General Trends of Ijtihad and the Status of Correct Ahad Hadith in Them
الاتجاهات العامة للاجتهاد ومكانة الحديث الآحادي الصحيح فيها
প্রকাশক
دار المكتبي للطباعة والنشر والتوزيع
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
প্রকাশনার স্থান
دمشق
জনগুলি
الاتجاهات العامة للاجتهاد ومكانة الحديث الآحادي الصحيح فيها
بقلم الأستاذ الدكتور نور الدين عتر
رئيس قسم علوم القرآن والسنة
كلية الشريعة - جامعة دمشق.
- عدد الأجزاء: ١.
- عدد الصفحات: ٨٦.
أعده للمكتبة الشاملة / توفيق بن محمد القريشي، - غفر الله له ولوالديه -.
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي].
1 / 1
الاتجاهات العامة للاجتهاد ومكانة الحديث الآحادي الصحيح فيها
بقلم الأستاذ الدكتور نور الدين عتر
رئيس قسم علوم القرآن والسنة
كلية الشريعة - جامعة دمشق.
دار المكتبي - دمشق
1 / 2
الطبعة الأولى: ١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
دار المكتبي: سورية - دمشق - حلبوني - جادة ابن سينا.
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
[المُقَدِّمَةُ]:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم علي نبينا وهادينا سيدنا محمد خاتم النبيين، وأمام الأنبياء والمرسلين وعلي آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان إلي يوم الدين.
أما بعد:
فإن من أعظم ما تميزت به بعثة نبينا ﷺ ذلك التشريع الكافل لتنظيم جوانب الحياة كلها، والذي نهض فيه أئمة العلم والدين ونصبوا أنفسهم لتأصيل أصوله وتفريع فروعه، كيف لا، والناحية العملية هي أعظم ركن بعد أركان الإيمان، بل هي ترجمان الإيمان الذي تصوغه في صورة سلوك فردي، وترابط اجتماعي، وحضارة متميزة بالفضل والكمال على كل حضارة. وقد كان الفقه الإسلامي هو القانون الذي عمل به المسلمون من فجر تاريخهم المجيد، وفي إبان ازدهار حضارتهم التي قدمت للعالم نموذجًا فريدًا. لا تزال الإنسانية تحلم بمثله وتتمني لو تعيش في ظل سعادته.
هذه الخصائص تجعل دراسة الاتجاهات العامة لأصول الاجتهاد في الإسلام مسألة علمية على غاية من الأهمية، وأنها لدراسة واسعة مترامية الأطراف لا يتسع المقام ههنا لاستيفائها، لذلك فإنا سنقدم دراسة وجيزة للخطوط العريضة لأصول الاجتهاد الإسلامي، نلمس
1 / 5
فيها بعض جوانب تميز بها بعض المذاهب على البعض الآخر في أصول اجتهاده.
وسوف نُعْنَى عناية خاصة بمسألة خبر الواحد الصحيح في هذا المبحث، لما دار حول حُجِّيَّتِهِ في العصر الأخير من تَقَوُّلٍ، بين مُقَصِّرٍ فيه يعطل جملة كبيرة جِدًّا من السنن بذريعة كونها خبر واحد، وَغَالٍ متشدد يحكم بالضلال بل يكاد أن يحكم بالكفر على من ترك خبرًا آحاديًا، مِمَّا يوقع الفتن بين المسلمين، عِيَاذًا بالله تعالى.
وقد عولنا في بحثنا هذا على المصادر الأمهات في أصول الفقه وأصول الحديث، ولما أن عبارتها قد تصعب في كثير من الأحيان على الفهم، بل قد تستغلق إلاَّ على ذوي الاختصاص المتمكن والمتعمق في هذا العلم، لذلك جهدنا في استخراج المعلومات منها أن نصيغ العبارات بأسلوبنا الخاص، لتسهيل سبيل البحث، وتقريبه إلى الإفهام.
وبالله ﵎ التوفيق، وهو المستعان وعليه التُّكْلاَنُ.
