وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ كَالْحَدَثِ يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي أَعْنِي قَوْلَهُ وَأَمَّا مِنْ الْعَائِدِ إلَيْهِ فَمَحَلُّ نَظَرٍ قَوِيٍّ جِدًّا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَرْفَعُهُمَا إلَّا الْمَاءُ) لَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْحَصْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَبَثِ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ أَيْضًا بِنَحْوٍ بِلَا اسْتِحَالَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ بِلَا اسْتِحَالَةٍ وَنَحْوِهَا إلَّا الْمَاءُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بَابُ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ أَوْ الْمُرَادُ الْحَصْرُ الْإِضَافِيُّ أَيْ: لَا يَرْفَعُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَّا الْمَاءُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا الْمَاءُ) إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ غَيْرُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ فَقَوْلُهُ: فَلِقَوْلِهِ إلَخْ قَرِيبٌ فِي الْجُمْلَةِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ إلَى أَنَّ الْمَاءَ رَافِعٌ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ فَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَرُّضَ فِي هَذَا الدَّلِيلِ إلَى أَنَّ الْمَاءَ يَرْفَعُ دُونَ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالتُّرَابِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ فَلْيَتَكَلَّفْ. (قَوْلُهُ: الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً) فَمِنْ مَاءٍ تَأْكِيدٌ أَوْ لِدَفْعِ التَّجَوُّزِ. (قَوْلُهُ: وَلَا غَسْلُ الْبَوْلِ) أَيْ: عَيْنًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَفَعَ غَيْرُهُ فَاتَ الِامْتِنَانُ) أَقُولُ فِي فَوَاتِهِ نَظَرٌ فَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ الِامْتِنَانِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ الْأُمُورِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا خُصُوصًا إذَا كَانَ أَعَمَّ وَأَقْوَى نَفْعًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ٢٩] وَفِي آخَرَ ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية: ١٣] فَامْتَنَّ تَارَةً بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَتَارَةً بِهِمَا وَيُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ: ثَبَتَ الِامْتِنَانُ بِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ فَأَفَادَ أَنَّهُ رَافِعٌ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. (قَوْلُهُ: مَعْفُوٌّ عَنْهُ) قَضِيَّةُ هَذَا الْجَوَابِ الْعَفْوُ عَنْهُ مَعَ مَضْغِهِ بِالرِّيقِ وَاخْتِلَاطِهِ بِهِ مَعَ أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ مُخْتَلِطٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَنْفَذٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ إلَخْ) هَذَا يُنَافِي الْجَوَابَ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُمْ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْعَفْوُ فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ جَوَازِ لُبْسِهِ قَبْلَ تَطَهُّرِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَبِالْجُمْلَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا صَلَّتْ فِيهِ قَبْلَ تَطَهُّرِهِ وَالْمُتَّجَهُ الْأَخْذُ بِظَاهِرِ جَوَابِهِمْ.
ــ
[حاشية الشربيني]
تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْنَدُ نَكِرَةً كَمَا سَلَفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْحَصْرِ وَذَهَبَ الثَّانِي إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ الثَّانِي أَوْ يَكُونُ الِاخْتِصَاصُ مُسْتَفَادًا مِنْ الْمَقَامِ كَمَا فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ ثُمَّ إنَّهُ لَا بُدَّ فِي التَّعْرِيفِ الْمُفِيدِ لِلْحَصْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْجِنْسِ سَوَاءٌ بَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ أَوْ أُرِيدَ مِنْهُ الِاسْتِغْرَاقُ بِالْقَرِينَةِ بِخِلَافِ الْعَهْدِ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يُعْقَلُ فِيهِ الشُّمُولُ فِي الْجُمْلَةِ.
(قَوْلُهُ: الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً) يُطْلَقُ لُغَةً أَيْضًا عَلَى مَا لَا مَاءَ فِيهِ ع ش. (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَفَعَ غَيْرُ الْمَاءِ) أَيْ: حَتَّى التُّرَابُ لَمْ يَجِبْ التَّيَمُّمُ وُجُوبًا مُقَيَّدًا بِفَقْدِهِ بَلْ كَانَ يَكْفِي غَيْرُهُ وَلَوْ التُّرَابُ فُقِدَ أَوْ لَا تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تُرِدْ) الظَّاهِرُ فَلَمْ تُرِدْ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ) أَيْ: مَعَ اخْتِلَاطِهِ بِالرِّيقِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مُسْتَدِلًّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِنْ ضَعَّفَهُ م ر وَتَبِعَهُ ع ش. (قَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ فِي الْجَوَابِ) أَيْ: هَذَا الْجَوَابِ الْمُتَقَدِّمِ بَلْ كَانَ يَكْفِي أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ تَطْهِيرَهُ لِلْعَفْوِ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: إلَى كَوْنِ الدَّمِ مَعْفُوًّا عَنْهُ) أَيْ: الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ أَمَّا قَوْلُهُ أَوَّلًا: مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَمْ تُرِدْ إلَخْ فَمُحْتَاجٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ
1 / 15
إذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهَا صَلَّتْ فِي الثَّوْبِ قَبْلَ تَطْهِيرِهِ وَلَا يُقَاسُ بِالْمَاءِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ اخْتِصَاصَ الطُّهْرِ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ تَعَبُّدٌ وَعِنْدَ غَيْرِهِ لِجَمْعِهِ اللَّطَافَةَ وَعَدَمَ التَّرْكِيبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَرْسُبُ لِلصَّافِي مِنْهُ بِإِغْلَائِهِ ثُفْلٌ بِخِلَافِ الصَّافِي مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا لَوْنَ لَهُ وَمَا يَظْهَرُ فِيهِ لَوْنُ ظَرْفِهِ أَوْ مُقَابِلِهِ؛ لِأَنَّهُ جِسْمٌ شَفَّافٌ وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ: بَلْ لَهُ لَوْنٌ وَيُرَى وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحْجُبُ عَنْ رُؤْيَةِ مَا وَرَاءَهُ.
وَلَمَّا كَانَ رَفْعُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الطُّهْرِ اقْتَصَرَ النَّظْمُ كَأَصْلِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ عَدَمُ تَنَاوُلِهِ الطُّهْرَ الْمَسْنُونَ، وَدَخَلَ فِي الْمَاءِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ بِأَيِّ صِفَةٍ مِنْ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَمُنْحَلٍّ مِنْ ثَلْجٍ أَوْ بَرَدٍ وَمُنْعَقِدٍ مِنْهُ مِلْحٌ أَوْ حَجَرٌ وَكَذَا مُتَصَاعِدٌ مِنْ بُخَارٍ مُرْتَفِعٍ مِنْ غَلَيَانِ الْمَاءِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ اخْتِيَارِ الرُّويَانِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً وَيَنْقُصُ الْمَاءُ بِقَدْرِهِ لَكِنْ نَازَعَ فِيهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَقَالُوا إنَّهُ يُسَمَّى بُخَارًا وَرَشْحًا لَا مَاءً عَلَى الْإِطْلَاقِ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَا يُسَمَّى مَاءً كَتُرَابِ التَّيَمُّمِ وَحَجَرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَأَدْوِيَةِ الدِّبَاغِ وَالشَّمْسِ وَالرِّيحِ وَالنَّارِ وَغَيْرِهَا حَتَّى التُّرَابُ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ فَإِنَّ الْمُزِيلَ هُوَ الْمَاءُ بِشَرْطِ امْتِزَاجِهِ بِالتُّرَابِ فِي غَسْلَةٍ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَالْمَاءُ الْمُطَهِّرُ هُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ وَاكْتَفَى النَّاظِمُ كَأَصْلِهِ عَنْ وَصْفِهِ بِالْإِطْلَاقِ بِأَوْصَافٍ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (طَاهِرٌ) فَلَا يَرْفَعُ النَّجَسُ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مُطَهِّرًا.
