أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الغلامان الأسيران
الغلامان الأسيران
ترجمة
مارون عبود
أشخاص الرواية
رودولف:
زعيم اللصوص.
الكونت دي لنسفلد:
أبو الأسيرين وشقيق رودولف.
فريدريك (12 سنة)، ألفرد (10 سنوات):
ابنا الكونت.
بطرس:
نائب رودولف وقهرمان الكونت سابقا.
ستارنو:
لص بثوب راهب.
لص.
لصوص وأتباع.
وقعت حوادث الرواية في جبال الألب.
الفصل الأول
(يمثل الملعب كهفا مظلما فيه أمتعة مبعثرة.)
المشهد الأول (بطرس - مرتينوس يلعبان بالورق)
بطرس :
أص كبا.
مرتينوس :
عشرة.
بطرس :
فرشخ ديناري.
مرتينوس :
داكه، وخمسين بالبستوني.
بطرس (يطرح ورقته) :
صارت.
مرتينوس (يحسب ورقه ويقول لبطرس) :
غلبناك، نعيما. (يلبسه القبع.)
بطرس :
ثقيل أنت ولا تطاق. (ويطرح القبع عن رأسه.)
مرتينوس :
الغلب مر، ولو بالورق. (تدق الساعة الثانية عشرة.)
بطرس ومرتينوس :
هذا نصف الليل وزعيمنا رودولف لم يأت، ماذا أصابه يا ترى؟
مرتينوس :
لا خوف على الليث في نزال الثعالب.
بطرس :
يقصر البعيد النظر عن مخبآت القدر، فالحذر الحذر.
مرتينوس :
تحجب جبينك غيمة سوداء أيها النائب، فما هذا الاضطراب؟
بطرس :
أخاف مهاجمة مفاجئة، أما بلغك خبر ذلك الأمير الذي غادر بلاط النمسا وأقام على بضعة أميال من هنا؟ إنه ضيف ثقيل على جبل الألب ولصوصه.
مرتينوس :
نعم، وقد حشد ما ينيف على ثلاثة آلاف فارس بطل، وتحصن في قصر «الفورته موله» ولكن يصح بنا وبه قول الشاعر:
أيا دارها بالخيف إن مزارها
قريب، ولكن دون ذلك أهوال
1
وكيف يصل إلينا ونحن أمنع من عقاب الجو، وقد قامت بيننا وبينه السراديب، والكهوف، والمنافذ الوعرة، والأنهار الطاغية؟ فلا أظنه يجرؤ على هذه المغامرة ويتحرش بالأفاعي في أوكارها.
بطرس :
من استخف بالأعداء سقط في شراك البلاء، فلنواصل السهر ونضاعف الخفر، هل الحراس في مواقفهم؟
مرتينوس :
أصبت فيما قلت، الحيلة قبل الشجاعة (يصرخ من الكواليس):
الحذر الحذر أيها الخفر (يردد الصوت ثلاث مرات كل مرة أضعف مما تقدمها) .
بطرس :
أتوصلت بدهائك إلى شيء من أسرار قصر الفورته موله؟
مرتينوس :
شكرا لهذا الثوب الرهباني الذي أتاح لي زيارة كل غرف ذلك القصر، فرأيت أسواره العابسة بوجه الإعصار تتهدد من جاوره بالويل والثبور، وقد أصلح أميره الجديد ما أفسدته به يد الدهر.
بطرس :
ومن هو هذا الأمير؟
مرتينوس :
أمير متنكر باسم الكونت دي فورته موله، يتحدر نسبه من أشرف الأسر النمسوية.
بطرس :
ومن أين عرفت ذلك؟
مرتينوس :
من كاهن الأمير، حسبني كاهن «تورين»
2
جامع الحسنات والصدقات، فأفرغ في صدري ما وعى قلبه من الأسرار، وما درى أن الملبوس لا يعمل القسوس.
بطرس :
دي فورته موله؟! ليس فينا أسرة بهذا الاسم.
مرتينوس :
أمثلي من تسأل عن الأسر الشريفة، وقد ربيت في مهد الفاقة في مدينة «تورين»، وترعرعت في حمأة الآثام، وتقلبت في مناصب عديدة؛ فكنت مرة متسولا وطورا لصا وغالبا من قطاع الطرق، كما تراني بخدمة سعادتكم الآن، ولم أهتم بمعرفة الشرفاء إلا لابتزاز أموالهم، أما سعادتكم فتشير حركاتكم إلى معاشرتكم غير اللصوص المتشردين.
بطرس :
نعم، عرفت عن قرب أشراف «فينا»؛
3
إذ كنت قهرمان الكونت لنسفلد ومؤدب أولاده، ثقل علي نير الخدمة فألقيته عني تاركا الكونت بعد اختلاس مبلغ طائل من صناديقه بددته كالابن الشاطر
4
في بيوت الإثم والفساد، ولم أشعر إلا ويدي فارغة وجيوبي خاوية ووجه الإفلاس يرف عليه، فانتظمت في سلك عصابة رودولف هربا من وجه العدل وطمعا بالثروة العاجلة، وها قد ارتقيت في مراتب اللصوصية فصرت نائب الزعيم، إن الذهب وافر لدي ولكنه مضرج بالدم، والتلذذ به في أعماق هذه الكهوف ضرب من المحال.
مرتينوس :
إذا جفتنا مواطن النعيم فستطمئن لنا غدا، غدا متى عدنا إلى فضاء الحرية، وأبصرنا سماء الغد، وبفضل هذه الدنانير الصفراء نصبح من ذوي الأيادي البيضاء، بعد أن كنا نعرف بالكف السوداء، وأنا الكفيل بأن ترانا عيون البشر مثال الفضيلة.
بطرس :
هيهات ذلك أن يكون؛ فأنا رفيق رودولف في الجهاد إلى الأبد.
مرتينوس :
أتراه طويل الإقامة في هذه الكهوف؟
بطرس :
لا أخرج من هذا الوكر إلا إلى ظلمة القبر، أو إلى معانقة حبل المشنقة.
مرتينوس :
إن تصور مشنقة إيطاليا وخازوق النمسا يجعلني مع ظلمة هذا الكهف على أتم الاتفاق، آه يا سيدي على أيام صبوتي! أيام كان جرابي على كتفي أقطع الفيافي
5
متنشقا نسيم الحرية ممزوجا بهواء الجبال النقي.
أيام فقر قد مضت وتصرمت
ممزوجة بحلاوة روحية
فالمال مع تعب الضمير مشقة
والفقر محبوب مع الحرية
بحقك يا مولاي أما أنت آسف على ملذات فينا؟
بطرس :
لا أذكر من زخارفها وبهجتها غير ولدي الكونت لنسفلد، ذينك الملكين اللذين تعشقتهما، وكانا موضوع اهتمامي واعتنائي.
يا ليت دهري يرثين لحالتي
فلقد بليت بكل أنواع الشقا
ضرب ونهب مهنتي وخديعة
ومآثم وجرائم، فلم البقا؟
مرتينوس :
يا ليت النعمة تحرك قلب زعيمنا رودولف فيكره عيشة الكهوف ويخفض من بغضه لأشراف النمسا، يحيرني بغضه لهذه الفئة من البشر في حين أن صوته وهيئته وأطواره تدل أنه شريف الأصل.
بطرس :
إن أصله سر غير مفهوم، وقد حاولت مرارا إزاحة الستار عن هذا السر فكانت هيئته البربرية تعقد لساني .. أسمع ضجة .. هم رفاقنا .. أهيأت كل شيء؟
مرتينوس :
نعم مولاي.
بطرس :
جهز أشهى الطعام وأجود المدام.
مرتينوس :
فليكن كما أمرت .. الوداع (يخرج).