نورالدين عتر
خادم القرآن وعلومه
والحديث وعلومه
1 / 6
المَبْحَثُ الأَوَّلُ: فِي المَصَادِرِ الأًصْلِيَّةِ للاِجْتِهَادِ:
لا يختلف الاجتهاد في أي مذهب فقهي عن أمثاله من المذاهب الإسلامية المعتمدة والمعمول بها في الارتكاز الأساسي على المصادر الأصلية التي يعتمد عليها أئمة الإسلام وهي المصادر الأربعة المعروفة: الكتاب وَالسُنَّةِ، والإجماع، والقياس.
وهذا الاتفاق بين المسلمين على هذه الأصول ميزة امتاز بها الدين الإسلامي والفقه الإسلامي، حقق بها الإسلام توفير عوامل الوحدة بين المسلمين، بالتفاهم حول الأصول الاعتقادية المُسَلَّمِ بِهَا والمعلومة من الدين بالضرورة، وأخذهم بالأحكام القطعية الثابتة التي لا مجال للبحث فيها، فالمسلمون كلهم يؤمنون بالله وحده توحيدًا صافيًا نَقِيًّا، لا تشوبه شائبة من شوائب الشرك، ولا نزغة من نزغات الإلحاد. ويشهدون أن مُحَمَّدًا رسول الله بعثه الله بِالهُدَى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ويؤمنون باليوم الآخر والجنة والنار، وبملائكة الله تعالى ورسله وكتبه والقدر. كما أن المسلمين كلهم يُقِرُّونَ بأركان الإسلام، الصلاة التي يتوجهون فيها إلى قبلة واحدة والزكاة والصوم والحج.
كما حقق الإسلام بإزاء ذلك المرونة والشمول اللذين يتسع بهما لكل متطلبات الحياة وتقدم الحضارة، ومواجهة كل جديد أو طارئ
1 / 7
بأمثل الحلول وأفضلها لمسايرة تقدم الحضارة، بل لدفع عجلة التقدم الحضاري، بما ذكرنا من الخصائص، بالاجتهاد الذي قدم ذخائر تشريعية ضخمة تعالج كل حادث، بل تضع العدد من الحلول للمشكلة الواحدة، من نتاج ما قدمته لنا المذاهب من آراء وعلاجات. فجمع الفقه الإسلامي بهذا بين التعدد والتوحد، والتعدد هنا تعدد تنوع ليس تعدد تضارب، كما جمع بذلك أيضًا بين التطور والثبات.
وقد كان هذا الاتفاق على الأصول الأربعة نَابِعًا من الإيمان بالأصل الأول وهو القرآن والائتمار بأوامره والسير على ضوء توجيهه.
فقد بين الله تعالى في صريح كتابه أن منزلة السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ من القرآن هي منزلة البيان من المُبَيَّنِ، والتفسير من المُفَسَّرِ.
قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤].
وقال ﷿: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٦٤].
وجعل الله طاعته مرهونة بطاعة رسوله، بل أعلن للعالم أن طاعة رسوله طاعته.
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا﴾ [المائدة: ٩٢].
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧].
﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠].
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٣١].
وهكذا كان كل من الكتاب والسنة أصلًا في الدين يلزم المسلمين أن
1 / 8
يأخذوا بأحكامها، ويجب على الفقيه أن يعول في استنباط الأحكام عليهما.
قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (١) عند هذه الآية: «هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ حَاكِمَةٌ عَلَى كُلِّ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى الطَّرِيقَةِ المُحَمَّدِيَّةِ فَإِنَّهُ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ، حَتَّى يَتَّبِعَ الشَّرْعَ المُحَمَّدِيَّ وَالدِّينَ النَّبَوِيَّ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَحْوَالِهِ».
ويقرر علماء أصول الفقه حُجِّيَّةَ السُنَّةِ استنادًا إلى أصل اعتقادي وعقلي مهم أَحْسَنَ التَّعْبِيرَ عنه الفقيه والأصولي الحنبلي الإمام ابن قدامة المقدسي، فقال (٢):
«وَقَوْلُ رَسُولِ اللهِ ﷺ حُجَّةٌ، لِدَلاَلَةِ المُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِهِ، وَأَمَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ بِطَاعَتِهِ، وِتْحَذِيْرِهِ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ».
