مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنقذنا من شفا جرف الهلكات، بمتابعة أمثل الأديان. وأرشدنا إلى سبيل ارتقاء مدارج أعلى الغرفات، باقتفاء أفضل الإنس والجان. وأوضح محجتنا في ظلم الشبه والجهالة، بإضاءة مصابيح آيات القرآن. وأفصح حجتنا في مهاوي الشكوك الفاسدة والأوهام الكاسدة، ببيان أهل العصمة، وتبيان مهابط التنزيل والفرقان. صلى الله عليه وعليهم، وعلى الأصحاب المرضيين، صلاة تبلغنا إلى منتهى الرضوان. وتسكننا منازل القدس وبحابيح الجنان.
وبعد، فهذا يا إخواني ما سمح به قلم الاستعجال، على صحائف المقال، ووسم به مياسم الفكر والخيال، على وجوه وحوش الفرص في تقاليب الأحوال.
فإني منذ تعارفت مع الزمان، فقد أخذني على طرف الخصام لدودا، وصيرني في بوادي العطلة (1) والحيرة هائما كؤودا، وصار علي في هزيمة صفوف جيوش اجتهادي مجاهدا كدودا. وكلما صافيته بوجه الإقبال، أدبر عني بتخييب الآمال.
ومهما وافيته بعرض المطالب في معرض النوال، فجبهني بالرد وناقضني ببلبال
পৃষ্ঠা ৫৭
البال. ومتى عانقني بوجه الالتفات، فعضني بضرس النائبات. وحيثما ضيفني ببسط موائد العطيات، أطعمني بتشعبات الأمراض (1)، وسقاني بمشارب الحسرات، فرب فجيعة تدهش منها مشاعر الخواطر، ورب نزيلة ينهش قذى سمومها أناسي النواظر (2).
وكم من ضنك في العيش وضيق في المعيشة؟ وكم من بائقة لا ترضى بصحبتها العيشة؟
ومع ذلك فقد كنت أختلس من آنات غفلاته فرصا، مع ما كنت أتجرع من مشارب الإحن وكؤوس المحن غصصا (3).
وكنت شرعت في عنفوان الشباب في استنباط المسائل من مآخذها، وأخذت في تأليف كتاب يحتوي على مهمات مطالبها، وسميته كتاب مناهج الأحكام في مسائل الحلال والحرام، وقصدت فيه بيان الأدلة والأقوال، وذكر ما تبتني عليه الأحكام على التفصيل حسب ما اقتضاه الحال.
وعاقني عن ذلك بوائق الزمان وعوائق الدهر الخوان، فربما سولت لي الأيام بمخائل تبدل الحال بأرفه من الحال، وربما سوفتني النفس بتأميل حصول الفراغ والوقت الآمن من القلق والزلزال.
فاستصحبتني تلك الشيمة إلى الحين، وقد جاوزت الآن من الأربعين، ولم نكتب منه بالظن والتخمين، إلا مثل العشرة بالنسبة إلى الستين، على تفرق في الأبواب، حسب ما ساعدتني الأسباب، واتفق لي سهولة جمع المسائل في ذلك الباب.
ثم قد رأيت ولى الشباب، وألم المشيب، وولى وجه المحبوب، وتدلت شدائد قهر
পৃষ্ঠা ৫৮
الرقيب، وطار غراب الأمل عن الهامة، وعشش البوم، وذهب يمن الأيام بأدراج رياح الخيبة، وبقي منها الشؤم، وخفت عدم مساعدة العمر والأسباب لختم ذلك الكتاب، وسيما مع قصور همم أهل الزمان عن مراجعة مثله، وعدم إقبالهم إليه بسبب الإطناب، فأخذت في تأليف هذه العجالة كهيئة العجلان، واقتصرت فيه بأقل ما يقتضيه الوقت، ويساعدني الزمان.
ثم اعلم يا أخي: إني لم أقصد من شكواي إلا النصح لك في عدم الاغترار، وإياك وأن تسوف في طلب حصول الفراغ وتيسر القرار، فإن الراحة لم تخلق إلا في الجنة، والفراغ والاطمئنان لم يودعا في دار البلاء والمحنة، واغتنم نفسا بعد نفس، وإن كنت في غاية اضطراب ووجس، سيما في مثل هذا الزمان، الذي غلبت عليه أحزاب الشيطان، ورفعت فيه أعلام الجهل والطغيان، وولت عنه آيات (1) العلم والعرفان، واستمرت به تلك الشيمة والسجية حتى كاد أن تكون أيام الجاهلية.