المشهد الثاني (رودولف - بطرس - ألفرد - لصوص)
اللصوص (ينشدون) :
يا لصوص الغاب لا تخشوا الخطر
وارفعوا بالعز أعلام الظفر •••
سيروا للأمام لا تخشوا الحمام
وارهبوا الأنام في مسا وسحر •••
اضربوا انهبوا واقتلوا واسلبوا
فاسمكم مرهب، فرائص البشر •••
سيروا للحتوف لا تخشوا الألوف
واضربوا بالسيوف كل من لكم ظهر •••
فليحي الزعيم رودولف الكريم
ركننا العظيم، وحمانا المشتهر
رودولف :
مثلكم يرتجى لبطش وغزو
وبأشباهكم نهد الجبالا
فاقحموا الليث في العرين وكونوا
للأعادي في غزوكم آجالا
هذه غنيمتنا الباردة يا بطرس (يشير إلى الولدين)،
فكيف تراهما؟
بطرس :
من أثمن الغنائم وأجملها، لا يقل ثمنها عن عشرة آلاف فلورين.
6
رودولف :
إذا تسامحنا مع الشاري، أمر ذكرنا في خاطرك؟
بطرس :
لقد سئمت المائدة انتظار الندماء.
رودولف :
سنوافيها ونؤنس وحدتها، سيروا أيها الأصحاب لمعاقرة المدام فنسلو مشقات الغزو ونشبع جوعكم من أشهى الطعام، وبعد هنيهة أكون بينكم أشرب الكأس على ذكر شجاعتكم وبسالتكم.
اللصوص (يخرجون منشدين) :
يا لصوص الغاب ..
فليحي الزعيم.
المشهد الثالث (رودولف - بطرس - فريدريك - ألفرد)
رودولف :
إليك يا بطرس أعهد بهذين الولدين، فاحرص عليهما حرصك على حدقة العين، ورأسك ثمنهما إذا فقدا.
بطرس :
أأطرحهما في كهف الأسرى؟
رودولف :
فليكونا أحرارا قيد المراقبة الشديدة.
بطرس :
هذا إنعام ممتاز ما تعودت منحه إلا لفئة قليلة من البشر. أهما ابنا أمير خطير وسيد كبير؟
رودولف :
لقد كتما عني سر أبيهما، وأخفيا اسمه، ولكنني سأعرفه عما قليل، فالوداع الآن. (يخرج.)
بطرس :
سر غامض وعامل خفي يحركان هادئ نفسي، أنا الذي لا أرتجف أمام السيوف أرتعش أمام صغيرين أسيرين، رباه! ما هذا؟!
ألفرد :
أخي، أين نحن؟
بطرس :
لا تخافا أيها الصغيران، لقد سمعتما حديث الزعيم بشأنكما، فلا أحد يمسكما بسوء في هذا المكان.
ألفرد :
ما هذه الظلمة المدلهمة؟ ماذا أرى؟ .. أين نحن يا أخي؟
بطرس :
أنتما في كهف لصوص أشقياء، ولكن بعد قليل ترجعان إلى فضاء الحرية وتبصران النور.
فريدريك :
الحرية؟ هيهات فلا أمل لي بها.
بطرس :
كن صبورا ولا تيأس؛ فنحن مع انزوائنا في أعماق الكهوف وتخلقنا بأخلاق الضواري، ورغما عن هذه السحنة الوحشية نحب صغار الأولاد، ونشفق على صباهم.
ألفرد :
رباه! أنحن في حلم؟!
فريدريك :
إن كنت صادقا بما تقول فبرهن لنا عن إشفاقك علينا وتأثرك لتعاستنا بإرجاع الحرية والحياة لنا، أعدنا إلى حضن أمنا.
بطرس :
هذا رجاء يجرح قلبي.
فريدريك :
أية ثمرة تجنونها من أسر ولدين صغيرين؟ لسنا بأبطال عظماء ليخلد لكم أسرنا ذكرا خطيرا، فإن كنتما تعشقان الذهب أطلبه لكم من والدي، الرحمة، الحرية، الحياة!
بطرس :
تطلبان أمرا فوق طاقتي؛ فأنا النائب ورودولف الزعيم.
فريدريك :
إذن أريد مخاطبة الزعيم.
بطرس :
وماذا تقول له؟
فريدريك :
نقرر المبلغ المطلوب لقاء إخلاء سبيلنا وانعتاقنا من هذا الأسر.
بطرس :
أنا مستعد لسماع حديثك بهذا الشأن.
فريدريك :
قل ما هو المبلغ إذن؟
بطرس :
الأسعار مختلفة عندنا (كل فول له مكيول)،
7
هل أبوكم غني جدا؟
فريدريك :
إن أبي هو أكبر موظفي البلاط النمسوي.
بطرس :
الثمن غال، والربح خطير إن شاء الله.
فريدريك :
إن والدي صاحب القصر المجاور والأملاك الواسعة التي تحيط به.
بطرس :
لقد سمعت به، أأنتما أبناء الكونت دي فورته موله؟
فريدريك :
لقد لقب هكذا منذ عهد قريب، أما اسمه في النمسا فالكونت لنسفلد.
بطرس :
الكونت دي لنسفلد!
فريدريك :
نعم، أيها النائب.
بطرس (على حدة) :
ماذا أسمع؟ الكونت دي لنسفلد سيدي القديم! هذان ولداه! فيا لتعاستهما!
فريدريك :
ما هذا الاضطراب؟ أأنت متأثر من تعاستنا ومصيرنا؟
بطرس :
نعم يا عزيزي الصغيرين.
فريدريك :
أنت تبكي.
بطرس :
آه، لا .. هوان .. منذ زمان .. (على حدة)
لا أستطيع أن أكتم ما بقلبي، فلأخرجن (يخرج بسرعة).
المشهد الرابع (ألفرد - فريدريك)
ألفرد :
ما هذا البرد القارس؟ .. رباه! ما هذا الخوف؟! أين نحن الآن؟
فريدريك :
مسكين أنت يا ألفرد! ألا تنظر هذه الجدران السوداء؟ ألا ترى ذلك المصباح يلقي نوره على تلك الجدران؟ ألم تنظر تلك الأوجه التي كانت تحدق إلينا قبل هنيهة؟ إن خدامنا قد ذبحوا وأمنا.
ألفرد :
لقد تذكرت ذلك؛ ففي الليل الفائت، في قلب تلك الغابة، أحدقت بمركبتنا عصابة من اللصوص مدججة بالسلاح، فألقيت نفسي مذعورا بين ذراعي والدتي فانتزعتني منها يد حديدية، ثم لم أشعر بشيء، ولم تبصر عيناي النور إلا في هذه الدياميس
8
الباردة.
فريدريك :
أحب إلي أن تظل عيناي مغمضتين إلى الأبد.
ألفرد :
يا الله، ماذا يحل بنا؟
فريدريك :
لا تيأس يا ألفرد، ألا تذكر قول أمنا إن الله يحب الأولاد؟
ألفرد :
أمنا، آه! أين هي الآن؟
فريدريك :
لقد نجت .. آه! كيف؟ كانت منطرحة أمام قطاع الطرق تطلب إنقاذنا ودموعها تعرب عن حنانها. لقد كادت تموت تحت الضرب لو لم يسرع أحد خدامنا وينقذها من الموت؛ إذ حملها على ظهر جواده، واختفى بها بسرعة البرق في أحشاء تلك الغابة.
ألفرد :
تباركت يا رباه.
فريدريك :
مسكينة أمنا؛ ففي مثل هذه الساعة كانت تنحني منعطفة علينا، فأين هي الآن؟
ألفرد :
ألا يسرع والدنا لإنقاذنا؟
فريدريك :
ذاك أمر لا ريب فيه؛ فهو قد أقام في قصر الفورته موله ليبيد قطاع الطرق عن بكرة
9
أبيهم، ويقي البلاد شرهم.
ألفرد :
ليته يسرع إلى نجدتنا فيدركنا في قيد الحياة، فلنصل. (نشيد ديني يختاره المخرج.)
ألفرد :
إنني أشعر بقوة وشجاعة، صدقت أمنا، إن الصلاة قوة الضعيف، والقوة الغامضة حصننا عند الشدائد.
فريدريك :
إن الله يرمقنا بعين رحمته، ألم تر نائب الزعيم قد رثى لحالنا؟
ألفرد :
لقد أدهشني ذلك! فرغما عن سحنته الوحشية قد رأيت الدموع تترقرق على وجنتيه، فما الذي أثر به؟!
فريدريك :
تعاستنا وضعفنا.