ويبني ابن النجار الحنبلي أيضًا حُجِّيَّةَ السُنَّةِ على أصل آخر هام وهو العصمة، فيقول (٣):
«وَأَقْسَامُ السُّنَّةِ (٤) كُلُّهَا حُجَّةٌ أَيْ تَصْلُحُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهَا عَلَى ثُبُوتِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْعِصْمَةِ أَيْ لِثُبُوتِ العِصْمَةِ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَلِسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ -».
_________
(١) جـ ٢ ص ٢٥.
(٢) في كتابه " روضة الناظر وجنة المناظر ": جـ ١ ص ٢٣٦.
(٣) " شرح الكوكب المنير ": جـ ٢ ص ١٦٧.
(٤) أي الأقوال والأفعال والتقريرات. فلا يَتَوَهَّمَنَّ دخول الحديث الضعيف في كلامه.
1 / 9
وقد دَلَّتْ دلائل القرآن وَالسُنَّةِ على أن المجتهدين من هذه الأُمَّةِ إذا اتفقوا على حكم شرعي فإن اتفاقهم هذا مصون من الخطل ومعصوم من الخطأ، فثبتت بذلك حُجِيَّةُ الإجماع.
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥] (١).
كذلك وجد أئمة الإسلام وفقهاء الشريعة بتتبع النصوص الشرعية أن الأحكام الشرعية ترد في كثير من الأحيان مرتبطة بِأَهْدَافٍ وَحِكَمٍ تتعلق بتحقيق مصالح الأنام، ورعاية شؤون الناس الدينية والدنيوية، فعرف من ذلك أن الأحكام غير التعبدية مُعَلَّلَةٌ بأوصاف منضبطة ترجع إلى مصالح الأُمَّةِ، فثبت بذلك حُجِّيَّةَ القِيَاسِ، وتضافرت الأدلة على حُجِّيَّتِهِ، مثل قوله تعالى: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ﴾ [الحشر: ٢].
فإن الاعتبار في الآية هو رَدُّ الشيء إلى نظيره، بأن يحكم عليه بحكمه، وهو نص عام يشمل القياس الشرعي الذي يجري في الأحكام الشرعية والقياس. العقلي والاتعاظ. وقد جاء هذا النص مُرَتَّبًا على سبب خاص وهو ما حصل لبني النضير لما طَغَوْا ونقضوا عهدهم مع النَّبِيِّ ﷺ خذلهم اللهُ تعالى، وسلط عليهم المسلمين فخربوا بيوتهم، وأجلوهم عن بلادهم، فنزلت الآية تعلن للناس مصير هؤلاء القوم ليعلموا أن كل من سلك طريقهم كانت عاقبته عاقبتهم، وجاء النص
_________
(١) انظر الاستدلال بالآية وتقرير حُجِّيَّةَ الإجماع مفصلًا في " روضة الناظر ": جـ ٢ ص ٣٣٥ - ٣٤٦، وفي غيره من المصادر.
1 / 10
عَامًّا غير خاص بقضية سبب النزول، فدل على عموم إلحاق الشيء بنظيره والمثل بمثيله، وذلك هو القياس (١).
ويقول ابن قدامة في دلالة الآية: (٢)
«وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى إِثْبَاتِ القِيَاسِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ﴾ [الحشر: ٢]. وَحَقِيْقَةُ الاِعْتِبَارِ مُقَايَسَةُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ، كمَا يُقَالُ: اعْتُبِرَ الدِّيْنَارُ بِالصَّنْجَةِ، وَهَذَا هُوَ القِيَاسُ.
