وكان دي تريفيل قد دخل على الملك فوجده يشكو من الصيد ومتابعة الكردينال له في الكلام عن إسبانيا والنمسا وإنكلترا حتى قال له: إني غير راض عنك يا دي تريفيل. قال: لماذا، وأطال الله بقاء الملك؟ قال: لشدة وقاحة رجالك واستبدادهم حتى كادوا يحرقون باريز اليوم وأنت ساكت لا تردهم، وحتى هجم الأربعة الذين ذكرت لي على برناجو فجرحوه إلى الموت، ثم حاصروا منزل دي ترمويل وكادوا يحرقونه حتى خلت والله أن الحرب قد نشبت في فرنسا، ولعلك تنكر ذلك. قال: وممن سمعت هذا يا مولاي؟ قال: ومن عساه يكون سوى الكردينال القائم بأمر الملك حتى كفاني مئونة سياسته. قال: لعله غير مصيب في الرواية يا مولاي، وجل من لا يخطئ. قال: صدقت، أما الذي أخبرني بهذا الأمر فهو دي ترمويل. قال: لو أمر مولاي بإحضاره الآن وسؤاله. فدعا الملك بالحاجب فقال: علي بدي ترمويل في الحال، فقال دي تريفيل: ولكن تعدني يا مولاي بأنك لا تقابل أحدا بين مقابلتي ومقابلته. قال: لا، وموعدنا غدا إن شاء الله في أي ساعة جئت، ولكن حذار من أن يكون رجالك هم المخطئون. قال: إذا كانوا مخطئين فهم بين يدي الملك يجري عليهم عدله. قال: نعم، إلى غد. فدعا له دي تريفيل وخرج. فأوعز إلى رجاله بالمجيء إليه عند الساعة السادسة صباحا ففعلوا، وذهب بهم إلى السلم الصغير وقال لهم: إذا وجدت الملك راضيا عنكم دعوتكم وإلا أشرت لكم بالانصراف، ثم دخل، فلما بلغ ساحة القصر أخبره الحاجب أنه ذهب أمس إلى دي ترمويل فلم يجده وأنه الآن عند الملك، ولم يمض غير قليل حتى خرج دي ترمويل من قاعة الملك، وقال لدي تريفيل: لقد دعاني الملك ليعلم مني تفاصيل حادثة أمس، وقد أخبرته أن الذنب على خدمي وأنه يجب علي أن أعتذر إليك. قال: حياك الله، فهكذا كنت أرجو منكم، ومثلك من قضى الحق وحكى بالحق. وكان الملك واقفا على عتبة الباب يسمع ما دار بينهما فقال: أحسنتما وأبي، وأنا أرجو من الدوق دي ترمويل أن لا ينقطع عني لأنه صادق أمين، فلينصرف الآن، وأنت أين رجالك؟ قال: في انتظار أمرك يا مولاي. قال: علي بهم. فذهب الحاجب وعاد بهم حتى أوقفهم بالباب، فأشار إليهم الملك بالدخول وقال: لقد زاد أمركم وعظمت شجاعتكم يا قوم، أتقتلون سبعة من رجال الكردينال في يومين؟ إنه لأمر لو تعلمون عظيم، ثم نظر إلى دارتانيان وقال له: تقدم يا بني، فقد بلغني عنك أنك فتى وأنا أراك غلاما مراهقا، ثم التفت إلى دي تريفيل فقال: هذا الذي جرح دي جيساك؟ قال: نعم بسيفك يا مولاي، وجرح برناجو أيضا. فقال أتوس: ولو لم يخلصني من يد بيكارت لما أسعدني الحظ بالمثول في جنابك يا مولاي. قال: ولكني أرى أهل غسقونية على جانب من غثاثة العيش وقلة ذات اليد، وما ذاك إلا لقلة معادن بلادهم. ثم دعا بالحاجب فقال له: انظر في جيبي لعلك تجد شيئا من الدنانير فأتني به. ثم قال لدراتانيان: قص علي الحادثة ولا تفت منها حرفا. فمضى الفتى يقصها مضي الجواد في سنن ميدانه حتى أتى على آخرها، فقال له الملك: صدقت، فهكذا سمعتها، عزى الله الكردينال، فقد فقد سبعة من أعز رجاله عليه، وفي ظني أن ذلك يكفيكم في نظير أخذ الثأر، ثم أخذ من يد الحاجب قبضة من الدنانير فوضعها في يد دارتانيان، فأخذها وشكر، فقال لهم الملك: انصرفوا الآن، فإن علي موعدا. فخرجوا وهم يضجون له بالدعاء، ثم قال لدي تريفيل: كنت أود أن يكون هذا الفتى في جملة الحراس لولا ضيق المقام عنه، ولكن ضعه في جملة حرس ابن أختك دي زيسار، ودع الكردينال يرغي ويزبد، فما علي إذا كان العمل عدلا. ثم خرج. أما الكردينال فأقام ثمانية أيام لا يحضر ألعاب الملك.