(مَا اُسْتُعْمِلَا مَا قَلَّ) أَيْ: لَمْ يُسْتَعْمَلْ مَا دَامَ قَلِيلًا (فِي فَرْضٍ) مِنْ رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ بِأَنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ كَفَضْلِ مَاءِ الْحَائِضِ أَوْ اُسْتُعْمِلَ لَا فِي فَرْضٍ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَفِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ أَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضٍ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ نَجَسًا وَلَمْ يَحْتَرِزْ السَّلَفُ عَنْهُ فَلَا يَرْفَعُ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَجْمَعُوهُ فِي أَسْفَارِهِمْ لِاسْتِعْمَالِهِ ثَانِيًا مَعَ احْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ وَعَدَمِ اسْتِقْذَارِهِ فِي الطَّهَارَةِ بَلْ عَدَلُوا إلَى التَّيَمُّمِ وَلِتَأَدِّي الْفَرْضِ بِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فِي فَرْضٍ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِانْتِقَالِ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَبِتَطْهِيرِهِ زَالَ الْمَنْعُ فَيَنْتَقِلُ إلَى الْمَاءِ كَمَا أَنَّ الْغُسَالَةَ لَمَّا أَثَّرَتْ فِي الْمَحَلِّ تَأَثَّرَتْ فَإِنْ قُلْت: طَهُورٌ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِوَزْنِ فَعُولٍ فَيَقْتَضِي تَكْرَارَ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ قُلْت: فَعُولٌ يَأْتِي اسْمًا لِلْآلَةِ كَسَحُورٍ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَهُورٌ كَذَلِكَ وَلَوْ سَلِمَ اقْتِضَاؤُهُ التَّكَرُّرَ فَالْمُرَادُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ
ــ
[حاشية العبادي]
(قَوْلُهُ: مِنْ رَفْعِ حَدَثٍ) إنْ أَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ الْمَنْعِ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا وَرَدَ عَلَيْهِ طَهَارَةُ دَائِمِ الْحَدَثِ. (قَوْلُهُ: أَوْ خَبَثٍ) يَنْبَغِي أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا بِرّ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضٍ) قَضِيَّةُ قَوْلِهِ آنِفًا مِنْ رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ أَنْ يَكُونَا مَعًا مَرَدُّهُ بِالْفَرْضِ هُنَا قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ قَرِيبًا كَمَا أَنَّ الْغُسَالَةَ إلَخْ. يَعْنِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْفَرْضِ هُنَا مَا عَدَا رَفْعَ الْخَبَثِ مِنْهُ وَإِلَّا لَزِمَ عَلَيْهِ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى بَعْضِ أَقْسَامِهِ وَبَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ ذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ ضَيْعَ الشَّارِحِ هُنَا لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي بِرّ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَجْمَعُوهُ) قَدْ يُقَالُ: عَدَمُ الْجَمْعِ وَاقِعَةُ حَالٍ احْتَمَلَتْ أَنَّهُ لِمَزِيدِ مَشَقَّتِهِ إلَّا أَنْ يُسْتَبْعَدَ إطْبَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ مَعَ مَزِيدِ احْتِيَاجِهِمْ وَتَحَمُّلِهِمْ الْمَشَاقِّ.
ــ
[حاشية الشربيني]
دَلِيلٌ لِعَدَمِ إرَادَةِ التَّطْهِيرِ.
(قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ إلَخْ) وَإِنْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الَّتِي تَحِيضُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: اللَّطَافَةَ) أَيْ: عَدَمَ حَجْبِهِ لِمَا وَرَاءَهُ. (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ) دَلِيلٌ لِعَدَمِ التَّرْكِيبِ؛ لِأَنَّ الثُّفْلَ أَجْزَاءٌ تَنْفَصِلُ بِوَاسِطَةِ النَّارِ، وَالْبَسِيطُ لَا جُزْءَ لَهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جِسْمٌ شَفَّافٌ) أَيْ: وَالشَّفَّافُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّوْءُ وَاللَّوْنُ مَشْرُوطٌ عِنْدَهُمْ بِالضَّوْءِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْإِمَامُ إلَخْ) وَمَنَعَ أَنَّ الضَّوْءَ شَرْطٌ لِلَّوْنِ وَقَالَ إنَّهُ شَرْطٌ لِإِبْصَارِهِ لَا لِوُجُودِهِ فِي الظُّلْمَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَضُرُّ إلَخْ) لِأَنَّهُ لِنُكْتَةِ الْأَصَالَةِ فَقَطْ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. (قَوْلُهُ: عَدَمُ تَنَاوُلِهِ الطُّهْرَ) أَيْ: حَتَّى يُفِيدَ حَصْرَ الرَّافِعِ لَهُ فِي الْمَاءِ. (قَوْلُهُ: وَمُنْحَلٍّ إلَخْ) عِبَارَةُ الْعِرَاقِيِّ وَمَا يَنْحَلُّ إلَيْهِ الْبَرَدُ وَالثَّلْجُ.
(قَوْلُهُ: وَمُنْعَقِدٍ إلَخْ) عِبَارَتُهُ أَيْضًا وَمَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ الْمِلْحُ. (قَوْلُهُ: ثَلْجٍ) هُوَ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ جَامِدًا كَالْقُطْنِ وَمِثْلُهُ الْجَمَدُ وَالصَّقِيعُ وَالْبَرَدُ حَبُّ الْغَمَامِ وَفَرَّقَ ابْنُ النَّفِيسِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ جُمُودَهَا إنْ كَانَ بَعْدَ صَيْرُورَةِ مَا تَجَمَّدَ مَاءً وَهُوَ مِنْ السَّحَابِ فَالْبَرَدُ وَإِلَّا فَالْجَمَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ تِلْكَ الصَّيْرُورَةِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا مُجْتَمِعًا مَحْسُوسَ النُّزُولِ فَالثَّلْجُ وَإِلَّا فَالصَّقِيعُ. (قَوْلُهُ: وَمُنْعَقِدٍ مِنْهُ مِلْحٌ إلَخْ) أَيْ: قَبْلَ انْعِقَادِ الْمِلْحِ وَالْحَجَرِ مِنْهُ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يُسَمَّى مَاءً مُطْلَقًا نَعَمْ إنْ كَانَ فِيهِ رُطُوبَةٌ فَهِيَ مَاءٌ يَصِحُّ مَسْحُ الرَّأْسِ وَالْخُفِّ بِهِ كَمَا فِي الْعُبَابِ وَالْإِيعَابِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا مُتَصَاعِدٌ إلَخْ) فَصَلَهُ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَضُمُّ إلَيْهِ مَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ الْمِلْحُ لِجَوْهَرِهِ إلَّا لِسُبُوخَةِ الْأَرْضِ لِقَوْلِ الصُّعْلُوكِيِّ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ غَيْرُ الْمَاءِ كَالنَّفْطِ وَالْقَارِ بِخِلَافِ مَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ لِسُبُوخَةِ الْأَرْضِ فَإِنَّ انْعِقَادَهُ بِوَاسِطَتِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ جَوْهَرِهِ فِي ذَاتِهِ بِخِلَافِ انْعِقَادِهِ بِذَاتِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِ الصُّعْلُوكِيِّ لِشِدَّةِ ضَعْفِهِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ بُخَارٍ) مِنْ بَيَانِيَّةٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ: يُسَمَّى بُخَارًا. (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِهِ) أَيْ: خَرَجَ عَنْهُ أَوْ خَرَجَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسَمَّى مَاءً كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَقَبٌ
قَوْلُهُ: مَا اُسْتُعْمِلَ) هَذَا هُوَ الْجَدِيدُ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ طَهُورٌ سَوَاءٌ اُسْتُعْمِلَ فِي حَدَثٍ أَوْ
1 / 16
ثُبُوتُ ذَلِكَ لِجِنْسِ الْمَاءِ وَفِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُطَهِّرُ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ وَخَرَجَ بِمَا قَلَّ مَا كَثُرَ ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً بِأَنْ جُمِعَ حَتَّى كَثُرَ وَإِنْ قَلَّ بَعْدُ بِتَفْرِيقِهِ.