ألفرد :
نعم؛ فإني لا أرى فقيرا يتعثر بأذيال الفاقة حتى أرى من يشفق عليه ويرحم ضعفه.
فريدريك :
وما أدراك يا أخي أن هؤلاء اللصوص غير بغاة وقساة كما يقال عنهم؟! فلربما يتأثر الزعيم رودولف أيضا لشقائنا.
ألفرد :
رودولف! لا تطلب الماء من النار؛ فرودولف الذي أرهب اسمه أعصابنا هيهات أن يرحم. هلكنا يا فريدريك.
فريدريك :
والعناية الإلهية يا أخي؟
ألفرد :
نعم هي محط رحال الآمال (ويركع فيركع فريدريك)
نحن أبناؤك يا ألله فلا تهملنا (يعيدان النشيد أو نشيد آخر استغاثة بالله) .
المشهد الخامس (بطرس - فريدريك - ألفرد)
بطرس :
هما يصليان فلأصل أنا أيضا، ولكن أواه! لقد عاديت المسبحة
10
منذ عهد طويل (يظهر، وبعد الصلاة يقول إلى الولدين):
لقد هيأت لكما كل شيء في المكان المجاور.
فريدريك :
قل لنا ما اسمك يا من تشفق علينا وترثي لحالنا.
بطرس :
إن اسمي لمخيف هائل، أنا اللص بطرس.
فريدريك :
لقد كان لنا خادم قديم يدعى بطرس وكان محبا لنا مخلصا، فهل تكون مثله يا بطرس؟
بطرس :
نعم سأكون ذلك الصديق، فقولا لي كيف وصلتما إلى هنا؟
ألفرد :
كأنك تجهل ذلك!
بطرس :
نعم؛ لأنني لم أكن في تلك الغزوة.
فريدريك :
اسمع إذن، هجر والدنا منذ ثلاثة أشهر بلاط النمسا ليقيم في جبال الألب في قصر الفورته موله، فدفعنا الشوق للاجتماع به، فركبنا عربة يخفرها اثنا عشر رجلا، واخترقنا تلك الوهاد، وقرب نصف الليل ضل قائدنا الطريق فتهنا في الغابة الكثيفة في ظلام دامس، ولما كنا نفكر بالرجوع على أعقابنا مزق سكينة الليل صفير مزعج وأطبق علينا اللصوص، فسمرنا الرعب في مكاننا ووقعنا في أيديهم بعد أن خلص أمنا أحد رجالنا الأمناء، ولا ندري ما حل بها.
بطرس :
يا لتعاستهما!
فريدريك :
أفلا تستطيع أن تكتب لوالدنا؟
بطرس :
هذا مستحيل.
فريدريك :
مستحيل؟
بطرس :
مسكين أنت يا ولدي لا تعلم ما هو كهف اللصوص، إنه يمثل الجحيم على الأرض، تظنون أننا متحدون، ولكن الصداقة لا تمتزج مع الآثام والجرائم، إنهم يبثون العيون والأرصاد بدون انقطاع، يظنون أنهم يكتشفون خيانة حتى في صدري أنا الذي أراقبك، وربما تكون إحدى العيون تخترق هذه الجدران لتراقبنا، فالزعيم وحده له حق الكتابة، وورقة باسمي تهلكنا ثلاثتنا لا محالة.
فريدريك :
إذن السكوت سلامة، آه يا بطرس! أي عزاء لوالدنا إذا علم أننا أحياء نفكر به ونصلي لأجله، وأن لنا مخلصا قربنا؟!
بطرس (على حدة) :
ويلاه! إنني عاجز عن الكتمان. (بصوت عال)
ثقا أنه يطلع اليوم على أخباركما بالتفصيل، ولو كلفني هذا الأمر آخر نقطة من دمي.
فريدريك وألفرد (يأخذان يديه قائلين) :
ألف شكر يا بطرس.
بطرس :
لا تقبلا هذه اليد الملوثة بأقذار الجرائم، فهي تدنس شفاهكما النقية.
عجلا بدخول هذا الكهف وثقا بصدقي وإخلاصي. (يخرجان.)
بطرس :
لقد برقع الحياء وجهي ولسعت أحشائي عقارب تبكيت الضمير؛ فهذان هما الولدان اللذان تركتهما بعدما سرقت من والدهما عشرة آلاف فلورين حاسبا أنني أكفل بذلك المبلغ سعادتي. لقد تبددت العشرة آلاف فلورين، وهذه ستة أعوام صرفتها في لجج الآثام، الخوف في النهار والسهر في الليل، لا يطرق آذاني غير أنين الأحزان وعويل الفسق والفجور، مختفيا كوحش ضار في حناجر الجبال يعالج غنائمه المضرجة بالدماء ليسوقها ويضعها تحت قدميه في هذا القبر المظلم، تبا لها من حياة قاسية!
إنني أستطيع اليوم أن أرتق ما مزقته وقاحتي في الأمس، إنني أستطيع إنقاذ هذين الولدين .. سأخلصهما، نعم سأخلصهما، فيا من نفخت بي روح هذه المقاصد الشريفة أعطني قوة لأقوم بها.
المشهد السادس (بطرس - رودولف)
رودولف :
وماذا صنعت يا بطرس؟
بطرس :
قد دققت البحث ففهمت أنهما ولدا أمير مجهول.
رودولف :
أتصدق إذا قلت لك إنهما ولدا الكونت دي فورته موله؟
بطرس (على حدة) :
إنه يعلم كل شيء.
رودولف :
نعم يا بطرس، إنهما أبناء ذلك الوقح الذي حملته جرأته على سكن قصر هرم مع بعض جنود بؤساء، يقصد بذلك كسر شوكة سطوتنا وصولتنا، جاهلا أن معقلي هذا يقاوم قوات الإمبراطورية النمسوية، وبقربي ستون بطلا أقلق بهم وحدهم بال أوروبا بأسرها.
بطرس :
وهذان الولدان؟
رودولف :
قد نويت على الاحتفاظ بهما.
بطرس :
وأية فائدة منهما؟
رودولف :
إنهما لقطاع الطرق كالفخ للصياد، يحفظ فيه الصغار ليصطاد الكبار، فيا نزيل قصر الفورته موله، لا تعلل نفسك بمهاجمة الأسد في عرينه .. أنا أنتظرك بقدم ثابتة، وولداك في قبضتي أصدق برهان على جنونك وجهلك.
بطرس :
لقد ضاع كل شيء.
رودولف :
آه يا بطرس! إنني كورقة في مهب الريح، أخاف على نفسي من هذا الصنف الثقيل. إن صوتا داخليا يهتف بي دائما: الحذر الحذر. لقد أرسلوا أمس من يسرق أخبارنا. وجه ستارنو يتجسس ويسرح حول قصر الفورته موله عله يعود بما يروي الغليل، وليعد عاجلا ما استطاع. لقد أنهكني التعب، فالوداع يا صاح. (يخرج.)
بطرس (مخاطبا نفسه) :
يا لها فرصة مناسبة جادت بها العناية! فلنكتب إلى الكونت لنسفلد ولكن ... ماذا أقول له إذا دفعته إلى مهاجمة هذا الكهف؟ فتلك خديعة (يفتكر قليلا)
غدا تحت جنح الظلام أخرج بالأسيرين من هذا الباب .. أذهب بهما إلى أطراف الغاب، وإلى هناك يوافيني الكونت فأضع بين ذراعيه ولديه. إن هذا توجيه إلى السماء، قوني يا رب السماء (ينادي)
ستارنو، ستارنو.
المشهد السابع (بطرس - ستارنو)
ستارنو :
مر أيها النائب.
بطرس :
كن مستعدا للذهاب.
ستارنو :
للذهاب! أتظن أنني ركبت من حديد؟ يجب أن أستريح ولو قليلا.
بطرس :
هذه مشيئة الزعيم، فأسرع وتنكر بثوبك الأسود وعد إلي.
ستارنو :
فلتكن مشيئة الزعيم ونائبه (ينحني ويخرج).
