بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
قال الشيخ الإمام العالم العلامة لوط أحمد بن محمد بن أعثم (1) الكوفي عفا الله عنه:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفى قام بالأمر بعده الإمام أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكان قد بويع له بالخلافة في اليوم الذي مات (2) فيه النبي صلى الله عليه وسلم بسقيفة بني ساعدة، ولذلك قصة عجيبة نذكرها بتمامها، ونذكر ما فتحه المسلمون في أيامه وأيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما من الفتوحات، وقتال أهل [الردة] (3)، وذلك أن المسلمين اجتمعوا وبكوا على فقد رسول الله، فقال لهم أبو بكر: إن دمتم على هذه الحال فهو والله الهلاك والبوار.
পৃষ্ঠা ৫
ذكر ابتداء سقيفة بني ساعدة وما كان من المهاجرين والأنصار
قال: ثم أقبل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على المسلمين فقال: أيها الناس! إنه من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، والله! لقد نعى الله نبيه محمدا عليه السلام نفسه فقال تبارك وتعالى ﴿إنك ميت وإنهم ميتون﴾ (١) ثم قال (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون * كل نفس ذائقة الموت (٢) ثم قال ﴿وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين﴾ (3) ألا! وإن محمدا عليه السلام قد مضى لسبيله، ولا بد لهذا الأمر من قائم يقوم به، فدبروا وانظروا وهاتوا رأيكم - رحمكم الله. (4) قال: فناداه الناس من كل جانب: نصبح وننظر في ذلك إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله. قال: فانصرف الناس يومهم ذلك، فلما كان من غد انحازت طائفة من المهاجرين إلى أبي بكر رضي الله عنه وانحازت طائفة من الأنصار إلى سعد بن عبادة الخزرجي في سقيفة بني ساعدة، قال: وجلس علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في منزله مغموما بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نفر من بني هاشم وفيهم الزبير بن العوام. قال: فاجتمع الناس من جميع جنبات المدينة يستمعون ما يكون من كلام المهاجرين والأنصار (5)، وكان أول من تكلم من الأنصار يومئذ خزيمة بن... (6) ذو
পৃষ্ঠা ৬
الشهادتين وقال: يا معشر الأنصار! إنكم إذ قدمتم اليوم... (١) إلى يوم القيامة، وأنتم الأنصار في كتاب الله تعالى وإليكم كانت الهجرة وفيكم قبر النبي (صلى الله عليه وسلم وآله)، فأجمعوا أمركم على رجل تهابه قريش وتأمنه الأنصار.
قال: فقالت الأنصار: صدقت يا خزيمة! إن القول لعلى ما تقول، قد رضينا بصاحبنا سعد بن عبادة. قال: فقلب المهاجرون ونظر بعضهم إلى بعض، ثم وثب أسيد بن حضير الأنصاري الأوسي (٢) - وكان مقبول القول عند الأنصار وأهل الطاعة فيهم - فقال: يا معشر الأنصار! إنه قد عظمت نعم الله عليكم إذ سماكم (الأنصار) (٣) وجعل إليكم الهجرة، وفيكم قبض الرسول محمد عليه السلام، فاجعلوا ذلك شكرا لله فإن هذا الأمر في قريش دونكم، فمن قدموه فقدموه ومن أخروه فأخروه. قال: فوثب إليه نفر من الأنصار فأغلظوا له في القول وسكتوه فسكت، ثم وثب بشير بن سعد الأنصاري الأعور (٤) - وكان أيضا من أفاضل الأنصار - فقال: يا معشر الأنصار! إنما أنتم بقريش وقريش بكم، ولو كان ما تدعون حقا لما اعترض عليكم فيه، فإن قلتم بأنا آوينا ونصرنا فما أعطاهم خير مما أعطيتم، فلا تكونوا كالذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار. قال: ثم وثب عويم بن ساعدة الأنصاري - وهو من النفر الذين أنزل الله عز وجل فيهم هذه الآية في مسجد قباء ﴿فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين﴾ (5) - فقال:
يا معشر الأنصار! إنكم أول من قاتل عن هذا الدين فلا تكونوا أول من قاتل أهله عليه، فإن الخلافة لا تكون إلا لأهل النبوة فاجعلوها حيث جعلها الله عز وجل، فإن