فَإِنْ قِيلَ: المُرَادُ بِهِ الاعْتِبَارُ بِحَالِ مَنْ عَصَى أَمْرَ اللهِ وَخَالَفَ رُسُلَهُ لِيَنْزَجِرَ، وَلِذَلِكَ لاَ يُحْسِنُ أَنْ يُصَرِّحَ بِالقِيَاسِ هَا هُنَا، فَيَقُولُ: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحشر: ٢]، فَأَلْحَقُوا الفُرُوعَ بِالأُصُولِ لِتُعْرَفَ الأَحْكَامُ؟.
قُلْنَا اللَّفْظُ عَامٌّ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْسِنْ التَّصْرِيحَ بِالقِيَاسِ هَا هُنَا، لأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ عُمُومِهِ المَذْكُورِ فِي الآية، إِذْ لَيْسَ حَالُنَا فَرْعًا لِحَالِهِمْ». انتهى.
وكذا وردت نصوص كثيرة من الشارح تُصَرِّحُ بربط الحكم بِعِلَّتِهِ، وذلك في السُنَّةِ كثير، جرى فيه التعليل على طريق الفقهاء أهل القياس، نذكر من ذلك:
حديث: «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اشْتِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ؟ فَقَالَ ﷺ:
_________
(١) " نبراس العقول في تحقيق القياس عند علماء الأصول " لفضيلة الشيخ عيسى منون ﵀ ص ٧٥. والاستدلال بالآية معروف في مصادر الأصول من جميع المذاهب.
(٢) " روضة الناظر ": جـ ٢ ص ٢٤٤، ٢٤٥. وانظر " ميزان الأصول " للسمرقندي: ص ٥٦١.
1 / 11
" أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ " فَقَالُوا: نَعَمْ. فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ». أخرجه مالك وأصحاب السنن والحاكم (١).
وقوله ﷺ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». متفق عليه (٢).
وقوله لِعَدِيٍّ بْنِ حَاتِمٍ في بيان أحكام الصيد: «وَإِنْ وَجَدْتَ مَع كَلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَد قُتِل فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّك لاَ تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ» متفق عليه (٣).
وهذه النصوص وأمثالها كثير قد وقع فيها التعليل للحكم من النبي ﷺ نفسه، والتعليل موجب لاتباع العلة أينما كانت، وذلك هو القياس. لأن الأصل في التعليل أن يكون لتعدية الحُكْمِ (أي نقله) إلى المواضع الأخرى التي توجد فيها العلة، وإثبات الحكم في تلك المواضع (٤).
بل إنا نلحظ في هذه الأحاديث إرشاد النبي ﷺ أُمَّتَهُ إلى كيفية ربط الأحكام بِعِلَلِهَا، ليستخرجوا حُكْمَ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى عِلَّتِهِ من الأحكام بالطرق الاستنباطية العلمية التي تعرف بها علة الحكم في الأمر المنصوص، فيعرف بذلك حكم غير المنصوص.
_________
(١) " الموطأ ": جـ ٢ ص ٥٣، ٥٤ وأبو داود: جـ ٣ ص ٢٥١،والترمذي: جـ ٣ ص ٥٢٨ وقال: «[حَدِيثٌ] حَسَنٌ صَحِيحٌ»، والنسائي: جـ ٧ ص ٢٦٩، وابن ماجه: برقم ٢٢٦٤، والحاكم في " المستدرك ": جـ ٣ ص ٣٨، ٣٩.
(٢) " البخاري " في (الوضوء) ضمن حديث جـ ١ ص ٣٩، ٤٠، و" مسلم " في (الطهارة): جـ ١ ص ١٦١ واللفظ لمسلم.
(٣) " البخاري " في (الذبائح والصيد): جـ ٧ ص ٨٦ و٨٧ و٨٨، و" مسلم " في (الصيد والذبائح): جـ ٦ ص ٥٨ واللفظ لمسلم.
(٤) " نبراس العقول ": ص ٩١.
1 / 12
المَبْحَثُ الثَّانِي: فِي العَامِّ وَقَطْعِيَّةِ دَلاَلَتِهِ:
تَعْرِيفُ العَامِّ وَحُكْمِهِ:
العموم في اللغة معناه: الشمول.
وفي اصطلاح علم اصول الفقه: هو اللفظ الموضوع وضعًا واحدًا لكثير غير محصور المستغرق لجميع ما يصلح له (١).
