بأنه مجاز في التعليم والثاني بأنه يوجب التجوز في التعليق أو في مورده أو التقدير وعلى التقادير فهو خروج عن الظاهر من غير قرينة فتدبر والضمير في عرضهم راجع إلى المسميات دون الأسماء بدليل قوله تعالى أنبئوني بأسماء هؤلاء والثالث بأصالة عدم سبق الحادث الثاني قوله تعالى واختلاف ألسنتكم وجه الدلالة أنه تعالى جعل اختلاف الألسنة من آياته وليس المراد به العضو المخصوص إذ ليس له اختلاف بين بحيث يصلح لان يفرد من بين الجوارح بالذكر مع أن الاختلاف في غيره أشد وأظهر بل المراد اختلاف اللغات بالتوسع فيها بعلاقة السببية أو في الإضافة أو بتقديرها مضافا أو ظرفا و إنما يكون اختلافها من آياته إذا كان هو الواضع لها وفيه أن كون اختلاف اللغات من آياته لا يستلزم أن يكون هو الواضع لها بل يكفي فيه إقدار عباده على ذلك بل هو أحرى بأن يكون آية احتج أصحاب أبي هاشم بقوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه حيث دل على سبق اللغة على الارسال فلو كان الواضع هو الله تعالى لتقدم الارسال عليها لتوقف البيان عليه وفيه أن المتبادر من الرسول الشخص المبعوث لتشريع الاحكام وتبليغها عنه تعالى إلى الأنام فلا ينافي سبق الارسال لتعليم اللغة عليها ولو سلم فيجوز أن يكون البيان بطريق التعليم دون الرسالة وقد يجاب أيضا بأن التعليم يجوز أن يكون بطريق خلق الأصوات أو العلم الضروري و الأول لا ينفك عن الثاني فيما يتوقف عليه الافهام ورد بأنه خلاف المعتاد فلا أقل من أن يظن بخلافه إن لم يقطع به احتج أبو إسحاق على أن القدر المحتاج إليه في الاصطلاح من الله تعالى أنه لو كان من البشر لدار أو تسلسل لتوقفه على اصطلاح آخر وفيه أن طريق العلم بالأوضاع لا ينحصر في الألفاظ لامكانه بطريق الإشارة والترديد بالقرائن الحالية كالأطفال يتعلمون اللغات من غير سبق علم منهم بلغة فصل الجمهور على أن المجاز موضوع بالوضع التأويلي التعييني النوعي و أن صحته متوقفة على نقل النوع ولا حاجة إلى نقل الآحاد وخالف في ذلك شرذمة فاعتبروا نقل الآحاد ويلزمهم أن يكون المجازات التي أحدثها فصحاء المتأخرين وغيرهم مما لا يسع أحد حصرها غلطا وهو غلط لا يلتزم به ذو مسكة وربما فصل بعض الأفاضل بين الألفاظ التي ضبطوا معانيها المجازية كالحروف وصيغ الامر و النهي وبين غيرها فاقتصر في الأول على القدر المنقول دون الثاني فإن أراد الظاهر في الصورة الأولى أن لا يكون هناك معنى آخر يكون بينه وبين معانيها الحقيقية علاقة معتبرة لحصرهم المعول فيه عندهم على الاستقراء فله وجه إن ثبت منهم في مقام حصر وإلا فضعفه ظاهر ثم ذكر جماعة أن أنواع العلاقة ترتقي إلى خمسة و عشرين نوعا ونحن نذكر عدة منها ويمكن إرجاع البواقي إليها و هي المشابهة إما بالاشتراك في الشكل كالفرس للصورة المنقوشة أو الجسم المعمول على هيئته أو في صفة ظاهرة كالأسد للرجل الشجاع واحترزوا بقيد الظهور عن إطلاقه على الأبخر ونحوه فإنه لا يصح وأن معناه المستعمل فيه كان على معناه الأصلي كالعنب للعصير وأنه يئول إليه كالعصير للعنب وكونه جزه كالأصابع