اجتمع العلماء والتجار وأعيان المدينة بمنزل السيد محمد البواب، لينظروا في هذا الحادث الجلل، بعد أن صرح مينو بسياسته ، فقال الحاج أحمد شهاب: يظهر أن الله أراد الخير لهذا البلد المسكين، فأرسل هؤلاء الفرنسيين لإنقاذه،
فقال الشيخ الخضري: أفتى بعض العلماء تيمور لنك بأن الحاكم الكافر إذا كان عادلا، خير من الحاكم المسلم إذا كان ظالما، وهنا زفر الشيخ صديق: صدق الله العظيم:
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون .
فاتجه إليه الشيخ الخضري وقال: يا مولانا لقد سمعناه اليوم يقول: إنه سيترك الحكم لأهل البلد، وإنه يحب الإسلام، وإنه سيؤدي الصلوات، فتنحنح الحاج عبد الله البربير وقال:
قد بلينا بأمير
ظلم الناس وسبح
فهو كالجزار فينا
يذكر الله ويذبح
وهل يصلي بهذا السروال المقمط، وهذه القبعة التي تشبه زنبيل الأرز!!
فوقف محمود العسال وقال: إني لشديد العجب من أن أرى قوما يرحبون بغاز لبلادهم، مغير على وطنهم كيفما كان جنسه أو دينه أو خلقه، إن الرجل منكم إذا غالطه جاره في حد من حدود أرضه، أو فتح نافذة على أرض خربة يملكها، أقام الدنيا وأقعدها، وراح يثير عليه الحكام ويصب عليه صنوف الانتقام، ولكني أراكم وقد ضاع الوطن العزيز واستبيح حماه، وديس عرينه وتمكن من رقبته عدو جبار، تسرون وتفرحون ويهنئ بعضكم بعضا بهذا الفتح المبين والنصر المؤزر، إننا نبغض المماليك ونضج من ظلمهم وطغيانهم، فهل معنى هذا أن نترك الدفاع عن البلد لنستريح منهم بدخول عدو جديد؟ عار أيها الناس وأي عار أن يقال: إن رشيد لم تدفع عن حوزتها دفاع الأسود، وإنها قابلت فاتحيها بالطبل والزمور! عار وأي عار أن يقال: إن شرذمة قليلة من الفرنسيين لا تزيد على الألفين، فتحت مدينة حصينة آهلة بسكانها، وإن هذه المدينة التي سيسخر منها التاريخ قابلت أعداءها بنثر الأزهار والرياحين، كما يقابل الغزاة الفاتحون، نحن نبغض المماليك حقا، فهل كانت تقصر همتنا - ونحن نستطيع أن نجمع عشرين ألفا من أشداء الرجال - عن القضاء على المماليك والفرنسيين معا، وأن نقتنص هذه الفرصة الطائرة لنغسل عار رشيد بدمائهم جميعا؟ كان علينا ألا نقبع في دورنا حتى يصلوا إلينا، فقد قال ابن أبي طالب: ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، بل كان يجب أن نقابلهم في الرمال المحرقة فنبيد جموعهم في الصحراء بين رشيد والإسكندرية، ولكن لن يصلح قوم لا قائد لهم! والأمم إباء وكبرياء، فإذا مات الإباء وذلت الكبرياء بادت الأمم، قال هذا وخرج مسرعا وقد عصف به الحزن والغضب، وترك القوم واجمين ذاهلين، وإذا صوت الشيخ علي سريط يملأ جوانب الفضاء وهو يصيح: إذا ذهب الذئب وجاء الأسد، فيا ضيعة المال والولد!!
অজানা পৃষ্ঠা