قال دارتانيان: «أنت على حق. سأكف عن لقائها، ولكن لا تقلق؛ فإننا سنغادر باريس بعد أيام قلائل لنشترك في حصار روشيل.»
بعد انصراف دارتانيان، جلس آثوس صامتا يفكر. أقلقت أفكاره ذكريات الماضي، فأخذ يسترجع ويستدعي المشاهد التي كثيرا ما مرت به. وعبثا حاول أن يكف عن التفكير ويسلو.
رأى نفسه، مرة أخرى، الكونت دي لا فير، النبيل الفرنسي الشاب. كان الاسم الذي يحمله أصيلا ونبيلا. وكانت له السيطرة على أراضيه، وكانت كلمته قانونا.
وضمت هذه الصورة فتاة رقيقة كالنسمة جميلة كالملاك، أقبلت معها نسمات الربيع. جاءت مع أخيها الذي حاز منصبا بمكان ما، في قرية تقع في ممتلكات الكونت. كانت تبدو بريئة ولطيفة، ويبدو أخوها ورعا وتقيا، حتى إن أحدا لم يسأل من أين قدما، أو ارتاب لحظة في أنهما بخلاف ما كانا يبدوان عليه.
كثيرا ما شاهد النبيل تلك الفتاة وهو ممتط جواده خلال القرية. وكان حب ذلك الشاب لهذه الفتاة الرقيقة آن، يزيد يوما بعد يوم.
وتعاقبت مشاهد تلاقيهما، مشهدا بعد آخر، تحت أشجار الصنوبر ذات الأريج العبق، وخلال الممرات التي يعطرها شذى الأزهار، وبجانب مجرى ماء بارد يخر خريرا جميلا، وعلى الجسر الريفي الذي اعتادا الوقوف عليه، إذا ما أخذت ظلال المساء تطول، ثم في ذلك البيت الصيفي تحت ظلال النباتات المتسلقة.
ورغم كونها ليست من طبقة نبيلة، ورغم عدم موافقة أسرته ، تزوجها ذلك الكونت الشاب، وجعلها أول كونتيسة لذلك الإقليم.
اضطرب آثوس قلقا، على حين تضاءل المنظر أمامه، وظهرت في تفاصيل حيوية، تلك الحادثة المميتة في ساحة الصيد؛ رأى زوجته تسقط عن ظهر جوادها إلى الأرض، وترقد مغشيا عليها في غيبوبة تشبه غيبوبة الموت. ورأى نفسه يرتجف جزعا وهلعا، ويفتح فستانها من عل كي يمدها بمزيد من الهواء، فإذا به يرى على بشرة كتفها الناعمة، واضحة أمام عيون كل من احتشد حولها، أبصر العلامة المريعة، علامة العار والشنار، التي طبعها الجلاد العام على جلدها بمكواته؛ علامة «زهرة الزنبق».
كانت زوجته، كونتيسة دي لا فير، مجرمة مدانة، فأنزل هذا الاكتشاف بكبرياء الكونت ضربة قاصمة؛ ضربة لم يشف منها قط.
في تلك الليلة، غادر الكونت دي لا فير قصره، ولم يرجع إليه ألبتة.
অজানা পৃষ্ঠা