بطرس :
فلنكتب الكتاب الهائل .. ولكن إذا اكتشفوه؟ الله أعلم بالمصير، إلهي! خذ بيدي (يفتكر)
أهناك غير الموت؟ فليكن كفارة عن جرائمي (يكتب بسرعة وارتجاف ويختم الكتاب، يدخل ستارنو متنكرا بثوب أسود) .
ستارنو :
الأخ ستارنو في انتظار إشارتك أيها الأب المحترم.
بطرس :
إن مهاجمة عنيدة تتهددنا، فأسرع إلى قصر الفورته موله، خالط الناس واسترق أخبارهم، وحث هممهم على مهاجمة الأشقياء ليثقوا بك، ويكشفوا لك ما خبئوه في زوايا القلوب، ولا تغفل أن تمنحهم البركة وتعد بالصلاة لأجلهم.
ستارنو :
لقد حفظت دوري غيبا؛ فالأخ ستارنو راهب جليل ترشح التقوى من أذياله، وتفوح رائحة قداسته على مسافة عشرين ميلا، فلا مجهول لديه، ولا سر مخفي عليه.
بطرس :
أدخلت القصر؟
ستارنو :
أكثر من مرة.
بطرس :
هذا كتاب للكونت.
ستارنو :
يتلقاه صباح اليوم.
بطرس :
لا تنتظر جوابا، أفهمت؟ سلمه لأحد الخدم، أسمعت؟
ستارنو :
وما هذا التحفظ والحذر؟
بطرس :
خوفا من أن تسقط بفخ القدر.
ستارنو :
أصبت، فمن طاف حول السراج أحرق جناحيه.
بطرس :
أتحسن القراءة؟
ستارنو :
أجهلها كل الجهل، ولم يخطر لي ببال أن أجرب، وأنت تعلم أننا جماعة قلما نخالط العلماء.
بطرس (على حدة) :
لا خوف إن شاء الله. (إلى ستارنو) الوداع أيها الأخ ستارنو.
ستارنو :
اذكرني بصلواتك أيها الأب المحترم.
بطرس (مخاطبا نفسه) :
أأتركه يذهب وحيدا؟ وإذا أظهر كتابي! ولكن لمن؟ جميع الإخوان نائمون، وستارنو رجل لا شك في أمانته (يفتكر)
اللص وأمانة؟! لا، ليس بين اللصوص (يهم بالخروج فيغلق الستار)
رجل يوثق به، فلنرافقه إلى الدياميس.
الفصل الثاني
(يمثل الملعب جانبا آخر من الكهف أقل ظلاما، وفي آخره سرير مغطى.)
المشهد الأول (رودولف - بطرس - فريدريك - ألفريد في السرير)
رودولف :
إن ظلمة هذا الليل تخيفني، آه من تلك الغمامة السوداء التي تحجب الغد! قوة سرية تحرك ساكن اطمئناني، والأحلام المتقطعة تقلقني، لقد هد العناء أركان عزمي ونبا بي مضجعي فلم أنم، وكيف ينام من يتهدده الغد بأحلامه الهائلة؟!
بطرس :
عهدي بالزعيم رودولف ثبت الجنان
1
لا تهوله الخرافات والأوهام.
رودولف :
لا خرافات ولا أوهام؛ فالحقيقة ما أرى، وإلا فلماذا أضطرب كلما وقعت عيناي على هذين الغلامين؟
بطرس :
إنهما ملكان هبطا إلى الجحيم، فنفسهما الطاهرة تجعل الناظر يتهيبهما.
رودولف :
إذن أنت تشعر شعوري؟
بطرس :
لا أكتمك ذلك أيها الزعيم. لقد هدرت الدماء وسلبت الأموال وتلك مهنتي، أما أن أرى هذين الولدين البريئين يتألمان ويتعذبان فيذيب أحشائي، ولكي نقوى على احتمال هذه المشاهد المؤثرة يجب أن تكون لنا شراسة النمور، وما نحن إلا لصوص.
رودولف :
هي الحقيقة نزلت على شفتيك، فلطف مرارة كآبتهما ما استطعت.
بطرس :
ما أصعب ذلك يا مولاي! وكيف يسر الصغير الذي انتشل من بين ذراعي والدته وهو بعيد عنها؟
رودولف :
أأنت راغب في إخلاء سبيلهما؟
بطرس :
فلتكن مشيئتك، أولست تظن أن فدية وافرة من الذهب الرنان خير لنا منهما؟
رودولف :
إن الذهب وافر أيها الشجاع؛ فكل أشراف فينا يؤدون لنا الجزية، فأنا أريدهما لا الذهب.
بطرس :
صدقت مولاي؛ فقد شعرت بفرح الكثيرين من ذوي المقامات الرفيعة عندما يأنسون منك الرضا بالفلوس عوض النفوس.
رودولف :
وكم من الذين صبغت دماؤهم صخور هذا الكهف؟
بطرس :
ما أشد بغضك للأشراف وما أغربه فيك! مع أن كل حركاتك وسكناتك تنم بشرف أصلك وطيب عنصرك ونبالة محتدك.
2
رودولف :
لقد أنذرتك ألف مرة ألا تحاول الوقوف على أسراري، الويل لك إذا عدت إلى هذه المطاولة. إن سر مولدي لنار آكلة تلتهم من يدنو منها، فإذا جرتك تعاستك إلى اكتشافه فإن هذا الخنجر يعقد لسانك عن إفشائه. أكره الأشراف لأنهم خانوني. انظر فهاتان اليدان كانتا مكبلتين بالقيود. نعم نجوت من الموت ولكن الهرب شر ميتة. لقد أقسمت على الثأر فثأرت لنفسي منهم، وسأثأر إلى الأبد.
إن هذين الولدين هما ابنا ألد أعدائي. إني آسف عليهما، ولكن لا يليق بي أن أترك هذه الغنيمة وهي باكورة النزال مع الوغد أبيهما الذي يحاول تدويخنا، هل ضاعفت عدد الحرس؟
بطرس :
نعم، مولاي.
رودولف :
اذهب وافحص كل موقع، انتبه إلى كل حركة، كن قاسيا، كن هائلا، الموقف حرج. (يخرج بطرس.)
المشهد الثاني (رودولف - ألفرد - فردريك)
رودولف (على مقدمة الملعب) :
فلنضربن الأعداء بيد من حديد فترتعد لذكرنا الفرائص، فليكن ذكرنا هائلا ينقض على الآذان كانقضاض الصاعقة في بطون الأودية، فتقشعر الأبدان للسماع بنا كما تقشعر إذا رأت أفعى هائلة ، يجب إيقاظ هذين الولدين لعلي أكشف القناع عن أسرار أبيهما، فالولد لا يكتم سرا (يتقدم من السرير ويرفع الستار)،
إنهما غارقان في النوم، الطهارة ألقت على وجهيهما رداءها النقي، تنتاب الصغير رعشة شديدة، قلبه ينبض، جبين مضيء، وتنفسات مستعجلة.
ألفرد :
يا أمي .. يا أمي.
رودولف :
إنه يمد ذراعيه مفتشا عنها .. عبثا تسعى أيها الصغير.
ألفرد (في حلم) :
الدم .. الرحمة .. الشفقة.
رودولف :
العرق يتصبب من جبينه، يا له حلما مزعجا!
ألفرد :
ويح القساة! .. أكاد ألفظ روحي (يتحرك) .
رودولف :
إنه يستيقظ .. إن منظري يرعبه (يختبئ خلف السرير) .
ألفرد (يستفيق) :
فريدريك.
فريدريك :
أنا هنا، فلا تخف.
ألفرد :
آه! تشجعني، هات يدك .. من رفع غطاء السرير؟
فريدريك :
أنت تحلم، فالمكان خال.
ألفرد :
أواه! لا نزال أسرى.
فريدريك :
لماذا تخاف وترتعد؟ نم فالنوم يشدد قوانا، ولعلنا نرى أمنا ولو بالحلم.
ألفرد :
لقد عادى النوم جفني وحل محله قذى الاضطراب .. أرى اللصوص في منامي، أنظر دما مهدورا، وأما تجود بآخر نفس، حلمت أن قوتي تتلاشى، وظننت أنني لفظت روحي، أفلا يموتون في النوم؟
فريدريك :
مسكين أنت يا ألفرد، كنت أرقد رقادا هادئا، وأنت تتعذب!
