فأجابته ببرود: بخير.
ووصل إلى مسمعه صوت رفيع مبحوح دلت بشاعته على أنه يخرج من فم خرب يسأل: من الذي تكلمين يا عائشة؟
فارتجف جسمه، وسرت فيه قشعريرة مثل مس الكهرباء، وتردد، وجمد، ثم كز على أسنانه ودخل إلى الحجرة وهو يقول: أنا علي .. كيف حالك يا عمتي؟
فدمدمت، وقالت بتأفف وتبرم: علي!
فحنى رأسه ووقف صامتا، وعادت هي إلى سؤاله قائلة: هل جئت حقا لتطمئن على صحتي؟ - نعم. - وهل يهمك أمر صحتي؟ - طبعا. - إذن لم تخلط السؤال عنها بسؤال شيء آخر؟
فضرب كفا بكف، وقال بصوت حزين: لا تظني بي الظنون. فقد عشت دهرا لا أسألك شيئا ثم ... - ولم تكن تريني وجهك بتاتا .. ولم تكن صحتي أمرا يهمك السؤال عنه. - بالله أعيريني أذنا صاغية .. لقد شرحت لك أحوالي .. أنا مهدد بالخراب بين لحظة وأخرى. اصرفيني عن ذهنك، واذكري أبنائي البؤساء وما ينتظرهم من شقاء. - لم أر أبناءك طول حياتي.
فآلمته لهجتها التهكمية، وحمي رأسه بنار الغضب، ولكنه لم يكن في حال يأذن له بإعلان ما يبطن، فنظر إليها نظرة النمر الواقع في الشرك، وقال وهو يجهد أن يجعل صوته هادئا: إذا منعت عني يدك دمرت لا محالة.
وهنا هبت قاعدة في فراشها وصاحت في وجهه: في داهية! - عمتي ... - لست عمة لأحد. - لا تكوني هكذا. - هكذا أنا .. اغرب عني. ولا ترني وجهك مرة أخرى.
وحاول أن يقول شيئا، ولكن لم يسعفه الكلام، فجمد لحظة؛ حيث هو ملتهب العينين، محمى الرأس، مرتعش الأطراف، ثم غاب عن ناظريها .. ولقي في الخارج الممرضة واقفة تنصت، فقابلته بنفس الابتسامة، وقالت: ككل مرة؟!
فهز رأسه غاضبا، وقال: إنها شر ما في الوجود .. إنني أعجب كيف يؤاتيك الصبر على معاشرتها؟ - إني أقوم بواجبي .. وهي على كل حال لا تعاملني نفس المعاملة.
অজানা পৃষ্ঠা