مثاله قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١]. وقوله: ﴿وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: ١ - ٣].
وقد اتفق الحنفية مع جماهير العلماء على أن اللفظ العام يفيد إثبات الحكم في جميع الأفراد الذين يصلح أن يدخلوا في مدلول النص العام ومعناه (٢).
_________
(١) كما في " مسلم الثبوت " للإمام محب الله بن عبد الشكور وشرحه " فواتح الرحموت " للعلاَّمة عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري: جـ ١ ص ٢٥٥، وانظر " التوضيح " لصدر الشريعة عبد الله بن مسعود المحبوبي البخاري الحنفي المُتَوَفَّى سَنَةَ ٧٤٧ هـ و" حاشية التلويح " عليه لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني الشافعي: جـ ١ ص ٣٢.
(٢) " أصول السرخسي " لشمس الأئمة محمد بن أحمد السرخسي: جـ ١ ص ١٣٥ - ١٣٧ وفيه استدلالات بديعة. و" التنقيح " وشرحه " التوضيح " و" حاشية التلويح ": جـ ١ ص ٣٩، و" فواتح الرحموت ": جـ ١ ص ٢٦١ - ٢٦٥ وثمة أقوال أخرى لم نعرض لها لشدة ضعفها.
1 / 13
وذلك هو مقتضي العمل بدلالة اللفظ، والمعنى الذي وضع له في اللغة، وهو إجماع الصحابة وأهل اللغة، فإنهم بأجمعهم قد أجروا الألفاظ العامة من نصوص الكتاب والسنة على عمومها وشملوا بها كل الأفراد التي تدخل فيها إلا ما ثبت الدليل على استثنائه من العموم أو تخصيصه بحكم خاص غير الحكم الثابت في النص العام.
فاتفقوا على العمل بالعموم في قوله تعالى: ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٨].
وقوله: ﴿لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥]. وقوله: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ١١٠].
وغير ذلك كثير من صيغ العموم في الكتاب والسنة. بل إن النبي ﷺ دعا بعض الصحابة وهو في الصلاة فلم يجبه، قال ﷺ: «أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ [لِمَا يُحْيِيكُمْ]﴾ [الأنفال: ٢٤]» أخرجه البخاري من حديث أَبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلَّى والترمذي من حديث أُبَيٍّ بْنِ كَعْبٍ (١). وهذا استدلال بالعموم كما قال السرخسي (٢).
قَطْعِيَّةُ دَلاَلَةِ العَامِّ:
الا أن الحنفية اختلفوا بعد ذلك مع الجمهور في طبيعة هذه الدلالة التي أفادها النص العام على العموم، هل هي قطعية أو ظنية؟
والمراد بالدلالة القطعية هنا: أن النص العام لا يحتمل الخصوص احتمالًا ناشئًا عن دليل، أو أن دلالته لا شبهة فيها.
_________
(١) " البخاري " في (فضائل القرآن): جـ ٦ ص ١٨٧، والترمذي: جـ ٥ ص ١٥٥ و١٥٦ وصححه.
(٢) " أصول السرخسي ": جـ ١ ص ٣٥.
1 / 14
والمراد بالدلالة الظنية أن النص العام يحتمل الخصوص احتمالًا ناشئًا عن دليل أو أن دلالته على العموم فيها شبهة.
فقال الحنفية وهو رواية عن الإمام أحمد وقال به بعض الحنابلة منهم ابن عقيل والفخر إسماعيل: إن النص العام يثبت الحكم في جميع ما يتناوله على سبيل القطع، وهو في ذلك عندهم كالخاص سواء بسواء.
وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين وهو المعتمد عند الحنابلة: إنه يثبت الحكم فيما يتناوله على سبيل الظن، وهو في ذلك مخالف للنص الخاص، فإن الخاص عندهم قطعي الدلالة على مدلوله (١).
