وتلقى الأذى في ربه برحب من قلبه، وانشراح من صدره، على ما لقى في الله ﷿ وحده، حتى أنجز وعده، وأسبغ عليه فضله، وأظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون، وأنزل عليه كتابًا متشابهًا/ مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، جعله نورًا مبينًا وحبلًا متينًا، وكساه نظمًا بديعًا، ونسقًا عجيبًا، ناقدًا للعادة، غريبًا أذل به رقابًا ساسية، ونكس به أبصارًا طامحة، وضرب فيه أمثالًا واضحةً وأخرس به ألسنًا ناطقة، وأفحم به قومًا لدًا، وجعله للحكم مستودعًا ولكل علم منبعًا، وإلى يوم القيامة نجمًا طالعًا، ومنارًا لامعًا، وعلمًا ظاهرًا لا يخلقه الزمان، ولا يذهب برونقه التكرار، ولا يطفئ نوره الاستكثار لا الأسماع تمجه، ولا الطباع تمله، شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين.
والحمد لله الذي جعل صدورنا أوعية كتابه، وآذاننا موارد سنن نبيه ﷺ، وهممنا مصروفة إلى تعلمهما، وإرادتنا منوطة بتدبرهما والبحث عن معانيهما وغرائبهما، طالبين بذلك رضا رب العالمين ومتدرجين به إلى علم الملة والدين، وفقنا الله فيهما لسلوك سبيل الرشاد وهدانا إلى منهج القصد والسداد، ويسرنا لمصالح عاجلتنا وآجلتنا، ومعاشنا ومعادنا، بمنه وطوله، وقوته وحوله.
وبعد:
فإن اللغة العربية/ إنما يحتاج إليها لمعرفة غريبي القرآن وأحاديث الرسول ﷺ، والصحابة والتابعين. والكتب المؤلفة فيها جمة وافرة، وفي كل منها فائدة، وجمعها متعب وحفظها عن آخرها معجز، هذا! والأعمار قصيرة والعلوم كثيرة، والهمم ساقطة، والرغبات نائمة، والمستفيد مستعجل، والحفظ تحليل، والحرص قليل، فمتى اشتغل المرء بتحصيلها كلها بعدت عليه الشقة، وعظمت الكلفة، وفات الوقت، واستولى الضجر، فقبض عن النظر فيما هو أولى بالنظر.
1 / 34