পৃষ্ঠা ৭
لهم دعوة إبراهيم عليه السلام، قال: ثم وثب معن بن عدى الأنصاري فقال:
يا معشر الأنصار! إن كان هذا الأمر لكم من دون قريش فخبروهم بذلك حتى يبايعوكم عليه، وإن كان لهم من دونكم فسلموا لهم، فوالله! ما مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم وعلى آله) حتى صلى بنا أبو بكر رضي الله عنه فعلمنا أنه قد رضيه لنا (١)، لأن الصلاة عماد الدين. قال: فبينا الأنصار كذلك في المحاورة إذ أقبل أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة بن الجراح وجماعة من المهاجرين رضي الله عنهم فإذا هم بسعد بن عبادة (٢). (٣) ينصره الله فهو مخذول، ألا! فاهتدوا بهدى الله ربكم وما جاء به نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم فإنه ﴿من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا﴾ (٤) وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام، وعمل بشرائعه اغترارا بالله عز وجل وجهالة بأمره وطاعة للشيطان، و ﴿الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير﴾ (5) وبعد! فقد وجهت إليكم خالد بن الوليد في جيش من المهاجرين والأنصار وأمرته أن لا يقاتل أحدا حتى يدعوه إلى الله عز وجل ويعذر إليه وينذر، فمن دخل في الطاعة وسارع إلى الجماعة ورجع عن المعصية إلى ما كان يعرف من دين الله ثم تاب إلى الله وعمل صالحا قبل الله منه ذلك وأعانه عليه، ومن أبى أن يرجع إلى الإسلام بعد أن يدعوه خالد بن الوليد ويعذر إليه فقد أنذرته وأمرته أن يقاتله أشد القتال بنفسه ومن معه من أنصار دين الله وأعوانه، ثم لم يترك أحدا قدر عليه إلا أحرقه بالنار إحراقا ويسبى الذراري والنساء، ويأخذ الأموال وقد أعذر من أنذر (6)، والسلام على عباد الله المؤمنين، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قال: ثم
পৃষ্ঠা ৮
طوى أبو بكر الكتاب وختمه ودفعه إلى خالد بن الوليد وأمره أن يعمل بما فيه (1)، قال: فسارع خالد بن الوليد إلى أهل الردة بمن معه من المهاجرين والأنصار يريد طليحة بن خويلد.
ذكر مسير خالد بن الوليد إلى أهل الردة
قال: فسار خالد وكان معه جماعة يومئذ من بني أسد من المؤمنين الذين لم يرتدوا، وكتب رجل منهم يقال له ضرار بن الأزور إلى بني عمه من بني أسد كتابا، قال: فلم يبق مع خالد بن الوليد رجل من بني أسد يعرف بالصلاح إلا كتب إلى قومه يحذرهم مقدم خالد بن الوليد عليهم ويعذلهم على ارتدادهم عن دين الإسلام، وآخر من كتب إليهم جعونة بن مرثد الأسدي.
ذكر الفجاءة بن عبد ياليل السلمي
وما فعل بالمسلمين وكيف أحرق بالنار قال: وسار خالد بن الوليد يريد بني أسد فأقبل إلى أبي بكر الصديق رضي
পৃষ্ঠা ৯
الله عنه رجل من بني سليم يقال له الفجاءة (1) بن عبد ياليل فدخل عليه وسلم ثم قال:
يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم! أنا رجل مسلم وعلى دين الإسلام مذ كنت ما غيرت ولا بدلت وقد رغبت في قتال أهل الردة (2) وقد أحببت أن تعينني بقوة من خيل وسلاح حتى أفرقه في قومي وبني عمى من بني سليم، وألحق بالقوم بخالد بن الوليد وأقاتل معه طليحة بن خويلد وأصحابه، قال: فدفع إليه أبو بكر رضي الله عنه عشرة من الخيل ودفع إليه سلاحا كثيرا من سيوف ورماح وقسى وسهام، ووجه معه بعشر نفر من المسلمين. قال: فخرج الفجاءة من المدينة كأنه يريد إلى خالد بن الوليد ثم ترك الطريق إلى خالد وعطف إلى دار بني سليم فأرسل إلى قوم منهم ودعاهم فأجابوه فعطف بهم على هؤلاء العشرة الذين وجه بهم معه أبو بكر رضي الله عنه فقتلهم عن آخرهم، ثم أنه فرق تلك الخيل وذلك السلاح الذي قد أعطاه أبو بكر رضي الله عنه على من اتبعه من سفهاء قومه، ثم سار فجعل يقتل الناس يمنة ويسرة فلا يبقي على قومه ولا غيرهم. قال: فجعل الفجاءة يفعل ما يفعل ويلتئم إليه الناس من أهل الدعارة والفساد.