ألفرد :
إذن لم يزل لنا أمل في الهنا.
فريدريك :
يغني.
لقد شدد عزائمي هذا النشيد، وحلمي المزعج نفخ في روح الأمل بالفرج القريب.
ألفرد :
ليت والدنا عالم بسوء مصيرنا.
فريدريك :
سيعرف كل ذلك من أمنا، أنسيت الرسالة التي كتبت من خمسة عشر يوما.
ألفرد :
أذكرها جيدا، وبها يقولون إنهم اكتشفوا مدخل كهف اللصوص. (رودولف يصغي جيدا.)
فريدريك :
ويقولون أيضا إنهم سيقضون على هؤلاء الأشقياء، وعندما ندخل قصر الفورته موله ترى رأس زعيمهم رودولف معلقا على شرفة القلعة.
رودولف (على حدة) :
ممنون جدا.
فريدريك :
ولأزيدك اطمئنانا أقول لك إن بطرس أرسل كتابا إلى والدنا مع اللص ستارنو؛ ذلك الذئب اللابس ثوب الحمل.
ألفرد :
أمن ثقة عرفت ذلك؟
فريدريك (يشير إلى الكواليس) :
شاهدت ذلك بأم العين من هذه النافذة.
ألفرد :
إنك تفعم قلبي سرورا يا فريدريك، سيعلم والدنا أننا لا نزال نبصر النور فيسرع لإنقاذنا.
فريدريك :
ومعه ثلاثة آلاف رجل، فما الذي يصنعه رودولف؟
رودولف (يتقدم فجأة) :
أدافع عن نفسي بحد مهندي.
ألفرد :
رباه! ما هذا؟
فريدريك :
فيا لك من وغد!
أقمت هنا حتى سرقت حديثنا
وذلك لؤم ما أتاه أخو مجد
رودولف :
أتحت حسامي تحلمان بميتتي
لكي تنظرا رأسي يعلق عن بعد؟
أين والدكما الآن؟ فليأت .. وإذ ذاك تنظران رأس من يسقط أولا.
فريدريك :
ثق وتأكد يا رودولف، أنك إذا أسقطت شعرة من رأس والدنا مت قتيلا بهذه اليد.
رودولف :
أهذه الذراع الضعيفة تتهددني بالموت؟
فريدريك :
إن ذراع الصبي لقوية عندما يثأر لوالده.
رودولف :
أمن رودولف يؤخذ الثأر بسهولة؟!
فريدريك :
أتظنه صعبا جدا (يقبض على مسدس أحد اللصوص ويصوبه إلى صدر رودولف) .
رودولف (يشهر خنجره صائحا) :
ويلك!
ألفرد (يقف بينهما خائفا) :
عفوا .. رحمة.
فريدريك (يرمي المسدس) :
لقد كنت شهما بدوري، فكن أنت.
رودولف :
سأكون .. ادخلا هذه المغارة. (فريدريك وألفرد يخرجان.)
رودولف (مخاطبا نفسه) :
ما أجرأه فتى! لقد أعرب عن عزة وإباء، وبرهن عن نفس كبيرة ودم شريف يغلي في عروقه، كانت روحي بين يديه فأبقى علي، فلأبقين عليه بدوري، فواحدة بواحدة، كان الموقف حرجا ولكنني تعلمت فيه درسا ثمينا؛ إذ عرفت أن الكونت دي فورته موله يتحفز للوثوب على الأسد في عرينه، فيحتز رأسه ويقدمه هدية لزوجته، ويعرضه على شرفة قصره، من أرسلك أيها الأحمق؟ أوتحسب رودولف ظبيا شاردا فتطارده؟ أنت تطلب رأسي وأنا أطلب رأسك وسوف نرى الغلبة لمن تكون، هلم إلي يا بطل فإنني أنتظرك بقدم ثابتة (يفتكر)
أصحيح ما قاله الغلام إن بطرس خانني حتى بلغت به الوقاحة إلى مواطأة أعدائي؟ سأعرف كل شيء .. إنهم آتون.
المشهد الثالث (رودولف - ستارنو بلباس كاهن)
رودولف :
تقدم يا ستارنو.
ستارنو (ينحني أمام رودولف) :
أيها الزعيم.
رودولف :
ما وراءك؟
ستارنو :
الحذر؛ فالمعركة ستنشب الليلة.
رودولف :
أأنت واثق مما تقول؟
ستارنو :
نعم مولاي، رأيت الناس يشحذون أسلحتهم، فسألتهم فقالوا لي ذلك، وسألوني أن أباركهم فمنحتهم البركة.
رودولف :
حسنا فعلت، أتعرف خطتهم؟
ستارنو :
بكل تدقيق؛ فهؤلاء البسطاء لا يخفون عني أمرا، فعند نصف الليل يخرجون من القصر والسكوت يخيم عليهم حتى يطوقوا الكهف.
رودولف :
إذن لا يجهلون موقعنا.
ستارنو :
ليس هذا بالأمر المجهول.
رودولف :
وبعد ذلك.
ستارنو :
يجتمع جنود الكونت في مضيق الدياميس ويفاجئون الخفراء، فإنني إن أخبرك عن الثمن الذي يجعلون لرءوسنا، فثمن رأسك عشرة آلاف فرنك وثمن رأس بطرس ألف، وثمن رأسي أنا الحقير مائة فقط، إن الشعب يقدرنا حق قدرنا.
رودولف (على حدة) :
لقد صدق الغلامان (إلى ستارنو):
أأعطاك بطرس كتابا؟
ستارنو :
نعم سيدي.
رودولف :
ألم يكن باسم الكونت دي فورته موله؟
ستارنو :
بلى.
رودولف :
أدفعته إليه؟
ستارنو (يخرجه من جيبه) :
هذا هو.
رودولف (يفضه ويقرأ) :
سيدي الكونت
إن ولديك في مأمن، إذا وافيتني في نصف هذا الليل إلى الوادي الأخضر أدفعهما إليك، لص يحبك.
الإمضاء «الخائن»
ستارنو :
لقد قرأت على وجهه أيها الزعيم أنه يخوننا، وقد أوصاني كثيرا بالصمت والسكينة.
رودولف :
ما حمله على هذه الخيانة؟
ستارنو :
لقد سئمت نفسه التقيد بسلاسل خدمتك، وكم مرة سمعته يتأسف بحرارة، وأظنه يود تهريب الولدين ليفر وراءهما.
رودولف :
وماذا يرجو ورأسه ذو ثمن غال؟
ستارنو :
إن الكونت دي فورته موله ذو نفوذ في البلاط الملكي، ولا يصعب عليه التماس العفو عنه، كما أنه إذا كشف بطرس مدخل الكهف للأعداء أمطروا عليه ديم
3
المكافأة، وتملص من شراك العقاب الهائل الذي يهددنا.
رودولف :
فلسوف يصلى حر نار دونها
نار الجحيم فيا ملائكة اشهدي
السجن مسكنه بعيد هنيهة
والموت يعقبه بحد مهندي
ولقد جعلتك نائبي بعد الذي
خان العهود، فثق بصدق تعهدي
أنا ذاهب فاحرس مكاني معقلي ... ... ... ... ...
ستارنو : ... ... ... ... ...
رح بالسلام، وثق بعبدك سيدي
ستارنو (مخاطبا نفسه) :
نائب؟ ألا تكذبني آذاني؟ أيقظة أم حلم؟ بلى قد سمعت جيدا، أأنا الذي قضيت زهرة شبابي متسولا صرت الآن نائب رودولف الزعيم الذي أقلق ذكره الخافقين؟ ولكن على النائب أن يقود اللصوص إلى الغزو ويقذف بحياته إلى مهاوي الردى، وأنا أخاف على حياتي جدا جدا، لقد اتخذت هذا الثوب الأسود أحبولة للصدقات والحسنات من أيدي المؤمنين (قه قه)،
أما في ثوب النائب فلا أحصل المال إلا برصاص المسدسات ورعود البنادق، وهذا هو الفرق بين الرتبتين .. لا بأس، أنا مسرور من نفسي، ذللت بطرس وأخذت وظيفته غنيمة باردة، يا له من أحمق جاهل! لقد حسب أنه يستخدم فتى صغيرا لنوال مأربه فسقط من حيث أمل النهوض .. هذا أسير من أسرانا.