استدل الحنفية على مذهبهم فقالوا: إن اللفظ متى وضع لمعنى كان هذا المعنى لازمًا له وثابتًا به قطعًا، حتى يقوم الدليل على خلافه، والعموم قد وضع له اللفظ العام اتفاقًا بيننا وبينكم، فيكون ثابتًا به ولازمًا له قطعًا حتى يقوم الدليل على صرفه عنه إلى غيره.
واستدل الجمهور على أن العام ظني الدلالة فقالوا: كل عام يحتمل التخصيص، والتخصيص شائع فيه حتى صار قولهم: «مَا مِنْ عَامٍّ إِلاَّ وَقَدْ خُصِّصَ» بمنزلة المثل، ولهذا يؤكد العام بكل وأجمع، لإزالة هذا الاحتمال، والقطع لا يثبت مع الاحتمال، لأنه عبارة عن قطع الاحتمال.
وقد دارت بين الفريقين محاورات ومناقشات لا حاجة بنا هنا إلى
_________
(١) انظر المسألة وفروعها في " أصول السرخسي ": جـ ١ ص ١٣٧ - ١٤٣، و" التنقيح " وشرحه " التوضيح "، و" حاشية التفتازاني ": جـ ١ ص ٣٩ - ٤١، و" فواتح الرحموت ": جـ ١ ص ٢٦٥ - ٢٦٧، و" شرح الكوكب المنير ": جـ ٣ ص ١١٤ مع الحاشية.
1 / 15
بسطها، غير أنا نستطع أن نجد ما يقوي مذهب الحنفية في هذه المسألة الهامة، وكذلك أن تجويز أن يراد بالنص العام بعض الأفراد دون البعض من غير قرينة أو دليل كما ذهب مخالفو الحنفية أمر مستبعد موقع في الارتباك أمام النصوص، وذلك لأنه يؤدي إلى ارتفاع الأمان عن اللغة وعن الشرع؛ وإلى التلبيس على السامع، لأن عن كل ما ورد في اللغة عَامًّا فإنه يحتمل الخصوص حينئذٍ، فلا يستقيم فهم العموم منه.
وكذلك في الشرع، لأن معظم خطابات الشرع عامة، فإذا جاز إرادة بعض من غير قرينة لما صح فهم الأحكام على وجه العموم، وأدى ذلك إلى التلبيس على المخاطبين، وتكليفهم بالمحال، وهو باطل.
كما يقوي مذهب الجمهور ما استدل به ابن النجار الحنبلي (١) «إن التخصيص بالمتراخي لا يكون نَسْخًا ولو كان العام نَصًّا على أفراده لكان نَسْخًا، وذلك أن صيغ العموم ترد تارة باقية على عمومها، وتارة يراد بها بعض الأفراد، وتارة يقع فيها التخصيص، ومع الاحتمال لا قطع، بل لما كان الأصل بقاء العموم فيها كان هو الظاهر المعتمد للظن».
وقد تضمنت كلمته هذه جواب استدلال الحنفية حين قال: «لما كان الأصل بقاء العموم فيها كان هو الظاهر المعتمد للظن».
_________
(١) " شرح الكوكب المنير ": جـ ٣ ص ١١٥.
1 / 16
نَتَائِجُ الخِلاَفِ فِي قَطْعِيَّةِ العَامِّ:
بعد هذا فإن الباحث يتوقع أن ينتج عن هذا الخلاف في طبيعة دلالة العام اختلاف في أمور كثيرة بين الفقهاء، لكثرة النصوص العامة، ويمكن أن نلخص هذا الاختلاف في قاعدتين هامتين نوضحهما فيما يلي:
القاعدة الأولي: تخصيص النص العام بخبر الواحد أو القياس إذا لم يكن قد خص قبل ذلك بدليل قطعي:
فعند القائلين بظنية العام يجوز هذا التخصيص، وعند القائلين بقطعية العام لا يجوز، ولهذا حَرَّمَ الحنفية الأكل من ذبيحة المسلم إذا ترك التسمية عَمْدًا، لأخذهم بالعموم في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١]، ولم يخصوه بقول الرسول ﷺ: «الْمُسْلِمَ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ»، ولا بقياس ترك التسمية عَمْدًا على تركها نِسْيَانًا بجامع وجود ذكر الله في القلب في كل منهما، وذلك لأن الحديث خبر واحد وهو لا يخصص العام من الكتاب الذي لم يخص قبل ذلك بدليل قطعي الثبوت، وهو قطعي الدلالة عندهم، وخبر الواحد ظني الثبوت، وكذلك القياس فإنه ظني، والظني لا يخصص القطعي.