الفصل الخامس
الحراس في أنفسهم
ولما فصل دارتانيان وأصحابه عن قصر اللوفر اقترحوا عليه طعاما فأجابهم وأكلوا جميعا، وكان يخدمهم على الطعام خادم بورتوس ويدعى موسكتون، وكان شديد الإخلاص لسيده، وهو بيكاردي الأصل. أما أتوس فكان له خادم يدعى كريمود، وكان أتوس كثير السكوت قليل الهذر قلما يتكلم أو يضحك ملء فيه، وإذا تكلم كان كلامه على غاية الاختصار والإيجاز، ولم يكن يعشق امرأة قط وإن يكن بلغ الثلاثين من العمر على جماله وحسن قوامه وتوقد ذهنه حتى لم يسمعه أحد يذكر النساء. وكان قد أدب خادمه على أن يفهم منه لأول إشارة وأقل رمز، فلم يكن يكلمه إلا عند الضرورة. أما بورتوس فكان مغايرا بالجملة لأتوس بكثرة كلامه وعلو صوته وحبه للملاهي والضحك، وكان يتعشق أميرة غريبة البلاد. أما خادمه موسكتون فكان مثله وهو نورماندي الأصل. وأما أراميس فكان له خادم يدعى بازين قليل الكلام والتعرض، مطيع لكل ما يؤمر به. وأما خادم دارتانيان فكان يدعى بلانشت.
وإذ قد عرفنا خدم الثلاثة نلمع قليلا إلى مسكن كل واحد منهم، فقد كان أتوس ساكنا في شارع فيرو على مقربة من ليكسمبرج في بيت صغير تخدمه فيه فتاة. وكان بورتوس نازلا في شارع برج الحمام القديم في منزل واسع إلا أنه كان قلما يأتيه بحيث لا يكاد يوجد فيه إلا خادمه موسكتون. وكان منزل أراميس في مكان حسن تحيطه حديقة مزهرة يرتاح النظر إليها. وأما دارتانيان فقد عرفنا منزله وخادمه، وكان لا يعرف من أصحابه الثلاثة إلا أسماءهم الغريبة يخفون تحتها أسماءهم العريقة في المجد والشرف، فكان يستخبر من كل منهم عن صاحبه فلا يخبره إلا عن ظاهره، فاجتمع ذات يوم بأراميس وأراد أن يعلم منه صحة ما هو شائع عن عشق بورتوس لامرأة شريفة غنية فقال له: إني أراك تردد كثيرا أسماء الأميرات وعقائل النساء، فما سبب ذلك؟ قال: إني لا أتكلم إلا نقلا عن صديقي بورتوس، وأنا قليل الرغبة في مثل ذلك. قال: إذا كنت كما تزعم فأنى لك ذلك المنديل الذي كان وصلة للتعارف بيننا؟ قال: هو منديل نسيه عندي أحد أصحابي، ولعله من صديقة له. قال: إني أعجب منك كيف أنك في مقام الحراس ولا رغبة لك في النساء. قال: ذلك لأني ناسك في ثياب حارس. قال: ألا تحدثني ببعض الشيء عن أصحابك؟ قال: أما الآن فلا سبيل إلى ذلك، فإن لي شأنا يدعوني، فأستودعك الله. ثم حياه وذهب. فلبث دارتانيان حائرا في أمر هؤلاء الثلاثة لا يهتدي منهم إلى وجه، ثم ترك الأمر للتقادير وتمثل:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وكان اثنان من الحراس يحبان المقامرة إلا أراميس فلم يكن يتعاطاها قط. وكان الأربعة عائشين عيشة راضية، يتلقون أوامرهم كل صباح فيعاونهم فيها دارتانيان وإن لم يكن منهم، فكانوا يحبونه حبا شديدا. ولم يمض عليه قليل حتى أمر الملك دي زيسار أن يستنيبه في أمره ويجعله ثانيه في المرتبة، فسر دراتانيان من ذلك لأمله بنوال رتبة بين الحراس، وقد زاد أمله وعد دي تريفيل له أنه إذا مضى عليه سنتان في الخدمة، وهو قائم بما يرضي الملك، يرقيه إلى رتبة الحراس، وكان يعاونه في أعماله ومهماته رفاقه الثلاثة.
الفصل السادس
دسيسة في قصر الملك
অজানা পৃষ্ঠা