وحين مالت الشمس إلى المغيب علقت آمال سلمى بسهم عبد الرحمن، وخيل إليها من فرط قلقها أنها لا تكاد تصل إلى السطح حتى ترى السهم ساقطا أمامها، فحثت عامرا على الصعود معها، فأطاعها وقلبه لا يدله على خير، فوقفا على السطح ينظران إلى الأفق وقد تملكتهما الهواجس، وسلمى كلما لاح لها طائر ظنته سهما من حبيبها حتى تعبت عيناها من طول التحديق، وعامر يراقب حركاتها ساكتا، حتى آذنت الشمس بالزوال ولم يأت السهم ولا سمع له همس.
وكان رئيس الدير مشغولا في ذلك اليوم بصلوات خاصة لم يفرغ منها إلا نحو الغروب، فخرج من عليته وتمشى على السطح، فرأى عامرا وسلمى جالسين ينظران إلى الغوطة، وقرأ آيات القلق على وجهيهما فلم يشأ أن يزعجهما بالسؤال، بل ظل بعيدا وفي نفسه أنهما إذا أحبا مجالسته دعواه إليهما.
فغابت الشمس وهما على السطح ولم يحدث شيء، فاشتد قلقهما وعامر يحاول عبثا طمأنة سلمى بحديث أو رأي، وشاع بصرها بعد الغروب نحو الغوطة في الطريق الذي سار فيه عبد الرحمن لعلها ترى قادما تستأنس به فلم تر شيئا، وأخيرا نهض عامر وهو يقول: إن موعدنا غدا حتى الغروب، ومن العبث بقاؤنا هنا الليلة على السطح فضلا عن أنه يوجب الشبهة. قال ذلك ومشى فمشت في أثره، وعيناها لا تكادان تستقران.
باتا تلك الليلة وهما يفكران في عبد الرحمن، وقد عزمت سلمى، بينها وبين نفسها، على أنها إذا غربت شمس الغد ولم يأتها خبر من عبد الرحمن تسارع إلى التنكر في زي الرجال، ثم تذهب للبحث عنه، ولم يكن عامر أقل قلقا منها أو رغبة في البحث عن عبد الرحمن، ولكنه كان يخشى إذا تركها في الدير وحدها أن يكون عليها بأس، وأخيرا اعتزم إذا لم يعد عبد الرحمن أن يذهب هو وسلمى معا للبحث عنه.
وأما رئيس الدير، فقد لاحظ بقاء عامر وسلمى على السطح، كما لاحظ أن عبد الرحمن ليس معهما، ولكنه حسبه في بعض جوانب الدير، ولم يداخله ريب في أمره.
ونهضت سلمى والفجر لم يبد بعد فأيقظت عامرا وحرضته على الصعود إلى السطح عسى أن يكون سهم عبد الرحمن قد وقع في أثناء الليل، فصعد ولم ير شيئا فرجع، فحثته بعد هنيهة على الصعود وهو لا يحتاج إلى من يحثه، وما صدق أن أشرقت الشمس حتى دعاها إلى الصعود معه، وفيما هما صاعدان على السلم شاهدا طائرا يحلق في الجو ولا يحرك جناحيه، فتطيرا به، وكان من عادة العرب، إذا رأوا طيرا يحلق على تلك الصورة تشاءموا منه! وأدرك عامر تشاؤم سلمى فابتدرها قائلا: أراك تطيرت بمنظر هذا الطائر، وقد نهى النبي
صلى الله عليه وسلم
عن ذلك بقوله: «من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.» وكذلك قال
صلى الله عليه وسلم : «إذا تطيرت فلا ترجع.» فانزعي من بالك هذا الوهم وكلي أمرك إلى الله، فسكتت وخاطرها لم يطمئن ولكنها سايرته وصعدت معه.
ولما طال انتظارهما واشتد بهما القلق، تذكرا الشيخ الناسك ولم يكونا قد رأياه منذ فر من بين أيديهما بالأمس ولا رأيا كلبه في الدير.
অজানা পৃষ্ঠা