وَوَجْهُ إخْرَاجِ مَا كَثُرَ انْتِهَاءً أَنَّ مَا قَلَّ ظَرْفٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا اُسْتُعْمِلَ وَهُوَ الِاشْتِرَاطُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: اُشْتُرِطَ فِي زَمَنِ قِلَّتِهِ عَدَمُ اسْتِعْمَالِهِ لَا فِي زَمَنِ كَثْرَتِهِ، أَوْ ظَرْفٌ لَاسْتُعْمِلَ وَالْمُرَادُ مَا اُسْتُعْمِلَ قَلِيلًا وَاسْتَمَرَّتْ قِلَّتُهُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ الْآتِي وَإِنْ بِمَاءٍ خَالِصٍ يَكْثُرُ طُهْرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَادَتْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَوَجْهُ إخْرَاجِ مَا كَثُرَ انْتِهَاءً) أَقُولُ: لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ فُرِّقَ هَذَا بَعْدَ كَثْرَتِهِ كَذَا كَتَبَ شَيْخُنَا الْبُرُلُّسِيُّ أَقُولُ: وَهَذَا يَرِدُ أَيْضًا عَلَى إخْرَاجِ مَا كَثُرَ ابْتِدَاءً فَإِنْ قِيلَ هَذَا لَمْ يَتَّصِفْ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُؤَثِّرِ قُلْنَا لَوْ أَرَادَ الْمُؤَثِّرَ لَمْ يَحْتَجْ لِلتَّقْيِيدِ بِزَمَنٍ قُلْته فَلْيُتَأَمَّلْ.
ــ
[حاشية الشربيني]
خَبَثٍ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَحَوَاشِيهَا الْيَمَنِيَّةِ وَقَوْلُهُ: وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ طَهُورٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: ذَهَبَ إلَيْهِ طَوَائِفُ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ.
(قَوْلُهُ: فِي فَرْضٍ) أَيْ: لِتَحْصِيلِهِ إذْ الْفَرْضُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ رَفْعِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَرْضٍ) أَيْ: أَصَالَةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مِنْ رَفْعِ إلَخْ فَلَوْ نَذَرَ الْغُسْلَ الْمَنْدُوبَ أَوْ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ لَمْ يَكُنْ مَاؤُهُمَا مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَارِضٌ كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قِيلَ: إنَّ قَوْلَهُمْ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ خَاصٌّ بِنَذْرِ اللَّجَاجِ فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ) قَيَّدَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ وِفَاقٍ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ قِيلَ: إنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِيهِمَا كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ فِي نَفْلِ الطَّهَارَةِ كَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ غَيْرُ طَهُورٍ فِي الْجَدِيدِ لَكِنَّهُ وَجْهٌ ضَعِيفٌ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا وَجْهَ حِينَئِذٍ لِذِكْرِ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ فَوَجْهُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ قَصَدَ إيرَادَ مِثَالٍ لِمَا لَيْسَ عِبَادَةً أَصْلًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ) حَالٌ وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً أَيْ: إنْ كَانَ نَجَسًا وَإِنْ إلَخْ دَلِيلٌ لِطَهَارَتِهِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ كَأَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَلْقَ نَجَسًا) ظَاهِرٌ فِي الْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ فِي رَفْعِ النَّجَسِ: إنَّهُ لَمْ يَلْقَ نَجَسًا مُؤَثِّرًا فِيهِ بِأَنْ كَانَ وَارِدًا بِشَرْطِهِ الْآتِي. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السَّلَفَ) أَيْ: الصَّحَابَةَ ﵃ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْمَعُوا مَاءَ الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِاخْتِلَاطِهِ غَالِبًا بِمَاءِ الْأُولَى فَكَانَ الْجَمْعُ مَظِنَّةَ الْمَحْذُورِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ.
(قَوْلُهُ: وَيُعَبَّرُ عَنْهُ إلَخْ) فَهُمَا عِبَارَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي فَرْضِ الْأُولَى لِشُمُولِهِ طُهْرَ السَّلَفِ وَتُرَابَ التَّيَمُّمِ بِخِلَافِ انْتِقَالِ الْمَنْعِ فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُهُمَا لِعَدَمِ انْتِقَالِ الْمَنْعِ إلَيْهِمَا فَإِنَّ عَدَمَ الِانْتِقَالِ مَمْنُوعٌ بَلْ انْتَقَلَ وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ لَمْ يَرْتَفِعْ كَذَا فِي الْإِيعَابِ وَفِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ إلَخْ نَظَرٌ تَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: بِانْتِقَالِ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ) يَزِيدُ دَفْعُ مَا أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ الْحَدَثُ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ الْحَدَثَ لَيْسَ شَيْئًا مُحَقَّقًا يُفْرَضُ انْتِقَالُهُ إلَى الْمَاءِ لَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ بِالِاسْتِعْمَالِ يَرْتَفِعُ مَنْعٌ كَانَ فِي الْبَدَنِ وَهُوَ كَوْنُهُ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَيَحْدُثُ مَنْعٌ فِي الْمَاءِ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ عَدَمُ اسْتِعْمَالِهِ مَرَّةً أُخْرَى فَعَبَّرَ عَنْ ارْتِفَاعِ مَنْعٍ وَحُدُوثِ مَنْعٍ بِالِانْتِقَالِ تَوَسُّعًا، وَعِبَارَةُ أَدَاءِ الْفَرْضِ أَوْضَحُ وَأَوْلَى اهـ.
(قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ الْغُسَالَةَ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَالْمُرَادُ بِتَأَدِّي الْغَرَضِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ رَفْعُ الْحَدَثِ أَوْ رَفْعُ حُكْمِهِ كَمَا فِي صَاحِبِ الضَّرُورَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَأَثُّرَ الْمَاءِ كَمَا فِي غُسَالَةِ النَّجَاسَةِ اهـ. فَكَلَامُهُ فِي بَيَانِ وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ عِنْدَ رَفْعِ الْحَدَثِ فَقَطْ لَكِنَّ الشَّارِحَ عَمَّمَ فَلَا بُدَّ مِنْ جَوَابِ ع ش الْمَسْطُورِ بِهَامِشِ الْحَاشِيَةِ. (قَوْلُهُ: فَيَقْتَضِي تَكَرُّرَ الطَّهَارَةِ) فِيهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ فِي طَاهِرِ الَّذِي هَذَا مُبَالَغَةٌ فِيهِ وَصْفٌ لَازِمٌ لَا مُتَعَدٍّ وَالْمَقْصُودُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بِمَعْنَى مُطَهِّرٍ بِدَلِيلِ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا إلَخْ. فَإِنَّ الطَّهُورَ فِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ لَمْ يَسْتَقِمْ لِفَوَاتِ مَا اخْتَصَّتْ بِهِ الْأُمَّةُ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ مَعَ زِيَادَةٍ وَفِي الرَّشِيدِيِّ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِتَكَرُّرِ الطَّهَارَةِ مَعْنًى حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ. (قَوْلُهُ: يَأْتِي اسْمًا إلَخْ) كَمَا أَنَّهُ يَكُونُ لِلْمُبَالَغَةِ وَهِيَ أَنْ يَدُلَّ عَلَى زِيَادَةٍ فِي مَعْنَى فَاعِلٍ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي التَّعَدِّي كَضَرُوبٍ أَوْ اللُّزُومِ كَصَبُورٍ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَحَلِّ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَبِهَا عَبَّرَ فِي الْمَنْهَجِ لِكِفَايَةِ كُلٍّ فِي الْجَوَابِ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْأَدِلَّةِ) الْمُرَادُ بِالْأَدِلَّةِ الْعِلَّتَانِ السَّابِقَتَانِ وَالْآيَةُ فَإِنَّ الْعِلَّتَيْنِ تَقْتَضِيَانِ عَدَمَ التَّكْرَارِ بِخِلَافِ الْآيَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ إلَخْ) رَدٌّ لِمَا أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ مَا قَلَّ ظَرْفٌ لَاسْتُعْمِلَ أَيْ: مَا اُسْتُعْمِلَ زَمَنَ قِلَّتِهِ وَهُوَ صَادِقٌ بِمَا جُمِعَ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ حَالَ قِلَّتِهِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ. (قَوْلُهُ: اُشْتُرِطَ فِي زَمَنِ قِلَّتِهِ) فِيهِ أَنَّ الِاشْتِرَاطَ إنَّمَا هُوَ الْآنَ لَا فِي زَمَنِ الْقِلَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ اشْتِرَاطُهُ الْآنَ يُؤَثِّرُ اشْتِرَاطَهُ زَمَنَ قِلَّتِهِ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ زَمَنَ الْقِلَّةِ لِيُفِيدَ أَنَّ الضَّارَّ اسْتِعْمَالُهُ وَهُوَ قَلِيلٌ فَمَآلُ الْجَوَابَيْنِ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ
