ولا يتفق التمدن مع عادة النهم؛ لأن ذاك يطلب الاقتصار على كفاية الطبيعة طبق إنسانيتها، وهذه تطلب تحميلها فوق طاقتها فتكسيها الأخلاق البهيمية. ذاك يطلب الترتيب في المعيشة حذرا من وثوب الاحتياج، وهذه تقتضي كثرة الانهماك فتكون داعية إلى الحاجة.
ولا يتفق التمدن مع ملكة الفجور؛ لأن ذاك يستلزم الطهارة والعفة، وهذه تستجوب الدنس والشهوة. ذاك يلتمس الدعة والتعقل، وهذه تبغي الشراسة والحمق. ذاك يطلب الاستحياء والأدب، وهذه تقتضي الوقاحة والعهارة.
ولا يتفق التمدن مع خلق الكذب؛ لأن ذاك يطلب الاستقامة والحقيقة، وهذا يقتضي الاعوجاج والتزوير. ذاك يستلزم الأمانة والثقة، وهذا يستدعي الخيانة والنكث. ذاك يدعو إلى النصيحة والتحريض، وهذا يستميل إلى الخديعة والغش. ذاك يجعل الإنسان مكرما محبوبا، وهذا يصيره مهانا مبغوضا. ذاك ينهج بصاحبه طرق السعادة والغنى، وهذا يطرحه في وهاد النحس والفقر.
ولا يتفق التمدن مع عادة النميمة؛ لأن ذاك ينادي بقبح الكشف عن الأعمال السرية للبشر، وهذه تصرخ بإعلانها لدى الآفاق. ذاك يسدل ستارة الخفاء على كل النقائص والعيوب، وهذه مهتمة بخرق كل ستارة. ذاك يفتح صدر الإنسان لدخول الأسرار فيه، وهذه تغلقه وتجعل صاحبها مجتنبا من جميع الناس وممقوتا.
ولا يتفق التمدن مع خلق الغضب؛ لأن ذاك يطلب الهدو والتأني في الأمور، وهذا يطلب الضوضاء والعجلة. ذاك يطلب إرضاء الناس واستمالتهم، وهذا يستلزم إسخاطهم وتنفيرهم. ذاك يقتضي البشاشة والطلاقة، وهذا ينتج الوجوم
2
والقنوط. ذاك يجذب بركات الجماعة إلى وجه صاحبه، وهذا يسبب اللعنات.
ولا يتفق التمدن مع الجبن؛ لأن ذاك يطلب الثبات والصبر على الأهوال والمصايب، وهذا يطلب التقلقل لدى كل حادثة. ذاك يقتضي الإقدام على تشتيت المخاوف والمزعجات، وهذا يقتضي الفرار من كل شيء. ذاك يستوجب استصغار المستكبرات، وهذا يقتضي استكبار المستصغرات.
فجميع هذه العادات والأخلاق الشخصية وأشباهها مما لم يذكر لا يمكن اتفاقها مع قوانين التمدن؛ ولذلك يجب استئصالها من الناس وتربيتهم على أضدادها ولو دعا الأمر إلى صعوبة قصوى، وبهذا يقوم التحسين المطلوب هنا في الكلام الخاص.
ثانيا «العام»:
অজানা পৃষ্ঠা