قال: وبلغ ذلك أبا بكر رضي الله عنه فأعرضه على من كان عنده من بني سليم وغيرهم من قيس غيلان وخبرهم بما صنع الفجاءة، قال: فاغتم لذلك بنو سليم خاصة غما شديدا وقالوا: والله يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله)! لقد حدثتنا أنفسنا ببعض ذلك وقد قلدنا عدو الله بفعاله عارا لا يغسل عنا أبدا. قال: ثم وثب الضحاك بن سفيان الكلابي (4) - وكان شيخ بني كلاب وفارسهم وعميدهم وشاعرهم وكانت له صحبة مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله) - فقال والله يا خليفة رسول الله! لقد كان عدو الله يريد الفساد، وما كنت أظن أنه يقدم على مثل هذا الفعال، ولقد كنت أحذر قومي من بنى ذكوان أن يسمعوا منه، ويأخذوا برأيه
পৃষ্ঠা ১০
فأبى الله تبارك وتعالى إلا ما أراد. قال: ثم كتب أبو بكر رضي الله عنه كتابا إلى خالد بن الوليد يخبره بما صنع الفجاءة وما أخذ من الخيل والسلاح وما قتل من المسلمين، وأمره أن يوجه إليه بقوم يطلبونه فيأتون به حيث ما كان، فلما ورد الكتاب ... (1) يا سوداء! (2) من يقول هذا الشعر؟ فقالت: والله! ما أدري غير أني سمعت دويا من هذا الغدير وقائلا يقول هذا الشعر. قال: فاغتم عيينة بن حصن وانكسر لذلك انكسارا شديدا، ثم أقبل على طليحة بن خويلد وهو جالس في بني عمه فقال له: أبا عامر! أتاك جبريل منذ نزلت هذا المنزل؟ قال طليحة: لا، قال: فهل ترجو أن يأتيك؟ قال: نعم، ولم سألت عن ذلك؟ قال: إني سمعت هذه الأمة السوداء تزعم أنها سمعت من هذا الغدير كذا وكذا، قال: فضحك طليحة ثم قال: ترى أن سحر قريش وصل إلينا من المدينة. قال: ثم أقبل قرة بن هبيرة القشيري على بني عامر بن صعصعة فقال: يا بني عامر! هذا خالد بن الوليد قد أظلكم في المهاجرين والأنصار وقد تقارب من أرضكم فلو صاح بخيله صيحة لصبحكم فاتقوا الله ربكم وارجعوا عن هذا الذي أنتم عليه فإنكم قتلتم بالأمس المنذر بن عمرو الساعدي (3) وكان من خيار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثم إنكم حقرتم ذمة أبي بكر ورددتم عامر بن الطفيل عن دين الإسلام وإني خائف على طليحة بن خويلد أن... (4) خالد غدا قد هلك وهلكنا معه. قال: فأبى قومه أ [ن يطيعوه -] (5)
পৃষ্ঠা ১১
ثم قالوا: لا نعطى الدنية في ديننا أبدا ونحن أحق (1) من ابن أبي قحافة. قال: فقال لهم ابن سلمة... (2) تعطوا الدنية في دينكم أن يسفكوا دماءكم باجماعكم ... (3) قال: فأبى القوم أن يطيعوه ولجوا في طغيانهم. قال: ودنا خالد بن الوليد من أرض بني أسد ثم دعا ابن محصن الأسدي (4) وثابت بن أرقم (5) الأنصاري وسعيد بن عمرو المخزومي فقال لهم: انطلقوا وتجسسوا إلي الخبر عن طليحة بن خويلد وأصحابه ولا تبطوا علي. قال: فمضى هؤلاء الثلاثة وجعلوا يتجسسون ويسألون عن طليحة وعن موضع عسكره. قال: فبينما هم كذلك إذ وقع عليهم نفر من أصحاب طليحة فقتلوهم (6) - رحمة الله عليهم. قال: وخالد بن الوليد لا يعلم بشئ من ذلك غير أنه انطوى عليه خبرهم كأنه أنكر أمرهم فركب في نفر من أصحابه وساروا فإذا هم بالقوم قتلى، فاغتم خالد والمسلمون لذلك غما شديدا ثم أمر بهم فحملوا ودفنوا في عسكر المسلمين. قال: وبلغ بني أسد أن خالد بن الوليد قد دنا من أرضهم فأقبلوا على طليحة بن خويلد فقالوا: يا أبا عامر! إنا نظن أن هذا الرجل قد سار إلى ما قبلنا وذلك أنا قتلنا ثلاثة نفر من أصحابه فلو بعثت من يتجسس لنا عن خبره. قال: قال طليحة: نعم، أرأيتم [إن] (7) بعثتم بفارسين بطلين على فرسين عتيقين أدهمين أغرين محجلين من بني نصر بن قعين (8) أتياكم من القوم بعين، فقال له بعض أصحابه: أبا عامر! أشهد أنك نبي حقا فليس هذا الكلام إلا من كلام
পৃষ্ঠা ১২
الأنبياء. قال: ثم بعث القوم... (1) على وصف طليحة بن خويلد ليتجسسا الأخبار بخالد... (2) رجعا يركضان وهما يقولان: هذا خالد بن الوليد أقبل ... (2) والأنصار، قال: فازداد القوم فتنة إلى فتنتهم... (3) يشجع أصحابه ويقول: يا معشر بني أسد! لا يهولنكم... (3) إلى خالد بن الوليد من هذا الجيش فإنهم على باطل وغرور، وأخرى فإنهم قد لهجوا بهذه الصلاة فهم يظنون أنهم محسنون، ولقد أتاني جبرئيل يخبرني عن ربي: أنه ليس يحتاج إلى تعفر وجوهكم وفتح (4) أدباركم، ولا يريد منكم ركوعا وسجودا وإنما يريد منكم أن تذكروه قياما وقعودا، فانظر أن تمنعوا القوم أموالكم كما منعتموها في جاهليتكم، وأما عيينة بن حصن فقد خبرني عنه جبريل أنه قد خاف من حرب القوم، وأيم الله!