هذا وإني كالآيس من إتمام ما أنا فيه إلا من روح الله، فكيف أقول برجاء إتمام الكتاب الكبير بعد ذلك إلا أن يشاء الله.
فشرعت فيه بحول الله وقوته، مستعينا في إتمامه بعونه ومنه، وسميته كتاب " غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام ".
جعلته على أقسام أربعة، في كل قسم منها كتب.
পৃষ্ঠা ৫৯
القسم الأول في العبادات
পৃষ্ঠা ৬১
وهي: ما تحتاج صحتها إلى النية. والمكلف بها هو البالغ العاقل. والمندوب ليس بتكليف كما حقق في محله.
عبادات الصبي المميز (1) شرعية على الأقوى، لأن الأمر بالأمر أمر عرفا، والقرينة نافية للوجوب، فيبقى الاستحباب. وللزوم الظلم عليه تعالى عن ذلك لو خلا عمله عن الثواب.
حجة القائل بكونها تمرينية: كونه غير مكلف، وخطاب الشرع إنما يتعلق بالمكلفين، وأنه لو كان الأمر بالأمر أمرا لكان قولك لآخر: " مر عبدك بالتجارة " عدوانا.
الجواب عن الأول: أن المندوب ليس بتكليف، وتحمل مشقة الندامة على ترك الفعل للحرمان عن ثوابه ليس مشقة على الفعل المكلف به، وهو المراد من ظاهر التكليف (2).
عن الثاني: منع انحصار الحكم الشرعي فيه كما حقق في محله (3).
عن الثالث: بأن القرينة قائمة على كونه للارشاد.
أما استحباب تمرين الولي فلا إشكال فيه. والأخبار في مبدئه مختلفة، محمولة على
পৃষ্ঠা ৬৩
مراتب التأكيد.
ثم لا إشكال في اشتراط البلوغ والعقل في التكليف، للاجماع، والأخبار (1)، والاعتبار. وإنما الإشكال في حد البلوغ، وله علامات:
الأولى: خروج المني معتادا مطلقا للذكر والأنثى، بالإجماع، والأخبار (2)، وقوله تعالى: * (حتى إذا بلغوا النكاح) * (3) و * (لم يبلغوا الحلم) * (4) ونحوهما مؤول بذلك، ولا يكفي الاستعداد.
والثانية: إنبات الشعر الخشن على العانة، للاجماع، والأخبار (5). والحكم معلق (6) عليه في الأخبار، فما ذهب إليه المشهور " من كونه علامة لسبق البلوغ، لأن الأحكام متعلقة بالاحتلام، فلو كان غيره أيضا بلوغا لم يختص الحكم بذلك " (7) فيه ما فيه. و كما أن السن مخصص لذلك فكذلك الإنبات. مع أنه منقوض بما لم تسبقه إحدى العلامات جزما.
وأما شعر الإبط والفخذ وغيرهما، فلم يعتبره الأصحاب. وفي شعر اللحية قول بالبلوغ (8)، ويشعر به بعض الأخبار (9)، ولا يخلو من قوة.
والثالثة: السن، والأقوى إكمال خمس عشرة سنة للذكر، وتسع للأنثى. للأصل،
পৃষ্ঠা ৬৪
والأخبار المعتبرة (1)، وظاهر دعوى الاجماع من كنز العرفان في الأول (2)، وصريحها في الثاني من ابن إدريس، حيث شنع على القائل " بكون كمال العشر بلوغا للأنثى " بمخالفة الاجماع على التسع (3).
وقيل بإكمال أربع عشرة في الذكر (4) لرواية غير واضحة (5)، وقيل بالدخول فيه (6) لأخبار معتبرة الأسناد (7)، معارضة بأقوى منها.
وأما الحيض والحمل فيثبت بهما البلوغ، للاجماع، والأخبار.
