108

لما تبين في محله من امتناع وجود الكلي الطبيعي في الخارج فيمتنع تعلق التكليف بها فيتعين أن يكون المطلوب به الفرد وهو المطلوب والجواب منع المقدمة الأولى فإن التحقيق إمكان الوجود الكلي الطبيعي في الخارج كما عليه معظم المحققين وبيانه موكول إلى فنه وأجاب الفاضل المعاصر بعد التنزل عن الأصل المذكور بأن من ينكر وجود الكلي الطبيعي في الخارج لا ينكر وجوده في العقل وأن العقل ينتزع من الافراد الخارجية باعتبار نفس ذواتها أو بانضمام أمور طارئة عليها مفاهيم كلية لها نوع اتحاد مع الافراد فنقول حينئذ لا مانع من تعلق الطلب بذلك المفهوم الكلي وإن امتنع وجوده في الخارج لان امتناعه مبني على التدقيقات الحكمية وأهل العرف يفهمون من تلك الخطابات أن المطلوب ذلك المفهوم الكلي من غير عبرة بخصوصيات الافراد ويزعمون إمكان وجوده في الخارج في ضمن الفرد ولا ريب أن الخطابات الشرعية تحمل على حسب ما يتفاهمه أهل العرف لا على ما يقتضيه التدقيقات الحكمية هذا محصل كلامه أقول لا خفاء عند أولي الأنظار المستقيمة أن تكاليف الشارع إنما تتعلق بما يصح تعلقها به واقعا لا ما يصح في زعم أهل العرف فالطبيعة من حيث هي إذا امتنع في الواقع تحققها في الخارج امتنع تعلق التكليف بها لأنه تكليف بالممتنع وهو مما يقبح صدوره عن الحكيم العالم وزعم أهل العرف إمكان حصولها في ضمن الفرد لا يؤثر في رفع الاستحالة والقبح بعد علم الامر بخلافه وهل ذلك إلا كطلب إبصار الجسم حقيقة إذا زعم أهل العرف أنه مما يمكن إبصاره مع أنه قد تقرر في محله أنه محال نعم يجوز أن يكلف بإيجاد ما يزعم أن الطبيعة موجودة فيه أو يزعم أنه إبصار للجسم لكنه يرجع في الحقيقة إلى الامر بالفرد لا بالطبيعة وبإبصار اللون والشكل لا الجسم لا يقال ما ذكر إنما يتجه إذا أريد تعلق الطلب بالطبيعة باعتبار نفسها وأما إذا أريد تعلقه بها باعتبار ما تصدق عليه من الافراد فلا لأنا نقول كلام المجيب مبني على الوجه الأول إذ الوجه الثاني يرجع إلى تعلق الطلب بالفرد دون الطبيعة ومعه يتم مقصود الخصم و اعلم أنه قد اشتهر في العبائر والألسنة أن الأحكام الشرعية لا تبتني على التدقيقات الحكمية والعقلية بل تنزل على حسب الافهام العرفية ولهذا الكلام تحقيق وهو أن من الافراد و الأجزاء ما يكون فرديته وجزئيته بحسب العقل دون العرف حتى أنهم يفهمون من ألفاظها في المحاورات ما عدا ذلك الفرد وذلك الجز كما في لون النجس إذا تخلف في جسم طاهر فإنه لا ينفك عن أجزاء صغار متخلفة من ذلك في ذلك النجس بناء على امتناع انتقال العرض وأن حصوله ليس بالاعداد أو علم ذلك في خصوص مورد كما في الدخان المتصاعد عن النجس والبخار الحاصل منه فإنهما لا ينفكان عن أجزاء متصاغرة جدا من العين النجسة عند التحقيق و التدقيق إلى غير ذلك مع أن أهل العرف لا يعدونها أجزاء منها ففي مثل ذلك لا يحمل اللفظ إلا على حسب ما يتفاهمه أهل العرف وقس على ذلك الحال في نظائره كوحدة الموضوع وتعدده وبقائه و انعدامه في جريان الاستصحاب وعدمه إلى غير ذلك وليس