لو كانت له نية صادقة لما خاف من أحد أبدا إذا كان على هذا الدين. قال: ثم تقدم إلى طليحة جماعة من أصحابه فقالوا: يا أبا عامر! إنه قد أضربنا العطش فهل عندك من حيلة؟ فقال طليحة: نعم اركبوا علالا، واضربوا أميالا، وجاوزوا الرمالا، وشارفوا الجبالا، ويمموا التلالا، تجدوا هناك قلالا (5). قال: فركب بعض بني أسد فرسا لطليحة يقال له: علال، ثم سار إلى ذلك الموضع الذي وصف طليحة فإذا هو بماء عذب زلال! فشرب منه وملأ سقاء كان معه، ثم رجع إلى قومه فخبرهم بذلك، قال: فمضوا إلى ذلك الموضع فأسقوا وازدادوا فتنة إلى فتنتهم بطليحة بن خويلد. قال: وجعل خالد بن الوليد يتأنى بطليحة ويرسل إليه الرسل ويحذره سفك دماء أصحابه (6)، وطليحة يأبى ذلك ولج في طغيانه، قال: فعندها عزم خالد على حرب القوم.
أول حرب أهل الردة
قال: وزحف إليهم خالد حتى وافاهم بأرض يقال لها: بزاخة (7)، وإذا
পৃষ্ঠা ১৩
طليحة قد عبى أصحابه وعبى خالد أصحابه، وكان على ميمنته عدي بن حاتم الطائي، وعلى ميسرته زيد الخيل، وعلى الجناح الزبرقان بن بدر التميمي، ودنا القوم بعضهم من بعض واختلط القوم فاقتتلوا، فقتل من الفريقين جماعة، وجعلت بنو أسد وغطفان وفزارة يقاتلون بين يدي طليحة بن خويلد أشد القتال وهم ينادون: لا نبايع أبا الفصيل - يعنون أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وجعل عدي بن حاتم يحمل عليهم في أصحابه فيقاتلهم وهو يقول: والله! لنقاتلنكم أبدا أو تكنونه بالفحل الأكبر (1). قال: وجعل عدي بن حاتم وزيد الخيل وقبائل طيء يقاتلون بين يدي خالد بن الوليد قتالا لم يقاتلوا قبله في يوم من أيامهم التي سلفت، ومدحهم خالد بن الوليد. قال: واشتد القتال وعظم الأمر وعظت (2) الحرب الفريقين جميعا، فأقبل عيينة بن حصن إلى طليحة بن خويلد وهو واقف على باب خيمة من شعر (3) وفرسه علال إلى جانبه وامرأته نوار جالسة بين يديه (3) فقال له عيينة: أبا عامر! هل أتاك جبريل؟ قال طليحة: لا، فرجع عيينة إلى الحرب فقاتل ساعة ثم رجع إليه فقال: هل أتاك جبريل بعد؟ فقال: لا، فرجع فلم يزل يقاتل حتى بلغ منه الجهد واشتد به الأمر ثم رجع إلى طليحة فقال: أبا عامر! هل أتاك جبريل؟ قال: لا، قال عيينة: حتى متى ويحك! بلغ منا الجهد واشتد بنا الأمر وأحجم الناس عن الحرب، ثم رجع فلم يزل يقاتل هو وبنو عمه من فزارة حتى ضجوا من الطعان والضراب، ثم رجع فقال له: أبا عامر! هل أتاك جبريل بعد؟ قال: نعم قد أتاني، قال عيينة: الله أكبر! هات الآن ما عندك وما الذي قال لك جبريل! قال طليحة: نعم قد قال جبريل عليه السلام: إن رجاء لا تقوم لرجاه وإن لك وله حديثا لا تنساه الناس أبدا (5). قال: ثم أقبل عيينة على أهله وبنى عمه من فزارة فقال:
ويحكم يا بنى عمى! هذا والله كذاب! والله صح عندي كذبه لتخليطه في كلامه! قال: ثم ولى عيينة بن حصن منهزما مع بني عمه من فزارة وانهزمت بنو أسد وغطفان وسيوف المسلمين في أقفيتهم كأنها الصواعق! فقال طليحة بن خويلد:
পৃষ্ঠা ১৪
ويحكم! ما بالكم منهزمين؟ فقال رجل منهم: أنا أخبرك يا أبا عامر: لم لا ننهزم؟
نحن قوم نقاتل ونريد البقاء وهؤلاء قوم يقاتلون ويحبون الفناء. قال: فقالت نوار امرأة طليحة: أما إنه لو كانت لكم نية صادقة لما انهزمتم عن نبيكم! فقال لها رجل منهم: يا نوار! لو كان زوجك هذا نبيا حقا لما خذله ربه . قال: فلما سمع طليحة ذلك صاح بامرأته: ويلك يا نوار! اقتربي مني فقد اتضح الحق وزاح الباطل. قال:
ثم استوى طليحة على فرسه وأردف امرأته من ورائه ومر منهزما مع من انهزم (1)، واحتوى خالد ومن معه من المسلمين على غنائم القوم وعامة نسلهم وأولادهم.