والمشهور والمعروف من الأصحاب كونهما مع ذلك علامة لسبق البلوغ.
فإن الحيض لا يكون إلا بإكمال التسع بالاجماع، فإمكان الحيض موجب للحكم بكونه حيضا كما سيأتي، والحكم بكونه حيضا دليل على سبق إكمال التسع، لأن الحيض لا يكون إلا بعد إكماله. لا أنه لا يجوز الحكم بالحيض إلا بعد العلم بإكماله حتى يلزم الدور، فالكلام فيما جهل السن وحكم بكون الدم حيضا مع إمكانه.
وأما الحمل فلأنه مسبوق بالانزال.
ويرد على الأول أنهما قد يتقارنان في الوجود.
وعلى الثاني - مضافا إلى ذلك - أن الإنزال الذي هو نفس البلوغ: هو الخروج من الفرج، لا النزول في الرحم، ولا الاستعداد كما مر، إلا أن يقال بعدم إمكان الحمل قبل
পৃষ্ঠা ৬৫
إكمال التسع، فهو أيضا مسبوق به، فحينئذ يرد عليه إمكان المقارنة في الوجود بالنسبة إلى بلوغ التسع.
ويمكن الاعتذار عن ذلك: بأن السبق أعم من السبق بالعلية كحركة اليد والمفتاح، فحينئذ يبقى النزاع بلا فائدة يعتد بها.
والفائدة التي ذكروها هي صحة العقد منها إذا وقع متصلا بالحيض وانعقاد النطفة، وقل ما يحصل العلم بذلك، ولعل نظرهم إلى ترجيح الظاهر على الأصل، وهو وجيه.
ثم إن الأخبار الكثيرة المختلفة في وجوب الصلاة بالستة والثمانية والتسعة للذكر، وبحصول خمسة أشبار، وحصول البلوغ بالعشر إذا كان بصيرا، محمولة في العبادات على التمرين ومراتبه. وقد يعمل على بعضها في غير العبادات، كالوصايا والحدود، كما يجئ في أبوابها، والظاهر أنها من باب الوضع، لا أن البلوغ والتكليف يختلف بحسب الموارد. وأما العبادات فالأقوال في ثبوت الأحكام فيها منحصرة فيما ذكرنا، فلنشرع في العبادات مقدما للأهم.
পৃষ্ঠা ৬৬
كتاب الطهارة هو يستدعي رسم مقدمة وفصول:
পৃষ্ঠা ৬৭
أما المقدمة فالطهارة في اللغة: النظافة والنزاهة، وفي الاصطلاح: اسم للوضوء والغسل والتيمم.
والأظهر أنها حقيقة فيما يبيح الصلاة منها، بل ما لا يجامع (1) الحدث الأكبر على إشكال، للتبادر، وصحة السلب عن غيرها.
بل الظاهر كونها حقيقة شرعية في ذلك أيضا، سيما في زمان الصادقين ومن بعدهما عليهم السلام، للاستقراء، ونفي اسم الطهارة عن وضوء الحائض في بعض الأخبار.
والأظهر كونها حقيقة في إزالة الخبث أيضا، فتكون مشتركة.
ثم على الأول: الأظهر كونها مشككة، لا مشتركة بين الثلاثة، ولا متواطئة، ولا حقيقة في المائية مجازا في الترابية.
وكل منها ينقسم إلى واجب وندب:
فالواجب من الوضوء ما كان لصلاة واجبة، أو طواف واجب، أو لمس كتابة القرآن إن وجب.
পৃষ্ঠা ৬৯
والغسل يجب لهذه، ولدخول المسجدين، والمكث في سائر المساجد إن وجبا، ولقراءة العزائم كذلك.
وأما التيمم، فيجب لما تجب فيه الطهارتان، وفي بعض مواضع أخر يأتي تفصيلها.
وقد تجب الثلاثة بنذر وشبهه.
পৃষ্ঠা ৭০
الفصل الأول في الوضوء فيه مقاصد:
পৃষ্ঠা ৭১
المقصد الأول في أحكامه وأقسامه وموجباته وفيه مباحث:
المبحث الأول: لا ريب في وجوب الوضوء للصلاة واشتراطها به. ومعنى وجوب الشئ للغير: تعلق طلب الشارع به حتما لأجل تحصيل صحة الغير أو جوازه. والطلب قد يكون بالصريح (1)، وقد يكون بالإشارة، مثل مقدمة الواجب على ما حققناه في الأصول.
