الأندية والمحافل، وزهت به الكتائب والجحافل، وازدانت به الطروس والأقلام، وارتاحت له البنود والأعلام، فوجب على من شملته حاشيتا دولته، وضمته حسن إيالته؛ أن يبذل جهده في الخدمة بما تصل قدرته إليه، ويرجو به حسن الزلفى لديه.
ولما كان المملوك ممن يشرف بوطء البساط الكريم، ويميز بانتسابه إلى المقام العظيم تأكد الوجوب عليه في توالي ما يخدم به من خدمه، وتعين له ذلك لأن يلتحق بمن اشتهر بأوليته في الخدمة وقدمه، فنظر فيما يخدم به الجناب الأسمى - زاده الله سموًا وعلوًا - فوجد فن التشبيه بين الأشعار عالي القدر، نابه الذكر، لا يمكن كل الناس سلوك جادته، ولا يقدر إلا اليسير منهم على إجادته، حتى استهوله أكثر الشعراء واستصعبه، وأبى بعضهم أن يجهد بأن يروض مصعبه، وقالوا إذا قال الشاعر كأن فقد ظهر فضله أو جهله، ولم يجد أحدًا من المؤلفين ولا مصنفًا من المصنفين اشتغل بتمييز ذهبه عن مدره، ولا خاض في بحاره لاستخراج درره، ولا انتقى خلاصةً من خبثه ولا فصل جده من عبثه، فاختار هذا المجموع شهد الله من أكثر من خمس عشرة ألف ورقة، وجمع فيه جملًا من غرائب أبياته، ومعجزات آياته، ليكون أنسًا للمجلس الأسمى في هذا الوقت وأمثاله، وطليعةً لما بعده مما يرد عليه الأمر باقتفاء مثاله، واختصره غاية الاختصار، واقتصر على المحاسن أشد الاقتصار لمعرفته باشتغال المجلس الأسمى بتدبير الكتائب، وتجهيز العساكر والمقانب، وحسن القيام بإيالة الخلائق، وتعلقه من أمر الحروب بأشد العلائق. والمملوك يستعين بالله تعالى ويسأله أن يرزقه من المجلس موافقة الغرض ويقويه من الخدمة على أداء المفترض.
1 / 7