قال: فجمع خالد غنائم القوم فوكل نفرا من المسلمين يحفظونها، ثم خرج في طلب القوم يتبع آثارهم حتى وافاهم بباب الأجرب (2) فاقتتلوا قتالا شديدا، فأسر عيينة بن حصن الفزاري وأسر معه جماعة من بني عمه، وأفلت طليحة بن خويلد فمر هاربا على وجهه نحو الشام حتى صار إلى بني جفنة (3) فلجأ إليهم واستجار بهم فأجاروه. قال: ثم جمع خالد الأسارى بأجمعهم من بني أسد وغطفان وفزارة وعزم أن يوجه بهم إلى أبي بكر رضي الله عنه.
ذكر الأسارى الذين وجه بهم خالد بن الوليد إلى أبي بكر وما كان من أمرهم قال: ثم أمر خالد بالمجامع فوضعت في أعناق هؤلاء الأسارى (4) ووجه بهم مع الغنائم إلى المدينة، فلما أشرفت الغنائم على المدينة خرج الناس ينظرون إلى الأسارى، فإذا هم بعيينة بن حصن على بعير ويده مجموعة إلى عنقه، (5)، فجعل المسلمون يشتمونه ويلعنونه وهو ساكت لا ينطق بشئ، قال: وجعل أهل المدينة ينخسونه بالعسبان (6) ويقولون له: يا عدو الله! أكفرت بعد إيمانك وقاتلت المسلمين؟ قال: فأشرف عليهم من فوق البعير فقال: والله ما آمن ذلك الرجل بالله
পৃষ্ঠা ১৫
ساعة قط - يعني عن نفسه. قال: ثم أتى به حتى دخل على أبي بكر رضي الله عنه فأوقفه بين يديه، فقال له أبو بكر: يا عدو الله! أسلمت وأقرأت القرآن ثم رجعت عن دين الإسلام كافرا! لأضربن عنقك صبرا، فقال عيينة: يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله)! إن الجميل أجمل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف بي منك لم يخف عليه شئ من أمري، ولقد خرج من الدنيا وإني لمقيم على النفاق (1)، غير أني تائب إلى الله عز وجل وإليك في يومي هذا فاعف عني عفا الله عنك! فعفا عنه أبو بكر رضي الله عنه وصفح عن بني عمه وأحسن إليهم وكساهم.
قال: ثم قدم قرة (2) بن هبيرة القشيري حتى أوقف بين يدي أبي بكر رضي الله عنه ويده مجموعة إلى عنقه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: اضربوا عنقه، فقال قرة: يا خليفة رسول الله! إني رجل مسلم يشهد لي بذلك عمرو بن العاص، وذلك أنه مر بي منصرفا من عمان (3) فقربته وأكرمته ودللته على الطريق وهو عارف بإسلامي، قال: فدعا أبو بكر عمرو بن العاص، قال له: يا أبا عبد الله! ما الذي عندك من الشهادة لقرة بن هبيرة؟ فإنه يزعم أنك تشهد له بالاسلام! فقال عمرو بن العاص: نعم يا خليفة رسول الله! عندي من الشهادة أني مررت به، وأنا منصرف من عمان فلما نزلت عليه سمعته يقول: والله! لئن لم يتجاف أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زكاة أموالنا فما له في أعناقنا طاعة، فقال قرة بن هبيرة: لم يكن القول على ما تقول يا عمرو! فقال عمرو: بلى والله يا خليفة رسول الله! لقد سمعته يقول هذا المقال (4) وعلمت أنه قد عزم على العصيان ومنع الزكاة، فهذا والله
পৃষ্ঠা ১৬
يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان من مقالتي ومقالته ثم إني رحلت عنه فلما قربت فرسي وركبته سمعته يقول: إن أتيتنا - فعضض على الأنامل (1)، قال قرة بن هبيرة: يا هذا!
