الفصل الثامن
الفقر والنجاسة
النجاسة في الهند صفة المنبوذين ورثوها بحكم التقاليد. ولكن الفاقة العظيمة التي يعيش فيها هؤلاء المنبوذون تجعل نجاستهم حقيقية وليست دينية فقط. فإنهم يمنعون من امتلاك الأرض، ومن حفر الآبار للاستقاء، وعليهم يقع واجب نزح الكنف من المدن وحمل الزبالة. فإذا لم تلحقهم النجاسة من الدين فإنها تلحقهم من هذه الصناعات وأمثالها، ومن حرمانهم الذي يضطرهم إلى الاستقاء من البرك والمناقع.
ولو تحسنت الحال الاقتصادية في الهند واستطاع المنبوذون أن يعيشوا من إحدى الصناعات التي يكسبون منها أجورا عالية لكان في مقدورهم أن يستروا أجسامهم بملابس حسنة وأن يأكلوا الأطعمة المغذية ويسكنوا المنازل النظيفة. وفي مثل هذه الحال يكذب الواقع المأثور فلا تنسب إليهم النجاسة أو على الأقل يخف وقعها.
ولكن نكبة الهند هي الفقر، هذا الفقر الذي يجعل الأم تقتل وليدتها، ويجعل الجائع يخدر نفسه بالأفيون لكيلا يتضور من الجوع. وليس هذا الفقر شبيها في قطر آخر في العالم، وكثيرا ما تسوء الحال فيعم القحط جميع الريفيين ويموتون من المجاعة. وقد قال «جوكيل» الوطني الهندي: «يعيش في الهند نحو أربعين مليونا لا يحصل أحدهم على أكثر من وجبة واحدة في اليوم. ويقول السير تشارلس إليوت إن في الهند سبعين مليونا لا يتاح لأحدهم أن يشبع ولو مرة واحدة في العام.»
وقال المستر مونتاجو في إحدى خطبه سنة 1919: «هل منكم من يعرف أن وافدة الإنفلوانزا قد قتلت في العام الماضي نحو ستة ملايين شخص في الهند؟ أليس في هذا العدد العظيم ما يدل على علاقة هذه الوفيات بالفقر وضعف السكان عن المقاومة؟»
وكوخ الفلاح الهندي يدل على الفقر البالغ. فإنه يبنيه من الطين جدرانا أربعة ليس لها نوافذ أو باب ، وهو يبني خارج هذا الكوخ مصطبة يقعد عليها للاستراحة. وهو لا يعرف من الملابس غير وزرة يتسر بها عورته. وهو يكد في الزراعة بياض النهار وبعض الليل هو وزوجته وأولاده. وعليه أن يدفع للمالك نصف الناتج من الزراعة وعليه أن يؤدي ضريبة الملح للحكومة.
وإذا كانت هذه حال الفلاح فكيف تكون حال المنبوذ؟
وفي المدن الكبرى مثل بومباي يعيش العمال في فقر مرعب، فإن هناك مساكن متوسط ما تحتويه الغرفة فيها نحو ستة أو سبعة أنفس. وينصح مدير الإحصاء في الهند بأن يعلم الناس طرق ضبط التناسل، وليس شك في فائدة ضبط التناسل، ولكن جهل الطبقات الفقيرة وما يمكن أن يقيمه رجال الدين من العقبات في سبيل الدعاية يحولان دون ذلك.
وليس للحكومة ملاجئ تؤوي السائلين أو المحتاجين. ومع أن حكومة الهند تتعلل لإحجامها عن الإصلاح بجهل الأمة الهندية فإن الأمة نفسها قامت بإصلاحات عديدة في الدين والاجتماع والاقتصاد لم تقم بمثلها الحكومة. ففي المدن الكبرى أسس الأغنياء ما يسمى «دار مسألة» وهي مأوى للسائلين يأكلون فيه وينامون إذا ثبت عجزهم عن الكسب.
অজানা পৃষ্ঠা