المشهد الرابع (ستارنو - فريدريك)
فريدريك :
بحقك يا ستارنو، ألا تسكن اضطراب ولد ناعس قذف به سوء طالعه إلى هذا الكهف المظلم؟ أأنت قادم من الفورته موله؟
ستارنو :
نعم سيدي.
فريدريك :
أنظرت الكونت؟
ستارنو :
لا، ولكنه يستعد بدون ريب للقائكم في الليل القادم، هناك في أطراف الغابة يعلل النفس.
فريدريك :
إنك تكلمني بالهندية.
ستارنو :
أما وعدكما بطرس بإخلاء سبيلكما؟
فريدريك :
ليتك صادق! أفي هذا الليل نعانق والدنا؟! هيهات!
ستارنو :
نعم سيدي، إذا حققت السماء آمالنا.
فريدريك (يضم يد ستارنو إلى صدره) :
أأقدر أن أكافئك على إخلاصك يا ستارنو؟ ولكن كيف يتم ذلك وملء الكهف عيون ترى؟
ستارنو :
إن بطرس قادر على كل شيء فاعتمدا عليه. (يدخل بطرس.)
بطرس :
هذا ستارنو؟
ستارنو :
نعم أيها النائب.
بطرس :
لقد انتظرتك على أحر من الجمر، فما فعلت بالكتاب؟
ستارنو :
سلمته ليد أمينة.
بطرس :
أدخلت القصر؟
ستارنو :
أما حرمت علي ذلك؟
بطرس :
لله در أمانتك! سأكلم الزعيم بأمرك وأهتم بإعلاء مقامك.
ستارنو :
إنني أزاحمك على منصب سام حدثتني النفس به.
بطرس :
والنفس أمارة بالسوء، قل ما هو ذلك المنصب؟
ستارنو :
منصب النيابة.
بطرس :
عليك بالانتظار.
ستارنو :
ليس كما تظن .. الوداع. (يخرج ستارنو.)
بطرس (على حدة) :
ماذا يقول؟ أخانني يا ترى؟
فريدريك :
لقد نجونا يا عزيزي بطرس، ونجحت مهمتك.
بطرس :
وأية مهمة تعني؟
فريدريك :
عبثا تحاول إخفاء مساعيك عني، فأنت المحسن إلينا، أنت صديقنا ومنقذنا، إنك لا تظل في هذا الكهف بل تتبعنا إلى قصر الفورته موله، أليس كذلك يا عزيزي بطرس؟
بطرس :
أجهل ما تقول.
فريدريك :
لقد ظهرت لي كوامن أسرارك، أفلست عازما أن تعيدنا إلى والدنا في ظلمة هذا الليل؟
بطرس :
ومن قال لك؟
فريدريك :
ستارنو. لماذا هذا التكتم؟ ذهب الخفاء، تنازل لقبول دعوتي واذهب معنا إلى فينا؛ حيث تحيا سعيدا، ونحبك كما كنا نحب مهذبنا القديم بطرس سمارانديني.
بطرس :
يا للخيانة! لقد قرأ ستارنو كتابي، وعرف رودولف كل شيء، أسمع ضجيجا (يخرج).
المشهد الخامس (بطرس - رودولف - ستارنو)
رودولف (يدخل فجأة، وينزع شعار بطرس) :
أنت منذ الآن مجرد من وظيفتك.
بطرس :
مولاي.
رودولف (يريه كتابه) :
هذا جوابي.
بطرس (إلى ستارنو) :
يا خائن (يستل خنجره ويهجم عليه).
رودولف (يصفر فيدخل أربعة لصوص فيشير إلى بطرس) :
كبلوه بالحديد. (يكبلونه) (إلى ستارنو)
أنت نائبي منذ الآن، قيد بطرس واسهر عليه بعين لا تنام، نحن في خطر، اعلموا أن أصغر خيانة للقوانين عقابها الموت. (الستار)
الفصل الثالث
(يمثل الملعب جهة ثالثة من الكهف أشد ظلمة.)
المشهد الأول (بطرس وحده)
أسمع عن بعد طلقات البنادق، لقد هوجمت المغارة فلمن يكون النصر؟ الله وحده يعلم، لقد دفنت في هذه الظلمة المخيفة وكل الناس نسوني، هيهات! ليس من يتذكرني، ستارنو يا لك من خائن! بأي فرح بربري كبلتني بالحديد، أنت أقل من لص، أنت جبان، أقسم أنك ستموت بيدي، والغلامان المسكينان كم يكون خوفهما من تلك الضوضاء والمعمعة؟! يا ليتني أستطيع الخروج من سجني لأطير لمعونتهما (يفتح الباب)،
هذا بلا ريب هو ستارنو، إنه القادم يضحك من تعاستي.
المشهد الثاني (بطرس - فريدريك)
فريدريك (بيده سلسلة مفاتيح) :
إلي بطرس. لقد أتيت لأنقذك يا بطرس.
بطرس :
هذا أنت يا سيدي!
فريدريك :
لقد هرب اللصوص وظفرنا.
بطرس :
وماذا يهمني الظفر؟ أنا هالك لا محالة.
فريدريك :
لقد نجوت، السجن مفتوح فاتبعني.
بطرس (يسقط على ركبتيه) :
يا منقذي، يا ملاكي الطاهر.
فريدريك :
ماذا تصنع يا بطرس؟!
بطرس :
أقبل رجليك يا سيدي، أتعرف من أنقذت؟!
فريدريك :
نعم أعلم.
بطرس :
أنت تجهل ذلك، أنا ذلك المنكود الحظ بطرس سمارانديني مهذبك القديم.
فريدريك :
ماذا أسمع؟!
بطرس :
نعم أنا بطرس الذي أحبكم، أنا بطرس الذي ترككم، أنا بطرس الذي يمزقه تبكيت الضمير، سيدي أتغفر لي؟!
فريدريك :
وممن تطلب الغفران؟ بطرس نحن أصحاب (ينهضه ويصافحه) . (يسمعون عن بعد دوي طلقات البنادق.)
بطرس :
أيجب أن نذهب؟ آه لو كان معنا مفتاح الباب الشمالي.
فريدريك :
أليس هو مع المفاتيح؟
بطرس (يبحث في المفاتيح) :
لا، حفظه ستارنو معه.
فريدريك :
نعم لقد حفظه معه؛ فقد نظرته داخلا المغارة التي كنت مسجونا فيها مع أخي، والاصفرار باد على محياه، يضطرب كأصغر الأطفال، وقد أخذ كيسا مملوءا ذهبا، واختار مفتاحا من هذه المفاتيح وطرح البقية كشيء لا فائدة منه، وعندئذ جئت لأنقذك.
بطرس :
يا له من خائن! ولكن هذا لا يهم، فللتوصل إلى الباب الشمالي يجب أن نقطع هذا السجن فأنا أنتظره هنا، اذهب وجئ بأخيك.
بطرس (مخاطبا نفسه) :
لقد أصبحت حرا، فعلي ألا أستعمل حريتي إلا في سبيل إنقاذ المحسن إلي (يسمع دوي البنادق قد اقترب) ، لقد قرب دوي البارود فماذا يحل بنا؟ (يتراجع إلى الوراء.)
المشهد الثالث (بطرس في آخر المسرح - ستارنو في ثوبه الإكليريكي)
ستارنو (في مقدمة المسرح) :
لقد خسرنا كل شيء ودحرت رجالنا من المواقف الثلاثة، وهم يدافعون عن الرابع، فهل يثبتون في الدفاع طويلا؟ إن الهرب هو غنيمة الحكيم، هذا التنكر يجعل هربي مكرما، وفوق ذلك إن المال متوفر لدي ولا أزال أحفظ مفتاح الباب الشمالي.
بطرس (يقترب منه وبيده خنجر) :
إن هذا المفتاح يلزم لي.
ستارنو (يتراجع برعدة) :
يا إلهي! هذا أنت يا بطرس!
بطرس :
يلزم لي.
ستارنو :
لكن ...
بطرس :
يلزم لي قلت لك.
ستارنو :
خذه ولكن ارحمني (يسقط على ركبتيه).
بطرس :
ويحك يا جبان! خنتني ومكرت بي، ألا تذكر اللذة التي كنت فيها عندما كبلتني بالسلاسل منذ هنيهة؟ جاء دوري، فأنت أسيري، فسلم نفسك إلى الله.
ستارنو (ينحني على ركبتي بطرس قائلا) :
عفوا أيها النائب.
بطرس :
نائب! هذا لقب لم يعد يخصني، هذا لقبك الجديد، لقد لبست ثوبي الذي عريت منه، ولكنك لا تفرح به طويلا، فاستعد للموت.
ستارنو :
رحمة.
بطرس :
استعد للموت.
ستارنو :
الحياة.
بطرس :
الموت (ينهض ستارنو ويطعنه بطرس) .
ستارنو :
آه (يسقط بين الكواليس).
بطرس (مخاطبا نفسه) :
لقد قبضت على المفتاح، ولكن الولدان أين هما؟ الضجة في ازدياد، يا الله يا الله (يمشي في المرسح ذهابا وإيابا باضطراب، يزداد دوي البنادق) .
المشهد الرابع (بطرس - فريدريك - ألفرد)
فريدريك (يدخل بسرعة) :
إليك أخي يا بطرس، فاحرص عليه ودافع عنه، أنا ذاهب لأقاتل مع أبي.
بطرس :
يجب أن نفر.
فريدريك :
الفرار! عندما يكون أبي يقاتل قتال المستميت، فقد نظرته معرضا لطلقات البنادق يلوي يدي اليأس والقنوط، وعسكره قد بدأ بالاندحار ويكاد أن يكون النصر حليف اللصوص، أنا ذاهب للدفاع عنه، فإذا تركته أجحد واجب البنوة، الوداع يا بطرس، اسهر على أخي (يخرج) .
بطرس :
وأنا أتبعك، فإذا متنا نموت معا. (ينسل وراءه تاركا ألفرد وحده.)
ألفرد (مخاطبا نفسه) :
ذهبوا وبقيت وحدي، وحدي في هذه الظلمة المخيفة، يا لهم من قساة! لقد تركوني ولكنهم ذهبوا للدفاع عن أبي، فلا بأس عليهم، أنا غافر لهم، لماذا ليس لي ذراع شديدة تستطيع إشهار السيف لأدافع معهم عن أبي؟ (يشتد دوي البنادق ويسمعون صراخ الظفر من اللصوص)،
يا لها من ضجة مخيفة! أنا مضطرب، أنا أرتعش يا إلهي! يا ربي (يركع ويصلي) .
المشهد الخامس (ألفرد - بطرس يسند فريدريك الجريح)
ألفرد :
أخي! من أين هذا الدم؟
بطرس (إلى فريدريك) :
ألم أقل لك سيدي، إنك تدخل معركة هائلة لا تقوى عليها، لقد جرحت، ولولا عنايتي لكنت مت.
فريدريك :
وأنت جرحت أيضا يا عزيزي بطرس.
بطرس :
نعم، ولكن الفرق بيننا عظيم، أنا قد اعتدت على هذه المعارك، انظر (يريه صدره)
ليس هذا بشيء، إننا نستطيع الهرب الآن، أتطيعني؟
فريدريك :
إن أبي قد غلب فيجب أن نتقاسم عذاب الأسر.
بطرس :
ما هذا العناد؟ إذا كنت وأبوك في الأسر فمن يسعى بنجاته؟ من يأخذ بثأره؟ من يعزي والدتك؟
فريدريك :
لقد أصبت، يجب أن نهرب لنستطيع إنقاذه، أتتبعنا؟
بطرس :
بل أبقى هنا للسهر عليه، خذ هذا المفتاح وسر في هذا الديماس وافتح الباب فتجد مخرجا ضيقا يوصلك بعد سير قليل إلى الهواء، فالحرية، فأصدقاء أبيك، الوداع أعزائي، الوداع. (يخرج فريدريك وألفرد.)
بطرس (مخاطبا نفسه) :
لقد أنقذت الولدين، فهل أستطيع أن أنقذ أباهما؟
أيتها السماء! رباه! هذا الزعيم والكونت دي لنسفلد. (يختبئ.)
المشهد السادس (رودولف - الكونت - لصوص بثياب ممزقة - بطرس مختفيا)
رودولف (إلى الكونت) :
أيها الفارس الشجاع، أنت ملزوم أن تعلق رأسي على شرفة قلعتك، كما وعدت.
الكونت :
لا تحتقر تعاستي يا رودولف، تصرف معي كما يتصرف الظافرون، وعاملني كما أردت أن أعاملك.
رودولف :
ستكون مسرورا، ولكن من أين لك هذه الجرأة حتى تهاجمني هكذا في معقلي؟
الكونت :
آه يا سيدي! يظهر أنك لست بأب، جئت أفتش عن ولدي، فأين هما؟
رودولف :
ستراهم، أيها الحرس أدخلوا الولدين إلى هنا، واذبحوهما على مرأى من أبيهما.
الكونت :
قفوا، قفوا (اللصوص يتوقفون) .
رودولف :
اذهبوا أيها الحرس (يخرجون) .
بطرس (على حدة) :
وأنا أذهب للدفاع عنهما أيضا (يخرج من الجهة الثانية) .
الكونت :
سيدي، أشفق على والد تاعس، ترفق بولدي.
رودولف :
وماذا بعد؟ أتوصلت إلى الرجاء بالانحناء أمامي؟!
الكونت :
لو كان الأمر تتوقف عليه حياتي كنت أستعمل كبريائي، ولكن حياة ولدي! سيدي، رحمة وأشفق على صباهما، خذ مالي، خذ حريتي وحياتي، ولكن بشرط ألا يتعدى ثأرك إلى سواي، أنا هو المجرم، فولداي لا يتناولانك بأذى؛ فهما لا يعرفانك أبدا، لماذا تحول نظرك عني؟ فإذا كنت لا تقبل رجائي فالله لا يقبل لك رجاء، الدم البريء يسقط على رأسك، آه! لقد تهت عن الصواب، مولاي، سيدي، ارحمني.
رودولف (على حدة) :
أشعر بشفقة وانعطاف، وفوق ذلك لماذا أهرق دما لا يفيدني شيئا؟ (إلى الكونت)
أقبل ذلك، وأستبقي على ولديك.
الكونت (مسرورا) :
آه! فلتكن مباركا.
رودولف :
ولكن بشرط أن تكون أسيري.
الكونت :
أكون ذلك.
رودولف :
وتتنازل لي عن قصر الفورته موله.
الكونت :
هو لك.
رودولف :
وتعطيني أملاكك الواسعة.
الكونت :
وهي لك أيضا.
رودولف :
وتعطيني عشرين ألف فلورين ذهبا.
الكونت :
أدفع لك ذلك غدا.
رودولف :
هذه ورقة فوقعها.
الكونت (يوقعها ويدفعها إليه) :
أأرضاك ذلك؟
رودولف (يأخذ الورقة ويقرأ التوقيع) :
الكونت ألريك دي لنسفلد (يتمشى باضطراب)
أأنت الكونت دي لنسفلد؟
الكونت :
أنا هو.
رودولف :
وما هو وطنك؟
الكونت :
ولدت في فينا من أكبر عائلات النمسا، وأبي كان الوزير الأول للإمبراطور.
رودولف (على حدة) :
هذا هو، ولكنهم يدعونك الكونت دي فورته موله.
الكونت :
هذا اسم أخذته عندما غادرت البلاط، أردت بذلك أن يجهل الناس أن الكونت الذي جاء لمقاتلة اللصوص هو نفسه الكونت لنسفلد.
رودولف :
أخي! أنا فرنسيسكو دي لنسفلد.
الكونت :
إلهي! أوجدتك في مغارة اللصوص؟
رودولف :
إن هيئتك تجرح قلبي يا أخي، أنا الآن أقبل قدميك (ينطرح على قدمي الكونت) .