المراد أن التدقيقات العقلية إذا قضت بامتناع شئ لم يعبأ بها لمخالفة أهل العرف لها فإن ذلك ربما يؤدي إلى هدم أساس الشريعة ثم إنه أورد على القول المذكور إيرادين أحدهما أنه يلزمهم كون أكثر خطابات الشرع مجازات حيث أطلق اللفظ الموضوع بإزاء الطبيعة من حيث هي وأريد به الفرد ويمكن دفعه بأن الامر على هذا لا يستعمل إلا في طلب الافراد فلا يكون موضوعا لغيره ولو سلم فاللازم صيرورته منقولا إليه بالاستعمال والهجر فإن قيل يمكن دفعه أيضا بأن إطلاق الكلي على الفرد إنما يوجب التجوز إذا أطلق وأريد به الفرد من حيث الخصوصية وأما إذا أطلق وأريد الفرد من حيث يتحقق الطبيعة الكلية فيه وأريد خصوصية الفرد من قرينة خارجية كامتناع تعلق الحكم بالطبيعة من حيث هي لم يلزم ذلك قلنا هذا إنما يتم على القول بوجود الطبائع في الخارج كما هو المختار وأما على القول بعدمه كما يراه الخصم فلا إذ لا تحقق للطبيعة حينئذ في ضمن الافراد حتى يطلق عليه اللفظ باعتباره الثاني أن الدليل المذكور إنما يفيد أن المطلوب هو الفرد في الجملة فإن عين كان تحكما وإن اعتبر فردا ما بقي الاشكال لأنه كلي أيضا وفيه نظر لأنا لا نسلم أن فردا ما كلي بل جزئي مردد وتوضيح ذلك أن الماهية تعتبر تارة من حيث هي هي بهذا الاعتبار إذا وجدت في العقل كانت صالحة للصدق على كثيرين فهي كلي بلا إشكال وتارة من حيث تحققها في ضمن فرد بخصوصه وهذا جزئي بلا إشكال وأخرى من حيث تحققها في ضمن أحد الافراد لا على التعيين وهذا أيضا جزئي لان الماهية حينئذ مأخوذة مقيدة بقيد التشخص المانع من الشركة والصدق على كثيرين إلا أن تقييدها بكل شخص تقييد ترديدي لا تعييني وذلك لا يصيرها كليا لظهور أن هذا المفهوم لا يتم إلا بأخذ تشخص من التشخصات معه ومعه لا يحتمل الصدق على غيره وإن كان التقييد بكل شخص غير لازم على التعيين ووصف الجزئية إنما يعرض للماهية ومن حيث تقييدها بالتشخص ولا مدخل لكون التقييد تعيينا [تعينا] في ذلك فتبين من تحقيقنا هذا أن النكرات من المفردات المنونة بتنوين التنكير وما في حكمها والمثنى والمجموع جزئيات وليست بكليات كما سبق إلى كثير من الافهام ولو كان مدلول النكرة الماهية المقيدة بمفهوم الفرد دون مصداقه لامتنع إفادتها لمعنى البدلية ضرورة أن الكلي المقيد بكلي آخر كلي ثالث يتساوى نسبة صدقه إلى جميع أفراده من غير بدلية لامتناع وجود كلي في أفراده بطريق البدلية لكن هذا البيان بظاهره كما ترى إنما يتجه على القول بوجود الكلي الطبيعي في الخارج فلا يلائم مقالة الخصم بل الوجه في توجيه كلامه أن يقال مفاد النكرة عند هذا القائل كل واحد من الافراد على وجه يجوز قيام الاخر مقامه في كونه مفاد اللفظ ومتعلقا للحكم أو يقال ليس المراد بالفرد مفهوم الفرد باعتبار كونه هذا المفهوم بل باعتبار ما صدق عليه وهو جزئي قطعا فيرجع التكليف على هذا إلى مطلوبية مصداق فرد من الماهية لا على التعيين فالامر يعتبر الماهية آلة لملاحظة حال أفرادها ويأمر بكل واحد منها على البدلية فيكون بمنزلة الواجب

পৃষ্ঠা ১০৮