والظاهر توجه الذم إلى ترك ذلك لأجل تركه أيضا إن تعلق به الخطاب صريحا، كما صرح به جماعة من المحققين (2)، وادعى عليه الاجماع بعضهم، وهو صريح أكثر القائلين بوجوب المقدمة أيضا مطلقا.
ومعنى الاشتراط: هو توقف صحة الغير عليه أو جوازه. وقد يطلق عليه الوجوب مجازا، كما في الوضوء للنافلة (3).
পৃষ্ঠা ৭৩
وأما ما يقال: من أن الوجوب للغير معناه أن تاركه يعاقب لاستلزامه ترك ذلك الغير، فلا يفهم منه معنى إلا الشرطية (1)، فإن ترك الشرط يستلزم بطلان المشروط، فلم يبق لفرقهم بينهما وجه، وكلماتهم كما ترى تنادي بالتفرقة.
ومما يؤيد ذلك: ما سنذكر في استحباب الوضوء للتأهب (2) للفريضة فلاحظ، ووجوب قصد القربة في النية وعدم اشتراطها به عند السيد رحمه الله، فإن الظاهر أنه لا ينكر الوجوب في النية (3).
فأما الدليل على وجوب الوضوء للصلاة فهو الاجماع، بل الضرورة، والأخبار الكثيرة المعتبرة.
وكذلك اشتراطها به إجماعي، مدلول عليه بالأخبار، مثل قوله عليه السلام في الصحيح " لا صلاة إلا بطهور " (4) فإن أقرب مجازاته نفي الصحة، وفي معناه أخبار كثيرة. وبعد ثبوت الاشتراط يثبت دليل آخر على الوجوب، بناءا على وجوب المقدمة أيضا.
وأما الطواف، فوجوبه له أيضا إجماعي، كما نقله جماعة (5). وتدل عليه الأخبار، منها صحيحة محمد بن مسلم: عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهور، فقال: " يتوضأ ويعيد طوافه، وإن كان تطوعا توضأ وصلى ركعتين (6)
পৃষ্ঠা ৭৪
وهي (1) تدل على اشتراطه به أيضا، كما تدل على عدم اشتراط النافلة به.
وأما مس كتابة القرآن، فوجوبه من جهة حرمة المس على المحدث بالحدث الأصغر، فلا يتم الواجب إلا بالوضوء.
وأما حرمة المس، فهو قول الأكثر، وادعى الشيخ الاجماع (2)، وتدل عليه الآية (3) والأخبار، مثل موثقة أبي بصير (4)، ومرسلة حريز (5)، وغيرهما.
وأما صحيحة علي بن جعفر القائلة بحرمة كتابة القرآن من دون وضوء (6)، فالظاهر أنه لعدم انفكاك الكتابة عن المس غالبا، وإلا فلا قائل به.
قيل بالعدم (7)، للأصل، وعدم معهودية منع الصبيان عن ذلك من السلف.
والأصل لا يعارض الدليل. والثاني ممنوع، مع أنه لا يستلزم المدعى، فإن عدم القول بالفصل ممنوع، وكذلك وجوب المنع على الولي.
وأما القدح في دلالة الآية باحتمال إرادة اللوح المحفوظ عن مس غير الملائكة المطهرين، فهو خروج عن الظاهر لوجوه كثيرة، مع أنه يظهر من الطبرسي الاجماع
পৃষ্ঠা ৭৫
على رجع الضمير إلى القرآن (1).
المبحث الثاني: لا وجوب للوضوء بنفسه، إلا من جهة نذر وشبهه كما سيأتي.
وقيل بوجوب الطهارات أجمع بنفسها عند حصول أسبابها، وجوبا موسعا لا يتضيق إلا بظن الموت (2). والحق هو الأول، فلا يتعلق غرض بوجوبه إلا تصحيح مشروطاته.