الكونت (يمد له ذراعيه) :
تعال أضمك إلى صدري، لقد رأيتك بعد عشرين سنة، فهل أرى ولدي؟
رودولف :
نعم ستراهما الآن (يصفر) .
المشهد السابع (رودولف - الكونت - اللصوص)
رودولف :
أين المسجونان؟
لص :
إن السجن خال، وقد فتشنا عليهما ولم نجدهما، قد هربا.
رودولف :
ماذا حل بهما؟!
بطرس (يدخل فجأة) :
لقد خلصتهما.
رودولف :
يا شقي!
بطرس :
أضحك من غضبك، أنا هو المجرم، تقدر أن تعاقبني.
رودولف :
ماذا تقول يا بطرس؟ لقد وجدت أخي، وأريد أن أرد له ولديه، وأنت تنتزعهما مني، أين هما يا شقي؟
بطرس :
ماذا أسمع! أنت لا تريد قتلهما؟
رودولف :
أتظنني مسرفا بهذا المقدار بدم عائلتي؟ أرجعهما إلي وإلا قطعت رأسك.
بطرس :
ستراهما عما قريب أيها الزعيم، انظر إلى الباب الشمالي فهو مخفور من جنود عديدين، قد أخفيتهما في الدياميس، سآتيكم بهما الآن.
رودولف :
اخرجوا أيها الحرس.
المشهد الثامن (رودولف - الكونت)
الكونت :
آه! لو كان أولادي هنا ما كان ينقصني شيء من السعادة، أخي فرنسيسكو، أنحن نسطع في بلاط فينا وأنت منسل في أعماق هذه الدياميس؟
رودولف :
هذه عاقبة أول غلطة، أتعرف الدوق دي فركنتمال؟
الكونت :
بدون ريب، ولماذا تعيد تذكاره المؤلم؟!
رودولف :
فصلا لمشاجرة لا تذكر دعوته إلى البرية وذبحته، كان الدوق محبوبا من الأشراف والأسر النبيلة فطالبوا بدمه، وإجابة لطلبهم زجني الإمبراطور في سجن فينا وحكم علي بالموت، ودنت الساعة الهائلة فخدعت حراسي وفررت إلى إيطاليا، وهناك عشت سنوات عديدة في الآثام، وبعد أن قضيت زمانا خائفا من العدالة عدت فأخفتها بدوري، حصنت هذا الكهف واستوطنته مع بعض اللصوص الذين ازداد عددهم مع الأيام، وأضمرت للأمراء بغضا لا تخمد ناره، فنهبت أراضيهم وحرقت قصورهم واختلست أموالهم وهدرت دماءهم. ومع ذلك لا تظن أنني كنت سعيدا مسرورا في كهفي هذا، حاولت أن أخنق صوت ضميري ولكن عبثا، فضميري وحده كان الآخذ بثأر جرائمي، إن لعنة السماء قد ثقلت علي، أنظر إلى هذا الجبين فيخيل إلي أن عليه وسمة بحديد محمى، آه ليتني أقدر أن أتوكل على الله، ولكنه لا يقبل صلاة اللصوص.
الكونت :
الرجاء يا فرنسيسكو الرجاء، فالندامة تقدسك.
رودولف :
هيهات أن تمحو الندامة عشرين عاما من الآثام، إنني أترك حرفة اللصوصية ولكنني في الوقت عينه أترك الحياة.
الكونت :
ماذا تقول يا فرنسيسكو؟!
رودولف :
إلى الآن لم يزل اسمي سرا من الأسرار، فالكونت لنسفلد قد تنكر تحت اسم اللص رودولف، فمن الآن فصاعدا لا يكون كذلك، إنهم يعرفون أنني أخوك، وإذا بقيت حيا لطخت اسمك واسم بنيك بالعار.
الكونت :
إن حياتك لله يا فرنسيسكو، إنها ليست لك حتى تتصرف بها كما تشاء وتضع لها حدا، يجب أن تفكر بإصلاح ماضيك، واترك هذه المغارة.
رودولف :
هل أقدر على ذلك ورأسي رهن جائزة؟!
الكونت :
إن الإمبراطور حليم، وأنا ألتمس لك العفو.
رودولف :
لا أقدر أن أتوسل إليه.
الكونت :
هو يقدم لك العفو بلا توسل وتضرع، قد فوضني أن أعفو باسمه عن اللصوص الذين يريدون أن يتوبوا، وبك سأبدأ يا فرنسيسكو، إن الإمبراطور ينسى الماضي وهو يصفح عن آثامك، أوتشك بعد هذا برحمة الله؟!
رودولف :
لا، لم أعد مرتابا بذلك، وإذا كانت كل هذه الجودة تغمرني فأنا مستعد لكل ما قلت، أسمع ضجة.
الكونت :
هما ولداي.
المشهد التاسع (المذكورون - فريدريك - ألفرد - بطرس)
ألفرد :
أبي، أبي.
الكونت :
ولداي (يضمهما بين ذراعيه) .
فريدريك :
وأمنا؟
الكونت :
إنها تتألم، ولكننا سنذهب لنعزيها.
فريدريك :
نحن أحرار إذن؟!
الكونت :
نعم يا ولدي، صافحا محرركما أخي عمكما فرنسيسكو دي لنسفلد الذي صليتما لأجله مرارا.
ألفرد (باضطراب وخوف ) :
عمنا فرنسيسكو؟!
رودولف :
نعم يا عزيزي هو رودولف الذي أخافكما، وربما يصير أهلا لمحبتكما.
لقد منحني والدكما صداقته، فهل ترفضان ذلك؟!
فريدريك :
لا، ولكنك تخرج من هذا الكهف وتتبعنا إلى بلاط فينا.
رودولف :
لا أستطيع ذلك، فوجودي يجدد بغض الأشراف.
الكونت :
إن المشاجرات القديمة قد نسيت يا فرنسيسكو، سيشملك الأشراف بمحبتهم، ولكن عليك أن تقابل الحب بالحب، وأنا أمهد لك الطريق.
رودولف :
قل، تكلم.
الكونت :
إن فرنسا لفي ثورة، وجمهور من الجنود واقفون على الحدود، والبيامون
1
سيتحول إلى ملعب تمثل عليه حرب دموية، ونحن في حاجة إلى قلعة في جبال الألب تحصن لتدافع عن الفورته موله، وبعد أن كنت أنت أكبر خطر على هذه الحدود تصير أعظم مدافع عنها.
رودولف :
أقبل هذه التقدمة العظيمة، ولصوصي يتبعونني.
الكونت :
أتقدر أن تعتمد عليهم؟
رودولف :
نعم؛ لأن العذاب قد أرهقهم ولا يبقيهم هنا إلا الخوف من العقاب، فليقدموا لهم العفو والمال وأنا أجيب عنهم وأكفل ذلك.
الكونت :
إنني أضع بين يديك ثروتي كلها.
فريدريك :
إننا قد نسينا أعظم محسن إلينا، هذا هو مربينا القديم بطرس سمارانديني.
بطرس (ينطرح على قدمي الكونت) :
نعم يا سيدي، أنا التعيس بطرس، أأقدر أنا أيضا أن أظفر بالعفو؟
الكونت :
أتطلب العفو مني بعد أن آويت ولدي يا بطرس؟! انهض وستتبعني إلى فينا.
بطرس :
لا يا سيدي، بل أبقى هنا بالقرب من زعيمي، وما بقي في من دم أسفكه في سبيل الدفاع عن وطني. (رودولف يصفر مرارا.)
المشهد العاشر (المذكورون - اللصوص جميعا يدخلون)
رودولف :
إن قصر الفورته موله هو لنا، أتتبعونني إليه؟
اللصوص (بصوت منخفض) :
خيانة! خيانة.
رودولف :
لقد عرفتموني وامتحنتموني وتعلمون أنني لا أخونكم، أتتبعونني؟ (سكوت.)
رودولف :
إنهم يعفون عنكم ويطلقون حريتكم ويعطونكم عشرين ألف فلورين ذهبا، وقصر الفورته موله، أتتبعون قائدكم؟!
اللصوص (يحركون قبعاتهم) :
نعم، نعم.
رودولف :
سيروا بنا.
جبيل سنة 1913
অজানা পৃষ্ঠা