اذهبي إلى أول رقص يحضره بيكنهام، وتلطفي في الدنو منه، وخذي من العقد الماس الذي في صدره فصين بدون أن يشعر، ثم أخبريني في الحال.
الفصل الثاني عشر
رجال القلانس ورجال السيوف
وفي اليوم الثاني من هذه الحادثة افتقد دي تريفيل أتوس فلم يجده، فسأل عنه فأخبره أصحابه بما جرى له في السجن. وكان أراميس قد طلب إذنا وسافر إلى روين لأعمال تختص بعائلته ، وذهب دي تريفيل يبحث عن أتوس فعلم أنه مسجون في سجن فورسيفيك وأنه لم يقر بشيء يمس دارتانيان سوى أنه قال إنه لا يعرف بوناسيه ولا امرأته، بل إنه أتى صاحبه يزوره عند الساعة العاشرة فلم يجده، فأقام ينتظره فأتاه الجند وأخذوه وأقر بما ذكرنا حتى يئسوا منه في السجن فأرسلوه إلى الكردينال فلم يصبه في منزله لأنه كان قد ذهب إلى اللوفر. أما دي تريفيل، فبعد أن علم عن أتوس ما علم ذهب إلى مقابلة الملك.
وكان الملك شديد الغيرة والحقد على الملكة في عشقها لبيكنهام، وكان الكردينال يحثه على ذلك ويشير عليه بما يفعل، وكان أكبر همه مؤاخاة الملكة لدي شفريز حتى كان ذلك يشغله عن أعدائه الإسبان والإنكليز ويلهيه عن ضيق الحال وقلة المال في الخزينة. وكان أول ما قاله له الكردينال أن دي شفريز قد قدمت من منفاها وأقامت في باريز عدة أيام حتى توصلت إلى الملكة ببعض خادماتها، وغير ذلك من هذا النحو متحاشيا له في كل حديثه ذكر بيكنهام، فثار غيظ الملك لذلك وتقدم إلى باب الملكة وأهوى بيده عليه يريد فتحه، فدخل عليه دي تريفيل فارتد الملك عن عزمه وعاد إليه، فقال له: لقد كثرت الشكوى على رجالك يا دي تريفيل. قال: وأنا لي شكوى على رجال القلانس يا مولاي. فقطب الملك حاجبيه وقال: كيف قلت؟ قال: قلت يا مولاي إن بعض رجال الشرطة الذين هم نظام الملك وعليهم مدار الأمن قد تهجموا على أحد رجالي أو رجالك يا مولاي وأخذوه إلى سجن فورسيفيك، وهو رجل لا يجهله الملك أطال الله بقاءه ويدعى أتوس. قال: نعم أعرفه. قال: وهو الذي بلغك عنه أنه جرح دي كاهيساك في البراز، ثم التفت إلى الكردينال فقال: وعساه شفي من جرحه؟ فأجاب الكردينال وهو يعض شفته من الغيظ: نعم والحمد لله. فعاد دي تريفيل إلى مخاطبة الملك فقال: وقد ذهب أتوس لزيارة صديق له من حرس دي زيسار فلم يجده، وفيما هو قائم في انتظاره هجمت عليه الشرطة وقادته إلى السجن. فأشار الكردينال إلى الملك إشارة معناها: كان ذلك لما أخبرته به، فقال الملك: قد عرفنا كل ذلك، وإنما كان في سبيل خدمتنا. قال: ما أظن خدمتك يا مولاي تقضي بالقبض على رجل طاهر الذيل وقوده مكبلا بين جم غفير من الناس إلى السجن، وهو الذي طالما بذل دمه في سبيل رضاك. فقال الملك: أوكذلك جرى؟ فقال الكردينال: أرى دي تريفيل يكتم ما صنعه هذا الرجل من هجومه على أربعة من رجالي وهم في مهمة بعثتهم لها. فقال دي تريفيل: أحاشيك يا مولاي من الخطأ في القول والزلة في الحكاية، فإن أتوس من أحسن رجالي أدبا وكرم أخلاق، وقد تغدى عندي وأقام زمانا يحادث الكونت شاليس والدوق دي ترمويل وهما في منزلي. فنظر الملك إلى الكردينال نظرة المستفهم، فأجاب الكردينال: لقد أصبحنا في مشكل يا مولاي لا يفض إلا بالأيمان، فقال دي تريفيل: وهل يستحق رجال القلانس حلف رجال السيوف؟ فقال الملك: صه يا دي تريفيل، فقال: إذا كان سيدي الكردينال يتهم أحدا من رجالي فأنا راض بمحاكمته لديه، فقال له الكردينال: إن البيت الذي جرت فيه الحادثة يسكنه أحد أصحاب رجالك. قال الملك: تعني دارتانيان؟ قال: هو الذي أردت. ثم قال لدي تريفيل: أفلا تظن أنه أغرى أتوس؟ قال: لا، فذلك بعيد عن الإمكان؛ إذ كيف يغري رجلا أكبر منه سنا وأوفر عقلا وحزما، وفوق ذلك فإن دارتانيان قد سمر عندي. قال: عجبا، أتسمر عندك جميع الناس؟ قال: أوترتاب في كلامي؟ قال: معاذ الله، ولكن في أية ساعة كان عندك؟ قال: ذلك أقدر أن أقوله لأني عندما قابلته نظرت في الساعة فكانت تسعا ونصفا على حين كنت أظنها أكثر من ذلك. قال: وفي أية ساعة خرج؟ قال: في الساعة العاشرة والنصف. قال: ذلك بعد الحادثة بساعة، ولكن أعلم أن أتوس قد أخذ في ذلك البيت في شارع فوسوايه. قال: وهل يحظر على صديق أن يزور صديقه؟ قال: نعم إذا كان بيته مشبوها، فقال الملك: أوما تعلم أنه مشبوه يا دي تريفيل؟ قال: لا وحياة رأسك يا مولاي، ومع ذلك فقد يمكن أن يكون كما قال، ولكن بيت دارتانيان لا أراه مشبوها وهو أخلص الخدم للملك والكردينال وأسرع الناس في خدمة المملكة. فالتفت الملك إلى الكردينال فقال: أوليس هو الذي جرح جيساك؟ فاحمر الكردينال غيظا وحنقا وقال: نعم يا مولاي، ثم جرح برناجو، فقال الملك: فما تصنع الآن؟ قال: ذلك يتعلق بك يا مولاي إلا أني أرى الحراس مخطئين، فقال دي تريفيل: وأنا لا أراهم إلا أبرياء، وفوق ذلك فإن عندنا قضاة يحكمون في الأمر. قال الملك: صدقت، فلنعرض القضية على القضاة، فقال دي تريفيل: إنه يسوءني يا مولاي أن يقف الرجال الخلصاء الأمناء لدى المحاكم، فإن ذلك مما يجرئ رجال الشرطة عليهم. فقال الملك وقد أخذته سورة الغضب: وما أنت والشرطة يا دي تريفيل؟ انظر إلى رجالك ودع غيرك في قومه، أم تظن أن إمساك أحد الحراس يثير الحرب في فرنسا؟ لا والله، بل لو أمسك منها عشرة أو مائة أو أمسكوا جميعا ما تجرأ أحد على أن ينبس بكلمة. قال: إذا كان ذلك حكمك يا مولاي وإلى هذا الحد غيظك على الحراس فأنا أسلمك سيفي وأعتفي من منصبي، فهو خير من أن يشكو علي الكردينال غدا فأسجن كما سجن أتوس، فقال الملك: أقصر الآن. قال: لا والله، أو أن ترد لي الرجل أو تأمر بمحاكمته. فقال الكردينال: صدقت فليحاكم. فقال دي تريفيل: أحسنت، وعند ذلك أستميح الملك أعزه الله في الاحتجاج عنه. قال الملك: أنا أطلقه لك بشرط أن لا يكون للكردينال شكاية أخرى عليه، وأن تقسم لي بأبي أن أتوس كان عندك في حين الحادثة. قال: ورحمة أبيك يا مولاي وحياتك بعده، فقال الكردينال للملك: اذكر يا مولاي أنا إذا أطلقناه تخفى علينا القصة. فقال دي تريفيل: إنه لا يبرح من عندي فيجيبك عن كل ما تسأله عنه، فكن في راحة من هذا القبيل. قال الكردينال: أنعم عليه بالإطلاق يا مولاي فأنت رب الإنعام .