وهذا المعنى لا يقتضي توقف الوجوب للغير على دخول وقت المشروط كما ظن، بل مع ظن إدراكه الوقت صحيحا سالما يجب عليه الإتيان بمقدماته وجوبا موسعا ولو قبل الوقت، إلا أن يقيد بدليل كما في خصوص الوضوء والغسل للصلاة. ولذلك يجوز الاغتسال في أول الليل من شهر رمضان بنية الوجوب لصوم الغد مع ظن السلامة وإدراك الصوم كما سيجئ، خلافا للمشهور.
فتظهر الثمرة بين القولين حينئذ فيما لو حصل ظن الموت قبل الوقت، فلا يجب على المختار، بخلاف القول الآخر.
وأما تضيق وقته بتضيق المشروط، فإنما هو من جهة الوجوب الغيري الذي هو محل الوفاق، فلا اختصاص له بأحد القولين.
وأما الثمرة في خصوص الوضوء والغسل فتحصل في عدم جواز نية الوجوب قبل الوقت على المختار، لخصوص الدليل على عدم الوجوب قبل الوقت، بخلاف القول الآخر.
لنا على ما اخترناه: الأصل، والإجماع نقله جماعة، منهم العلامة والمحقق
পৃষ্ঠা ৭৬
الثاني والشهيد الثاني (1). والآية منطوقا (2)، لتبادر غرضية (3) الشرط للجزاء في مثل هذه المادة المتكيفة بالهيئة التعليقية الشرطية. ومفهوما، لحجيته على المختار المحقق.
وصحيحة زرارة: " إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة " (4).
وتوهم إرادة الجميع - فلا يحصل من المفهوم إلا عدم البعض وهو الصلاة بعيد عن السياق، وعن المعنى المحقق للواو، وهو مطلق الجمع، لا الترتيب ولا المعية.
وفي الأخبار الواردة في علل الوضوء وغيرها أيضا إشارات لطيفة إلى ما ذكرنا. ويؤيده كونه مما تعم به البلوى، ويحتاج إليه الناس، ولا بد أن يكون الأمر في مثله أوضح من أن يحتاج إلى البيان، ومع ذلك صار مهجورا مثل هذا الهجر، ولم يلتزم المؤمنون فعلها عند حدوث الأحداث سيما الصلحاء، ولم يعهد ذلك في حق الظانين بالموت قبل الوجوب.
وأما ما تعلق به الخصم من الإطلاقات والظواهر الكثيرة الدالة على وجوبه بحصول الأحداث (5)، ففيه أولا: أن القرينة قائمة على كونها محمولة على ما بعد دخول الوقت ووجوب المشروط بقرينة فهم الفقهاء وترك ظاهرها بحيث آل الأمر إلى ما ترى، وظهورها في بيان الناقض لا الموجب، خصوصا مع تأدي نظائرها من الواجبات الغيرية بمثلها، كغسل الثياب والأواني.
وثانيا: إنها مقيدة بما ذكرنا، أو يحمل إطلاقها على الاستحباب.
الثالث: إنما يجب الوضوء لما يجب له على غير المتطهر، وإن كان ظاهر الآية
পৃষ্ঠা ৭৭
والأخبار الإطلاق أو (1) العموم، للإجماع، وعدم ثبوت تقييد إطلاقات الصلاة باشتراط الوضوء إلا في غير المتطهر. مع أن السيد ادعى إجماع المفسرين على أن المراد من الآية القيام من النوم (2)، وورد به الموثق (3).
فعلى هذا فيجوز للمتطهر الدخول في الصلاة، نفلا كانت الطهارة أو فرضا، لنافلة كانت أو لفريضة، للاجماع، نقله ابن إدريس (4)، ونفى عنه الخلاف في التذكرة (5)، وتظهر دعواه من آخرين أيضا (6).
ويدل عليه: أن الحدث حالة وجودية - كالطهارة - يوجب ارتفاعها حصول الطهارة، أما الأول فللأخبار المستفيضة المعتبرة الواردة في علل الوضوء، ففي الصحيح " أنه لتزكية الفؤاد " (7) ونحو ذلك. وتشير إليه الأخبار الواردة في علة نجاسة البول والغائط، وأنها من أثر الشيطان حيث دخل في جوف آدم عليه السلام وخرج من دبره (8). والأخبار المستفيضة الدالة على أن من بسمل (9) في أول وضوئه طهر جميع جسده، ومن لم يسم تطهر مواضع وضوئه (10)، فهذه كلها تدل على أن خروج
পৃষ্ঠা ৭৮
الأحداث يوجب حالة رذيلة في البدن، مسببة عن (1) غضاضة نفسانية تحصل للنفس توجب عدم جواز الدخول في العبادة، أو عدم حصول كمالها إلا بإزالتها، ولا نعني بالحدث إلا تلك الحالة (2).