وخصص الشافعية هذا العموم بالحديث وبالقياس، لأن العام الظني الدلالة عندهم فيجوز تخصيصه بالظني، كالقياس وخبر الواحد، ولهذا قالوا: يحل الأكل من ذبيحة المسلم إذا ترك التسمية عَمْدًا.
القاعدة الثانية: التوفيق بين العام والخاص إذا ختلفا.
قال الحنفية: إذا اختلف العام والخاص فإن التعارض يثبت في
1 / 17
في القدر أو الموضوع الذي اختلف حكمهما فيه، لتساويهما في القطعية، فنأخذ حينئذ بتطبيق قواعد التوفيق المدروسة في موضعها من علم أصول الفقه.
أما غير الحنفية فإنهم يقولون: لا يقاوم العام الخاص، لأن الخاص قطعي والعام ظني، فلا بد أن يقدم الخاص على العام ويعمل به سواء كان الخاص متقدمًا على العام في الورود أو متأخرًا عنه أم مقارنًا له، ومعنى كون الخاص مقدمًا على العام أن يعمل به في المقدار الذي خالف فيه العام مطلقًا كما ذكرنا، ولا يخضع العمل به لقواعد التوفيق بين النصوص.
وقد أثر هذا الخلاف تأثيرًا بَيِّنًا في الفروع الفقهية، لكن مما يلفت النظر فيه أننا نجد أنصارًا لمذهب الحنفية في بعض الفروع من أهل المذاهب الأخرى، التي لا توافقهم في هذه القضية، أعني قطعية دلالة العام.
ومن أمثلة ذلك:
١ـ مسألة صلاة تحية المسجد لمن دخل يوم الجمعة والإمام يخطب:
فقد دل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤] على عدم مشروعيتها، لأن الخطبة لا تخلو من قراءة قرآن، ودل حديث الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي يخطب وأمره إياه أن يصلي ركعتين على مشروعيتها، وفي بعض ألفاظه قوله: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» (١) دل
_________
(١) الحديث متفق عليه وهو ثابت في " الصحيحين " بالروايتين المشار إليهما: " البخاري " في (الجمعة): جـ ٢ ص ١٠ وفي (التطوع): جـ ٢ ص ٥٦، و" مسلم " في (الجمعة): جـ ٣ ص ١٤، ١٥.
1 / 18
هذا الحديث على مشروعية تحية المسجد لمن دخل يوم الجمعة والإمام يخطب.
فقال الحنفية والمالكية: بعدم مشروعية تحية المسجد هذه عملًا بعموم الآية والأدلة التي تمنع من تحية المسجد والإمام يخطب، وتأولوا الحديث بأنه واقعة عين خاصة بهذا الرجل، أو أن النبي ﷺ أراد ان يتصدق الناس عليه كما في بعض الروايات.
فَأَيَّدَ المالكية الحنفية في هذه المسألة، لاتفاق أهل المدينة على منع النافلة حال الخطبة، خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ (١).
وذهب الشافعية والحنبلية إلى أنه يُسَنُّ أَدَاؤُهُمَا لمن دخل والإمام يخطب، وذلك عَمَلًا بالحديث المذكور بناء على قاعدتهم بتخصيص القرآن بأخبار الآحاد.
٢ـ مسألة زكاة الزروع:
فقد دَلَّ القرآن على وجوب الزكاة في جميع المحاصيل الزراعية، بأي مقدار كانت ومن أي نوع، وذلك لعموم قوله تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١].
