فإذا كان هذا حال الصحيحين وصاحبيهما، وهما بزعمهم أصح الكتب، فكيف حال غيرهما، وكيف تعتبر أخبارهم، وبأي شيء يحصل الأمن لمن يريد الاحتجاج بها؟! والتدليس طريقة شائعة مستمرة بين جميع طبقاتهم، على أنه كذب في نفسه غالبا، والكذب موجب لفسق صاحبه.
قال ابن الجوزي: من دلس كذابا فالإثم له لازم، لأنه آثر أن يؤخذ في الشريعة بقول باطل. كما نقله عنه في ميزان الاعتدال بترجمة محمد بن سعيد المصلوب، والأولى لابن الجوزي أن لا يخصص بالكذاب، لأن الإثم لازم أيضا لمن دلس ضعيفا من غير جهة الكذب، لأن الضعيف مطلقا لا يجوز الاحتجاج به، بل من دلس ثقة عنده كان آثما، لأن الثقة عنده ربما لا يكون ثقة في الواقع وعند السامع وغيره، فكيف يوقعه بالغرور ويدلس عليه ما ليس له الأخذ به؟! وسيمر عليك إن شاء الله تعالى ذكر بعض من عرف بالتدليس عندهم.
الأمر الرابع: أن أكثر رجال السند في أخبار الصحاح الستة مطعون فيهم عندهم بغير التدليس أيضا، من الكذب ونحوه، حتى قال يحيى بن سعيد القطان وهو أكبر علمائهم وأعلمهم بأحوال رجالهم: لو لم أرو إلا عمن أرضى ما رويت إلا عن خمسة. كما حكى عنه في الميزان بترجمة إسرائيل بن يونس، ولنذكر لك جماعة ممن طعنوا بهم من غير الصحابة، مرتبا أسماءهم على حروف المعجم.
واشترطت على نفسي أن أذكر من رواة الصحاح من طعن به عالمان أو أكثر، وأن يكون الطعن شديدا، كقولهم: كذاب، أو متهم بالكذب، أو متروك، أو هالك، أو لا يكتب حديثه، أو لا شيء، أو ضعيف جدا، أو مجمع على ضعفه، أو نحو ذلك، ولم أذكر من قيل فيه: إنه ضعيف، أو منكر الحديث، أو غير ضابط، أو كثير الخطأ، أو لا يحتج به، أو نحو ذلك، وأن أسقط روايته عن الحجية طلبا للاختصار، ولكفاية من جمع الشروط المذكورة في الدلالة على سقم الصحاح.
পৃষ্ঠা ১৯