1 / 17
الطَّاهِرِيَّةُ بِالْكَثْرَةِ فَالطَّهُورِيَّةُ أَوْلَى. وَأُورِدَ عَلَى ضَابِطِ الْمُسْتَعْمَلِ مَا غُسِلَ بِهِ الرِّجْلَانِ بَعْدَ مَسْحِ الْخُفِّ وَمَا غُسِلَ بِهِ الْوَجْهُ قَبْلَ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ وَمَا غُسِلَ بِهِ الْخَبَثُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَرْفَعُ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي فَرْضٍ. وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ عَدَمِ رَفْعِهِ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْبَغَوِيِّ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ الْمُسْتَفَادُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ فَرِيضَةٍ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ أَصَالَةً وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَثِمَ تَارِكُهُ أَمْ لَا عِبَادَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي مِثَالَيْنِ بِقَوْلِهِ (كَمَاءِ الْغُسْلِ مِنْ الْكِتَابِيَّةِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَمَا غُسِلَ بِهِ الْوَجْهُ) مِنْ صُوَرِهِ أَنْ لَا يَجِبَ غَسْلُهُ لِعِلَّةٍ بِهِ فَيَتَيَمَّمَ ثُمَّ يَتَكَلَّفَ غَسْلَهُ فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ بَعْدَ مَسْحِ الْخُفِّ وَغَسْلِ الْوَجْهِ قَبْلَ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ قُلْت الْفَرْقُ أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَمْ يُفِدْ غَسْلُهُمَا شَيْئًا بَعْدَهُ، وَالتَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَأَفَادَ غَسْلَ الْوَجْهِ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: كَمَاءِ الْغُسْلِ مِنْ الْكِتَابِيَّةِ) حَاصِلُ كَلَامِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ فِي شَرْحِ جَامِعِ الْمُخْتَصَرَاتِ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ مَتْنِهِ كَوْنُ الْكَافِرَةِ كِتَابِيَّةً إذْ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ غَيْرُهَا وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ لَمْ تَنْوِ فَالْمَاءُ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ وَأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَكُونُ غُسْلُ الْكَافِرَةِ لَهُ فَرْضًا أَيْ: رَافِعًا لِلْمَنْعِ مِنْ وَطْئِهِ وَإِنْ كُلِّفَ بِالْفُرُوعِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَأَنَّ طَهَارَةَ الْكَافِرِ عَنْ حَدَثٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا صَحَّ غُسْلُ الْكَافِرَةِ لِمُسْلِمٍ لِضَرُورَةِ حَقِّهِ اهـ. وَفِي نُكَتِ النَّاشِرِيِّ عَلَى الْحَاوِي الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الزَّوْجِ فِي غُسْلِ زَوْجَتِهِ الْمَجْنُونَةِ وَالْمُسْلِمَةِ الْمُمْتَنِعَةِ بِرّ. (قَوْلُهُ: كَمَاءِ الْغُسْلِ) هُوَ مِثَالٌ لِمَفْهُومِ الْمَتْنِ وَكَأَنَّهُ الْحَامِلُ لِلشَّارِحِ عَلَى قَوْلِهِ الْآتِي أَيْ: كَغُسْلِ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَكَوُضُوءِ الطِّفْلِ وَنَحْنُ نَقُولُ: تَقْدِيرُهُ وَكَمَاءِ وُضُوءٍ بِرّ. (قَوْلُهُ: كَمَاءِ الْغُسْلِ) مِثَالُ الْمَنْفِيِّ مِنْ الْكِتَابِيَّةِ قَيَّدَ بِهَا لِقَوْلِهِ لِمُسْلِمٍ. (قَوْلُهُ: لِمُسْلِمٍ) لَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا فَاغْتَسَلَتْ زَوْجَتُهُ لِتَحِلَّ لَهُ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِدْ هُوَ تَوَقُّفَ الْحِلِّ عَلَى الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ قَبْلَ الْغُسْلِ مُمْتَنِعٌ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ هُوَ فَالْغُسْلُ أَزَالَ الِامْتِنَاعَ الشَّرْعِيَّ وَهَذَا فِي غَايَةِ الظُّهُورِ فَلَا يُغْتَرُّ بِمَنْ ذَكَرَ خِلَافَهُ.
(قَوْلُهُ: لِقَصْدِ حِلِّهَا لِمُسْلِمٍ) وَكَذَا لِكَافِرٍ بَلْ لَوْ لَمْ يَكُنْ
ــ
[حاشية الشربيني]
صَرِيحٌ وَهَذَا بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي الْحَاشِيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَأُورِدَ إلَخْ) وَأَمَّا مَا تَوَضَّأَ بِهِ الْحَنَفِيُّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ عَنْهُ الِاعْتِرَاضَ مِنْ الْمُخَالِفِ كَذَا عُلِّلَ م ر وَفِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ بِلَا وَلِيٍّ دَفَعَ عَنْهُ أَيْضًا الِاعْتِرَاضَ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ وَقَلَّدَ الشَّافِعِيَّ لَا يَحْتَاجُ لِمُحَلِّلٍ وَلَا يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ مَحْرَمِيَّةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهَا وَلَا حُرْمَتُهُمَا إلَّا إنْ وَطِئَ فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ وَقِيلَ إنَّ مَاءَهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ وَقِيلَ إنْ نَوَى فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ مَعَ زِيَادَةٍ ثُمَّ رَأَيْت فِيهِ مَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ السَّابِقَ وَهُوَ أَنَّهُ رُوعِيَ اعْتِقَادُ الْحَنَفِيِّ هُنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُهِدَ حُصُولُ الِاسْتِعْمَالِ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَاعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَنَّ مَنْعَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ نَاقَضَ نَفْسَهُ، وَالْإِلْزَامُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُصَحَّحِ هُنَاكَ وَأُجِيبَ بِالْتِزَامِ الشِّقِّ الثَّانِي وَأَنَّ مَا سَيَأْتِي مِنْ تَصْحِيحِ اعْتِبَارِ عَقِيدَةِ الْمُقْتَدِي إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْقَلْبِيَّةِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَإِنْ بَسْمَلَ وَنَوَى فِي الْفَرْضِ لِاعْتِقَادِهِ نَفْلِيَّةَ ذَلِكَ اهـ.
وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ مُهِمٌّ كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهُ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. (قَوْلُهُ: غُسِلَ بِهِ الرِّجْلَانِ) أَيْ: دَاخِلَ الْخُفِّ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا) فِيهِ أَنَّهُ يُفِيدُ زِيَادَةً عَلَى مُدَّةِ الْخُفِّ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا سم وَلَعَلَّهُ مُسْتَنَدُ احْتِمَالِ الْبَغَوِيّ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْغَسْلَ حِينَئِذٍ لَمْ يَرْفَعْ الْحَدَثَ لِكَوْنِهِ مُرْتَفِعًا بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ رَافِعٌ وَالْمُرْتَفَعُ لَا يُرْفَعُ. وَأَجَابَ ق ل بِأَنَّ الْمُدَّةَ بَاقِيَةٌ بِالْمَسْحِ وَهُوَ بَاقٍ وَفِي الْكُلِّ نَظَرٌ وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ فِي حَوَاشِي الْمَحَلِّيِّ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِ الشَّارِحِ هُنَا وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إلَخْ عَلَى قَوْلِهِ قُلْت: وَهَذَا الْجَوَابُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ رَفْعُهُ مُقَيَّدٌ بِمُدَّةٍ وَالْغَسْلَ رَفْعُهُ مُطْلَقٌ اهـ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا الْغَسْلَ لَمْ يُغَيِّرْ الْمُدَّةَ بِأَنْ يُجْعَلَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْهُ بَلْ ابْتِدَاؤُهَا مَا زَالَ مِنْ أَوَّلِ حَدَثٍ بَعْدَ الطُّهْرِ الْأَوَّلِ فَمَا زَالَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ بَاقِيَةً لَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ رَفَعَ شَيْئًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَائِلَ بِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ لَا يَقُولُ بِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ زِيَادَةً عَلَى مُدَّةِ الْخُفِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَصَرِيحُ كَلَامِ ق ل الْمُتَقَدِّمِ إذْ مُقْتَضَى بَقَاءِ الْمُدَّةِ مُقَيَّدٌ بِالْمَسْحِ، وَبَقَاءُ الْمَسْحِ أَنَّ الْمُدَّةَ لَوْ مَضَتْ وَهُوَ بِطُهْرِ هَذَا الْغَسْلِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِهِ فَلْيُحَرَّرْ.