وعارض هذا العموم بعض الأحاديث في موضعين نوضحهما فيما يأتي:
_________
(١) انظر " شرح مسلم " للنووي: جـ ٦ ص ١٦٤، و" نيل الأوطار " للشوكاني: جـ ٣ ص ٢٥٧، ٢٥٨، وانظر شرحنا للحديث في كتابنا " دراسات تطبيقية للحديث النبوي - قسم العبادات ": ص ٢٤١ - ٢٤٤.
1 / 19
الموضع الأول: مقدار الحاصلات الزراعية:
فإن ظاهر الآية وجوب الزكاة في الزروع لأي مقدار كانت، ويؤيد ذلك حديث «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ [وَالعُيُونُ] أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ». البخاري جـ ٢ ص ١٣٣، أخرجه البخاري من رواية الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر، وهي سلسلة جليلة قيل إنها أصح الأسانيد.
وعارض ذلك حديث «لَيْسَ [فِيمَا دُونَ] خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» المتفق عليه (١).
فقال الحنفية بعدم اشتراط النصاب المذكور لوجوب الزكاة، أَخْذًا بالنصوص العامة، لأنها أقوى ثُبُوتًا من الخاص.
وقال غيرهم: بل يشترط النصاب المذكور عَمَلًا بحديث الأوسق، وهو نص خاص فيخصص به العام وإن كان العام أقوى منه ثُبُوتًا، لأن العام ظني الدلالة عندهم.
الموضع الثاني: أنواع الزروع:
فقد دلتا الآية والحديث السابقان على وجوب الزكاة في جميع أنواع الزروع، لعموم النص فيهما، وورد تخصيص وجوب الزكاة بأنواع معينة في حديث: «لاَ تَأْخُذَا فِي الصَّدَقَةِ إِلاَّ مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ الأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ، وَالحِنْطَةِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ» (٢).
_________
(١) " البخاري ": جـ ٢ ص ١٢٦، و" مسلم ": جـ ٣ ص ٦٦، ٦٧.
(٢) أخرجه الطبراني والحاكم وتكلم فيه الترمذي: جـ ٣ ص ٣٠، ٣١، بما يدل على شدة ضعفه، وذكر الزيلعي في " نصب الراية ": جـ ٢ ص ٣٨٦ - ٣٨٩ طرقه وضعفها كلها، =
1 / 20
فقال الحنفية بوجوب الزكاة في جميع أنواع الزروع، عَمَلًا بعموم القرآن والحديث، وتكلموا في حديث التخصيص هذا بالطعن في سنده، وأجابوا عن المتن بأن المراد به زكاة يأخذها الجابي لتوزع عن طريق بيت المال.
وقال غيرهم بتخصيص وجوب الزكاة بأنواع معينة، عَمَلًا بالحديث المذكور الذي وجدوه تَقَوَّى في نظرهم بتعدد طرقه، على تفاصيل في كيفية عملهم به ليس هذا محلها.
وقد أيد القاضي الإمام أبو بكر بن العربي المالكي مذهب الحنفية في هذه المسألة كلها فقال في كتابه " أحكام القرآن " (١): «وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَجَعَلَ [الآيَةَ] مِرْآتَهُ فَأَبْصَرَ الحَقَّ، وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي المَأْكُولِ قُوتًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: " فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ "».
وقال في " عارضة الأحوذي " (٢): «وَأَقْوَى المَذَاهِبِ فِي المَسْأَلَةِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ دَلِيلًا، وَأَحْوَطُهَا لِلْمَسَاكِينِ، وَأَوْلاَهَا قِيَامًا بِشُكْرِ النِّعْمَةِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ عُمُومُ الآيَةِ وَالحَدِيثِ».
• • •
_________
= انظر شرح الحديث في كتابنا " دراسات تطبيقية للحديث النبوي - قسم العبادات ": ص ٢٦ - ٢٨.
(١) جـ ١ ص ٣١٣.
(٢) وهو شرحه على " جامع الترمذي ": جـ ٣ ص ١٣٥ - وقد استوفى فيه ذكر المذاهب فبلغت ثمانية، انظر ص ١٠٠ - ١٣٤.
1 / 21