50

من لم تكن بصيرة عقله نافذة فلا تعلق به من الدين إلا قشوره، بل خيالاته وأمثلته دون لبابه وحقيقته، فلا تدرك العلوم الشرعية إلا بالعلوم العقلية؛ فإن العقلية كالأدوية للصحة، والشرعية كالغذاء، والنفس المريضة المحرومة من الدواء تتضرر بالأغذية ولا تنتفع بها.

وذلك اعتراف صريح من الغزالي بأن العلوم الشرعية والأخروية لا تدرك إلا بعد التمكن من العلوم العقلية؛ لأنها الميزان والدواء، بل هو يربط معرفة الله بمعرفة علوم الكواكب والآثار العلوية، ومعرفة أقسام الموجودات وآيات الآفاق في كثير من بحوثه، فيكف يتهم الغزالي بعد ذلك بأنه من خصوم العلوم والفنون؟!

العلم أصيل في النفوس

يرى الغزالي أن النفس الإنسانية معدن للعلم والحكمة ومنبع لها، فالمعارف أصيلة فيها لا دخيلة عليها.

مثلها في ذلك كالنار في الحجر، والماء في الأرض، والنخل في النواة، ولذلك وجب السعي للتعلم؛ لتعود النفس إلى فطرتها، ولا بد من الصبر والتجمل في الصبر لإدراك تلك الغاية العليا.

والغزالي هنا متأثر بالصوفية؛ فالمتصوفة يقولون: إن العلوم كافة موجودة في القلب، وإنما أسدلت على القلوب أحجبة من الظلمة طمست تلك الأنوار، فلو رفعت الحجب بالرياضة والمجاهدة لامتلأت القلوب حكمة وعلما.

الغاية من العلم

يضفي الغزالي على الغاية من العلم ثوبا خلقيا؛ لأنه ينظر إلى الدنيا دائما نظرة مثالية، فالغاية من العلم عنده هي بلوغ النفس كمالها؛ لتسعد بكمالها مبتهجة بما لها من البهاء والجمال أبد الدهر.

وهذا التعريف يشتمل على أدق ما قيل في الغاية من العلم، والهدف الذي ينشده الإنسان من ورائه.

بلوغ النفس كمالها، تلك غاية العلم، وغاية هذا الكمال سعادة النفس بما لها من البهاء والجمال؛ بهاء العلم وجمال المعرفة.

অজানা পৃষ্ঠা