ثُمَّ رَأَيْت مَا يَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَصَّرَ فِي دَفْعِ الْمُنَافِي بِأَنْ فَرَغَتْ مُدَّةٌ يَجِفُّ فِيهَا بَطَلَتْ قَالَ م ر لِتَقْصِيرِهِ مَعَ احْتِيَاجِهِ إلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ أَوْ الْوُضُوءِ بِاتِّفَاقِ الْقَوْلَيْنِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ فِي الْخُفِّ رِجْلَيْهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ لَمْ يُوَثِّرْ إذْ مَسْحُ الْخُفِّ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَا تَأْثِيرَ لِلْغَسْلِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا فَلِلَّهِ دَرُّ الشَّارِحِ وَعَجِيبٌ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ وَتَبِعَهُ ابْنُ سم مَعَ النَّصِّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ بَلْ مَعَ نَقْلِ ابْنِ سم نَفْسِهِ ذَلِكَ النَّصَّ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَاعْتِرَاضِهِ بِهِ عَلَى شَيْخِهِ عَمِيرَةَ وَجَلَّ مَنْ لَا يَسْهُو.
(قَوْلُهُ: أَثِمَ تَارِكُهُ أَمْ لَا) أَدْخَلَ
1 / 18
قَصْدَ الْحِلِّ) بِنَصْبِ قَصْدَ مَفْعُولًا لَهُ أَيْ: كَغُسْلِ الْكِتَابِيَّةِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ لِقَصْدِ حِلِّهَا (لِمُسْلِمٍ) أَيْ: لِوَطْءِ مُسْلِمٍ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِغُسْلِهَا فَيَجِبُ، وَمِثْلُهَا الْمَجْنُونَةُ إذَا غَسَّلَهَا حَلِيلُهَا مِمَّا ذُكِرَ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ
(وَكَوُضُوءِ الطِّفْلِ) الْمُمَيِّزِ وَلَوْ لِنَافِلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِصَلَاتِهِ وَكَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَغَسْلِ الرَّأْسِ بَدَلَ الْمَسْحِ وَوُضُوءِ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ نِيَّتِهِ كَالْحَنَفِيِّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ. وَتَعْبِيرُهُ بِالْكِتَابِيَّةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْكَافِرَةِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ الْكَافِرَاتِ إلَّا الْكِتَابِيَّةُ لَكِنَّهُ وَافَقَهُ فِي فَصْلِ الْغُسْلِ فَعَبَّرَ بِالْكَافِرَةِ (لِغَيْرِ ذَاكَ وَلَهُ بِالْفَصْلِ) اللَّامُ لِلتَّبْيِينِ أَوْ لِلتَّعْدِيَةِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية العبادي]
لَهَا حَلِيلٌ وَاغْتَسَلَتْ بِقَصْدِ الْحِلِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ بَلْ بُحِثَ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ اغْتَسَلَتْ لِحِلِّ وَطْءِ الزِّنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَطْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ زِنًا يَحْرُمُ لِجِهَتَيْنِ جِهَةِ الزِّنَا وَجِهَةِ حَدَثِ الْحَيْضِ م ر. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ) تَبِعَ صَاحِبَ الْمُهِمَّاتِ فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ لِلرَّافِعِيِّ وَقَدْ اعْتَرَضَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْخَادِمِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْهُ. (قَوْلُهُ: الْمُمَيِّزِ) يَنْبَغِي وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ إذَا وَضَّأَهُ وَلِيُّهُ لِلطَّوَافِ. (قَوْلُهُ: وَكَوُضُوءِ الطِّفْلِ) لَوْ عَبَّرَ بِالطَّهَارَةِ كَانَ أَعَمَّ كَمَا قَالَهُ النَّاشِرِيُّ. (قَوْلُهُ: وَغَسْلِ الرَّأْسِ) وَنَحْوُهُ الْجَبِيرَةُ. (قَوْلُهُ: إلَّا الْكِتَابِيَّةُ) هَذَا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ وَإِلَّا فَالْمَجُوسِيُّ مَثَلًا يَصِحُّ أَنْ يَنْكِحَ الْمَجُوسِيَّةَ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِيهِ فِي مَحَلِّهِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَجُوسِيَّةَ لَوْ اغْتَسَلَتْ لِقَصْدِ حِلِّ حَلِيلِهَا الْمَجُوسِيِّ كَانَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بَلْ قِيَاسُ مَا فِي الْحَاشِيَةِ الْأُخْرَى فِيمَنْ اغْتَسَلَتْ لِحِلِّ وَطْءِ الزِّنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَطْءٌ أَنَّ اغْتِسَالَ الْمَجُوسِيَّةِ لِحِلِّ وَطْءِ غَيْرِ الْمَجُوسِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَطْءٌ
ــ
[حاشية الشربيني]
وُضُوءَ الصَّبِيِّ وَقَوْلُهُ: عِبَادَةً إلَخْ أَدْخَلَ غُسْلَ الْكِتَابِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: كَغَسْلِ الظَّاهِرِ) أَيْ: كَمَاءِ غُسْلٍ إلَخْ إلَّا أَنَّهُ قَصَدَ بَيَانَ الْمُعَلَّلِ وَهُوَ الْغُسْلُ اهـ. ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَ قَوْلَهُ كَمَاءِ الْغُسْلِ تَمْثِيلًا لِلْفَرْضِ لَا لِلْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ حَيْثُ قَالَ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي مِثَالَيْنِ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِالتَّمْثِيلِ هُوَ الْغُسْلُ لَا الْمَاءُ إذْ لَا وَجْهَ لِإِيرَادِ الْمِثَالِ لِلْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لِبَدَاهَتِهِ إنَّمَا الْمُحْتَاجُ لِلتَّمْثِيلِ هُوَ الْفَرْضُ حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ أَهُوَ الْعِبَادَةُ أَوْ مَا يَعُمُّهَا وَغَيْرُهَا فَلِلَّهِ دَرُّ الشَّارِحِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا لِلشَّيْخِ عَمِيرَةَ. (قَوْلُهُ: لِمُسْلِمٍ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ خ ط وَاعْتَمَدَ م ر أَنَّ قَصْدَ الْحِلِّ كَافٍ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: لِوَطْءِ زَوْجٍ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى فِي الْحِلِّ أَنْ يَقُولَ لِقَصْدِ حِلِّ وَطْئِهَا لِمُسْلِمٍ زَوْجٍ إلَخْ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِغُسْلِهَا) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَاءَ غُسْلِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ لَيْسَ مُسْتَعْمَلًا وَهُوَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: الْمُمَيِّزِ) لَعَلَّهُ قَيَّدَ لِمَحَلِّ الْوِفَاقِ أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَقِيلَ لَا يَجِبُ وُضُوءُهُ لِلطَّوَافِ فَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَغَسْلِ الرَّأْسِ) أَيْ: دُفْعَةً وَاحِدَةً وَإِلَّا فَالْمُسْتَعْمَلُ هُوَ مَا حَصَلَ بِهِ الْوَاجِبُ فَقَطْ وَإِنَّمَا كَانَ الْكُلُّ مُسْتَعْمَلًا لِحُصُولِ الْوَاجِبِ بِالْكُلِّ كَغَمْسِ الْجُنُبِ يَدَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَلِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاجِبِ إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ مَا يُؤَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْوَاجِبِ عَلَى تَنَاقُضٍ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَوُضُوءِ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ إلَخْ) وَكَذَا الْمَاءُ الَّذِي أَزَالَ بِهِ مَا يَعْتَقِدُ نَجَاسَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا عِنْدَنَا كَمَا فِي الْإِيعَابِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ أَيْ: حَكَى تَصْحِيحَهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ ثُمَّ قَالَ فِي بَابِ التَّحَرِّي أَيْ: الِاجْتِهَادِ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: إذَا تَوَضَّأَ حَنَفِيٌّ وَاقْتَدَى بِهِ شَافِعِيٌّ فَالْحَنَفِيُّ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَقِدُهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهَا فَلَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ. وَالثَّانِي يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مُؤَاخَذٌ بِمُوجَبِ اعْتِقَادِهِ. وَالثَّالِثُ إنْ نَوَى صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَلَا وَالْمُخْتَارُ وَجْهٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْحَنَفِيِّ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ إخْلَالُهُ بِمَا نَشْتَرِطُهُ وَنُوجِبُهُ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ جَارِيَةٌ فِي صَلَاةِ الشَّافِعِيِّ خَلْفَ حَنَفِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَرَاهُ الشَّافِعِيُّ وَيَرَاهُ ذَلِكَ الْمُصَلِّي بِأَنْ أَبْدَلَ الْفَاتِحَةَ أَوْ لَمْ يَطْمَئِنَّ أَوْ مَسَّ فَرْجًا أَوْ امْرَأَةً اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَنَفِيَّ إذَا تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ ثُمَّ مَسَّ أُمَّ زَوْجَتِهِ وَصَلَّى لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الشَّافِعِيِّ بِهِ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ هَذَا الْعَقْدِ وَقَدْ صَرَّحَ بِفَسَادِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَصَاحِبُ الرَّوْضِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَفِي ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ بِهَذَا الْعَقْدِ وَجْهَانِ وَكَذَا فِي ثُبُوتِهَا لِوَطْءِ الشُّبْهَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ فِي هَذَا الْعَقْدِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ وَجَدَ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ نَبِيذَ تَمْرٍ وَلَمْ يَجِدَا مَاءً فَتَوَضَّأَ بِهِ الْحَنَفِيُّ وَتَيَمَّمَ الشَّافِعِيُّ وَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَرَى بُطْلَانَ صَلَاةِ صَاحِبِهِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ جَارِيَةٌ فِيمَا إذَا اقْتَدَى حَنَفِيٌّ أَخَلَّ بِشَيْءٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِشَافِعِيٍّ وَرَبَطَ الشَّافِعِيُّ صَلَاتَهُ بِصَلَاةِ ذَلِكَ الْحَنَفِيِّ فَقَطْ مَعَ عِلْمِهِ الْمُفْسِدَ فَتَجْرِي فِي صَلَاةِ الشَّافِعِيِّ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: لِلتَّبْيِينِ) لَامُ التَّبْيِينِ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا مَا يُبَيِّنُ الْمَفْعُولَ الْمُلْتَبِسَ بِالْفَاعِلِ وَتَعَلُّقَهَا بِمَذْكُورٍ وَهِيَ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ مَا يُفْهِمُ حُبًّا أَوْ بُغْضًا مِنْ فِعْلِ تَعَجُّبٍ أَوْ اسْمِ تَفْضِيلٍ كَمَا أَحَبَّنِي أَوْ أَبْغَضَنِي لِزَيْدٍ وَأَنَا أَحَبُّ أَوْ أَبْغَضُ لَهُ. وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مَا تُبَيِّنُ فَاعِلِيَّةً غَيْرَ مُلْتَبِسَةٍ بِمَفْعُولِيَّةٍ أَوْ عَكْسَهُ وَتَعَلُّقَهَا بِمَحْذُوفٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي وَمَا هُنَا مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلٍّ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ لِلتَّبْيِينِ أَوْ التَّعْدِيَةِ لَيْسَ مُتَعَلِّقُهَا مَذْكُورًا بَلْ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ لِلْكَلَامِ وَهُوَ الِاشْتِرَاطُ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمُ الرَّفْعِ فِي الثَّانِي وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا أَوْ هَذَا كَمَا وَهِمَ فَاعْتَرَضَ بِأَنَّهَا عَلَى
1 / 19
كَلَامُهُ أَيْ: اشْتِرَاطِ عَدَمِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي فَرْضٍ ثَابِتٍ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْفَرْضِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ وَلِذَلِكَ الْفَرْضِ إذَا انْفَصَلَ عَنْهُ أَوْ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ فَإِنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ لَا يَكُونُ رَافِعًا لِغَيْرِهِ وَلَا لَهُ إذَا انْفَصَلَ عَنْهُ، وَتَفْصِيلُهُ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي فَرْضٍ لَا يَرْفَعُ غَيْرَهُ سَوَاءً انْفَصَلَ عَنْ مَحَلِّهِ كَمِنْ يَدٍ إلَى أُخْرَى أَمْ لَا كَأَنْ انْغَمَسَ جُنُبٌ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ ثُمَّ نَوَى فَانْغَمَسَ فِيهِ آخَرُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ الْجُنُبُ الْمُنْغَمِسُ بَعْدَ نِيَّتِهِ وَقَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَاءِ لَا يَرْفَعُ الْمَاءُ حَدَثَهُ الثَّانِيَ لِرَفْعِهِ حَدَثَهُ الْأَوَّلَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِهِ وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَعَلَيْهِ شُرَّاحُ الْحَاوِي.
وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ خِلَافُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْخُوَارِزْمِيُّ وَأَمَّا الْبَحْثُ فَجَوَابُهُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ صُورَةَ الِاسْتِعْمَالِ بَاقِيَةٌ إلَى الِانْفِصَالِ، وَالْمَاءُ فِي حَالِ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ خَبَثٌ بِمَحَلَّيْنِ فَمَرَّ الْمَاءُ بِأَعْلَاهُمَا ثُمَّ بِأَسْفَلِهِمَا طَهُرَا مَعًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ. وَفِي الْمَجْمُوعِ لَوْ نَزَلَ الْمَاءُ مِنْ الْجُنُبِ إلَى مَحَلِّ الْخَبَثِ وَقُلْنَا: مُسْتَعْمَلُ الْحَدَثِ لَا يُزِيلُ الْخَبَثَ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَفِي طُهْرِهِ وَجْهَانِ اهـ. وَنَقَلَهُمَا مَعَ تَصْحِيحِ الطُّهْرِ الْبَغَوِيّ عَنْ الْقَاضِي وَصَحَّحَ مِنْ عِنْدِهِ مُقَابِلَهُ وَمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَوْجَهُ.
وَأَمَّا بَاقِي الْفَرْضِ فَيَرْفَعُهُ الْمَاءُ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ كَمَا لَوْ غَمَسَ جُنُبٌ بَعْضَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَنَوَى ثُمَّ انْغَمَسَ لِلْحَاجَةِ إلَى رَفْعِ حَدَثِ الْبَاقِي وَعَسِرَ إفْرَادُ كُلِّ جُزْءٍ بِمَاءٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا صَبَّ مِنْهُ عَلَى الْبَاقِي بِالِاغْتِرَافِ بِيَدِهِ أَوْ بِإِنَاءٍ لَا يَرْفَعُهُ بِلَا خِلَافٍ لِانْفِصَالِهِ.
ــ
[حاشية العبادي]
كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: أَيْ: اشْتِرَاطَ إلَخْ) كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ بِرّ. (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ ذَلِكَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ ثَابِتٍ. (قَوْلُهُ: لِغَيْرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رَافِعًا. (قَوْلُهُ: فَانْغَمَسَ فِيهِ آخَرُ) يَنْبَغِي فِيمَا لَوْ نَزَلَ جُنُبٌ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَنَوَى ثُمَّ نَزَلَ فِيهِ آخَرُ وَنَوَى أَنْ لَا يَرْتَفِعَ حَدَثُ الثَّانِي وَيَرْتَفِعَ حَدَثُ الْأَوَّلِ وَلَهُ تَطْهِيرُ بَقِيَّةِ بَدَنِهِ بِالِانْغِمَاسِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ طَهُورٌ لِعَدَمِ انْفِصَالِهِ وَعَدَمِ تَأْثِيرِهِ بِنُزُولِ الثَّانِي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ شَيْئًا مِنْ حَدَثِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَأَمَّا بَاقِي الْفَرْضِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ بِهِ خَبَثٌ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا وَعَلَيْهِ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْبَدَنَ حِينَئِذٍ يُعَدُّ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ لِاتِّحَادِ جِنْسِ الْمُوجِبِ وَعَدَمِ اخْتِصَاصِ تَطْهِيرِهِ بِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ الْمَاءُ مِنْ مَحَلٍّ مِنْ الْجُنُبِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مِنْهُ بَعْدَ تَطْهِيرِ مَا بَيْنَهُمَا عَنْ الْجَنَابَةِ طَهُرَ الْمَحَلُّ الثَّانِي عَنْ الْجَنَابَةِ كَالْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بِأَسْفَلِهَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ طَرَأَ الْأَسْفَلُ بَعْدَ الْمُرُورِ بِالْأَعْلَى م ر. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بِأَسْفَلِهِمَا) بِسَيَلَانٍ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالٍ أَوْ مَعَهُ حَيْثُ يَغْلِبُ التَّقَاذُفُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا بَاقِي الْفَرْضِ) كَأَنَّهُ مُقَابِلُ قَوْلِهِ أَوَّلًا لَا يَكُونُ رَافِعًا لِغَيْرِهِ وَلَا لَهُ إذَا انْفَصَلَ عَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّهُ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي فَرْضٍ لَا يَرْفَعُ غَيْرَهُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: صَبَّ مِنْهُ عَلَى الْبَاقِي) يَخْرُجُ بِالصَّبِّ فِي صُورَةِ الِاغْتِرَافِ بِالْيَدِ مَا لَوْ أَدْخَلَهَا
ــ
[حاشية الشربيني]
التَّعَلُّقِ بِلَا يَكُونُ رَافِعًا لَيْسَتْ لِلتَّبْيِينِ بَلْ لِلتَّعْدِيَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: اشْتِرَاطُ) بَيَانٌ لِلْمُتَعَلِّقِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَفِي الْأَوَّلِ هُوَ الِاشْتِرَاطُ وَفِي الثَّانِي هُوَ رَافِعًا اهـ. (قَوْلُهُ: إلَى أُخْرَى) خَرَجَ انْفِصَالُهُ إلَى مَا يُسَنُّ غَسْلُهُ كَالسَّاعِدِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُسْتَعْمَلًا عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ.
