قالت: سأرى ما يكون، وأكبت على يده لتقبلها فضمها إلى صدره والدموع تتناثر من عينيه، ثم قال: حيي عني عبد الرحمن، ولا أكلفك إنفاذ خبرك إلي؛ فإني سأستطلع كل شيء بنفسي وأقف على مخبآت الأحوال في حينها، ولكنني أوصيك بأن ترفقي بنفسك ما استطعت.
قالت: لا تخف يا عماه، وأنت تعلم أني بنت حجر بن عدي، وهذا يكفي.
قالت ذلك وقد استرجعت قواها وأمسكت عواطفها.
وفيما هما في ذلك سمعا ضجيجا في باحة الدير فقال عامر: إن الوفد قد وصل، وسأخرج خلسة حتى لا ينتبه إلي أحد، فاعتذري عني كما أوصيتك، أستودعك الله. ثم تزمل بعباءته وخرج مستخفيا وانسل مسرعا فما لبث أن اختلط بالجمع، ولم ينتبه له أحد حتى خرج من الدير وقلبه يقطر دما.
وكان الوفد قد وصل إلى الدير وفي مقدمته عبيد الله بن زياد، وقد أعدوا هودجا مجللا بالأطلس، وتقدم ابن زياد توا إلى الرئيس وطلب مقابلة عامر، فنزل الرئيس بنفسه إلى غرفة سلمى فاستقبلته بجأش ثابت، واعتذرت لغياب عامر وذكرت أنه سيوافيهم إلى دمشق، فعاد الرئيس بالخبر، فلم يعبأ ابن زياد بذلك ولكنه طلب أن يقابل سلمى، فأخذه الرئيس إليها فقابلته والنقاب على رأسها وأخبرته بغياب أبيها.
فقال: هل أنت مستعدة للذهاب إلى الخليفة؟
قالت: نعم.
الفصل الثامن
سلمى في قصر يزيد
خرجوا بسلمى وأركبوها الهودج، وسار الفرسان حولها بالرماح والحراب في موكب حافل حتى وصلوا إلى باب المدينة، وكانت هي تنظر إلى المدينة من خلال الستور فلما أطلت على بابها انبهرت بما رأته من الزحام وبما هناك من الأبنية الرومانية الهائلة، ولا سيما باب المدينة الكبير وأقواسه الضخمة، فدخل الموكب من القوس الوسطى في طريق طويل تحف به الأعمدة الرخامية من الجانبين، وقرقعة حوافر الخيل على البلاط تحدث ضوضاء شديدة ألهتها قليلا عن هواجسها، ثم وقف الموكب أمام باب كبير جانباه من الرخام المنقوش، وعلى عتبته العليا رسم النسر الروماني، والباب من الخشب الأبنوس، مصفح بالنحاس بعض التصفيح وعليه نقوش جميلة، وكانت تسمع عن أمثال هذا الرسم من عمها وتعرف أن النسر شارة الروم، فاستغربت إقامة الخليفة في بيت من بيوت الروم.
অজানা পৃষ্ঠা