للأنامل و بالعكس كالرقبة للانسان والعين للربيئة واشترطوا في هذا النوع أن يكون الجز من مقومات الكل حتى إنه يصح إطلاق العين على الربيئة من حيث كونه ربيئة ولا يصح إطلاقه عليه من حيث كونه إنسانا وكونه أعم منه كالمرسن للأنف أو أخص منه كالأنف للمرسن إذا أريد به من حيث الخصوصية وكونه مسببا عنه كالغيث للنبات أو سببا له كالنبات للغيث أو مشروطا به كإطلاق الايمان على الصلاة في قوله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم على ما قيل وكونه حالا فيه كالقرية لأهلها وعكسه كعكسه وكونه مظروفا له كالنهر لمائه وعكسه كعكسه وكونهما في محل واحد كالحياة للعلم و المجاورة في الخارج في محلين أو حيزين ومثل بإطلاق السلطان على الوزير أو في الخيال كإطلاق أحد الضدين على الاخر لأنهما كالمتلازمين في التصور كما في قوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم أو في الذكر ويعبر عنها بعلاقة المشاكلة أيضا ومرجعها إلى التعبير عن الشئ بلفظ غيره لوقوعه في جنبه كإطلاق الطبخ على الخياطة في قوله قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه قلت اطبخوا لي جبة وقميصا ومن حصر العلاقة في الاتصال صورة أو معنى أراد بالاتصال الصوري علاقة المشاكلة وبالاتصال المعنوي البواقي و منهم من جعل إطلاق الطبخ على الخياطة لعلاقة المجاورة في الخيال لان خياطة الجبة والقميص لما كانت مطلوبة عنده ارتسم صورتها في خياله لكثرة ما ناجى به نفسه فإذا أورد صورة الطبخ في خياله جاز أن يعبر به عنها ورد على من جعل الاستعمال فيه بعلاقة المجاورة في الذكر بأن الأكثر لم يذكروها وأن حصولها بعد الاستعمال والعلاقة لا بد أن تكون حاصلة قبله ويمكن دفع الأول بأن الأكثر لم يحافظوا على حصر الأنواع فلا يكون في عدم ذكرهم لها ودلالة على عدم اعتبارها والثاني بأن المراد بالمجاورة ما يتناول المجاورة الشأنية وهي حاصلة قبل الاستعمال أيضا هذا و التحقيق عندي أن هذه العلاقة والتي قبلها مما لا عبرة بهما فإن إطلاق أحد الضدين على الاخر ليس للمجاورة في الخيال للقطع بأنها غير ملحوظة عند الاستعمال على ما هو شأن العلاقة المصححة بل إما لعلاقة التضاد أو لغيرها من العلاقات فإن كون الشئ فرد المفهوم أحد الضدين يصحح تنزيله منزلة كونه فردا لمفهوم الضد الاخر و استعارة لفظه له قصدا إلى التمليح أو التهكم كقولك للجبان هو أسد فتنزل ما فيه من الجبن منزلة الشجاعة أو تنزله منزلة أحد أفراد الشجاع قصدا إلى ما ذكروا العلاقة هي التضاد بالتأويل المذكور وقد يطلق عليه اسم الضد لعدم الاعتداد بما فيه من الوصف كقولك للعالم هو جاهل أو للمشابهة ومنها إطلاق السيئة على مجازات السيئة حيث إنها تقع على صورة السيئة وإن تجردت عن وصفها ويجوز أن يكون لعلاقة الثانية لأنها من شأنها أن تكون سيئة وإن عرت عنها بالعرض كما في إطلاق المنكر على الخمر المراقة وأن يكون لعلاقة السببية و المسببية حيث إنها مسببة عنها وأما إطلاق الطبخ على الخياطة فليس لعلاقة المجاورة بكلا قسيمها لما مر من أنها غير ملحوظة في
পৃষ্ঠা ২৪