(قَوْلُهُ: الْجُنُبُ الْمُنْغَمِسُ) مِثْلُهُ الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَرَ إذَا تَوَضَّأَ بِالِانْغِمَاسِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ فِي الْإِيعَابِ وَهُوَ قَرِيبٌ. اهـ.؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ تَقْدِيرِيٌّ لَا حِسِّيٌّ فَكَانَتْ أَعْضَاءُ وُضُوئِهِ بِمَنْزِلَةِ بَدَنِ الْجُنُبِ. (قَوْلُهُ: لِرَفْعِ حَدَثِهِ الْأَوَّلِ) أَيْ: وَإِنَّمَا قَالُوا لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا مَا دَامَ عَلَى الْعُضْوِ لِلْحَاجَةِ إلَى رَفْعِ بَاقِيهِ فَمَتَى رَفَعَ الْحَدَثَ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ اهـ. (قَوْلُهُ: الْخُوَارِزْمِيَّ) نِسْبَةٌ لِخُوَارِزْمَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ مَعْنَى خُوَارِزْمَ هَيِّنٌ حَرْبُهَا؛ لِأَنَّهَا فِي سَهْلَةٍ لَا جَبَلَ بِهَا. اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْبَحْثُ) أَيْ: قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَاهُ إلَخْ وَقَوْلُهُ: أَنَّ صُورَةَ إلَخْ فَلَا يُحْكَمُ بِعَدَمِ الرَّفْعِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ اهـ.
(قَوْلُهُ: إلَى الِانْفِصَالِ) أَيْ: بِكُلِّيَّتِهِ. (قَوْلُهُ: فَجَوَابُهُ إلَخْ) أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ صُورَتُهُ مُسْتَمِرَّةٌ إلَى انْفِصَالِ الْمَاءِ فَيَلْحَقُ مَا بَعْدَ زَوَالِ الْحَدَثِ فِيهِ بِمَا قَبْلَهُ تَبَعًا كَالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: صُورَةَ الِاسْتِعْمَالِ) يُفِيدُ أَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِعْمَالِ انْقَضَتْ بِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالْبَاقِي صُورَتُهُ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ) أَيْ: الْمُغْتَسِلِ سَوَاءٌ كَانَ جُنُبًا أَوْ لَا سم. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَجْمُوعِ لَوْ نَزَلَ الْمَاءُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَلَوْ صَبَّ الْجُنُبُ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَكَانَ عَلَى ظَهْرِهِ نَجَاسَةٌ فَنَزَلَ عَلَيْهَا فَأَزَالَهَا فَإِنْ قُلْنَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ يَصْلُحُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ طَهُرَ الْمَحَلُّ عَنْ النَّجَاسَةِ وَهَلْ يَطْهُرُ عَنْ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ الرُّويَانِيُّ: فِيهِ الْوَجْهَانِ وَإِنْ قُلْنَا الْمُسْتَعْمَلُ لِلْحَدَثِ لَا يَصْلُحُ لِلنَّجَسِ قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَفِي طَهَارَتِهِ عَنْ النَّجَسِ هُنَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَائِمٌ عَلَى الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالِانْفِصَالِ وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّا لَا نَجْعَلُ الْمَاءَ فِي حَالِ تَرَدُّدِهِ عَلَى الْعُضْوِ مُسْتَعْمَلًا لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي الطَّهَارَةِ الْوَاحِدَةِ وَهَذِهِ طَهَارَةٌ أُخْرَى فَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَطْهِيرُ هَذَا الْمَحَلِّ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَهَلْ يَكْفِيهِ الْغَسْلَةُ الْوَاحِدَةُ فِيهِ عَنْ النَّجَسِ وَالْجَنَابَةِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ اهـ.
(قَوْله وَقُلْنَا مُسْتَعْمَلُ الْحَدَثِ إلَخْ) أَيْ: فِيمَا إذَا كَانَ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ لَا جَنَابَةَ بِهِ وَلَوْ جَرَى الْمَاءُ عَلَى الِاتِّصَالِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَا يُزِيلُ النَّجَسَ كَالْمَاءِ النَّجِسِ اهـ مَجْمُوعٌ. (قَوْلُهُ: أَوْجَهُ) لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِمْ: بَدَنُ الْجُنُبِ كَعُضْوٍ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْحَدَثِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ غَسْلِ الْبَدَنِ كُلِّهِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا بَاقِي الْفَرْضِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ: لَا يَرْفَعُ غَيْرَ الْمُلَاقِي أَوَّلًا كَذَا فِي التَّحْقِيقِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا صَبَّ مِنْهُ عَلَى الْبَاقِي بِالِاغْتِرَافِ بِيَدِهِ إلَخْ) هَذَا حُكْمُ مَا صَبَّ
1 / 20
ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ غَرَفَ غُرْفَةً بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ فِي الْوُضُوءِ بِلَا نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ فَغَسَلَ بِهَا سَاعِدَهُ بَعْدَ انْفِصَالِهَا عَنْ كَفِّهِ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لَكِنَّ كَلَامَ الْجُوَيْنِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ يَقْتَضِي ذَلِكَ
ــ
[حاشية العبادي]
فِي الْمَاءِ قَبْلَ تَطْهِيرِهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا وَأَسَالَ مَا خَرَجَ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ عَلَى مَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالٍ عَنْهَا وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ التَّقْيِيدُ فِي الْقَضِيَّةِ الْآتِيَةِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ انْفِصَالِهَا عَنْ كَفِّهِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُغْتَرَفَ مِنْهُ هُنَاكَ قَبْلَ الِاغْتِرَافِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ وَلَمْ يَرْفَعْ شَيْئًا بِخِلَافِهِ هُنَا وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ هُنَا وَرَفْعَهُ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ بَعْدُ لِعَدَمِ انْفِصَالِهِ وَإِلَّا لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُ الْيَدِ بِغَمْسِهَا فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى كَعْبَيْهِ مَثَلًا ثُمَّ رَفَعَ قَدَمَهُ مِنْ الْمَاءِ وَقَلَبَهُ فَسَالَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ إلَى سَاقِهِ فَإِنَّهُ يُطَهِّرُهُ، كَمَا لَا يَنْبَغِي التَّوَقُّفُ فِيهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَدَمِهِ وَيَدِهِ إذَا غَمَسَهَا فِي الْمَاءِ ثُمَّ رَفَعَهَا وَأَسَالَ مَا عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ إلَى ذِرَاعَيْهِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَإِنْ نَوَى جُنُبَانِ مَعًا بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فِيهِ أَيْ: فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ طُهْرًا أَوْ مُرَتَّبًا فَالْأَوَّلُ أَوْ مَعًا فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ عَنْ بَاقِيهِمَا اهـ.