فإن كان هذا ذكرت فكم إلى كم هذا التحريض، قال: فسكت عمرو بن العاص وتكلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: سوءا لك يا عمرو! رجل نزلت عليه فآواك وأحسن ضيافتك وأطعمك وسقاك ثم تكلم بكلام بينك وبينه فأجبته على كلامه ثم رحلت عنه، فالآن لما نظرت إليه في مثل هذه الحالة أسيرا قد جمعت يداه إلى عنقه وثبت قائما على قدميك تخطب عليه بجهدك! فاستحيا عمرو وندم على ما تكلم، والتفت عمر إلى أبي بكر فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم! هذا رجل من سادات العرب وأشراف بني عامر وما أولاك بالصفح عنه بعد إذ قدرت عليه! فقد كان منه ما كان من غيره فاعف عنه كما عفوت عن غيره (2)! قال أبو بكر: قد عفوت عنه، ثم أطلقه رضي الله عنه وكساه وأحسن إليه وأطلق من كان معه من بني عمه.
قال: وبلغ طليحة بن خويلد الأسدي أن عيينة بن حصن وقرة بن هبيرة قد حملا إلى المدينة وقد عفا عنهما أبو بكر رضي الله عنه، فندم على ما كان منه أشد الندامة، ثم إنه وجه إلى أبي بكر رضي الله عنه من الشام مع بعض النوادر (3)، قال: فلما انتهى إلى أبي بكر كتابه وقرئ عليه رق له أبو بكر رقة شديدة وعلم أنه قد ندم على ما كان منه. قال: وجعل طليحة بن خويلد يتقدم في الرجوع إلى دار الإسلام ويتأخر إلى أن توفى أبو بكر ومضى لسبيله رحمة الله عليه ثم استخلف بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقدم عليه طليحة بن خويلد مسلما تائبا، فلما رآه عمر قطب في وجهه ثم قال: يا طليحة! كيف ترجو النجاة من النار وقتلت مثل
পৃষ্ঠা ১৭
ثابت بن أرقم (1) الأنصاري وعكاشة بن محصن الأسدي؟ قال طليحة: يا أمير المؤمنين! ذلك رجلان أكرمهما الله عز وجل بالجنة وساق إليهما الشهادة على يدي ولم يقتلني (2) بأيديهما فأكون في النار! قال: فأعجب عمر مقالته فقربه وأدناه، وأقام طليحة عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أن تحركت الفرس بعد ذلك فوجهه عمر بن الخطاب مع سعد بن أبي وقاص، فقاتل بالعراق قتالا شديدا وقاتل أيضا بنهاوند، ولم يزل ناصرا لدين الإسلام حتى لحق بالله. فهذا ما كان من كفر طليحة بن خويلد الأسدي وارتداده وخروجه على أبي بكر وتوبته.
ثم رجعنا إلى مسير خالد بن الوليد إلى مالك بن نويرة، قال: فلما فرغ خالد بن الوليد من حرب بني أسد وغطفان وفزارة وأمكنه الله منهم أقبل على من كان معه من المسلمين فقال لهم: إنكم تعلمون أن خليفة رسول الله (ص) قد كان أمرني بالبطاح (3) من أرض بني تميم إلى مالك بن نويرة وأصحابه وأنا سائر (4)، فما الذي عندكم من الرأي؟ قال: فقالت له الأنصار: يا أبا سليمان! إنك لست عندنا بمتهم غير أن أبا بكر لم يعهد إلينا بشئ في ذلك (5) عهدا فإن كان أمرك بالمسير إلى بني تميم فسر راشدا فإنا غير سائرين معك، قال خالد: لست أكرهكم على شئ وأنا سائر بمن معي من المهاجرين حتى أنفذ أمر أبي بكر. قال: ثم سار خالد بمن معه من المهاجرين (6) يريد أرض بني تميم وأقامت الأنصار في مواضعها، حتى إذا سار خالد يومه كأنه اغتم على تخلف الأنصار عنه، قال: وتلاومت (7) الأنصار أيضا، ثم قال بعضهم لبعض: والله، لئن كان غدا في هذا الجيش مصيبة فإنه لعار علينا! ليقولن الناس بأنكم خذلتم المهاجرين وأسلمتموهم لعدوهم (8)، ولئن أصابوا
পৃষ্ঠা ১৮
فتحا فإنه خير حرمتموه، ولكن سيروا فالحقوا بإخوانكم. قال: فسارت الأنصار حتى لحقت خالد بن الوليد فصار القوم جميعا واحدا، وتوسط خالد بن الوليد أرض البطاح، وبالبطاح يومئذ رجل من أشراف بني تميم يقال له: الجفول (1)، لأنه جفل إبل الصدقة ومنع الزكاة وجعل يقول لقومه: يا بني تميم! إنكم قد علمتم بأن محمد بن عبد الله قد كان جعلني على صدقاتكم قبل موته، (2) وقد هلك محمد ومضى لسبيله، ولابد لهذا الأمر من قائم يقوم به، فلا تطمعوا أحدا في مالكم فأنتم أحق بها من غيركم. قال: فلامه بعض قومه على ذلك وحمده بعضهم وسدد له رأيه بما قال (3)، فلما بلغ كلامه أبا بكر والمسلمين فازدادوا عليه حنقا وغيظا، وأما خالد بن الوليد فإنه حلف وعاهد الله عز وجل لئن قدر عليه ليقتلنه وليجعلن رأسه أثفية للقدور.
