أترى أنه يمكن أن يخفى في الصدر الأول محل أمير المؤمين عليه السلام ببدر حتى يحتاج إلى السؤال عن مشهده بها، وهي إنما قامت بسيفه لولا اجتهاد الناس في كتمان فضائله، وإذا رووا شيئا منها فلا يروونه على وجهه وبتمامه، كما تدل عليه روايتهم لخطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغدير، أمن الجائز عقلا أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقم ما تحت الدوح ويجمع المسلمين وكانوا نحو مائة ألف، ويقوم في حر الظهيرة تحت وهج الشمس،على منبر يقام له من الأحداج ويصعد خطيبا، وهو بذلك الاهتمام،رافعا بعضد علي عليه السلام ثم لا يقول: (( ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه )). لا أرى عاقلا يرتضي ذلك ولا سيما إذا حمل المولى على الناصر أو نحوه، فلا بد أن تكون الواقعة كما رواها الشيعة، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب تلك الخطبة الطويلة البليغة الجليلة التي أبان فيها عن قرب موته وحضور أجله، وأشاد إلى خليفته وولى الأمر من بعده، وأنه مخلف في أمته الثقلين، آمرا بالتمسك بهما لئلا يضلوا، وببيعة علي عليه السلام والتسليم عليه بأمرة المؤمنين، لكن القوم بين من لم يرو أصل الواقعة إضاعة لذكرها، وبين من روى اليسير منها بعد الطلب من أمير المؤمنين عليه السلام، فكان لها بعده نوع ظهور، وإن اجتهد علماء الدنيا في درس أمرها، والتزهيد بأثرها، ولو رأيت كيف يسرع كثير من علماؤهم في رمي الشخص بالتشيع الذي يجعله هدفا للبلاء ومحلا للطعن، لعلمت كيف كان اهتمامهم في درس فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وكيف كان ذلك الشخص في الإنصاف والوثاقة بتلك الرواية التي رواها، حتى أنهم رموا النسائي بالتشيع كما ذكره في وفيات الأعيان، وما ذلك إلا لتأليفه كتاب (خصائص أمير المؤمنين عليه السلام) وقوله: لا أعرف لمعاوية فضيلة إلا لا أشبع الله بطنه، مع استفاضة هذا الحديث حتى رواه مسلم في صحيحه.
পৃষ্ঠা ৭