بالتصفيق وحناجرهم بالثناء، ثم تمر أيام الاحتفال وينغمس الناس كرّة أخرى في لجّة الحياة، فينسون الحفلة والخطب، ولا يبقى لها في نفوسهم إلا ذكرى ضئيلة أو صورة واهية لعبقرية خطيب أو براعة شاعر.
هذا ما فكرت فيه ساعة أخذت كتاب جمعية «التمدّن الإسلامي» الذي تكلفني فيه بالكلام في هذه الحفلة؛ قلت في نفسي: لقد خطبت كثيرًا من الخطب الحماسية المجلجلة وهززت الناس بها هزًا، فأين أثرها؟ لم يبق منه شيء. إذن فلن أعيد على الناس حديث الحماسة، ولن أقرأ عليهم صفحات التاريخ، ولكني سأحدثهم حديث الحياة.
أوَلم يكن مولده ﷺ حياة لهذا العالَم، وحياة الفضائل البشرية والمثل العليا؟ فلماذا لا تكون ذكرى هذا المولد مطلع حياة جديدة لنا؟
إذن فليكن موضوعي: «الإسلام والحياة».
* * *
أيها السادة، ليس الخطيب الجريء هو الذي يهزّ عواطف الجمهور بكلمات سطحية فارغة ولكنها رنّانة مثل الطبل، ولا الذي يصرّخ فيهم ويرفع صوته يزيّن لهم ما هم فيه ويحسّن لهم حاضرهم، ولكن الخطيب الجريء هو الذي يبحث بحثًا عقليًا، ويدرس ناحية من الموضوع درسًا عميقًا، ويقول للجمهور: إن ما أنت عليه باطل، إن الحق هو ما سأسوقه إليك.
1 / 17