ليلة الميعاد
ولما كان المساء ذهب دارتانيان إلى ميلادي فتلقته باسمة الثغر بشوشة الوجه، فعرف أن الرسالة قد وصلتها، فلبث عندها مدة وخرج فصعد إلى غرفة كاتي وأقام عندها حتى قربت ساعة الميعاد وسمع دارتانيان حركة ميلادي في غرفتها، فدخل الخزانة ودعت ميلادي بالخادمة وكلمتها وصرفتها، ثم أطفأت المصباح، فوثب دارتانيان من مكمنه إلى عتبة باب ميلادي فقالت: من هذا؟ فقال: أنا الكونت دي ويرد. فقالت: ادخل فأنا في انتظارك. وجعلت تتلطف به وتسأله عن جروحه وهو يجيبها بصوت منخفض، ثم دست في إصبعه خاتما وقالت: خذ هذا واذكرني به. فأخذه وأقام عندها في ذلك الظلام إلى أن دنا الفجر، فودعها وخرج، فشيعته إلى باب الدار وهي مظلمة لا نور فيها وذهب إلى بيته فنام، ثم نهض في الصباح إلى أتوس فقص عليه القصة، وفيما هو يكلمه كانت عين أتوس لا تبرح من الخاتم الذي في يده، فقال له دارتانيان: أراك تكثر التأمل في هذا الخاتم. قال: نعم، إنه خاتم عائلة شريفة خاص بها، فهل استعضت به عن خاتم الملكة؟ قال: لا، بل أعطتنيه ميلادي. فامتقع لون أتوس من ذلك وأخذ الخاتم وجعل ينظر إليه كالمتأمل والغيظ باد على وجهه، ثم وضعه في إصبعه فجاء طبقا كأنه صنع له، فقال له دارتانيان: هل عرفته؟ قال: أظن أني أعرفه وقد أكون مخطئا. ثم نزعه من إصبعه وأعطاه لدارتانيان وقال له: أدر فصه إلى باطن كفك فإنه يذكرني حكاية لا أقدر أن أقصها عليك، فلا تستشرني بعدها أبدا، ولكن أرنيه ثانية لعل في فصه كسرا. وأخذه ونظره فإذا به كذلك، فقال له دارتانيان: ماذا تعني بهذا؟ قال: هذا الخاتم لي من أمي، وقد وهبته في ليلة مثل ليلتك البارحة؛ ولهذا قلت لك إنه خاتم عائلة فإياك وهذه الامرأة، فما إخال إلا أن لها شأنا مشئوما وإنها من الفواجر. فقال دارتانيان في نفسه: إن في مسألة هذه الامرأة سرا لا بد لي من اكتشافه. ثم سلم وخرج إلى بيته فوجد فيه كاتي ومعها رسالة للكونت ويرد تسأله فيها أن يزورها، فقرأها دارتانيان وكتب:
لقد حال بيني وبين زيارتك أمر لا بد لي من الذهاب فيه، ولعلي أراك بعد ذلك.
الكونت ويرد
وأعطى الجواب للفتاة وحرضها على الصبر وأنه يحبها وأن تحذر سيدتها، فأطاعت وذهبت إلى سيدتها. فلما قرأت جواب الرسالة التفتت إلى الفتاة وقالت: ما هذا؟ فقالت: جواب رسالتك يا سيدتي. فاصفر لون ميلادي وقالت: ليست هذه رسالته ولا يكتب رجل لامرأة مثل هذا، فويل له. ثم سقطت مغشيا عليها، فجاءت الخادمة وأنهضتها، فنهضت وصاحت بها: اخرجي لا بارك الله فيك وانتقم الله ممن لا ينتقم.
الفصل الثلاثون
الزيارة
وانقطع دارتانيان عن ميلادي أياما لا يزورها حتى قلقت وفرغ صبرها، فأرسلت إليه مع كاتي هذه الرسالة:
راجع أحبتك الذين هجرتهم
إن المتيم قلما يتجنب
অজানা পৃষ্ঠা