أما أنا فتوالت علي النكبات؛ فأول مصيبة أصبت بها أنني ولدت في بيروت، فصرت بحق مولدي - وليس بإرادتي - من رعايا الحكومة العثمانية، وهذه أنكى المصائب وأولاها.
والنكبة الثانية أن أهلي أرسلوني إلى المدارس حيث تلقيت شيئا من العلم، فأصبحت في علمي أستحق أن يشفق علي الجاهل، وصرت أتمثل بقول الشاعر:
من لي بعيش الأغبياء فإنه
لا عيش إلا عيش من لم يعلم
والنكبة الثالثة أنني تعلمت اللغة الإنكليزية بنوع خاص، فأصبحت لا أقوى على احتمال الخمول وأنا أقرأ جرائد أوروبا ومؤلفاتها وأغذي عقلي بمبادئ التقدم والحرية، وهكذا تولدت في الأميال إلى نصرة الحق والرغبة في مقاومة الظلم ولو كان في ذلك هدر دمي.
والنكبة الرابعة أنني بعد خروجي من المدرسة عهد إلي بتحرير جريدة «لسان الحال»، فلبثت في ذلك العمل مدة 8 سنوات. وأمسكت زمام الرأي العام كل تلك المدة، إلا أنني لم أقدر أن أستعمل حريتي في إدارته، فكنت كمن وضعت أمامه الحلوى وهو مغرم بأكلها ثم منعته عن أن يمسها بيده، وأدركت من مطالعة الصحف الأوروبية منزلة الحرية ومقام الإخباري، ولكنني لم أقدر أن أستعمل شيئا من ذلك، فكنت على حد قول الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء
والنكبة الخامسة أنني رحلت إلى أوروبا فزرت إيطاليا وفرنسا، وأقمت في إنكلترا نحو عامين أقرأ جرائدها وأجتمع على رجال الصحافة وأرباب السياسة فيها، وأحضر جلسات البرلمان ومجتمعات الأدباء وأسمع خطب الخطباء، فقويت في أميالي إلى الحرية وزدت تقديرا لمقام هذه الإلهة العصرية.
والنكبة السادسة والأخيرة أنني اضطررت - حفظا لمصالح سواي - أن أهجر بلاد الحرية وأعود إلى بيروت، فعدت إلى تحرير «لسان الحال» تحت ضغط المكتوبجي وظلم الحكومة بعد أن ذقت حلاوة الحرية.
অজানা পৃষ্ঠা