قال: ثم ضرب خالد عسكره بأرض بني تميم، وبث السرايا في البلاد يمنة ويسرة. قال: فوقعت سرية من تلك السرايا على مالك بن نويرة فإذا هون في حائط له ومعه امرأته وجماعة من بني عمه، (4) قال: فلم يرع مالك إلا والخيل قد أحدقت به فأخذوه أسيرا وأخذوا امرأته معه وكانت بها مسحة من جمال. قال: وأخذوا كل من كان من بني عمه فأتوا بهم إلى خالد بن الوليد حتى أوقفوا بين يديه. قال: فأمر خالد بضرب أعناق بني عمه بديا. قال: فقال القوم: إنا مسلمون فعلى ماذا تأمر بقتلنا؟ قال خالد: والله! لأقتلنكم، فقال له شيخ منهم: أليس قد نهاكم أبو بكر أن تقتلوا من صلى للقبلة؟ فقال خالد بلى قد أمرنا بذلك ولكنكم لم تصلوا ساعة قط، قال: فوثب أبو قتادة (5) إلى خالد بن الوليد فقال: أشهد أنك لا سبيل لك
পৃষ্ঠা ১৯
عليهم، قال خالد: وكيف ذلك؟ قال: لأني كنت في السرية التي قد وافتهم فلما نظروا إلينا قالوا: من أين أنتم؟ قلنا: نحن المسلمون، فقالوا: ونحن المسلمون، ثم أذنا وصلينا فصلوا معنا، فقال خالد: صدقت يا [أبا] (1) قتادة إن كانوا قد صلوا معكم فقد منعوا الزكاة التي تجب عليهم ولا بد من قتلهم. قال: فرفع شيخ منهم صوته وتكلم فلم يلتفت خالد إليه وإلى مقالته فقدمهم فضرب أعناقهم عن آخرهم. (2) قال: وكان أبو قتادة قد عاهد الله أنه لا يشهد مع خالد بن الوليد مشهدا أبدا بعد ذلك اليوم.
قال: ثم قدم خالد مالك بن نويرة ليضرب عنقه فقال مالك: أتقتلني وأنا مسلم أصلي إلى القبلة! فقال له خالد: لو كنت مسلما لما منعت الزكاة ولا أمرت قومك بمنعها والله! ما نلت ما في مثابتك حتى أقتلك. قال: فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته فنظر إليها ثم قال: يا خالد! بهذه قتلتني؟ فقال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن دين الإسلام وجفلك لإبل الصدقة وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم. قال: ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا (3). فيقال إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك (4) ودخل بها، وعلى ذلك أجمع أهل العلم.
.
পৃষ্ঠা ২০
ذكر أمر مسيلمة الكذاب
পৃষ্ঠা ২১
ذكر سجاح بنت الحارث (1) التميمة لما زوجت نفسها من مسيلمة
قال: وظهر أمر مسيلمة باليمامة وانتشر ذكره في الناس، وسمعت به سجاح بنت الحارث (1) التميمية وقد كانت ادعت النبوة (2) وتبعها رجال من قومها غيلان بن خرشة (3) والحارث (4) بن الاهتم وجماعة من بني تميم. (5) قال: وكان لها مؤذن (6) يؤذن بها ويقول: أشهد أن سجاح (1) نبية الله. قال: فسارت سجاح (1) هذه إلى مسيلمة الكذاب سلمت عليه بالنبوة وقالت: إنه بلغني أمرك وسمعت بنبوتك وقد أقبلت إليك وأحببت أن أتزوج بك، ولكن أخبرني ما الذي أنزل إليك من ربك؟ فقال مسيلمة:
أنزل علي من ربي: لا أقسم بهذا البلد، ولا تبرح هذا البلد، حتى تكون ذا مال وولد، ووفر وصفد، وخيل وعدد، إلى آخر الأبد، على رغم من حسد. قال:
فقالت سجاح (1): إنك نبي حقا، وقد رضيت بك وزوجتك نفسي، ولكن أريد أن تجعل لي صداقا يشبهني، قال مسيلمة: فإني قد فعلت ذلك. قال: دعا مسيلمة بمؤذنه (7) فقال: ناد في قوم هذه المرأة: ألا! إن نبيكم مسيلمة قد رفع عنكم صلاتين (8) من الخمس التي جاء بها محمد بن عبد الله، وهي صلاة الفجر وصلاة العشاء الأخيرة، فقالت سجاح (1): أشهد أنك لقد جئت بصواب.
