وما يراه الغزالي هنا هو خلاصة روح الإسلام وتشريعه، بل ما أحوج عصرنا اليوم إلى تدبره وتنفيذه، فلا يباح الطلاق إلا بجناية زوجية، ولا يباح الطلاق قبل التحكيم في النزاع والسعي في التفاهم والوفاق.
رسالة العلم وآداب المتعلمين
خطأ الجمهور والكتاب في فهم الغزالي
آراء الغزالي في العلم على لونين؛ لون صوفي ينادي بالعلم الأخروي والعزوف عن سواه، ولون آخر يقدس العلوم كافة ويدعو إليها ويأمر بها.
وقد التبس هذا الأمر على كل دارسي الغزالي والمتتبعين لآرائه، بل إن لسوء فهم آراء الغزالي في العلم أثرا بعيد المدى جدا في التفكير الإسلامي.
فالغزالي قد هيمن على عقول القرون التي تلته هيمنة كاملة، وقد فهم جمهرة أتباعه، ومن تثقف على آرائه أنه يخاصم العلم الدنيوي، بل لقد وقع في هذا الخطأ كثير من العلماء والسادة؛ فظنوا - وأكثر الظن إثم - أن الغزالي يحارب علوم العقل والتجربة، بل ويذمها ويحقرها، ولا يدعو إلا إلى علوم الآخرة.
وقد حسب كثير من الناس في قرون متتالية أنهم يتابعون الغزالي، وهو حجة الإسلام، إذا أعرضوا عن الدنيا إعراضا كاملا، نعيمها وطيباتها وعلومها أيضا.
وتسلسلت هذه الفكرة مع القرون، وتتابعت مع السنين، وجارى العلماء العامة في تفهم الغزالي، بل جارى العامة كثيرا من رجال الفكر والقلم؛ فظنوا بالغزالي ما ظنوا، ووقفوا من آرائه في العلم والتعليم موقفا مضحكا! حسبوا فيه أنهم يسخرون من الغزالي؛ لتعدد آرائه وسوء فهمه، وهم يسخرون من أنفسهم؛ لأنهم لم يتفهموا حقيقة آرائه.
وسر هذا الخطأ في الفهم أن الغزالي كان يكتب في أواخر حياته كتبه للصوفية وعلى طريقتهم، وما كتب للصوفية لا يصلح إلا لهم ولا يباح للناس جميعا، وليس هو الحق وحده، والغزالي يقول: «إن هذا الطريق ليس للناس جميعا، ولو تبعه الناس وعملوا به لخرب العالم وبطلت الحكمة منه.»
فالغزالي حينما عرف العلم «بأنه العلم الأخروي»، وحينما دعا إلى الاشتغال بالعلم الحقيقي كالعلم بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر، وإهمال علوم العقل والتجربة؛ إنما كان يخاطب الصوفية وحدهم، ويقرر مذهبهم القائم على الفناء في الله والإعراض عن الدنيا بالكلية؛ كان يصف صورة مثالية لقوم مثاليين في عبادتهم.
অজানা পৃষ্ঠা