فقال دي تريفيل: لا والله، ما هذا بإنعام، وإنما هو الحق إذا سطع نوره لا يحجب بالأكف ولا يطفأ بالأفواه، وإنما الإنعام والصفح لمن كان مجرما وليس أتوس في شيء من الجرم. فقال الملك: وهل هو في فورسيفيك؟ فقال دي تريفيل: نعم يا مولاي، وفي مكان لا يوضع فيه إلا المجرمون. فقال: وما يجب أن نصنع؟ قال الكردينال: أن تأمر بإطلاقه، وإذا احتجنا إليه فإن دي تريفيل كفيله ونعم الكفيل هو. فأخذ الملك الأمر ووقع عليه، فأخذه دي تريفيل وهم بالخروج، فقال الكردينال للملك: إنه ليسرني ما أرى من الغيرة في رؤساء رجالك على رجالهم ونعم ذلك فعلا. قال دي تريفيل: نعم يا مولاي بحسن طالع الملك ورفعة جده ودوام ملكه. ثم خرج فذهب إلى فورسيفيك فأخرج أتوس وقال له: هذا ثأر جيساك فاحذر من ثأر برناجو.
ولما خلا الكردينال بالملك قال له: وجب علي الآن أن أكلمك في أمر مهم يا مولاي، فإن بيكنهام قد أقام هنا خمسة أيام ولم يرحل إلا في هذا الصباح.
الفصل الثالث عشر
الملك والملكة والكردينال
فوقع هذا الكلام في أذن الملك وقوع الصاعقة، فأخذته حدة الغيظ وسورة الغيرة فقال: وما يقصد بيكنهام في مجيئه إلى هنا؟ فقال الكردينال: لا أشك في أنه آت ليواطئ أعداءك الإسبان عليك يا مولاي. قال: لا، بل ليواطئ دي شفريز ودي لونكفيل ودي كونده على خرق حرمتي. قال: لا يا مولاي، فإن الملكة أعف من أن ينسب إليها مثل ذلك على شدة حبها لك. قال: لا وأبي، فالنساء ضعيفات يملن مع الهواء، أما حبها لي فسأنظر فيه. قال: أما أنا فلا أظن مجيء بيكنهام إلا لأسباب سياسية. فقال الملك: وأنا لا أراه إلا لما ذكرت لك، وإذا كانت الملكة مخطئة فويل لها. قال: ليعدل الملك حفظه الله عن هذا الرأي، فإني قد سألت دي لانوي عن الملكة فقالت إنها لم تفارقها دقيقة قط، وقد رأتها تبكي ليلها أجمع وصرفت نهارها في الكتابة. قال: نعم، وإنها تكتب له، فلا بد لي من أن أرى أوراقها. قال: ذلك صعب المنال يا مولاي، وما أرانا نصل إليه أنا أو أنت. قال: كيف لا وقد فعلنا مثل ذلك بالماريشالة دانكر، ففتشنا خزائنها ثم فتشناها نفسها؟ قال: شتان دانكر والملكة، فإن تلك امرأة من بعض الخاصة وهذه حرمك يا مولاي ملكة فرنسا وسيدة الدنيا. قال: لقد أنزلتها هذه المنزلة فعافتها وعقتها، فسأنزل بها عن مكانها درجات يفتضح عندها عوارها، فقد ضاق صدري من أفعالها بين السياسة والعشق. قال: ذلك لا أسلم لك به، وإنما أقر لها أنها تنوي حطة ملكك، ومعاذ الله أن يكون في نيتها خرق حرمتك. قال: وأنا أقول لك إنها عازمة على الأمرين جميعا، فإنها لا تحبني بل تحب غيري وهو اللئيم بيكنهام، فلماذا لم تقبض عليه وهو في باريز؟ قال: إن ذلك يا مولاي مما لا يقال ولا يخال، فكيف تقبض على وزير إنكلترا الأولى وتكون في مأمن من حرب تتدمر بها البلاد، ولا سيما إذا حملك الغيظ على إنفاذ المكروه فيه، فيصبح لسان الإنكليز حينئذ وهو ينشدنا:
অজানা পৃষ্ঠা