وأما الطهارة التي هي ضدها فهي إنما تحصل بسبب الوضوء وغيره، فإذا (3) ارتفعت تلك الحالة فلا يبقى المنع. فالمستفاد من الأخبار أن الوضوء يرفع الحدث، ولا مانع للدخول في الصلاة بالفرض إلا الحدث.
واحتمال كون الحدث ذا مراتب يرتفع بعضها ببعض الوضوءات دون بعض، أو حصول أحداث متعددة بالنسبة إلى المشروطات يحتاج رفع كل منها إلى وضوء، مما لا تتطرق إليه أفهام أهل اللسان، بل ولا أفكار الفقهاء، ولا تنصرف إليه إطلاقات الأخبار. والمستفاد منها رفع الحدث بالطهارات، لا رفع مرتبة من مراتبه، أو شأن من شؤونه وشعبة من شعبه، والمتبادر أنهما حالتان بسيطتان لا تركب فيهما أصلا.
ويدل عليه أيضا: إطلاق صحيحة زرارة: " لا صلاة إلا بطهور " (4) وفي معناها أخبار كثيرة، وموثقة ابن بكير: " إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوءا حتى تستيقن أنك أحدثت " (5) والأخبار المعتبرة الحاصرة للنواقض، والإطلاقات الواردة بالمشروطات. هذا كله إذا كان الوضوء رافعا للحدث.
وأما في مثل الوضوء التجديدي، والوضوء للنوم، والوضوء للمذي ونحو ذلك، فإن قلنا بأن الوضوء للنوم إنما هو لرفع الحدث وحصول الطهر لينام
পৃষ্ঠা ৭৯
على هذه الحالة - كما هو الأظهر - فيجئ الحكم بالجواز حينئذ.
وأما الوضوء التجديدي إذا ظهر كونه محدثا قبله، فيشكل الأمر فيه، من جهة عدم قصد الرفع والاستباحة فيه، ومن جهة إطلاق الطهر عليه في الأخبار، مثل قولهم عليهم السلام: " الطهر على الطهر عشر حسنات " (1) ونحوه. والظاهر كونه مجازا للمجاورة أو للشباهة، وكذلك الوضوء للمذي.
وأما في لزوم قصد الإباحة والرفع، أو أحدهما، أو الاكتفاء بقصد ما لا يجتمع مع الحدث صحة أو كمالا من الغايات فيدل عليهما بالالتزام ، أقوال واحتمالات، الأظهر: الاكتفاء فيما نحن فيه بما يكون المقصود رفع الحدث صريحا أو التزاما، وكذلك قصد الاستباحة فيما لا يباح إلا برفع الحدث. وأما مع قصد رفع الحدث صريحا فلا إشكال، وسيجئ الكلام في اشتراط المذكورات في أصل النية وعدمه.
الرابع: لا يجب الوضوء إذا شك في حصول الناقض للطهارة السابقة، بالاجماع والأخبار المعتبرة الدالة بعمومها على عدم جواز نقض اليقين إلا بيقين، وبخصوصها في الوضوء (2). كما يجب فيما لو شك في حصول الطهارة عقيب الحدث بالإجماع، والأخبار العامة المتقدمة.
وكذلك يجب فيما لو تيقنهما وشك في المتأخر، سواء علم حاله قبلهما أم لا، فإن الحالة السابقة قد انقطعت بهما جزما، إن حدثا فبالطهارة، وإن طهارة فبالحدث.
ثم لا يمكن استصحاب الطهارة اللاحقة لاحتمال تقدمه على الحدث، ولا الحدث لاحتمال تأخر الطهارة عنه، فيتساقطان. وعموم الأدلة يقتضي
পৃষ্ঠা ৮০