قال: وضج المسلمون إلى أبي بكر رضي الله عنه وقالوا: يا خليفة
পৃষ্ঠা ২২
رسول الله! قد انتشر من ذكر هذا الملعون الكذاب بأرض اليمامة. قال: فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا تعجلوا فإني أرجو أن الله تبارك وتعالى قد أذن في هلاكه.
ذكر كتاب أبي بكر رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد في أمر مسيلمة
قال: ثم كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد رضي الله عنهما وهو يومئذ مقيم بالبطاح (1) فكتب إليه (2):
(بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن عثمان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد ومن معه من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان.
أما بعد يا خالد! فإني قد أمرتك بالجد في أمر الله والمجاهدة لمن تولى عن سبيل الله إلى غيره ورجع عن دين الإسلام والهدى إلى الضلالة والردى، وعهدي إليك يا خالد أن تتقى الله وحده لا شريك له، وعليك بالرفق والتأني، [وإياك ونخوة بني المغيرة] (3)، وسر نحو بني حنيفة ومسيلمة الكذاب، واعلم بأنك لم تلق قوما قط يشبهون بني حنيفة في البأس والشدة، فإذا قدمت عليهم، فلا تبدأهم بقتال حتى تدعوهم إلى داعية الإسلام، واحرص على صلاحهم، فمن أجابك منهم فأقبل ذلك منه، ومن أبي فاستعمل فيه السيف.
واعلم يا خالد بأنك إنما تقاتل قوما كفارا بالله وبالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا عزمت على الحرب فباشرها بنفسك، ولا تتكل على غيرك، وصف صفوفك واحكم بعينك (4) واجزم (5) على أمرك، واجعل على ميمنتك رجلا ترضاه، وعلى ميسرتك مثله، واجعل على خيلك رجلا عالما صابرا، واستشر من معك من أكابر (6) المسلمين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فان الله تبارك وتعالى موفقك بمشورتهم.
পৃষ্ঠা ২৩
واعرف للمهاجرين والأنصار حقهم وفضلهم، ولا تكسل ولا تفشل، وأعد السيف للسيف والرمح للرمح والسهم للسهم، واستوص بمن معك من المسلمين خيرا، ولين الكلام وأحسن الصحبة واحفظ وصية نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في الأنصار خاصة.
أن (1) تحسن إلى محسنهم وتتجاوز عن مسيئهم، وقل: لا حول ولا قوة إلا بالله).
قال: فلما ورد الكتاب على خالد بن الوليد جمع أصحابه ثم قرأ عليهم الكتاب وقال: ما الذي ترون الآن من الرأي؟ فقالوا: الرأي رأيك وليس فينا أحد يخالفك.
قال: فعندها عزم خالد على المسير إلى مسيلمة وأصحابه (2)، وكتب حسان بن ثابت الأنصاري إلى محكم بن الطفيل وزير مسيلمة يهدده، قال: فلما وصل كتابه إلى محكم بن الطفيل هذا الذي هو وزير مسيلمة وقرأه أرسل إلى وجوه أهل اليمامة فجمعهم ثم أقبل عليهم فقال: يا بني حنيفة! هذا خالد بن الوليد قد سار إليكم في جمع المهاجرين والأنصار وإنكم تلقون غدا قوما يبذلون أنفسهم دون صاحبهم، فابذلوا أنفسكم دون صاحبكم. قال: فقالت بنو حنيفة: سيعلم خالد غدا إذا نحن التقينا أنا بخلاف من لقي من العرب، فقال محكم بن الطفيل: هذا الذي أريده منكم. قال: وبلغ بني حنيفة أن خالدا قد سار إليهم في الحد والحديد والخيل والجنود فاجتمعوا إلى رجل واحد من أكابرهم يقال له ثمامة بن أثال (3) - وكان ذا عقل وفهم ورأى وكان مخالفا لمسيلمة على ما هو عليه - فقالوا له: يا أبا عامر! إنه قد سار هذا الرجل إلى مقاتلتنا يريد قتلنا وبوارنا واستئصالنا عن جدبة الأرض، فهذا مسيلمة بن حبيب بين أظهرنا وقد ادعى ما قد علمت من النبوة، فهات الذي عندكم من الرأي (4).
পৃষ্ঠা ২৪