(قَوْلُهُ: بِلَا نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ نِيَّةَ الِاغْتِرَافِ تَمْنَعُ الِاسْتِعْمَالَ فَلَوْ نَوَى الِاغْتِرَافَ وَرَفْعَ الْحَدَثِ فَالْمُتَّجَهُ حُصُولُ الِاسْتِعْمَالِ لِوُجُودِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَنِيَّةِ الِاغْتِرَافِ لَا يُنَافِيهَا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِي الْمَاءِ يَصْلُحُ لِرَفْعِ حَدَثِهَا وَالِاغْتِرَافِ لِغَيْرِهَا مَثَلًا مَعًا وَلَوْ سَلِمَ فَيَتَعَارَضَانِ وَيَتَسَاقَطَانِ وَكَأَنْ لَا نِيَّةَ مُطْلَقًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاسْتِعْمَالَ وَلَوْ اغْتَرَفَ بِإِنَاءٍ فِي يَدِهِ فَاتَّصَلَتْ فَإِنْ قَصَدَ الِاغْتِرَافَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَمَلْءِ هَذَا الْإِنَاءِ مِنْ الْمَاءِ فَلَا اسْتِعْمَالَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مُطْلَقًا فَهَلْ يَنْدَفِعُ الِاسْتِعْمَالُ؛ لِأَنَّ الْإِنَاءَ قَرِينَةٌ عَلَى الِاغْتِرَافِ دُونَ رَفْعِ الْحَدَثِ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ بَعْدَ غَسْلَةِ الْوَجْهِ الْأُولَى مَنْ اعْتَادَ التَّثْلِيثَ حَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِقَرِينَةِ اعْتِيَادِ التَّثْلِيثِ أَوْ يَصِيرُ؟ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْعَادَةَ تُوجِبُ عَدَمَ دُخُولِ وَقْتِ غَسْلِ الْيَدِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ الْيَدَ دَخَلَتْ فِي وَقْتِ غَسْلِهَا. فِيهِ نَظَرٌ وَيُتَّجَهُ الثَّانِي م ر وَلَوْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُ فِي التَّثْلِيثِ بِأَنْ كَانَ تَارَةً يُثَلِّثُ وَأُخْرَى لَا يُثَلِّثُ وَاسْتَوَيَا فَهَلْ يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ الِاغْتِرَافِ بَعْدَ غَسْلَةِ الْوَجْهِ الْأُولَى؟ فِيهِ نَظَرٌ وَيُتَّجَهُ عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ الِاغْتِرَافِ عِنْدَ أَوَّلِ مُمَاسَّةٍ لِمَاءٍ فَإِنْ تَأَخَّرَتْ فَلَا أَثَرَ لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ ذَكَرَ خِلَافَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ انْفِصَالِهَا) لَعَلَّهُ بِلَا تَقَاذُفٍ بِغَلَبٍ أَمَّا لَوْ انْفَصَلَ مِنْ كَفِّهِ لِسَاعِدِهِ بِالتَّقَاذُفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ حَدَثَ السَّاعِدِ.
ــ
[حاشية الشربيني]
عَلَيْهِ بِيَدِهِ وَأَمَّا يَدُهُ فَإِنْ أَدْخَلَهَا نَاوِيًا الِاغْتِرَافَ دُونَ رَفْعِ حَدَثِهَا صَارَ الْمَاءُ الْمُنْفَصِلُ مَعَهَا مُسْتَعْمَلًا بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ مَعَهَا فَلَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا بِهِ وَإِنْ أَدْخَلَهَا نَاوِيًا رَفْعَ حَدَثِهَا فَلَا رَيْبَ فِي ارْتِفَاعِ حَدَثِهَا بِمُجَرَّدِ الْغَمْسِ وَيَكُونُ الْمَاءُ الْمُنْفَصِلُ مَعَهَا غَيْرَ مَحْكُومٍ لَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَهُ بِالْيَدِ اتِّصَالٌ بِبَعْضِ الْمُنْغَمِسِ نَظَرًا إلَى أَنَّ جَمِيعَ الْبَدَنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَحِينَئِذٍ يُتَّجَهُ رَفْعُ حَدَثِ سَاعِدِهَا بِهِ إذَا جَرَى إلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ غَرَفَ إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَكَانَ قَدْ رَفَضَ نِيَّتَهُ ثُمَّ نَوَى رَفْعَ حَدَثِهَا بَعْدَ إخْرَاجِهَا بِمَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ فَإِذَا انْفَصَلَ ذَلِكَ الْمَاءُ الَّذِي اغْتَرَفَهُ بِيَدِهِ عَنْهَا بِأَنْ وَضَعَهُ فِي يَدِهِ الْأُخْرَى أَوْ فِي إنَاءٍ ثُمَّ غَسَلَ بِهِ سَاعِدَهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ حَدَثَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْ يَدِهِ إلَى سَاعِدِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي م ر وَغَيْرِهِ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ وَالسَّاعِدَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ اهـ. بَقِيَ مَا لَوْ أَخَذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ مَعًا بِلَا نِيَّةِ اغْتِرَافٍ مِنْ مَاءِ قَلِيلٍ أَوْ إبْرِيقٍ أَوْ حَنَفِيَّةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ بِمَا فِيهِمَا بَاقِيَ إحْدَاهُمَا وَلَا بَاقِيَهُمَا لِرَفْعِ الْمَاءِ حَدَثَ الْكَفَّيْنِ فَمَتَى غَسَلَ بَاقِيَ إحْدَاهُمَا فَقَدْ انْفَصَلَ مَا غَسَلَ بِهِ عَنْ الْأُخْرَى وَذَلِكَ يُصَيِّرُهُ مُسْتَعْمَلًا. أَمَّا لَوْ نَوَى الِاغْتِرَافَ بِأَنْ يَقْصِدَ أَنَّ الْيُسْرَى مُعِينَةٌ لِلْيُمْنَى فِي أَخْذِ الْمَاءِ فَلَهُ أَنْ يَغْسِلَ بِمَا فِي كَفِّ الْيُمْنَى بَاقِيَهَا اهـ. قَوْلُنَا: وَذَلِكَ يُصَيِّرُهُ مُسْتَعْمَلًا خَالَفَ فِيهِ م ر مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْيَدَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَنَظَرَ فِيهِ ع ش اهـ وَهَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر حَكَاهُ فِي التَّحْقِيقِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا دَامَ يَتَرَدَّدُ عَلَى الْعُضْوِ فَإِنْ فَارَقَهُ صَارَ وَيُقَالُ لَا مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِلَا نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ) الِاغْتِرَافُ عِبَارَةٌ عَنْ جَعْلِ الْيَدِ آلَةً لِنَقْلِ الْمَاءِ عِنْدَ مُلَاقَاةِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهَا لَهُ وَنِيَّتُهُ قَصْدُ نَقْلِ الْمَاءِ مِنْ الْإِنَاءِ وَالْغَسْلِ بِهِ خَارِجَهُ لَا بِقَصْدِ غَسْلِهَا دَاخِلَهُ. وَفِي وُجُوبِهَا لِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ خِلَافٌ فَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى وُجُوبِهَا وَقِيلَ لَا تَجِبُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ الْمَاءُ بِدُونِهَا لِقَرِينَةِ الِاغْتِرَافِ فَبَعْدَ غَسْلِ يَدَيْهِ وَانْتَصَرَ لَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي الْإِيعَابِ شَرْحِ الْعُبَابِ اهـ وَفِي التَّحْقِيقِ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ وَلَوْ أَدْخَلَ مُتَوَضِّئٌ يَدَهُ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ فِي دُونِ قُلَّتَيْنِ بِنِيَّةِ اغْتِرَافٍ لَمْ يَصِرْ أَيْ: مُسْتَعْمَلًا أَوْ طَهَارَةٍ صَارَ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ كَلَامَ الْجُوَيْنِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ إلَخْ) التَّبْصِرَةُ اسْمُ كِتَابٍ لَهُ وَيُسَمَّى أَيْضًا الْكِفَايَةَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ بَنَاهُ عَلَى فَرْعٍ قَالَهُ الْخُضَرِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ غَمَسَ جُنُبٌ بَعْضَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَنَوَى
1 / 21